اكدت اغلب الدراسات الفنية الاكاديمية ان امكانية الوصول الى تكييف الاشكال المرسومة وفقاً لقصدية الفنان تكون مرتبطة عادة باستحضار الفنان لألية واستراتيجية تشكل بأسلوب معين، ويعزى سبب ذلك الى البناء الاسلوبي للشكل الذي يتحول بدوره لاستراتيجية خاصة بالفنان لمتابعة ما يطرأ على اشكاله الابداعية كصيغة تعريف وسبل للتواصل مع اولية بناء المعنى، وذلك باثر محددات الاسلوب العامة المعتمدة من قبل الرسام .
فالأسلوب يعد سند الفنان على تطويع اشكاله وتبريرها وفقاً لما يراد به من معنى يتوافق وقصدية الفنان من وراء رسمته.. وفقا لقواعد وقوانين تكون متراكمة عادة لدى الفنان، مما يجعله متوافقا مع ذاته ومنسجما ومحيطه بما يبرز تفرده في عملية الطرح الابداعي.. فغالباً ما يرتبط الاسلوب بفنان ما او مجموعة فنانين نتيجة مقتربات فكرية وجمالية او عن طريق التماثل والقرب في الرؤية وفق محددات تفسح المجال لإبراز ذات الرسام ليشكل بالمحصلة تكاملا مع ما سبق وتوقع لما قد يحصل لاحقا، وهذا ما يلمسه المتتبع لمسار الحركة الفنية بشكل عام والتشكيلية بشكل خاص، فيكون بذلك الاسلوب هو احد وسائل ابراز المعنى بصيغة مفهومة واضحة وليتمكن المرء من تعريفه عملياً بانه اللغة الواضحة للفكرة او هيأة الفكرة وطرازها الخاص الظاهر للمتلقين، وبذلك يكون احد وجوه المعنى الحقيقي للأشكال المبنية وفقا لخواص وقواعد متمثلة في الموضوع المطروح الذي يصبح ضرورة ملحة لدى الفنان وفقاً لدوافع وحوافز كامنه في ذاته، او قوى اجتماعية او دينية عقائدية ضاغطة.
وعلى ضوء ذلك فان لأي موضوع فني ماثل امام المشاهد مجموعة من المحددات التي تجعله انتقائي لدى الفنان بمرحلة معينة، او قد تتسم اعماله بوحدة اسلوبية ما.. حيث تتسم بسمات شكلية متشابهة الى حد ما على الرغم من اختلافها الموضوعي، وتلك السمات تصبح هي ديدن الفنان وخصوصيته في التعبير عما يريد بمظاهرها الحسية الشكلية الواضحة ، وقد اشار بعض الدارسين في هذا المجال ان كثير من دراسات الاسلوب الفردي تسعى جاهدة لفهم العمل الفني او استيعاب الواقع الكلي الخلاق للفنان بشكل منفرد.. وذلك من خلال دراسة فترة زمنية ما قد مر بها الفنان مع مجايليه لنستطيع ان نتوصل الى ذلك الابداع الذي قد يكون غير واضح ومتناقض ذاتيا مع فكر العصر وبالخصوص في مجال الفن التجريدي او حتى التعبيري منه، وهذا قد يؤدي بالتالي لمعرفة المحددات التي اشرت بشكل واضح ودقيق في تكييف تشكيل العناصر الفنية المنتجة وفقا لخواص معينة تقوم على تكييف المعنى الذي هو تكييف للتصوير على الشكل.. وباثر فكري عقائدي ضاغط او اثر ذاتي معين وهذا ما نلاحظه جلياً في مدرسة الفن الحسيني العاشورائي التي التزمها كثير من فناني ومحبي ال بيت النبوة الاطهار عليهم السلام في الشرق الادنى والاقصى.
وهنا نصل الى ان للأسلوب الفني دوراً واضحاً في بناء دلالة المعنى كونه يحتمل محددات تتوافق وطبيعة العصر، وهي تتحول بدورها لقيمة فنية متوافقة مع صيغة المعنى يحتفظ بها الاسلوب ويسقطها الفنان على سطح التكوين الفني لتحدد لنا نوع المؤثرات الفكرية الخاصة في صيغة بناء العمل الفني وهذا ما يؤكد تأثر الفنان بمحيطه وخضوعه لمرجعياته الفكرية والعقائدية الممزوجة بواقعه الآني، حيث ان توجهات مفردات العمل الفني وفكرتها تتوافق مع ادراك المعنى وطريقة بناء الشكل وفقا له، وذلك بما يتلاءم مع الواقع المعاش.. ولكن بطريقة اكثر عمقا ووعيا بما يولد غرابة شكلية ما او يوحي ببعض الغرابة امام المشاهد .
من هذا المنطلق توالدت استراتيجيات جديدة للطرح الفني في مدرسة الفن الحسيني العاشورائي كما في المدارس الفنية الاخرى، وذلك وفق مبدأ الثنائيات المتضادة التي تتحرك فيها الاشكال الفنية، فضلاً عن الفكر المرجعي والدلالة على معاني الاشياء والافكار الموروثة وتطوير طرق الافصاح عن معاني الاشكال ودلالاتها الفكرية والروحية بطريقة عصرية.. يتساوق من خلالها الاسلوب والشكل ليكونا أساس لاحتضان المعنى المبتغى او لتمثيل الوجه المدرك من وجوه المعنى المطلوب إيضاحه للمتلقي ويجعله مؤثراً فيه، فالتعبير الفني هو احد وجوه المعنى ومحصله لغاية الفنان في تحقيق موضوعه ومعناه الخاص وهو خلاصة الدلالة على المعنى الكلي.. المتضمن للعمل الفني واستراتيجية الإحالة للتواصل معها من قبل المؤول وبذلك تتحقق وحدة العمل الفني وترابطه بين قصدية الفنان عبر المعنى الذي يكمن في المحسوس المحاكي للوجدان والذي يصبح بالمحصلة نظاما خاصاً لأشكاله ومحدداً لألياته وفقا لدلالته التي ينطق عنها.
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق