التوازن هو حالة تبحث عنها القوى الطبيعية عندما تتفاعل في حيز ما، وعادة ما يكون الفنان تواقا وكادحا من اجل تحقيقه في اعماله الابداعية على اختلاف فنه، فهو يمثل الميل الكلي في الطبيعة نحو الاتزان، حيث ان موازنة اي جسم معين في الفضاء دائماً هي موازنة لجميع الاجزاء والعناصر المكونة له او مكونة لأي شكل داخل المساحة المبتغاة بتوزيعها وفق منطقية بصرية.. لتكون كحقل بصري متوازن، فالتوازن يعد شرطاً ضرورياً للتكوين الجمالي الممتع.
ولاشك ان من المسلمات او الثوابت الجمالية في كل منجز ابداعي تصميمي او خطي هي ان تكون اجزاء التكوين الفني متوازنة، وذلك من خلال ارتباط هذه العناصر مع المساحة المنفذة عليها والمرتبط بالتكوين ككل متكامل، ويتم ذلك من خلال توزع الحروف والكلمات داخل المساحة التصميمية باعتباره من الاسس الرئيسة في التكوينات الخطية او الزخرفية وعلى مختلف الخامات، على العكس من بعض انواع الفنون الاخرى التي يعد التوازن فيها اساس في توزيع العناصر داخل المساحة او الفضاء المكونة كبعض انواع فن الرسم او العمارة والتي نمقت وجملت بعض اجزائها بوجود انواع من الخط ( وبالخصوص الخط الكوفي المربع ) لتكسب اجزائها توازنا مثاليا دفع بها الى اكتساب الجمال المثالي المطلوب كما في بعض التصاميم الطباعية او بعض اغلفة الكتب او جدران وواجهات ومداخل بعض المساجد الحداثوية التصميم، فالخط الكوفي المربع تتسم حروفه بكونها مستقيمة وتقاس بوحدة الشكل المربع المتساوي الاضلاع والمتوازن من حيث قياس اجزائه، وهنا لابد من التنويه الى انه ليس بالضرورة ان تكون موازنة جسم معين في فضاء ما هي دائما موازنة لجميع الأجزاء والعناصر الموجودة داخل مساحة التكوين الفني في حقل مرئي معين، فالخبرة الفنية في هذا المضمار تدفع بالفنان الى خلق اشكال متوازنة بحد ذاتها.. تتوازن من حولها جميع القوى المتعارضة مع نفسها او مع باقي اجزاء التكوين الاخرى، وهنا ينشأ من هذه القاعدة الادراكية ثلاث انواع من الاتزان تتلخص في :
1. الاتزان المحوري : وهو يتمثل بالتحكم بالجاذبية المتعارضة بين الاشكال عن طريق محور مركزي واضح بينها، والذي يكون اما رأسيًا او افقياً او الاثنين معاً، ومن قواعد الاتزان المحوري انه يكون ثابتا، وذلك بأن يكون اما ذو محور رأسي او عمودي، وهذا الاتزان يفيد في تكوين الاشكال الزخرفية هندسية او الخطية، وهنا نلاحظ وجود التماثل الشكلي بأبسط هيئاته، الا ان هذا التماثل يفتقر الى التنوع من حيث الجانب الفني، فيتقيد بصفة رئيسة ممكن ان نلاحظها في التكوينات الخطية التي نفذت وفق نظام التكرار، حيث نجد انه تحقق من خلال تكرار كلمة واحدة او اكثر داخل الشكل، وفق نظام تكراري محوري قد يشترك بحرف واحد لكلمة واحدة او ينتج من خلال تقاطعات نهايات الحروف اشكالاً زخرفية تتوسط الشكل العام للتكوين فيكون هو المركز البصري للوحة، فالتكرار مرتبط بالتوازن في تكوين تناسق شكلي وتوازن ما بين جميع اجزائه.
2. الاتزان الاشعاعي : ويمثله الخطاط بالتحكم بالجاذبيات المتعارضة بالدوران حول نقطة مركزية، وقد تكون هذه النقطة او المركز بقعة ايجابية غامقة في الشكل او تكون ذات مساحة فاتحة، ويختلف هذا الاتزان عن الاتزان المحوري بكونه ذي حركة دائرية دائمة.
3. الاتزان الوهمي: هذا الاتزان يتمثل بالتحكم بالجاذبيات المتعارضة من خلال الاحساس بالمساوات بين اجزاء الحقل المرئي الواحد، وهو لا يعتمد على اي محاور او نقط مركزية بل يعتمد على الاحساس بمركز الثقل، وهو يختلف عن سابقيه من انواع الاتزان، بعدم وجود أي محور من المحاور او المركز البؤري يؤكد من خلاله على النسبة ما بين العناصر داخل مساحة الشكل والاشكال فيه متباينة اكثر من ان تكون متناظرة، ، وهو يعد من انواع الاتزان ذات الصعوبة.. كونه يحتاج الى حرية وتحكم وسيطرة بقدر كبير، وما يميز هذا النوع من الاتزان انه لا يعتمد على قوانين ثابتة لأنه يدرك من خلال الحس البصري للجاذبيات المختلفة التي تتضمنها المساحة ، ويتمتع بالتعبير والتنوع اللانهائي، حيث يراعى فيه ضرورة الحفاظ على السلامة اللغوية وقواعد البناء الشكلي للحروف، فضلا عن المواءمة بين الاوزان البصرية التي تنتج من تكاثف الحروف وتزاحمها في فضاء اللوحة، بحيث يتم تلافي الاختلافات المحتملة بينها وعدم طغيان حالة على اخرى.
من خلال ما تقدم وفي حال وجود هذه الانواع الثلاثة من الاتزان يتمكن الفنان المصمم او الخطاط من تحقيق اعلى المراتب الجمالية للتكوين الفني المبتغى اخراجه امام المتلقي، وبالتأكيد لا يتحقق ذلك الا عن طريق خبرة الفنان في توزيع وتنظيم الكلمات داخل مساحة معينة وفق نسق فني معين، تتحقق من خلاله جمالية توزيع الاشكال والكلمات وتوازنها وتتابعها الايقاعي، وهذا الامر يشكل مخططا تنتج عنه البنية التصميمية المرئية.. ويشكل طريقاً تتوافق فيه الوحدات الفنية وتتراصف لتتجاور مع بعضها البعض و تتحول الحروف والكلمات بكل توصيفاتها اللونية والاتجاهية لتشكل تكويناً خطياً جمالياً متكاملا يسر المشاهدين.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق