138 ــ فاهم العيساوي: ولد (1385 هــ 1966 م)

فاهم العيساوي (ولد 1386 هـ / 1966 م)

قال من قصيدة (سُبحانَ جودِكَ) وهي في أبي الفضل العباس (عليه السلام):

أنتَ انحَنَتْ لكَ (كربلاءُ) بطولِها     وأتتْ بقبضتِها إليــــكَ لتبذُرَكْ

فوقَ الرمالِ قصيـــــــــــدةً مُبْتَلّةً     بالماءِ من قرأ القصيدةَ حرَّرَكْ

من ذا يؤسِّرُكَ الرجالُ تـــأسَّروا     لكنَّ صوتَ ســكينةٍ مـن أسَّرَكْ (1)

وقال من قصيدة (نَهرٌ يُحتَضَر) وهي أيضاً في أبي الفضل العباس (عليه السلام):

للآنَ تـــربةُ (كربلا     ءَ) نديَّةً بـــــــكَ لا تَجِفُّ

للآنَ طَعمُ الماءِ ميـ     ـمٌ زادَهــــا في التّيهِ أَلْفُ

أرجوكَ خُذ بِيديهِما     كي يَستَطيبَ الماءَ رَشْفُ

وقال من قصيدة (صرخةٌ في وجهِ الدّروب) أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)

لَكَ دونَ غيـــرِكَ أحرفٌ وكتابُ     لك يا عراقُ بـ (كربلاءَ) جوابُ

سبعون ماءً في الطفوفِ تفجّروا     للحقِّ منهــــــــــم ثورةٌ وخطابُ

أقمارُ لومِكَ في ظــــلامِيَ طعنةٌ     يقضي عليَّ إذا سطعـــتَ عتابُ

وقال من قصيدة (مولدٌ يَبْتَكِرُ الشَّهَادَة) وهي في مولد الإمام الحسين (عليه السلام):

أَنا مِنكَ أَنتَظرُ الولادةَ صـــــــابراً     فإذا سَقَطتَ بـ (كربلاءَ)، سَأُولَدُ

مازِلتُ في الصَّحراءِ أتـلو غربَتي     أَتَـــــرَقَّبُ الأَفلاكَ كيفَ تُزغرِدُ

أُصغي إلى النَّجماتِ أَسمَعُ هَمسَها     قالَتْ هُنــــالِكَ في المَدينَةِ مَوعِدُ

وقال من قصيدة (حكاياتُ الرَّصاصِ) وهي في أبطال الحشد الشعبي:

وتُسائِلُ القبرَ المُضيءَ بـ (كربلا):     من ذا كما العَبّاسِ؟ فيهِ وَفاءُ؟

فأَتتْ حكايـــــــاتُ الرَّصاصِ نَدِيَّةً     لِتَجِفَّ فيها في الوَغى الأَعداءُ

هُمْ ثُلَّةٌ، يَدرونَ أَنَّ دمــــــــــــاءَهُم     نَذرٌ لِجــــــارَتِهِم، فَهُم كُرَماءُ

الشاعر

فاهم بن هاشم بن محمد العيساوي، شاعر وكاتب وصحفي، ولد في مدينة الديوانية (محافظة القادسية) وهو حاصلٌ على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها وكان تسلسله الأول على دفعته.

عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين.

رئيس نادي الشعر في اتحاد أدباء النجف لدورته المنتخبة الأولى 2013

عمل معلماً للغة العربية في المدارس الإبتدائية، ومدرساً لها في المدارس الثانوية، ومشرفاً أدبياً في مديرية تربية النجف الأشرف / قسم النشاط المدرسي.

لَهُ ثلاث مجاميع شعرية هي:

1 ــ رمادٌ وأصابع ــ 2009

2 ــ الأشجار لا تحسنُ الموت ــ 2011

3 ــ هذيان جمرة ــ 2032

شارك في كثيرٍ من المهرجانات المحلية والوطنية منها: مهرجان المربد، والمتنبّي، والجواهري، وأبي تمّام، ومصطفى جمال الدّين، وقد فاز في مراتب متقدمة في مسابقات وطنية منها: الجائزة الثانية / المهرجان الأدبي لوزارة التربية / الفرات الأوسط، جائزة الجود / العتبة العباسية المقدسة، مسابقة الشهيد / مؤسسة شهيد المحراب، جائزة الإبداع الأولى في الدورة الثالثة مكتب السيد الشهيد.

قراءة في شعره:

قد يكون الوعي الذاتي فكرة أساسية ومسيطرة في تصوير أي إنسان وهي تنبع من خلال ما اكتسبه من تجارب ومدى استنتاجه لها والاستفادة منها أو بما وقف عند حدود تجربة معينة أوحت له أن يسير حيالها ويتخذ منها موقفا معيناً، ولكن يبقى السؤال: هل إن لكل إنسان مادة مناسبة بالدرجة نفسها في التصوير؟

إذا أسقطنا هذه الفكرة على الشعراء وهم أكثر ملكة على إنتاج الصور وأوسع خيالاً وتجسيداً للواقع في نفس الوقت نجد أن المتنبي قد حصل في بيته هذا:

نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبِها     وقد بشمْنَ وما تفنى العناقيدُ

على استيعاب أعمق لتجربته واستطاع أن يعكس صورة كاملة للجو السائد في عصره بل لكثير من العصور فالقول بوجود حقيقة لا يعني وجود وعي موحد عنها وإن الدلالة على هذه الحقيقة وإعطائها الطابع الذي تستحقه يتوضح من خلال ما يمكن أن يقال أو يكتب عنها فمن الممكن تماما الافتراض والاعتقاد بأن الحقيقة الواحدة تتطلب أشكال وعي متعددة فربما أبدل المتنبي كلمة (نامت) بـ (ماتت) لو كان حيا في هذا العصر أو ربما أراد ذلك في بيته ولكنه آثر أن يستنهض بعض النفوس لتحل محل النواطير فالثعالب تأكل وتأكل حتى تبشم والعناقيد لا تفنى ولكن أين النواطير ؟

إن الفكرة المسيطرة في ذهن المتنبي كانت بارزة والقارئ يراها ولكن قد يأتي بمعنى مغاير تماماً يزيد الصورة وضوحاً فسقراط كان نائماً ولكن كان إلى جنبه كأس فيه ثمالة السم الذي تجرعه، وابن السكيت كان نائماً أيضاً ولكن كان إلى جنبه لسانه المقطوع، كما كان سافانا لارا نائماً وإلى جنبه الأعواد التي أحرق عليها. فمثل هذه الفكرة تصبح مادة للتصوير الفني أطلقها فنان بارع وإن هذه الصورة لم تنفصل عن صورة هذا الفنان الذي رسمها والذي (نام) في عمق الصحراء مضرجا بدمائه.

لو توغلنا في شعر فاهم العيساوي نجد هذه الحقيقة متجلّية في صوره ورموزه وإشاراته، فالشاعر يصرّ على تواجد الثنائية المتلازمة في شعره الفن والحياة ولعل كلمة (المسؤول) هنا لا تعجب الكثير من النقاد والشعراء معاً بل ويظنون إنها تحط من (جلال) الشعر رغم أن موقعها لا يختلف عن موقع (ثعالب مصر) في بيت المتنبي:

لماذا الشعبُ لم يأنسْ حديثاً     من المسؤولِ لو صدقاً أتاه؟

نقـــــــولُ لمنْ سرقتْ يداهُ     على جهــــــــرٍ وأعطانا قفاهُ

سنأخذُ كـــــــــل ثانيةٍ بعامٍ     من الويلاتِ لو في الثأرِ جاهُ

ولكن شعبنا الصـديق يأبى     عقوبة من إلى بئـــــــرٍ رماهُ

ليسجدَ آخرُ الإخــوانِ ذئبٌ     لشعبٍ كان خالقه اجتبـــــــاهُ

فالعلاقة بين الشعر والحياة لم تأخذ ما تستحقه من اهتمام النقد حيث لم يشغل النقاد بدور الوعي الاجتماعي بقدر اهتمامهم بالقيم الجمالية فكانوا يحاسبون الشعراء عليها متتبعين في ذلك مواطن إجادتهم ومحصين عليهم أخطاءهم وعيوبهم وإذا انتقلوا إلى القيم المعنوية في القصيدة كان موقفهم من المعاني انعكاساً لموقفهم الجمالي فصحّة المعنى في ذاته أو خطؤه وما تحمل القصيدة من ألفاظ كان يشغلهم عن القيمة الاجتماعية للعمل الشعري.

ولكن العيساوي لا يأبه لمن بهرتهم الصياغات اللفظية وأولعوا بتكديس الصور المشوهة دون أن يراعوا وحدة الموضوع والصورة المتكاملة فنراه يتوغّل في المشكلات اليومية مع الأخذ بالاعتبارات الفنية ليمس من قريب أو بعيد ظروف الحياة التي يعيشها المجتمع يقول:

لم تبق في جيــبِ اليتيمة فرحةً     وقضتْ على الشّبّانِ: لا تتبسَّموا

ودنَت إلى الفقراءِ تسرقُ ظلّهم     فأســـــاً تقطّعُ حلمَهم كي يسأموا

إني هنا، أبتلُّ بالـــــــدمعِ الذي     يجري فينخــــــــــرُ بيتهم ويهدِّمُ

أنها صورة من مخاض التجارب التي تولد من رحم الحياة والشاعر عندما يتأمل هذا الموقف يجد ما يهوله من كوارثها ويروعه أن يجد الناس تفترس بعضها بعضاً فهو أكثر تحسساً للظلم الفاتك فتتمثل له الدنيا كائناً مستبداً

قلمي يئنُّ من الطغاةِ تنكّروا     بلباسِ ناكرِهم فلا تتوهموا

هذه واحدة من آلاف الصور التي تقدح في ذهن الشاعر والتي يستخلصها من واقع الحياة في تجربته العملية الحية.

إن انهماك الشاعر في قضايا عصره وتفهمه لمشكلات الحياة مهما ارتبطت بظروف طارئة لا يناقض طبيعة الشعر فلا يمكن للشاعر أن يجلس في برج عاجي أو يعيش في عزلة نفسية بل عليه تحديد موقفه من الحياة تحديداً إنسانياً عميقاً وصادقاً يتماهى مع فهمه واستيعابه لها وهو ما تجسد في شعر العيساوي الذي لم يصبّ اهتمامه على المحتوى فقط دون التركيز على الهدف:

إن احمرار الغيمِ ينـــــــــذرُ ثلّة     من فاسدينَ على البليـــغِ تلعثموا

بهم الفؤادُ على تــــــرافةِ عمرهِ     يشكو يعاني، مـــن صباهُ محطَّمُ

سرقوا أغانيــــنا بزيفِ حديثهم     نشروا الرذيـــلة والفضيلة ترجَمُ

هم يركعون رياضةً للجسمِ حيـ     ـث الروحُ لم تفقه سوى ما تظلمُ

كما لم يمهل العيساوي الجوانب الفنية والجمالية في شعره فجاءت قصائده ذات وحدة عضوية متكاملة فمن خلال رؤيته العقائدية استطاع رسم عالم زاخر بالسمو الروحي استمده من السيرة العظيمة لأهل البيت (عليهم السلام) وما استلهمه من الدروس والمبادئ السامية التي حفلت بها حياتهم (ع) ومواقفهم العظيمة في الذود عن الإسلام فعمل على توظيف هذه المواقف فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً وسياسياً في تأكيده على حقيقة الصراع بين قيم الخير التي جسدوها (عليهم السلام) وبين قيم الشر التي تجسدت في أعدائهم يقول من قصيدة في سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله):

ليُـــــــــــعلِنَ أنَّ اللهَ جاءَ بِوَجهِهِ     إلى وجهِ مظلومينَ قاموا إلى الهُدى

خيولاً منَ الرّاياتِ رَفرَفنَ حولَهُ     فــــريقاً مـن العُشّاقِ يَرجونَ مَوعِدا

تَواضَعَ حَتّى قالَ: صَبراً رداؤُهُ     ليَمحـــــــو منَ القاموسِ عَبداً وَسَيِّدا

كما استطاع أن يرسم كثيراً من المواقف النبيلة والخالدة بصور فنية رائعة ومن هذه المواقف التي زخرت بها حياتهم الموقف الذي أثر في النفوس الطاهرة وأنقذ إنساناً من مهاوي الضلال إلى رياض الفضيلة وهو موقف الإمام الحسين (عليه السلام) مع الحر الرياحي ذلك الإنسان النبيل الذي صحّح موقف الإمام الحسين مسارِه عندما سقاه مع جيشه المكون من ألف فارس الماء وهم في عمق الصحراء، في تلك اللحظات التي لا تفصلُ الإنسانَ عن موتهِ سوى بضعِ ساعاتٍ ولا ينقذه من الموتِ المحتّمِ سوى رشفاتٍ من الماء، يكون فيها أيُّ إنسان في أشدِّ حالاتِ الحرصِ على الماءِ، ولا يعبأ فيها سوى بنفسهِ، فالماءُ هو (الحياة) والـ (حياة) هي الماء.

عطفَ الحسينُ على الجيوشِ بشربةٍ     للحرِّ منـــــــها صحوةٌ وإيابُ

سبعـــــون ماءً في الطفوفِ تفجّروا     للحــــــقِّ منهم ثورةٌ وخطابُ

أقمارُ لومِــــــــكَ في ظلامِيَ طعنةٌ     يقضي عليَّ إذا سطعتَ عتابُ

فاستطاع الإمام الحسين إرواءِ الضميرِ العَطِش الذي قاد صاحبه للعروجِ إلى الشهادة

قالوا فيه

حاز العيساوي على كثير من الجوائز الابداعية وكلمات الثناء، وكتبت عنه العديد من القراءات النقدية التي تحدثت عن خصائص شعره، ومن هذه القراءات اخترنا قراءة كانت مقدمة لمجموعته الشعرية الثانية (الأشجار لا تُحسنُ الموت) والتي كتبها الأستاذ الدكتور باسم الحسناوي يقول فيها:

(من منا لا يتذكر الشعر المهجريَّ الرائع مع إيليا أبي ماضي، أو مع ميخائيل نعيمة، أو مع جبران خليل جبران، وهو يقرأ هذا الأسلوب الشعريّ الأخاذ في عرض جوهر العملية الشعرية النابعة من جهنم الإبداع:

كالنَّخلِ يَحتَمِلُ الحِجـــــــارَةَ قَلبُهُ     حَتّى يُجــيبَ السّائِلينَ بِتَمرِهِ

يَتَأَرجَحُ القَلبُ الوَضـــيءُ لِلَوحَةٍ     أَرَأَيتَ رَسّاماً يَصولُ بِشِعرِهِ

كالحُزنِ أَنزَلَ للحضورِ دموعَهُم     أَحسَنتَ قالــوا، ثُمَّ عادَ لِسِرِّهِ

هذا هو السرُّ في التعاطف الإنسانيّ العامّ مع همِّ الشاعر، فلو تخلّى عنه لحظةً فلا يعتقدْ أنَّ البشرية ستتوقَّف عن خذلانه ساعة إصدار الحكم، وحتى لو كان شعره في ذروة البلاغة والجمال، فإنه سرعان ما يبدو فاتراً وفاقداً لقوَّة التأثير، ما لم يكن هذا الشعر صادراً عن نفسٍ تتَّصف بما تحدَّث عنه الشاعر آنفاً، ولا ينبغي أن تكون مثل هذه النتيجة في نظري محلَّ إشكال.

إنَّ روح المتنبي تسكن بين جنبي أيِّ شاعرٍ حقيقيّ، فأنا أعتقد أنَّ روافد الشعر العربيّ ظلَّت تبحث عن مصبٍّ يستوعبها جميعاً في مجرىً واحدٍ، ثمَّ يرقى بها إلى مستوى البحر أو المحيط، فكان المتنبي هو هذا المصبّ المرتقب، لكنَّ التأريخ وقف عند خطوة هذا الشاعر وقفةً طويلةً، متأمِّلاً ومعجباً، ولم يستطع حتى اليوم أن يتفوَّق عليه في نظر التأريخ العربيّ أحد، ولست مبالغاً في هذا المقام، فأنا أعلم أنَّ هناك إبداعاً هائلاً وُجِد فيما بعد على يد الجواهريّ، أو السياب، أو أدونيس، أو محمود درويش... إلخ، لكنَّ المسألة الهامَّة التي أتخذها مستنداً لإصدار حكمي هي هذه: إنَّ أيَّ شاعرٍ كبيرٍ أتى فيما بعد لم يمكن له أن ينبت أنفته وعظمته وإباءه واحتجاجه على كلِّ مناحي النقص في سيرورة التأريخ – وهذه هي الصفات الأساسية لأيِّ شعرٍ عظيمٍ - إلا في الأثر الباقي من علوِّ قامة المتنبي، وهو شعره على وجه التحديد.

ما أقوله ها هنا له علاقةٌ بالروح العامَّة التي تكتنف قصائد الشاعر فاهم العيساويّ، فأنا أحسُّ شظايا الروح الكبيرة للمتنبي موجودةٌ في مقاطع كثيرةٍ داخل الديوان، أقول هذا وأنا متنبهٌ إلى ما يوجد من كوابح في مخيَّلة الشاعر أحياناً تحول دون بلوغ تلك الروح الشعرية المتوثبة إلى مدياتٍ أبعد، لكن مع ذلك، يمكن أن أقول: إنه استطاع أن يضع قدمه على المسار الصحيح باتجاه الشعرية المتميزة، وهذا وحده يكفي لأن يكون الشاعر فاهم العيساويّ الآن حريّاً بالإنتماء إلى إشكالية المتنبي، ومنها بالطبع ينبثق كلُّ شعرٍ عظيم.

يقول الشاعر:

البارقاتُ وَما أدراكَ مــــا احتَمَلَت     قَصيدتي الضَّوءُ وَضّاحٌ بها هَدَفي

لم أُنجبِ الشِّعرَ مَــــزهُوّاً بلا أرَقٍ     كفرتُ بالعزِّ محمولاً على السُّرَفِ

هذا التمرُّدُ مُــــــذ نُطقي أَجيشُ بِهِ     لـــــولا التمرُّدُ ما آوَوا إلى الكَهَفِ

سأشربُ الكوخَ ما هاجت بِهِ مُتَعي     وأسكـــبُ القصرَ مُلتاعاً بلا أَسَفِ

إنَّ التوتُّر الذي تحدثه عبارة الشاعر: (لولا التمرُّد ما آووا إلى الكهف)، لكبيرٌ جداً، إلى درجة أنَّ هذه العبارة بالذات هي البؤرة المركزية التي تدور عليها أغلب قصائد الديوان، وربَّ معترضٍ يقول: إنَّ أغلب القصائد في هذه المجموعة الشعرية إنما هي معنيةٌ بالعوالم الخاصَّة بنهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، فهي إذن قصائد دينية، فهل يستحقُّ الشعر الدينيّ أن يكون معبِّراً عن عوالم التمرُّد الشعريّ في ذهنية الشاعر؟

وفي مقام الجواب أحبُّ أن أنبِّه إلى أنَّ هناك خطأً فاحشاً نرتكبه جميعاً بحقِّ الشعر عندما نحاول أن نرسي معايير شعريةً من هذا القبيل، فنقوم بإقصاء كلِّ الموضوعات الدينية على أساسها من شعرنا المعاصر، ففي الأديان عموماً أفقٌ شعريٌّ رحيب، هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ المهمَّ هو صياغة التجربة والتعبير عنها شعرياً بغضِّ النظر عن اتجاهها أو موضوعها، فهذا ما لا يحتفي به النقد الحديث في الغالبية العظمى من أدبياته ومدوَّناته، فما باله يغفل عما أخذه على نفسه من الإلتزام بهذه القاعدة عندما يتعلَّق الأمر بالشعر الذي يدور حول استلهام النهضة الحسينية، مع ما تتضمَّنه هذه النهضة من المعاني السامية التي تحرِّض الإنسان على أن لا يتنازل عن قيمة الحرية، بوصفها قيمةً تشكِّل جوهر إنسانية الإنسان، وبناءً على هذا، تجمع البشرية على منحها أعلى مستوىً من الإهتمام والتقدير.

لو شاء شاعرٌ ما – افتراضاً - أن يمجِّد الثورة الفرنسية في شعره، وأن يتخذ منها محوراً تدور حوله عوالم القصيدة، فهل سنواجهه بمثل ما نواجهه به لو أنه اتخذ من شخصية الإمام الحسين محوراً تدور حوله عوالم شعره؟ بالطبع لا، إذن فنحن نكيل بمكيالين، ولا نعترف بالنظر الموضوعيّ العلميّ إلا عندما يناغم هواجسنا ومكبوتاتنا، وما إلى ذلك من النوازع المعلنة والخفية بطبيعة الحال).

ثم يستشهد الحسناوي بنماذج من شعر العيساوي فيقول: (فلن تجد شاعراً من أولئك بمستطيعٍ أن يترجم نوازعه الحسينية بمثل هذا المقطع الشعريِّ الذي يخاطب فيه الشاعر فاهم العيساويّ الإنسانية بالمطلق، من دون أن يحاول فرض العقيدة المؤدلجة على مخاطَبيه من بني البشر، بل يكتفي منهم بأن يستلهموا العبرة من الحوادث التي أدَّت إلى حصول المصير الذي تتحدَّث عنه الأبيات:

أيا أيها الإنسانُ حَسبُــــــــــــــكَ كِلمَةٌ     أَجيءُ إليـــــــكَ الآنَ فيها لأَحتَمي

أقَدِّمُ كُلّي عِندَ بعضِـــــــــــــــــكَ آملاً     ورودَ جَــوابِ الماءِ عن كُلِّ مَغنَمِ

فَقَد جَفَّ ريقي والمِيــــــــــــــاهُ بَعيدَةٌ     إليكَ سَـــــأَشكو والمرارَةُ في فَمي

سَأَحكي عَنِ الحَربـــاءِ يُغنيكَ وَصفُها      وَمَهما أَضَعْ حَدّاً إلى الوَصفِ يُثلَمِ

وَأَحكي عَنِ الإخـــوانِ خانوكَ سَيِّدي     وَمَهمــا أَصِفْ وَصفاً فَغيرُ مُترجِمِ

قِطامٌ بِتِمســــــــــــاحِ الدموعِ تَغَنَّجَتْ     فَـــــرَقّوا لَها نــاسينَ عرسَ مُحَرَّمِ

وَلَبّوا طقوسَ اللحنِ في عودِ بَعضِهِم      وَغَنّوا نَشيدَ الغَــدرِ في سَيفِ مُلجِمِ

بقي أن أشير إلى تخلي الشاعر مؤخراً عن الكثير من المظاهر السلبية التي تلازم القصيدة العمودية في الغالب، من ذلك مثلاً: الصناعة المتكلفة للصور الشعرية، حتى كأنك تنظر إلى الشاعر وهو مستلقٍ على السرير يفكر طويلاً طويلاً في كلِّ كلمةٍ يريد أن يحشرها في البيت المرتقبة ولادته ولادةً قيصريةً قطعاً، وهو يتخيل أنَّ هذا الأسلوب في الكتابة من شأنه أن يجعل شعره استثنائياً وعظيماً، متجاهلاً حقيقة أنَّ الشعر الإستثنائيَّ العظيم لا يشعُّ إلا ومضاً من خيال الشاعر، وهذا في رأيي واحدٌ من العيوب القاتلة في تأريخ القصيدة العمودية قديماً وحديثاً، ولم يستطع النجاة منه إلا الأوحديون من الشعراء الكبار.

أما الشاعر فاهم العيساويّ، فقد نجح ولله الحمد في تجاوز هذا العيب القاتل مؤخراً كما قلت، وكانت البادرة الهامَّة في هذا المجال قصيدته التي تحمل عنوان (يرجون ذبحك أو لعلَّك) في أوَّل الديوان، فلقد أثبت الشاعر قدرةً فائقةً من خلالها على الكتابة بشكلٍ عفويٍّ منساب، لا تكاد تحسُّ أنه يتعثر في بيتٍ منها، لولا أنَّ بعض قوافيها أقحمت إقحاماً، إلا أنَّ تلك المواضع قليلةٌ على أيَّة حالٍ، لكن تبقى أهمية الإنثيال اللغويّ المنساب في لغة البيت الشعريّ الواحد من جهةٍ، وفي عموم العلاقة الرابطة بين عوالم الأبيات المتعاقبة من جهةٍ ثانيةٍ ماثلةً إلى نهاية القصيدة، فإذا نجح الشاعر أن يركز هذا الأسلوب في كتابته، وأن يجعل منه صفةً ملازمةً له في كلِّ ما يكتب، فإنه سيحقق طفرةً كبيرةً في مجال تطوير الكتابة الشعرية العمودية على هذا الأساس.

قبل أن أختم مقالتي هذه، أرغب أن أحرِّض الشاعر على أن يستمرَّ طويلاً في كتابة الشعر العموديّ بالذات، بعد أن نجح أن يرتقي بالقصيدة العمودية إلى مستوى أن يقول:

أَيَخونُ نَحرُكَ سَيفَهُ الموعــودَ مِن     جَدٍّ نَبِيٍّ هائِمٍ بالــــــــــــــــعِشقِ قَبلَكْ

لاشَكَّ أَنَّكَ صارِمٌ أَعــــــــطاكَ جَدُّ     كَ سرَّهُ البــــــــاقي بَقاءَكَ حينَ سَلَّكْ

بِعَطاءِ خَيمَتِكَ الجَــــوابُ يَخونُني      مــــــــاذا أُوَزِّعُ بَعدَما وَزَّعتَ طِفلَكْ

الحُزنُ أَكبَرُ، عِــــــــندَما وَلَدٌ بِعُمـ     ـرِ السَّهمِ يُدرِك أَنَّ سَهماً رامَ وَصلَكْ

تَدري بِــــأَنَّكَ في الصَّباحِ مُفارقٌ      وَجهَ العيالِ فَريضَةً فَسَجَــــــدتَ لَيلَكْ

وَجَــــــمَعتَ شَملَ الـعاشِقينَ بِسَلَّةٍ      مِن سُندِسٍ واستَبرَقٍ وَنَثَرتَ شَــــملَكْ

أَرجوكَ أَن تَهَبَ المقابرَ عَينَ لُطـ     ـفِكَ يا حُسَينُ، فَإِنَّها سَتُريكَ حَــــــقلَكْ

شعره

قال العيساوي من قصيدة (هذا علي)

ما حِيكَ في الظلماتِ يفضحُهُ الفمُ     مثلَ احمرارِ الوجهِ لو طفحَ الدَّمُ

السُّحتُ والقلمُ الرخيصُ وَعصبةٌ     حــــــــولَ الجبانِ بسوطِهم يتكلّمُ

لــــم تبقَ في جـيبِ اليتيمة فرحةً     وقضتْ على الشّبّانِ: لا تتبسَّموا

ودنَت إلى الـــفقراءِ تسرقُ ظلّهم     فأساً تقـــــطّعُ حلمَهم كي يسأموا

إني هنا، أبتلُّ بــــــــــالدمعِ الذي     يجري فينــــــــــخرُ بيتهم ويهدِّمُ

قلمي يئنُّ من الطغاةِ تـــــــنكّروا     بلباسِ ناكرِهم فـــــــــلا تتوهّموا

إقرأْ تجدْ رَجُلا يذوبُ لــــــوأدِهم     أصلَ الجمـــــــالِ إلى متى نتألَّمُ

رَجُلا يقول لصحبه: هذا عــــليٌّ      صاحبي، متعـــــــــــــــلِّمٌ ومعلِّمُ

لا تتركوهُ وراءَكـــــــم لا تدّعوا     وصلاً به إن الخداعَ مــــــــحرَّمُ

إن احمرار الغيمِ ينـــــــــذرُ ثلّةً     من فاسدينَ على البليغ تلعثــــموا

بهم الفؤادُ على ترافةِ عــــــمرهِ     يشكو يعاني، من صباهُ محــــطَّمُ

سرقوا أغانينا بزيـــــفِ حديثهم     نشـــروا الرذيلة والفضيلة ترجَمُ

هم يركعون رياضةً للـجسم حيـ     ـث الروحُ لم تفقه سوى ما تظلمُ

وقال من قصيدة (علي.. منبر الذات):

توهّـمَ أنه اكتمـــــــــــــلتْ رؤاهُ     وأنَّ هــــــــواهُ في الدنيا إلهُ

وكـلُّ الأرضِ لم تعــدلْ كما هو     لذاكَ الشعبُ للعدلِ اصطفاهُ

ليحـصدَ كل ما اكتســبـــتْ يداهُ     بساط الريـــحِ، أموالٌ، وجاهُ

وليـسَ الدين ينقصــهُ عـــــــليٌّ     إذا ما الديــــــنُ سفيانٌ رواهُ

له عـرشُ الزعامــةِ في بــــلادٍ     تنازلَ أهلُها عـنـــــها فتاهوا

وتاهَ الـماءُ عن عــشبٍ بــريءٍ     وهل إلاهُ في ليـلٍ هــــــــداهُ

وحـينَ مساؤه الــنشـــوانُ غنّى     مشى مـاءُ الفضيـلةِ في دماهُ

ليمـــــــسحَ خــدَّ أرملةٍ رطـيبٍ     بـــــــدمعٍ خانها فيما ارتجاهُ

وإن أحدٌ تـــــــــــفوَّه لو صـبياً     فعزرائيــــــل لم يعذرْ صباهُ

وهلْ في الــقتلِ إلّا تـضحـياتٌ     من المقتولِ كــي تُعلا الجباهُ

لتغرقَ كــل فاقدةٍ بصـــــــمتٍ     كما بغداد غادرهـــــــا الرفاهُ

قضى بخــتَ العراقِ بأن أراهُ     مسافرةٌ إلى البلوى خُــــــطاهُ

ويـــــــحــسبُ أنّه شجرٌ تدلّى     هـــــــوَ الظلُّ المقدَّرُ لا سواهُ

هوَ التنـــــــورُ لم يتركْ فقيراً     على جــــــــوعينِ إلا وابتلاهُ

ليملأ لــوحـــة المسكينِ خبزاً     فلونُ الخبزِ مـــــأمولٌ رضاهُ

رضــى الفقـــراءِ يأخذهُ بعيداً     إلى أن ... ثم يــــــأتيـهِ انتباهُ

لمــاذا الشعــبُ محمومٌ علينا     على بغضٍ تحرِّكه الـــــشفاهُ؟

لــماذا الشعبُ لم يأنسْ حديثاً     من المسؤولِ لو صدقاً أتـــاه؟

نقولُ لمنْ ســــــــــرقتْ يداهُ     على جهرٍ وأعطــــــــــانا قفاهُ

سنأخذُ كل ثــــــــــــانيةٍ بعامٍ      من الويلاتِ لو في الــثأرِ جاهُ

ولكن شعبنا الصــــديق يأبى     عقـوبة من إلى بئرٍ رمــــــــاهُ

ليسجدَ آخرُ الإخـــــوانِ ذئبٌ     لشعبٍ كـان خالقه اجــــــــتباهُ

يروِّي الأرضَ دجـــلته لتلقى     فــــــراتَ الحبِّ مبدعه انتقاهُ

وكانَ العرشُ يطفو فوقَ ماءٍ     لذا غــــــمرتْ أراضينا المياهُ

لذا حفظ العراقيين حـــــــشدٌ     كما الكــــــــرارُ منصورٌ لواهُ

لذا حملتْ عـــــراقَ اللهِ كفٌّ     من العباسِ لــــــــم يتركْ أخاهُ

وقال من قصيدة (دموع الظمأ) وهي في أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)

أبكيتَ من أكلـــوا الطريق رجـوعا     ومضيتَ وحدَكَ لا تريدُ خضوعا

وفتحتَ نافـــــــــذةَ السيوفِ مرحِّباً     وجلستَ مــا بينَ السيوفِ صريعا

ونثرتَ نــــبضَـكَ في البيادرِ لؤلؤاً     فجنيته من عــــــــــاشقيكَ دمـوعا

وقلــــعتَ سدَّ الـخوفِ مبتسِمَ الظما     فتدافعَ الثوّارُ منكَ جُــــــــــــموعا

رُضَّتْ ضلوعَكَ كي تقوم ضلوعُنا     فتُحيلَ قلبَ الذابـــــــــــــلينَ ربيعا

أوقفتَ كلّكَ والعيــــــــــالَ جميعَهمُ     ماءً لصوتِ الظامئينَ سمـــــــــيعا

أسفاً وقد طلبتْ عيالكَ شـــــــــربةً     أن عادَ كفُّ البـــــــــــاذلينَ قطيعا

سافرتُ في كلِّ المعاصي فكـــــرةً     وأعودُ تحملني الذنوبُ ســــــريعا

لا تنطفي حِممُ الذنوبِ بداخــــــلي     إلّا إذا انهمرَ الحسيــــــــــنُ شفيعا

وقال من قصيدة (صوت الضياء) وهي في النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

تَخَلَّيتُ عن برقِ السَّحـــــابَةِ مُذ بَـــــــدا     ضـياءُ نَبِيٍّ فــــــــــــوقَ جبهَةِ أَحمَدا

ورحتُ أَبثُّ الآهَ طـــــــيراً مُـــــــحَرَّراً     مـنَ الحاكمينَ الـــــرّوحَ حُزناً مؤبَّدا

ففي راحتيهِ الـــــــشَّمسُ نـــــــورٌ مـبدِّدٌ     ظـلاماتِ قــومٍ عــــاشَ فيهم ليَرشُدا

هُوَ المُـــــــــــبتَلى بالــــــــوائدينَ مَدينَةً     مـن الــــــوردِ ألـوانـــاً تموتُ لِتَخلُدا

بِـــــذاكِرَةِ الأشـجـــــــارِ، في كلِّ نَسمَةٍ     تَـــــــمُرُّ بأبوابِ الحــــقولِ مَعَ النَّدى

إلى الرَّملِ تَـــــــشـكو بانتحابٍ وَحَسرَةٍ     عـلى الرَّبِّ، رَبِّ الـــبيتِ يَحيا مُنَكَّدا

فلا بُدَّ من ذكـرى تَفزُّ بيــــــــــــــــومِهِ     تَـعيشُ بِفَخرٍ أو تـــنــــــــــــامُ مُجَدَّدا

قطارٌ منَ الويــــــلاتِ مَرَّ جــــــــزيرَةً     فـراحَت مـــنَ الويلاتِ تَدعو مُـحَمَّدا

ليُنقذَ أرضاً لا تَـــــــــــــــــــدورُ بأهلِها     ويـمحو مــنَ التأريخِ ما كانَ أســوَدا

بلالُ يصيحُ: اللهُ فـــــــــي ســـوطِ ظالمٍ     يُــكَبِّرُ خَـــــــمساً في الجبالِ لِتَسجُدا

ليُعلِنَ أنَّ اللهَ جــــــــــــــــــــــاءَ بِوَجهِهِ     إلى وجهِ مظلومينَ قاموا إلى الهُدى

خيولاً مـــــــنَ الرّاياتِ رَفــرَفـنَ حولَهُ     فريقاً مــــــن العُشّاقِ يَرجونَ مَوعِدا

تَــــــــواضَعَ حَتّى قالَ: صَـــبراً رداؤُهُ     ليَـــــــمحو منَ القاموسِ عَبداً وَسَيِّدا

إلى المُصطَفى جاءَت حروفُ قَصيدَتي     تُحـــــــــــــاولُ، لكن، لا تُجيدُ تَوَقُّدا

فَأنتَ الـ مـــــــلأتَ الأرضَ حُبّاً بأَهلِها     وَأَنتَ ال ملأتَ القلبَ بالوَردِ والنَّدى

وقال من قصيدة (فجاءهم ما لا يرى) وهي في الذكرى الأليمة لتفجير قبر الإمامين العسكريين (عليهما السلام):

ملأ الفراتيونَ صفحـــــــاتِ الثـرى     دمعاً يقيمُ مــــــــــآتماً بين القُرى

وترفُّ أفئدةُ الدعـــــــــــــــاءِ لربِّها     كفَّاً جـــــــنوبيَّ المواجعِ أخضرا

وتلومُ دجــــــــلةُ عند ذاكَ ضــفافَها     ويقومُ راهبُهم ليسألَ ما جــــرى

فــــــتصعِّدُ الأرضُ الرمالَ سـحابةً     قبرانِ ضجَّا بالدعـــــــــاءِ فَفُجِّرا

قالوا: عيونُ الأفقِ هَدّتْ كُــــــحلَها     لمَّا رأتْ بــــــــــابَ النُّبُوَّةِ أحمرا

يا أيَّها الهادي ولمْ يرضَــــوا به الـ     ـنجمَ المضيءَ فجاءهمْ ما لا يُرى

ما كانَ يُرضى القبرُ خطــوَ مغامرٍ     لـــــولا ابتسامكَ للضيوفِ لأدبرا

والعسكريُّ الجودُ يـــــــــــفتحُ بابَه     ويقولُ: قولوا: لا أحيدُ عن القِرى

ولذا استمالَ المــــــاءُ يُكرمَ ضيفَه     من جاءَ ظمآناً إليهِ ومُــــــــــنكِرا

وكأنَّه الغـــــــــافي بظلِّ حـديقةِ الـ     ـزيتونِ حينَ العفوُ غـادَرهُ الوَرى

منْ جاءَ مصطحباً عمَاهُ للـوحةِ الـ     ـصمتِ الإلهي القديرِ، مُـثرثـــــرا

مــــــتأبِّطاً فتوى, وتحمِلُه الـخُطى     حجراً، بليداً، خائفاً، مُتَــــــــــعَثّرا

يا ويـحَ من جاءَ العراقَ أمـا درى     أنَّ العراقَ مآذنٌ نــــــــحوَ الذّرى؟

إنَّ العراقَ فــــــــــوارسُ اللهِ التي     نــهضتْ لتتبعَ في الشجاعةِ حيدرا

أنَّ العراقَ بكلِّ مصـــــــــطبرٍ به     عشـــقَ الحسينَ فلا يهابُ مُعسْكرا

وتجيءُ من شرقِ الحياءِ فـراشتي     لتجيــبَ صوتَ الهاديينِ الأخضرا

وتسائِلَ القبرَ الظميءَ بدمـــعةِ الـ     ـعشاقِ مَــــــــنْ مَرَّتْ بظنِّكَ سُكّرا

والفقرُ تقتلُه القلوبُ الحـــــــــــانيا     تُ لبعضِها ومــــن الوفا أن تُذكَرا

قلبٌ تدورُ به الدمـــــــــــاءُ سخيَّةً     تهوى التصدُّقَ والــعطاءَ أما ترى

مَن أوَّلَ الدمعاتِ وهيَ قـصيدةُ الـ     أيتامِ حينَ الفقرُ كانَ مُــــــــــشمِرا

ويبيتُ في قلبِ الظلامِ حــكايةَ الـ     ـفانوسِ مُلتَهِبَا ووجــــــــــــهاً نَيِّرا

من في الركوعِ تصدَّقتْ حـسراتُه     كرماً، بما احتلَّ الأصابعَ مَـــفْخَرا

من مرَّ بالوجهِ الخـــــريفِ خيالُه     ورداً ليمنحَه الربيعَ, فما اشــــترى

ماءَ الكرامةِ مُـــــصحِراً مُتبختِراً     ورأى التحـــــــــرُّرَ حيرةً، فتعذَّرا

ورأى الإمامُ الأرضَ تـطلبُ قُبلةً     من سيفهِ، كيما تــــــــــعيشَ فكبَّرا

هو ذاكَ والدُهُمْ، فكيفَ حــياتُهم؟     لا لمْ أُجِبْ فجميلُها أنْ أســـــــــترا

خوفاً من المحــــــرابِ ودَّعَ ربَّه     كوخاً فقيراً، كي يـــــــعيشَ مُيَسَّرا

خوفاً من الحسَّادِ ما بــــقيتْ بهمْ     روحٌ لتسمعَ من أجابَ مُـــــــــبَكّرا

وأتى سنابلَ أرضهِ مُتلــــــــــهِّفاً     واستلَّ منها الحـــــــــــانياتِ وبذَّرا

وأقامَ فـــــوقَ الأرضِ كعبةَ حُبِّهِ     ليكـــــــــــونَ حَجُّ العاشقينَ مُدوَّرا

الأرضُ تعلمُ كلَّمَا حسُنَ الحديثُ      عن النخيـــــــــــلِ وظلهِ لا يُفترَى

وقال من قصيدة (تَرقى إليكَ)! وهي في سيد الوصيين وليد الكعبة المشرفة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):

الرِّيحُ تَلعَبُ بِالسِّتـــــــــارِ     غَـزلاً تَلَفَّـــــــــــعَ بالوَقارِ

والشَّمسُ مَـــــــــدَّتْ كَفَّها     لِلبيـتِ من خلفِ الــــخِمارِ

لِتُضـــــــيءَ بيتَ اللهِ رُغـ     ـمَ الـويلِ والسُّحُـبِ الغِزارِ

فاحمَرَّ وَجـــــهُ البَيتِ مُبـ     ـتَهِجاً كَطَبــــــــــعِ الـجُلَّنارِ

أَوحى الإلـــــــهُ لكَعبةِ الـ     ـعُشّاقِ قــــولي ذا قَـراري

قُـــــــــــولي لوالدةِ المُتَيَّـ     ـمِ بالمُـــروءَةِ لا الـحَواري

أَنَا طوعُ أَمرِكِ فاغرِسي     غُصنَ الـــنُّبُوَّةِ فـي جداري

هيّا تعــــــــــــــالي فاطِمٌ     شَمَّرتُ عن وَجـهي سِتاري

أَنا بانتِظاركِ طـــــــــفلةً     حــــضَّرتُ حِـنّاءَ افتِخاري

أَنا بانتظــــــارِ القلبِ ينـ     ـبضُ بـالـمَحَبَّةِ وسطَ داري

أَللهُ أرسَلَكَ اعـــــــــــتذا     رَ الــــــــــــــنَّهرِ ماءً للقِفارِ

لـيراكَ أَحمدُ في الجَـزيـ     ـرَةِ واحـةً حَـيثُ الصَّحاري

ويـــراكَ منْ يّدنوكَ سَهـ     ـواً ضــــربَةً من ذي الفَقارِ

تُفـضـي كأَنَّكَ تَفضَحُ الـ     ـمخبوءَ فــــي شَفَةِ العَذاري

تَـــــــــرقى فَتَعتَذِرُ النَّوا     رسُ عن بَياضِكَ في المَدارِ

مــــاذا يُجيدُ الطيرُ، كلُّ      كَلامِهِ بعــــــــــــضُ اعتذار

تَـــرقى إليكَ! وهـل لغيـ     رِكَ نَجمَةٌ من غيــــــــرِ نار

ترقـى فيَجري السـيلُ نِدّ     اً خاسِراً نَحوَ انـــــــــــحِدارِ

أًنَذا أُرَمِّــــــمُ فيـكَ عَطـ     ـفـــي دَمعَةً من طفلِ جاري

أَنَذا أُحاوِلُ فــــــــيكَ مو     تي صــــرخـةً في الإنفجارِ

إِنّي قرأْتُكَ ثـــــــورةَ الـ     ـمظلومِ فــي نَـبضِ الغِفاري

وتجاهَلَ الأَعمــــى بُزو     غَكَ من جَــــبـينِـكَ باسمِرارِ

 

 

 

فَمَشَـــــــتْ غِوايَتُهُ تُؤمِّـ     ـلُ زَورَقــــــــــــاً بِفَمِ البِحارِ

إقرأْ حديثَــــــــكَ لا فتى     إلّا علـــــــــــــــــــيٌّ باقتدارِ

وتَذَكَّرِ الحِلمَ ارتــــــدى     عشرينَ جِلبـــــــابَ اصطِبارِ

مـا زِلـتُ أَعرفُ أَنَّكَ الـ     ـموجـــــوعُ من يُتمِ الصِّغار

إنّـــــــي أَنا الغيبُ انتقَيـ     ـتُكَ نَكهَةً مــــلءَ احتِضاري

أَنَا مُذ طــــــلبتُكَ ظامِـئاً     والماءُ أَبعَدَ عَـــــــن مَداري

أَنَا مُذ طلبتُـــــــكَ ضَّـفَّةً     والموجُ يَحلُمُ بانغـــــــماري

أَنا مُذ وَقفتُكَ ثـــــــــابِتاً     والفأسُ تَسعى بانكِســـــاري

لَمّا نَطَـــــــــقتُكَ خُـطبةً      كَتَموا حديثَكَ عندَ جـــــاري

لكنْ عرَفتُكَ صــــــابِراً     فَأَنَا المُتَيَّمُ باصطِبـــــــــاري

أَنَا لا أُخَيِّرُ فِكــــــــرَتي     بينَ السَّنابِلِ والصَّحـــــاري

لا أَستظلُّ بحــــــــــائطٍ     لا شَكَّ يضــحَكُ من فَراري

أَنا واضطرابُ حَديثِهِم     كالــــــــرِّيحِ تضربُ بالجِدارِ

أَنَا أَكتبُ الإصـرارَ في     جَسَدِ الـــــــــــمَنيَّةِ لا أُداري

وَمبلَّلٌ رُغمَ الحِـــصار      حينَ ارتَوَيتُكَ فــي استِعاري

حينَ اتَّخَذتُـــــــكَ والِداً     وَرفيقَ معركَـةِ الــــــــــنَّهارِ

إنّي يَتيمُكَ يا رَفـــــــيـ     ـقَ اليُتمِ فارفِـق بانتِظــــاري

أَنتَ المُـــــــعَلَّقُ بسمةً     للآنَ في ذِكـرى السِّــــــــتارِ

فأزِح لتَبتَكــــــرَ الأَرا     مِلُ جَـــــــــــنَّةً من غيرِ نارِ

وادخُل لتَرتَـــديَ اليَتا     مى ثــــــــوبَ عيدِ الإنتِصارِ

وقال من قصيدة (اللهُ أبصرَ سرَّهُ) وهي إلى سيد الكائنات محمد (صلى الله عليه وآله):

 

طُرُقاتُ مكَّةَ قبلَ خَطوِكَ مُظلِــــــمَهْ     وَيَدُ الرَّمادِ علــى الرِّقــــــــابِ مُحَكَّمَهْ

بَزَغَتْ ولادَتُكَ انتفاضَـــــــــــةَ ثائِرٍ     بيضــــاءَ تَقتَــحِمُ النفوسَ المُعتِـــــــمَهْ

نَطَقَتْ حروفَ اللهِ غَــــــيثَ سَحابَةٍ     من قَبلُ كـــانَــت بالهطولِ مُتَـــــــمتِمَهْ

أللهُ أبصــــــــــــــــــرَ سِرَّهُ متشظياً     بَعَثَ الرَّســـــــــولَ محمَّــــــداً لِيُلَملِمهْ

ألأرضُ غيرَ الأرضِ كانــــتْ قبلَهُ     ما سرَّها.. قــبــلَ الرســـــــولِ، لِتَكتُمَهْ

لَمّا رأى اللهُ الكمـــــــــــــالَ بوحدةٍ     لِمُحَمَّدٍ كَــسَرَ القلـــــــــــــــــوبَ ويتَّمَهْ

بِعَباءَةِ الصِّدقِ المُشاعِ صَعَدتَ تحـ     ـمِلُ معــولاً لــــــخـــــلافِهِمْ كي تهدِمَهْ

من غـــــــــارِ حَرّاءَ انطلـقتَ بقبلةٍ     وقصـــــــــــــدتَ صَبرَ البائسينَ لتلثُمَهْ

سيفُ الحقيــــقةِ بالضِّعافِ شَــحَذْتَهُ     كـــــــــي تطعنَ الوهمَ الطُّغاةَ وتهزِمَهْ

من صفحةِ الصحراءِ والـقـلمِ الرِّما     لِ رَسمتَ وجهَ الأرضِ صورةَ مَلحَمَهْ

هَيمانَ يُرســــلُ روحَـهُ جَسَـداً إلى     خُـــــــــــــــــطُواتِهِ، كانَ التَّمَرُّدُ مُلهِمَهْ

ألأَرضُ فَرَّت مِـــن جَميلِ كَــلامِها     جـــــــــــــــاءَت إلى قَولِ النَّبِيِّ لِتَفهَمَه

فالحرفُ يَنبُضُ بالودادِ مُــــــوَزِّعاً     حُبَّ النَّبِيِّ علــــــــــى المَسامِعِ مَكرُمَه

لَم يَمتَلِك في هذِهِ الدُّنيا ســــــــوى     عَطفِ الرَّحيمِ على الـــــــــــعِبادِ فَقَدَّمَه

يا مُبدلَ الحَجَرِ الجريءِ سَمــــاحَةً     يا فاضِحاً حُبَّ الوَرى ومُتَــــــــــرجِمَه

أَتَــــــــــــــراكَ تَعلَمُ أنَّنا في حَيـرَةٍ     كَـــــــيفَ انسَجَمتَ مَعَ العداءِ لِتَهضِمَه

وَتُفَرّقَ البَلـــــــوى التي مِن زَيـفِنا     صَعَـــــــــدَت على كَتفِ الإخاءِ مُهَدِّمَه

أمسُ المَتاهَةِ ثــــــــــــوبُهُ خَـرَّقتَهُ     أبدَلتَهُ ثوبَ الـــــــــــــــــــنَّقاءِ لتَعصِمَهْ

طرقُ السَّماءِ تكشَّفَتْ بـــــــــبهائِهِ     حينَ ارتقى عرشَ الحَبيـــــــــبِ وكلَّمَهْ

فَتَبَسَّمَ الوجهُ الكــــــــــريمُ لوجههِ     وبدا لَهُ خجـــــــــــــــــلُ اللقاءِ، فَعَظَّمَهْ

فانوسُ عمرِكَ للحفاةِ نَـــــــــذَرتَهُ     تَرُفَ الحُفاةُ بدولَةٍ مُتَنَــــــــــــــــــــعِّمَهْ

طارَتْ لأكتافِ السَماءِ طيـــورُها     لَمَا انطفى سَقَــــــــــــطَتْ بألفِ مُسَيلَمَهْ

بِمُحَمَّدٍ قدْ جـــــــــــاءَ ضِدُّ مُحَمَّدٍ     كَمْ مُسلمٍ كرهَ الحيـــــــــــــــــاةَ ومُسلِمَه

وقال من قصيدة (سُبحانَ جودِكَ) وهي إلى سيد الماء والوفاء أبي الفضل العباس (عليه السلام)

يا جودُ هل كفُّ احـــــــتضــانِكَ بعثرَكْ     أم رأسُ عباسَ اصـطلاكَ فَفَجَّرَكْ

أمْ أنـتَ يا جـــــــودُ ارتجــيتَ شِفَاهَ عبـ     ـدِ اللهِ تــــشـربُ بَيْـدَ شَوقُكَ عثّرَكْ

وتَبَعْثَــــــــــــرتْ فيكَ انــتظاراتُ الخيا     مِ اليائســـاتِ من الرجـوعِ لتعذُرَكْ

وتـــــــكوَّرَتْ فـــيكَ الــهمومُ كما الـغيو     مِ الهاطـــلاتِ مع الدّموعِ لتَهدُرَكْ

عباسُ يا ندمَ انفــراطِكَ فـــــــي الثـرى     وحيٌ لجــــودِكَ منكَ فيكَ ليُشعرَكْ

إنَّ انهدارَ الأمــنيـــــــــــــــــاتِ سفـينةٌ     رفعَتْ شراعَك في الرياحِ لتُبْحِرَكْ

أو أن كفّيــكَ اللتيـــــــنِ تجَلّــــــــــــــتا     قبراً لوصـــــفِكَ يا رسولُ ومنبرَكْ

هذي أكفُّكَ هـــــــــل ترى عينَ الســما     ءِ تَفَتَّحَتْ مـــلءَ الرموشِ لتحشُرَكْ

في لُبِّ قلبِ الزينبيـــــــــاتِ الـــــــــتي     مرَّتْ بقلبِكَ يــــــــــا كفيلُ لتذكرَكْ

الجودُ ظمآنٌ وكفّكَ ضيَّــــــــــــــــــعَتْ     أسبـــــــــابَ عودَتِها إليكَ لتَهجُرَكْ

أنتَ انحَنَتْ لكَ (كربلاءُ) بطـــــــــولِها     وأتـــــــــــتْ بقبضتِها إليكَ لتبذُرَكْ

فوقَ الرمالِ قصيدةً مُــــــــــــــــــــبْتَلّةً     بالماءِ من قـــــــرأ القصيدةَ حرَّرَكْ

من ذا يــؤسِّرُكَ؟ الـــــــــرجالُ تأسَّروا     لكنَّ صوتَ سكيـــــــــنةٍ من أسَّرَكْ

لو مـــــلَّ جـــــــودُكَ أو يداكَ تَحَسُّرَكْ     فاملأ بأسئلةِ التحرُّرِ دفــــــــــــترَكْ

من ســـــــلَّ خلفَ النخلِ سيفَ مخادعٍ     مـــــن جُبنِهِ وأتى السيوفَ لتَحذَرَكْ

ودعـــــــاكَ تشــــعُلُ بينَ أرجلِ خيلِهم     نــــــــــاراً تَفرُّ بها الخيولُ لتشكرَكْ

عبــــــاسُ فوقَ الـــــطفِّ كنتَ حمامةً     بيضاءَ مــــن قرأ ارتفاعَكَ أبصَرَك

قـــــــمراً يوزِّعُ في السمــــاءِ أصابعاً     سبحانَ ربِّكَ كــــــيفَ شاءَ فصوَّرَكْ

ما قالَ ربُّكَ للملائكةِ اســــــــــــــجدوا     لولا انسكابُكَ للحســــــــــينِ فقدَّرَكْ

الوردُ يعشَقُ عاشقيهِ الـــــواهـــــــبينَ     عطورَهم ولذاكَ جاءَ فعــــــــــطّرَكْ

عباسُ من أدراكَ أنّــــــــــــــكَ ظامئٌ     حــــــــــــدَّ امتزاجِكَ بالمياهِ وبشّرَكْ

وقرأتَ قصةَ بئرِ يوسُفَ، هــــــلْ أتى     دَلوُ الأخــــــــــوَّةِ يا حـسينُ وخبَّرَكْ

أنتَ الحسينُ وفوقَ طفِّكَ قد جـرَى الـ     ـعباسُ نهراً لن يــــــــفارقَ عسكرَكْ

جــــــــــئتُ الطفوفَ مطوِّفاً أيامَ عُمـ     ـري دمعة سقطتْ عليكَ لــــــتشكُرَكْ

أو تشكــــــــــرَ الجودَ الذي يتلو الميا     هَ كآيةٍ فوقَ الرمـــــــــــــــالِ فَفَسَّرَكْ

سبحانَ مائكَ لــــــــــــــــمْ يقرَّ بجودِهِ     سبحانَ زَندِكَ كيفَ فجَّـرَ أبـــــــحرَكْ

إنْ فارَقَ الجودُ الأكفَّ عــــلى الثرى     يكفيكَ أجريتَ المــــــــــواقِفَ أنهُرَك

وقال من قصيدة (نَهرٌ يُحتَضَر) وهي إلى سيد الماء أبي الفضل العباس (عليه السلام)

وَأَسَرَّ نَبعَ المـــــــاءِ جُرفُ     الماءُ في كَــــــــفَّيكَ يَصفو

ما بَينَ جـــــــودِكَ واحتضا     رِ النَّهرِ مَلحَـــــــمَةٌ وطَفُّ

الماءُ يَــــــــــــدري ثُمَ يجـ     ـري نحوَ جـــودِكَ لا يَكُفُّ

وَبِـــــفَقــــــدِكَ الأبطالُ مُنـ     ـذُ الماءِ ظـــــــــامِئَةً تُزَفُّ

لي فــــوقَ قَبرِكَ غَيـــــمَةٌ     ولــــــــــهـى مـلائِكَةً تَرفُّ

لي في الضَّريحِ حـــــمامَةٌ     تعلو كما كَـفٌّ وَكَــــــــــفُّ

لَـــــــم تَنطَفِئْ عَــــــيناهُما     مُذ فَرَّقَ الكَـــــــــفَّينِ سَيفُ

لي غَـــيْرةُ الــــــعَبّاسِ منـ     ـذُ السَّهمِ نَحـــوَ الطِّفلِ تَهفو

وَلَدَيَّ نِـصــــــفُ قَصيدتي     مُتَوَجِّــــــــعاً ولَدَيكَ نِصفُ

فاعطِــــــــــف عليَّ بقولِها     أدريــــكَ لـم يَخذِلْكَ عَطفُ

أَدريــــــكَ تَـشطرُهُم وَتَشـ     ـرَبُ من فُراتِكَ وَهْوَ يَصفو

لـــــــــكنَّ ذوقَ اللهِ فــــــو     قَ المـــــــــــاءِ ظَمآناً يَعِفُّ

الماءُ مـــــــرآةُ الــــــوجو     هِ تَفَــــطَّـرت والقلبُ صَيفُ

ولِمُقلَتَيكَ منَ الــــــــــدّمو     عِ الـدُّرِّ فــــــوقَ النَّهرِ نَزْفُ

لي حَســـــــــرَتانِ ودَمعَةٌ     للآنَ فــــــــــــوقَ الـخَدِّ تَغفو

في الخَيمةِ الثَّكلى عِــــــيا     لٌ هَزَّها لنِداكَ خـــــــــــوفُ

وَشِفاهُ جُرحِ اللهِ فــــــــطَّـ     ـرَها بذَبحِ الماءِ ضَــــــــعفُ

أنا واندلاعُ اليُـــــــتمِ صَو     بَ خِيامِــــــــهِم نارٌ وَسَعْفُ

أنا مُذ رَأَيتُكَ تُمــــسِكُ الـ     ـدُّنيا بكَفِّكَ ثُمَّ تــــــــــــــــعفو

للآنَ تــــــــــربةُ (كربلا     ءَ) نديَّةً بــــــــــــــكَ لا تَجِفُّ

للآنَ طَعمُ المــــــــاءِ ميـ     ـمٌ زادَها في التّيــــــــــهِ أَلْفُ

أرجوكَ خُذ بِيــــــــديهِما     كي يَستَطيبَ الماءَ رَشْـــــفُ

للآنَ عَـــــــــــــمَّةُ يُتمِهِم      في التَّلِّ واقِـــــــــــــفةً تَشِفُّ

لي دَمعُ بَيتِيَ لا يَجـــــفُّ     مُذ هَدَّتِ الآمالَ كَـــــــــــتفُ

أَنا لَو تُؤَجِّلُ لَــــــــوعَتي     لِلقَبرِ غَيماتٌ وَعَصـــــــــفُ

لَكَ بَينَ أضـلاعي مِنَ الـ     أشواقِ أضــــــــرِحةٌ وَسقفُ

لكَ من أباةِ الضَّيمِ زَحفُ     لكَ كَامتِدادِ الأفـــــقِ وَصفُ

كالشَّمــــــسِ تبقى قُبَّةُ الـ     ـعَبّاسِ فوقَ الماءِ تَــــــــطفو

وقال من قصيدة (صرخةٌ في وجهِ الدّروب) وهي إلى أبيِّ الضَّيمِ وسيِّدِ الأحرار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)

هَلْ في فضاءاتِ الـــــنفـــوسِ جوابُ     أم سُدَّ في ريحِ السؤالِ البــــــــابُ

موسى ارتدى نــــــــاراً تُبِـــلُّ طريقَهُ     هيَ للعراةِ المتخميـــــــــنَ سَرابُ

يعقوبُ قـــــــــــــــدَّمَ يُوسُـــفاً بسؤالِهِ     كيفَ اطمأَنَّ وفي الجوابِ ذِئــــابُ

فَــــــــتَفَطّرتْ شَـفَـةُ الســـؤالِ تعطشَاً     من أينَ يُؤتى في الجفافِ شــرابُ

وصرختُ في وجـه الـــدروبِ كأنّني     في قلبِ صمتِ الموجعيـــنَ عذابُ

وقفتْ رؤايَ على الرصـــيـفِ تحيّراً     بيني وبين الهادياتِ سَحـــــــــــابُ

فرأيتُ أَنَّ التّائهينَ تــــــــــــــواجدوا     ورأيتُ أَنَّ العـــــــــــــارفينَ غيابُ

ثمَّ ارتوت نفسي بكيـــفَ تـســــاءَلَت     أهـــــــــدى لمريمَ رزقَها المحرابُ

وكهولةُ الأيّامِ حيـــن تراجـــــــــعت     صَعدَ الصِّحابُ إلى الطّفوفِ وَذابوا

في عِشقِ مــــــــيتَتِهِم بِنَصرِ إمامِهِم     إذ كانَ ســـــــــــوطُ الظالمينَ يُهابُ

إن أُخـــــــــرسَتْ أفواهُهُم في ظلمةٍ     نطقت بأكتافِ الشمــــــــوسِ رقابُ

عطفَ الحسينُ على الجيوشِ بشربةٍ     للحـــــــــــــــرِّ منها صحـوةٌ وإيابُ

سبعون ماءً فــــــي الطفوفِ تفجّروا     للحق منهم ثـــــــــــــــورةٌ وخطابُ

أقمارُ لومِكَ في ظـــــــــلامِيَ طعنةٌ     يقضي عليَّ إذا سطعـــــــــتَ عتابُ

لَكَ دونَ غيرِكَ أحـرفٌ وكـــــــتابُ     لك يـــــا عراقُ ب (كربلاءَ) جوابُ

وقال من قصيدة (مُوازِياً نَهرَ الفُرات) وهي إلى بطل العلقمي أبي الفضل العباس (عليه السلام):

مازالَ رغـمَ النَبْلِ جُودُكَ أَخـــــــضَــرا     يَــــروي حِكاياتِ الحُسَينِ لِحَيدَرا

كَفّاكَ مِـئذَنَتانِ، عانَقَ لَيــــــــــــــــــــلُها     فَجـرَ الحُسينِ، وعِندَ جودِكَ كَبَّرا

أللهُ أكـبَرُ والـــــــــــطَّـــــــريقُ سيوفُهُم      والـــدَّربُ صـارَ لِجَنَّتَيكَ الأقصَرا

يا مــــــــــاءُ يا نَدَمَ الــــــــفُراتِ بِطولِهِ      إذ جــــــاءَهُ الـجودُ انحَنى وَتَعَذَّرا

هَل كـانَ بُعدُكَ فـــــــي الطّفوفِ تَـمَنُّعاً      مِــــــــن عاشِقينَ لِكَفِّهِ يا مَن تُرى

أَبكيــــــكَ لا أَبـــــــكي سواكَ لأنَّـكَ الـ     ـماءُ الذي حَفظَ المُصيبَةَ مُذ جَرى

هذا سَـــــــمِيُّ الفَضلِ يَعتبُ: هَل تَـرى     قَلــــــبي الذي هَجَرَ الزّنودَ تَبَعثرا

مـــــــا بينَ أَفئِدةِ العِيــــــــــالِ وزَيـنَبٍ      عَطــــــشى هُنالِكَ تَرتَجـيكَ لِتَعبُرا

حَيرى تَساءَلُ كيفَ يَجــمَعُ جــــــــودُهُ      حُزناً فراتِيّاً ومـــــــــــــــاءً كَوثَرا

هذا هُوَ العَبّاسُ حينَ رَسَـــــــــــــــمتُهُ     حُلُماً، تَحَوَّلَ لَوحَةً وَتَأَطَّــــــــــــرا

بِعيونِ أَحلامِ السّهول تَوضَّــــــــــــأَتْ     من ماءِ كَـــــــــفِّكَ لِلصَّلاةِ لِتُزهِرا

وَعُيونِ أَحلامِ الصِّغارِ يَـرَونَــــــــــــهُ     شَـــــــلاّلَ ضَوءٍ في السَّماءِ تَفَجَّرا

مَزَجَ الدِّماءَ مَعَ المِيــــــــــــاهِ فَأَثمَرَتْ     نَبـــــــضاً حُسَينِيَّ المَواقِفِ أَحمَرا

وَأَقامَ كَفَّيهِ اللتيـــــــــــــــــــــــنِ تَجَلَّتا     في الطَّـــــفِّ قَبراً للرَّسولِ وَمَنبَرا

هُوَ قالَ جُملَتَهُ التي مُذ قـــــــــــــــالَها     بَزَغَ الضَّريــــحُ عَنِ اللسانِ مُعَبِّرا

إنّي أَنا العَبّاسُ بَعـــــــضُ مـفاخِــري     كَفٌّ وَجودٌ يَرسُمــــــــــــانِيَ أَنهُرا

صَبرُ العيونِ عـــــــلى النِّبالِ وَرايَتي     وَجَـــعي، جَميعاً، يَرفضونَ تَقَهقُرا

كَفّايَ واثِــــــــقَتـــــانِ، جودُ عَزيمَتي     يَمـــــــــــشي ويَأبى بالزَّفيرِ تَذَمُّرا

حَــــــــبّاتُ قَمحِ الأمنـــــــياتِ نَثَرتُها     في دَربِ عُــــــشّاقِ الـشَّهادَةِ بَيدَرا

مِن قَلبِ قَلبِ الماءِ جِئــــــــــــتُ مُعَبَّأً     بالماءِ وضّاءَ المَـــــــــلامِحِ مُسفِرا

عُذراً أَبا الأَحرارِ تِلــــــــكَ قَصـيدَتي     أَغلي بِها مُنذُ الطُّفـــــــوفِ لأُعذَرا

ذَرَفَتْ عيــــــــونُ الجودِ قَبلَ مَنِــيَّتي     حاوَلتُ، بَل فَرَسُ الحَيـــــــاةِ تَعَثَّرا

وَجهي بِرُغمِ المَوتِ، عـــاشَ مُوازِياً     نَهرَ الفُراتِ، فَــــظَلَّ وَجهاً أَخضَرا

عَفَّرتُ خَدّي في التُّرابِ مَعَ الضُّحى     حَتَى أُلاقــــــــي الدَّهرَ وَجهاً مُقمِرا

الطَّفُّ لَــــــــــــم يَهدَأ، أَلَيسَ بِداخِلي     طِفلٌ رأى جَسَدَ الحُسَينِ عَلى الثَّرى

لِلآنَ أَسقي الزّائِــــــــــرينَ مَلامحي     وَأريـــــــــقُ عُمري لِلحُسَينِ لأَكبرا

وقال من قصيدة (حينَ تَثبتُ الأقدامُ ويُحَلِّقُ اللسانُ) وهي إلى الصحابي الشهيد ميثَمَ التَّمّار (رضوان الله عليه)

لِمَيثَمَ مَوجٌ فـــي الضَّمائِرِ يَــــــــــهدرُ     وَنُطقٌ كما الأحلامِ في الصَّحوِ تَحضرُ

يَقومُ إذا مـــــا العَينُ تَغفــــــــــو بِذُلِّها     يُـــــــــــفَزِّزُ فَجرَ الرّوحِ فالصُّبحُ يَزأَرُ

أَلا أَيُّها الظَّمآنُ في الــــــــــوَهمِ تُبحِرُ     أَبَعدَ انهِــــــمارِ الماءِ ما زِلتَ تُصحرُ؟

عَلِيٌّ على البَيــــــــــــــــداءِ مَرَّ بِمائِهِ     فَلا أَرضَ تُصـــــــــــــغي لِلمياهِ فَتُزهرُ

وَلا نَبــــــتَ ذُلٍّ يَشــــرَئِــــــبُّ لِذَوقِهِ     وَيَأخُذُ مِنهُ الضَّوءَ مِثــــــــــــلي فَيَظهَرُ

أَتاكُم بِآياتٍ وَضــــــــــيءٍ جَـــــبينُها     إلامَ العِنادُ المرُّ والوَقتُ يَمـــــــــــــــرُرُ

إلامَ التَّعالــــي والعَلــــــيُّ بِخاتَـــــــمٍ     يُحــــــــــــــــاجِجُ خَلقاً في عَـلِيٍّ وَيَفخَرُ

هُوَ المُــــنتَقى بَــــــعدَ الرَّســولِ لأَنَّهُ     يُلَملِمُ شَملَ الأُمنِيــــــــــــــــــــاتِ وَيَبذُرُ

يُسَـلّــــي اليتــــامى والأَراملَ صُبحُهُ     يَــــــــــــــــــــــــلوذُ بِلَيلٍ والمَدامِعُ أَنهُرُ

حَـــــرِيٌّ بِهذي الأرضِ تُطوى أَمامَهُ     فَلِلخَطوِ أَشجارٌ وَلِلــــــــــــــــوجهِ عَنبَرُ

فَـــــــــلَيسَ غَريباً أَن أُعانقَ إرثَـــــهُ     فَفي الإرثِ عِشقٌ بالعِناقِ سَيَـــــــــــكبرُ

أَمُدُّ لِســانَ الحَقِّ والأمسُ حاضِـــــرٌ     بِقَلبي سَحـــــــــــــاباتٍ على اليَومِ تَمطُرُ

أَهزُّ شَبابيـــــــكَ السّؤالِ وَأَخـــــتـفي     وَراءَ إجاباتٍ يَلِجــــــــــــــــــــنَ فَأَسهَرُ

أطاوِلُ نخلاً فـــــــي التَّـــــأَكُّدٍ واقِـفاً     أَجُرُّ خِرافاً مِن سَــــــــــــــــرابٍ وَأَنحَرُ

وَقَفتُ كَعيسى في صَـــــليـبٍ وَنَـخلَةٍ     كَفاها شموخاً أَن لَدَيكَ سَتُثــــــــــــــــمرُ

قَميصي عَلِيٌّ والــــحِبالُ تَـــــــشُدُّني     إلى غيرِ غايـــــــــــــاتِ الفؤادِ وأُعصَرُ

عَلِيٌّ وَلِيّي فالــــسُّيـــــــــوفُ كَثــيرَةٌ     تَــــــــــــــــــمَنّى بُكائي بانكِسارٍ فَتُشهَرُ

أُشَيِّعُ أطرافــــي وَأَغرسُ جُـــــــثَّتي     بِوَجهِ خيــــــــــــــولِ الظُّلمِ فالظُّلمُ مُدبرُ

تَنَبَّأَ خِلّــــي بانقِطاعِ وَسيــــــــــــلَتي     وَلَيسَ انقِطاعُ الصَّـــــــــــوتِ فينا يُؤَثّرُ

فَحَقّــــي إِذا ما الرّيحُ عاثَت بِمَركَبي     أُقاومُ جيلاً مِن ظَلامٍ وَأبــــــــــــــــــحُرُ

فَــــهذا عَلِيُّ الوَجهِ والقَلبِ ساجِـــــدٌ     يُؤَسِّسُ حِزباً بالتَّحَــــــــــــــــــزُّبِ يَكفُرُ

تَعـــــودُ إليهِ الأرضُ كَيما يُــــعزُّها     بِسَجداتِ عِشقٍ مِن يَديهِ فَتَفــــــــــــــخَرُ

تَقومُ مَعَ التَّكبيــــرِ والكَونُ ســــامِعٌ     صَـــــــــــــــداها بسمعي عِندَ ذاكَ أُكَرُّرُ

إذا مَرَّ كراراً علـــــــــــــــــيٌّ يكبّرُ     رؤوسٌ مِـنَ الــــــفَقّارِ في الحربِ تَقطرُ

فَلَيسَ عَجيباً أَن يَصولوا على دَمي     عَلِيٌّ صَديقاً والـقَبائِـــــــــــــــــــــــلُ تَثأَرُ

وقال من قصيدة (الحشد ينسج راية النصر) وهي إلى أبطال الحشد الشعبي المقدس:

إلى الفَخرِ جــــاؤوا والقصائدُ مُــدبِرَه     فَهَل صَدَّقَ الفُرسانُ ما قـال عَنتَرَه

وإن حاولوا ثَــــنـيَ الصّدورِ فَــإنَّما الـ     ـمَسافـــاتُ بيضٌ والخبيـئةُ مَحبَرَه

على حــــــــينِ عـادوا آكليــنَ دروبَهُم     إلى الأَمسِ عُدنا والقصائـدُ مُسفِرَه

أنـــــا الشّاعِرُ الـمَجنونُ بالفَــخرِ مِثلَما     يُفاخرُ شَــهمٌ في مــروءاتِ حَيدَرَه

وذي جَدَّتي تَحكي عَنِ الأمــسِ لابنَتي     حَكايا جدودٍ بـــــــالبخورِ مُـعَطَّرَه

إذا زارَنا ضَيـــــــــــــفٌ حَــمَلنا أَكُفَّنا     بِمَيمَنَةٍ أهلاً وَسَهـلاً بِــــــــــمَيسَرَه

وَما كانَ مِنّا أن نُحابِــــــــــــيَ ضَيفَنا     وَنُعطيَهُ ثَغـــــــــراً صَـديقاً وَنغدُرَه

نَفُزُّ قُبَيلَ الفَجرِ نَسقي خرافَـــــــــــــنا     وننظرُ من عانى انــتظاراً، لِنَنحَرَه

سَلي قَهوَةَ الأهلينَ فاحَـــــــــت بِأَهلِها     رجالاتِ ضَوءٍ والفَناجيــــنُ مُثمرَه

وَعندَ احتمالِ الذّلِّ نَطوي فـــــــراشَنا     نُفارقُهُ، إلا بأرضٍ مُــــــــــــحَرَّرَه

نَحومُ عَلى الأعداءِ صَقراً سَحــــــائِباً     وَنُنزلُ رُعباــــــــً في قلوبٍ مدَمَّرَه

ونَنسابُ كالأمطارِ في صَخرِ جَيشِهِم     ومـــــثلَ انجمادِ الماءِ ننمو فَنَكسرَه

ســـــيوفَ بِلادي خُضتِ فَجراً بِلَيلِهِم     لِيحتــــــــــارَ وَغـدٌ قَد تَأَبَّطَ خنجَرَه

عَطـــــاءاتِ أهلي جئتِ نَهراً بِرَملِهِم     لِتَنهارَ كَـــــــــــفٌّ بالعَطاءِ مُؤَسَّرَه

مِنَ الأَمـــــــسِ عُدنا لافتراشِ زَمانِنا     نُحاوِلُ دَرباً والسَّمــــاواتُ مُمطِرَه

فَفي كُلِّ شِبــــــــــــــــرٍ تَطمَئِنُّ دِيانَةٌ     تُغازِلُ وَجهاً والخلافــــــاتُ مَـقبَرَه

تَساوَت أُنوفٌ في ظـــــلالِ وجـوهِها     ولكنَّها شَعَّت بِصَولاتِ ثَــــــــرثَرَه

أعوذُ بِرَبّي مِن ضَحالَـــــــــــةِ قولِهمْ     فَلِلّهِ دربٌ والمَتاهـــــــــاتُ جَمهَرَه

وقال من قصيدة (حينَ اختفى غَيرُهُم) وهي أيضاً إلى أبطال السواتر أسود الحشد الشعبي

لا الأُمُّ تُمسِكُ لا الأَولادُ لا الـــــــــحَذَرُ     مِن حَيدَرَ امتَلَؤوا بـاللهِ فانفَــــــــــجَروا

هُم عانَقوا الشَّمـــسَ في أُفقِ العِراقِ فما     حارَتْ بِهُم قَدَمٌ، فالـضَّـــــــــــوءُ يُدَّخَرُ

هذا العِـــــــــــــراقِيُّ مُذ مَرَّ الحُسَينُ بِهِ     لِلآنَ يَغلي بِهِ العَبّــــــــــــــاسُ والشَّرَرُ

يـــــــــا حامِلينَ على الرّاحاتِ مِن كَرَمٍ     كالوَردِ أرواحَـــــــــــكُم، في كَفِّكُم خَبَرُ

يلهو الزَّمانُ بأضغاثٍ وقد صـــــــعدَتْ     غيـــــــــــــــــومُ أَحلامِكُم كالحَقِّ تنهَمِر

أَشواكُ صَحرائِنا مـــــــــا هَدَّها عَـطَشٌ     تَصيــــــــحُ لِلضَّيفِ: أَهلاً وَهْيَ تَستَعِرُ

لكنْ إِذا جــــــــــــاءَنا في الليلِ نَحنُ لَهُ     والـــوَيلُ مِن فِتيَةٍ في الصُّبحِ قَد ظَهَروا

لَو حَلَّ ضِعفُ الذي قد حَلَّ ما ضَجَروا      أَو جاءَ ضِعفُ الذي قَد جاءَ ما استَتَروا

نَخيلُ شُطـــــــــــــآنِنا والماءُ مثلُ دَمي     لا شَيءَ يُســـــكتُهُم في الفَجرِ لَو زَأَروا

تَقَوَّسَ السَّعفُ يَرمــــــــــي مَن يَمُرُّ بِهِ     سُلّاءُهُ النَّبلُ، فَــــــــــــــــاهدَأْ أَيُّها النَّهَرُ

مَرَّ السُّؤالُ عَلى كُلِّ الذيــــــــــــنَ أَتَوا     أَرضَ السَّوادِ فما رَدّوا إِذِ انبَــــــــهَروا

مِن ثائِرٍ رَسَمَ الصَّولاتِ في دمِـــــــــهِ     فَوقَ العراقِ، بإبـــــــــــــداعٍ، ويُحتَضَرُ

يَمتَدُّ فَوقَ حقولِ الشَّـــــــــــــوقِ ساقِيَةً     مِن ماءِ جَبهَتِهِ الأنهارُ تُبـــــــــــــــــتَكَرُ

نَم يا عِراقُ, إِذا غارَتْ مَنابِــــــــــــعُنا     نَسقيكَ أَبناءَنا مـــــــــــــــــــاءً، وَنَفتَخِرُ

نَــــــــــــم يا عِراقُ إذا قَلَّ الحَماسُ بِنا     مـــــــن دَفتَرِ المُرتَضى الأَسماءُ تَنحَدِرُ

إنّا على الـــــــــــــــعَهدِ لَم تَهدَأ كَتائِبُنا     لم نَتَّخِــــــــــــذْ جَمَلاً لَو مَرَّتِ (الهَمَرُ)

ننامُ مثلَ عيونِ الليـــــــــــــــــثِ هانِئَةً     والروحُ أَهدابُـــــــها في الصَّحوِ تنتشرُ

يا صَبرَ فِتيـــــــــــانِنا: كَم دَولَةٍ قَدِمَتْ     كَم كَلبَةٍ نَبَحَتْ فــــــــي وَجهِ مَن عَبروا

كَم أمطَرَتْ حجراً يَغتــــــــالُ مَزرَعَةً     نَحنُ اصطَبَرنا بِها، فــاعشوشَبَ الحجرُ

سَنَحملُ الهمَّ مثل الرّيحِ عاصـــــــــفةً     نُجلي العَدُوَّ بِها كَي يَأنـــــــــــسَ الشَّجَرُ

أَحلامُ فولاذِهم تــــــــغفو على وطني     عندَ الصباحِ ترى الفولاذَ ينصــــــــــهرُ

يا كوفَةُ احتَفِلي الكَرّارُ عــــــــاشَ بِنا     مِن أَمـــــــــــــــــــسِ فَقّارِهِ لِلآنَ نَنتَصُرُ

تَـــــــعَجَّلَ الحربَ صِبيانٌ وما عَلِموا     أَنّا كــــــــــــــــآبائِنا في الحَربِ نَصطَبِرُ

تَعَجَّبَ الـــــمَوتُ حينَ المَوتُ جالَسَنا     يَأتي الحَديدُ لَنا، نَبـــــــــــــــقى، وَيَندَحِرُ

مَدينةَ الطَّفِّ يــــــــــا إحدى مفاخرِنا     أَختارُ كَم صورةً.؟ أَحتارُ يا صُــــــــــوَرُ

لَم نَنسَ ما استَيقَظَت أُمٌّ عَـــــــلى وَلَدٍ     جَفَّ الطَّريقُ بِهِ فالقَـــــــــــــــلبُ يَنكَسِرُ

ما زِلتُ أَذكُرُ عَبّاســــــــــــــاً وَقربتَهُ     يُقَدِّمُ الرّوحَ قُربــــــــــــــــــــــاناً وَيعتَذِرُ

وقال من قصيدة (كوكبٌ من أفقِ الشهادة) وهي في زيد الشهيد بن علي بن الحسين (عليه السلام)

حارَت أَكُـفُّ الرَّسمِ كيــــــفَ تُجيدُ     لونَ اضطـرابِــكَ والأنـامِلُ عودُ

العودُ ظمـآنٌ وغـــــــــــصنُكَ يانِعٌ     رَطْبٌ بعــــطــرِ اليـاسَمينِ يجودُ

أخبرْ خيـالاً عــــاريَ الفكرِ ارتدى     ثوبَ التَّســـــــاؤلِ مـذْ أتاكَ يُعيدُ

أَقَدِمتَ مـن أفـــــــقِ الشَّهادَةِ كوكباً     فاضتْ بـمقدمِكَ الوضيءِ سـدودُ

أم تـــــــــستفيقُ مـن الرَّمادِ حمامَةً     وكأنَّها مِمّا تَجــــــــــــــودُ العـيدُ

أيُّ النّـوافذِ لا تُـزيحُ ستـــــــــــارةً     عن بـدرِكَ الباقي فأنتَ شَــــــهيدُ

يا زَيـدُ يا ثَمَـرَ الطّفــــــوفِ بِثَورَةٍ     قَـــــــــــطَفَتكَ مقتولاً وأنتَ سَعيدُ

حَبـلاً عليكَ تَـضافـــــرَت أَحقادُهُم     قابلتَهُم شــــــــدّوا الوثاقَ وزيدوا

أَنـا شاعِرُ الفـينيــــــقِ شَنقِيَ شُعلَةٌ     أَن تُخمدوا نــــــــاري فذاكَ بَعيدُ

أَنـا نخلَةٌ فَتَـــــــــحتْ أَكُفَّ دُعائِها     للشَّمسِ فازدَلَفَ الــضِّياءُ فَشيدوا

حــــــــــــولـي بيوتاً للغرامِ فَسيحةً     ليست لها كالمالكينَ حــــــــــدودُ

بيدي امتلـكـتُ الأرضَ أَزعُمُ أنّني     في كُلِّ حيرةِ تــــــــــائِهينَ رَشيدُ

أَنَا مَن أُذيبُ الشَّوقَ شـمعةَ عاشقيـ     ـنِ بكاؤُها وضِيــــــــــاؤُها تنهيدُ

أَدريكَ تنطقُ كالحريرِ بــــــــــرِقَّةٍ     لـكـــــنَّ صـوتَكَ في الطُّغاةِ حَديدُ

أَنا جئتُ محتطبَ الحـروفِ لعلَّني     بعضَ اشتعــــالِ الشِّعر فيكَ أُجيدُ

أَيَشِكُّ من عشِـــــــقَ الفتـاوى قَيْنَةً     في ميتَتَيكَ فَـــــــــــــجابِنٌ رِعديدُ

يازيدُ طَلَّقتَ الفَتـــــــــــــاوى كُلَّها     ولأَنت عن كلِّ الشّكـــــــوكِ بعيدُ

أَعلنتَ رَفضَكَ في التَّصَحُّرِ وردةً     حمراءَ تعبقُ، هَمُّها التَّـــــــــرديدُ

أَنــــــا عاشِقٌ نهرَ الشَّهادةِ عارِفٌ     أَنَّ الشَّهادَةَ ماءَها تَخــــــــــــــليدُ

ولرُبَّ عـــــشقٍ لا يَعيشُ بجنَّةِ الـ     أرضِ التي أحلامُـــــــــها تَـسهيدُ

الأرضُ تأبـى للشَّهيــــــــدِ معيشةً     فيها وليتَ الذّكرياتِ تعــــــــــودُ

لتُعيدَ زيداً للحيــــــــــــــاةِ بوَجهِهِ     إِنَّ اشتياقِيَ للوجــــــــــــوهِ خلودُ

وقال من قصيدة (مولدٌ يَبْتَكِرُ الشَّهَادَة) وهي في الإمام الحسين (عليه السلام) في ذكرى مولده الشريف:

مُذ قــــــــالَ ربُّكَ للملائِكةِ اســـجُدوا     والأَرضُ تَعلَمُ فــــي الطّفوفِ ســــتُولَدُ

مُــــــذ قالَ جبرائيلُ: خُذنـــي سادِساً     تَحتَ الكِســــــــــاءِ، وقالَ فيـــكَ مُـحَمَّدُ

أَنا مِنكَ أَنتَظرُ الولادةَ صـــــــــــابراً     فإذا سَقَطتَ بـ (كربـلاءَ)، سَــــــــــأُولَدُ

ما زِلتُ في الصَّحـــراءِ أتلو غربَتي     أَتَرَقَّبُ الأَفلاكَ كـــــــــــــــــيفَ تُزغرِدُ

أُصغـي إلى النَّجمـــاتِ أَسمَعُ هَمسَها     قالَتْ هُنـــــــــــالِكَ فـــي الـمَدينَةِ مَوعِدُ

يتَكَـرَّرُ الضَّوءُ الــــــــــــنَّبيُّ بلحظَةٍ     عَـــــــــــن كلِّ لَحــظاتِ الـوجودِ تُجَرَّدُ

أَنا أَسـأَلُ اللحظـــاتِ: أَيَّـــــــةَ لحظَةٍ     يُصغي لَها وجــهُ الظَّلامِ.؟ فَــــــــــتُوقَدُ

هِيَ لحـظةٌ أُخـــرى، وَجاءَ خِــلالَها     ضوءٌ، وديــنٌ لا يــــــــــــــموتُ، وَسَيِّدُ

وَبَقيـتَ ضــــوءاً لا يَشيبُ، وَنَـــخلَةً     تَلِدُ الــــــــــــــنّجومَ، فَهَل يَـضُمُّكَ مَرقَدُ

أَو تــنطـفي، والــرّيحُ تعلَمُ أَنَّـــكَ الـ     ـشَّمسُ الصَّبوحُ بِغير ضَوئِـكَ ما اهتدوا

يــا مَـــن عَرَفتَ الــحَرَّ أَيبَسَ خَيلَهُم     فَسَقَيتَهُم، من ماءِ جودِكَ، فـــــــــاعتَدوا

وَبَـــقيتَ بـــعدَ الطَّفِّ، تَــسقي غابَةً     مــــــــــــن ثائرينَ، على الطُّغاةِ تَمَرَّدوا

تَرَكـوا ثِــيـابَ الذُّلِّ قُربَــكَ وارتدوا     مِـــــــــــن سُندُسٍ واستَبـرَقٍ واستُشهِدوا

مَن وَدَّعـــوا الأَطفالَ حيـــنَ تَأكَّدوا     لا ديـــــــــــــــــنَ يُعلِنُهُ القَميصُ الأَسوَدُ

لا حــيَّ غيـرَ اللهِ، جــــوفَ قلوبِهِم     وَمِنَ البِلادِ، فذا العِـــــــــــــراقُ، الأَوحَدُ

هُــوَ ذا الحسينُ النَّهرُ يُسمِعُ جَدولاً     يَســـــــــــــــقي التُّرابَ الحُرَّ، حينَ يُرَدِّدُ

أَنا سَـــيِّدُ الأَنهارِ، أَعــــــــــلَمُ أَنَّني     لَنْ أَظلمَ الــــــــــــــــــزَّيتونَ، حينَ أُسَيَّدُ

لَـــمْ أَقطَعِ الطُّرُقاتِ، أَمشي مُفرَداً     أَيَضيــــــــــــعُ في الظُّلُماتِ، ضوءٌ مُفرَدُ

أَهلي، وهُم بيتُ الحَنينِ، تَحـــمَّلوا     قبري بَـعيـــــــــــــداً في العراقِ، وَأَبعَدوا

لَم يَنقِلوا قَبري، مَخافَةَ سَـــــــلبِهِم     حقلاً تَـدورُ بِهِ المِيـــــــــــــــــاهُ، ويُحصَدُ

أَنا نَخلةٌ، وجهي يَدور على الزَّما     نِ بنـــــــــــــــــــــــظرَةٍ، ولـذاكَ لا أَتَحَدَّدُ

أَنــــــا لَمْ أَقُمْ، لولا الطُّغاةُ تَسَيَّدوا     باسمِ الإلـهِ، على الحُـــــــــــفاةِ، وعَربَدوا

أَنَا مُذ شَـمَمتُ الرَّبَّ عِطراً للجَما     لِ وأَشـــــــــــــــــتَهي، رَبّي يَفوحُ، وَيُعبَدُ

لولا نزيفـــــــي كانَ جَدّي جمرةً     تذوي بكَـفِّ الحاكِميــــــــــــــــــــنَ وتبرُدُ

لولا دَمي.. نَخْلي يَموتُ بنبرَةِ الـ     أحرارِ، لا يَبـــــــــــــــــــــــــقى فمٌ يتَوَعَّدُ

هذا هو الشَّجـــرُ الحسينيُّ استظـ     ـلَّ بفيئِهِ، من لا يَـــــــــــــــــــــــذِلُّ ويَقعُدُ

بَلَدٌ يُنادي ياحُسَيـــــــــــنُ سَيُوجَدُ     في كلَّ مرحلةٍ كَـصَوتِـــــــــــــــــــكَ يُولَدُ

وقال من قصيدة (منتصفُ الطَّريق) وهي إلى سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)

أَنَا كُلَّما أَتــــــــــــــــلو اغترابَكَ أولَدُ     إِذ كـانَ لاسمِكَ والولادَةِ مــــوعِدُ

أَدري سيـــخذلُني الكلامُ، فَجُـــــملَتي     مَعنًى بَـعيدٌ، والقصيـــــــــدَةُ أَبعَدُ

عَمَّن تَلوكَ مُـــــفاخِرينَ بِــــــوَقفَةِ الـ     ـشُّهَداءِ أشجاراً لِذاكَ تَـــــــوَحَّدُوا

أَدري خَــيالِيَ دونَ صــــــوتِكَ يَجمُدُ     وَمُحاصَرٌ مِنّـــــــــــي إليكَ أُشَرَّدُ

يا حَــــــسرَةَ الثّوارِ كــــــانَ سكونُهُم      جمراً تقلِّــــبُهُ الطّغاةُ، فما اعتَدوا

نـــــصفٌ من اللـوعـــــاتِ مَرَّ أَنينُها     فيهم ليـــنتظـروا الطّفوفَ فَيَبتَدوا

مُذ جِئتَ طَفَّكَ، كـــــانَ رَبُّكَ يعلَمُ الـ     ـنّصـــفَ المُؤَجَّـلَ في نزيفِكَ يُولَدُ

رَبٌّ سَماؤُكَ والـــــغـــــــيومُ مُطيعَةٌ     لو شِئتَ أن تَسـقي الظِّماءَ سَتَرعُدُ

ها أَنتَ ما بيـــــنَ المـــــــآذنِ والمَنا     ئِرِ جَــــــــدوَلاً لـذبولِ خَدِّيَ يُنشِدُ

وعلى ضِــــــفافِكَ يسـتفيـــقُ الثائِرو     نَ لِيركعوا، متحَـرِّرينَ، وَيَسجُدُوا

ووَقَفتَ شــــــمعةَ عاشِقيـــنَ، وكلَّما     تغفو حكايــــــــــــاتُ البراءَةِ تُوقَدُ

فَعجِبتُ طـولَ الدَّمعِ كيفَ قَصائِدُ الـ     أَحرارِ تـــرضى أن يَـضُمَّكَ مَرقَدُ

الضَّوءُ ضـوؤكَ في العيونِ فَقُلْ لَهُم     أن يَنظروا فــــــي مُـقلَتَيكَ لِيُولَدوا

عاشوا عَطـــاشى حينَ نَحرُكَ مَنهَلٌ     يُومي لِحَيرَةِ تائهينَ فــــــما اهتَدوا

وَفَتَحـــــــتَ نَهرَ الدَّمعِ يغسلُ خَدَّهُم     مــــن كلِّ ما نَدَموا عليهِ فَأَوصَدوا

وَرَحلتَ، لم تَرحلْ، وَكانَ رحــــيلُنا     أرضــــاً تـزوغُ عَنِ الضِّياءِ فتَبرُدُ

ووقفتَ شمساً والكواكبُ كــــلُّها ابـ     ـتَسَمَت لِـــصُبحِكَ والمشارِقُ تَشهَدُ

يَكفيكَ أَنَّ العاشِقيــــــــــــنَ لِيَشهَدوا     سِرَّ امتلاكِـــــــــكَ للقلوبِ تَمَرَّدوا

يكفيكَ رأسُكَ فـوقَ رُمحِـكَ منذُ طَفِّـ     ـكَ مُشرِقٌ وَجَبيــــــــنُ نِدِّكَ أسوَدُ

لكَ غيرُ من صَلّى المَناصِبَ سَجدَةً     عَيشٌ سَعيدٌ والشَّهادَةُ أَســــــــــــعَدُ

وقال من قصيدة (طوافٌ في حضرةِ فاطمة) وهي في سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)

مَنْ مِثلُها، كانَ النَّبِيُّ يَــــــــــــــراها     أُمّاً لهُ، تَرعـــى الحُسَينَ يَــدَاهَا

هِيَ نخلةُ الأَضواءِ، يَبـــــتَسِمُ الدُّجى     لَوْ شَقَّ ظُــلمَتَهُ حَديثُ ضِــياها

هي حلمُ مزرعةِ الجيـــاعِ فَمُذ دَنـتْ     لـــــــــــلآنَ يَسقي أُمَّةً نَهــراها

تَلِدُ القَصائدَ إذ تَبوحُ بِـــضــــــــوئِها     وَصفُ القصائدِ لم يَصــلْ إيّاها

جَاءَتْ تُعَلِّمُنا (الــــــــــــــبناتُ أَمانَةٌ     كبرى)، لِنَــرأَفَ عِــندَما نَلقاها

جاءَتْ تُعَلِّمُــــــــــنا (العَفَافُ عِبَادةٌ)     جَاءَتْ لأَحمَـــــــــــدَ آيةً فَتَلاها

تَحتَ الــــــكِســـاءِ التَمَّ شَملُ اللهِ، قا     لَ مُحَّمَّدٌ: لم نَكتَمِــــــلْ، فَدَعاها

دَخَلــــــتْ وَجِـــبرائيلُ يطلبُ مُنْحَةً     من ربِّهِ مُــتَوَسِّلاً لِيَـــــــــــراها

فَــــــرَأى مَـــلائِكَةً تَطَوفُ، لِنَجمِها     تَسعى وَبــارَكَ رَبُّها مَسْـــــعَاها

بِكِ أَعـــذَبُ الكَلماتِ فَرَّتْ من فَمي     أَنَـــــــــــــــذا أُفَتِّشُ عَلَّني أَلقَاها

حَـــرفي يُشارِكُني الحَياءَ، قَصيدتي     عَبَثاً تُحــــــاولُ، لا تُجيدُ حَياها

كـــانت، لآلئَ مَن يَّغوصُ لِسِـــرِّها     وَلِذا أَمــيـــــــــرُ المُؤمِنينَ أَتاها

فتعانَقا نورَيـــنِ، لكنْ، لَمْ تُضِـــــئْ     إلا لــتَمْلأَ بالـــــــــعَفافِ، قُراها

حَلَّتْ على تـــقوى الأَميرِ أَميـــــرَةً     فــاحتارَ خلقُ اللهِ فــــــي تَقواها

قَرَؤوا المـــودَّةَ في اللقاءِ بِرَحـــمةٍ     فــأَتَتْ تُفَسِّرُ بـالنَّدى مَـــــــعناها

شَـــــــــــــجَرٌ بدا مِنها سَليلَ نُبوءَةٍ     مِــنْ جُودِهِ المَخبوءِ، فَاحَ شَذَاهَا

وحُســـينُـــها المَظلومُ صارَ حِكايةً     بَــــــــــوّابةُ الزَّهراء عند لَظَاها

وكـــذاكَ زيـــــــنَبُ خَبَّأَتْ مرآتَها     وَتمسّكَتْ بخُطى الـحسينِ خطاها

هـــذي هي الزَّهراءُ بَعضُ رِسالةٍ     بَقِيَت بـــــــــلا ذَنـبٍ كَما أَوحاها

حتّى إذا ما الدَّهـــــــــرُ أَيتَمَ ظِلَّها     مـــــن ظلِّ والـدِها وسورِ حِماها

أَسَفي على الزَّهراءِ عكَّرَ صَفوَها     مَـــــــن ليسَ يعرِفُ رَبَّها وأَباها

هيَ غُصْنُ طه نَكــهَةٌ مِّنْ عِطرِهِ     آذى رَســــــــــــولَ اللهِ من آذاها

وقال من قصيدة (يَرجونَ ذَبحَكَ .. أَو لَعَلَّكْ)

إذ جِئتَ رَبكَ ظامِئاً وَبَذَلـــــــــــتَ كُلَّكْ     لاشَكَ أَنَّكَ لَــــــــم يَكُ الشُّهَداءُ مِثلَكْ

طَلَبوا مُبايَعَةً بِــــــــــــــــــذُلِّكَ، عِندَها      أَهدَيتَ عِذقَكَ واقِفاً وَحَفَظتَ نَـــخلَكْ

حَمَلـــــــــــــــوا عَليكَ وكُلُّـهُم مُتَآزرو     نَ بِجُبنِهِم يَرجونَ ذَبحَكَ، أَو لَــــعَلَّكْ

تـــــــحني لَهُم قاماتِ صَحبِكَ مَن أَتوا     مُتَأَنِّقينَ برَفضِهِم يا حُـــــــــــــرُّ ذُلَّكْ

أَيَخونُ نَحرُكَ سَيفَهُ المــــــــوعودَ مِن      جَدٍّ نَبِيٍّ هــــــــــــــــائِمٍ بالعِشقِ قَبلَكْ

لا شَكَّ أَنَّكَ صارِمٌ أَعطــــــــــــاكَ جَدُّ     كَ ســــــــرَّهُ الباقي بَقاءَكَ حينَ سَلَّكْ

بِعَطاءِ خَيمَتِكَ الجَـــــــــــوابُ يَخونُني     مــــــاذا أُوَزِّعُ؟ بَعدَمـا وَزَّعتَ طِفلَكْ

الحُزنُ أَكبَرُ، عِندَما وَلَدٌ بِــــــــــــــعُمـ     ـرِ السَّهم يُدرِكُ أَنَّ سَهماً رامَ وَصلَكْ

تَدري بِأَنَّكَ في الصَّبـــــــــــاحِ مُفارقٌ      وَجهَ العيالِ فَريـــــضَةً فَسَجَدتَ لَيلَكْ

وَجَمَعتَ شَملَ العاشِقينَ بِـــــــــــــسَلَّةٍ      مِن سُندِسٍ واستَبــــرَقٍ وَنَثَرتَ شَملَكْ

أَرجوكَ أَن تَهَبَ المقـــــــابرَ عَينَ لُطـ     ـفِكَ يا حُسَينُ، فَإِنَّـــــها سَتُريكَ حَقلَكْ

أَرَأَيتَ أَنّا نَــــــــــــــرتَجي دَمعَ التَّأَسّـ     ـي باحتِمالِكَ، بَينَــــــــما قَدَّمتَ شِبلَكْ

الشّاعِرُ الفَنّانُ يَعـــــــــــــــــــرفُ أَنَّهُ      مَهما ارتَقى في لَوحَــةٍ، سَتَكونُ ظِلَّكْ

كَم مِن يَزيدٍ جــــــــــائِرٍ، بِدموعِ طَفِّـ     ـكَ جاءَنا، مُتَلَوِّناً، كَـــــــــــي يَستَغِلَّكْ

الدَّمعُ أَقسى ما يكونُ سَحــــــــــــــابَةً      خَدّاعَةً بِفَقيرِنا وَبِما تَمَــــــــــــــــــلَّكْ

لَو أَنَّهُم حُرِموا بنَصــــــــــرِكَ ساعَـةً      مِن حُكمِهِم لتَوَسَّــــــــــلوا الأَيّامَ قَتلَكْ

الليلُ يَحـــــــــــــــتَلُّ البَسيطَةَ فاهدِها      لِضِياءِ حَلِّكَ إنَّها تَحتـــــــــــــاجُ حَـلَّكْ

طُلاّبُ عِـــــــــطـرِكَ يَرتَجونَ حَديقَةً     مِن ثائِرينَ فَدُلَّهُم مِن أَينَ تُســــــــــلَكْ

الأرضُ تَعرِفُ أَنَّـهُم جـــــــاؤوا لِرَفـ     ـعِكَ في بَهاءٍ عافَ غَيرَكَ واســــتَقَلَّكْ

والشَّمسُ مَدَّت كَـفَّــــــها وَأَتَتْ لِضَمِّـ     ـكَ بَــــــعدَ طَفِّكَ في عناقٍ لَن يَّــــمَلَّكْ

تَدري بِأَنْ جــــــــــاؤوا إليكَ يَقودُهُم      حِـــقدُ القَبائِـــــــــــــــلِ تارِكاً لِلّهِ أَهلَكْ

وَتَنَـكَّـــــــــــروا حَـبلَ المَوَدَّةِ في عِيا     لِكَ بَــــينَما أَرخيتَ لِــــــــلآتينَ حَبلَكْ

جِــــــئتُ الضَّريحَ مُـطَوِّفاً كَفّي وَعَيـ     ـني دَمــــعَةً سَجَدَت عَلَيـكَ لِكَي تُجِلَّكْ

وَتُجِلَّ صَحـبَكَ يا تُرى هَل كُنتَ كَعـ     ـبَةَ عُنفُوانٍ فــــارتَمى الشُّــهَداءُ حَولَكْ

إن ضَـــــــــيَّعَ الباغونَ وَجهَكَ ثائِراً      يَكفيــــكَ أَنَّكَ أَدمَــــنَ الأحــرارُ شَكلَكْ

وقال في قصيدة (حكاياتُ الرَّصاصِ) وهي في أبطال الحشد الشعبي

كافٌ، فَصَبرُ النّــــــــــــــونِ ثُمَّ نِداءُ     أَن يا عِراقُ، ففزَّتِ الأَســــماءُ

وَأَسرَّتِ الأَحلامَ، بينَ ضـلوعِـــــــها      نَطقتْ بِها يا أَرضُ: نحنُ فِـداءُ

هَتفَتْ بِها الأشجارُ، فـاخْضَــرَّت بها     روحُ الكَرامَةِ، ثمَّ هاجَ الــــماءُ

خَيلًا تَصولُ على العَـدُوِّ، فَكـــيفَ لا     تَغلي بأشبالِ الأُسودِ دِمــــــاءُ؟

أَمْ كيفَ تَرضى أنْ تُشـيــــــحَ بظِلِّها      عنْ وَجهِكُم راياتُنا الحَســــناءُ؟

بَلْ كيفَ لا تحذو انــــــــتفاضَةَ أَهلِها     من أَرضِها لسَمائِها الأَشــياءُ؟

وتُسائِلُ القبرَ المُـــضـيءَ بـ (كربلا)     من ذا كما العَبّاسِ؟ فيهِ وَفــاءُ؟

فأَتتْ حكاياتُ الرَّصــــــــــاصِ نَدِيَّةً      لِتَجِفَّ فيها في الوَغى الأَعــداءُ

هُمْ ثُلَّةٌ، يَــــــــــــــدرونَ أَنَّ دمـاءَهُم      نَذرٌ لِجارَتِهِم، فَهُم كُــــــــرَماءُ

يَدرونَ أنَّ الله، جــــــــــــــــاءَ سَبيلُهُ      تاجاً لِكي يَّختـــــــــارَهُ الأُمَراءُ

هُم ثُلَّةٌ، مُذْ (يا حُسَينُ) تَـــــــساءَلوا:      ماذا ترى عينُ الشَّهيدِ؟ فَـجاؤوا

وتَخَضَّبوا بدَمِ الطّفــــــوفِ لِيَسمَعوا      (أَنتُمْ وَأَصحابُ الـحُسَينِ سَواءُ)

يا صَبرَ أَرمــــــلَةِ الشَّهيـدِ يقولُ لي:     طفلٌ بذلكَ، هَــــــيمَن الإصغاءُ

طفلٌ يُوَدِّعُ والِدًاً، في ظَـــــــــــــــنِّهِ     أَنْ سوفَ يُــــــرجِعُهُ إليهِ مَساءُ

وَأَتى الظَّلامُ، وظَــــــنُّ طفلِيَ لَمْ يَنَمْ      وَجَـــــــوابُ أَسئلةِ الظَّلامِ بُكاءُ

أَدعو وَكـــــــــانَ الليلُ يَستُرُ دَمعَتي     ويَهُزُّ شُبّاكَ السّــــــــــماءِ دُعاءُ

رَبّي احفَظِ الأَغـصان، تحتَ ظلالِها      فَرضٌ لــــــــــفلّاحٍ لديـهِ رجاءُ

أن لا تَــــــــمسَّ النّارُ، خطوَ فراشةٍ     بـــــــــــيضاءَ فـيها قُبلَةٌ حَمراءُ

واجعَلْ صَدى الآياتِ، نبضَ جُنودِنا     والرّيحَ طوعَ الحَشدِ، كيفَ يَشاءُ

أَنَا كنتُ أدعو الله، صـــــوتي مُفرَدٌ     فَكـــــــــأَنَّ ليلةَ مَوطِني خَـرساءُ

لكنَّني كالأُمَّهـــــــــــــــــاتِ، روايةٌ     عُظمى بـــــــها أَبناؤُنا العُـظَماءُ

نَدري بأَنَّ النَّصرَ يغـدو قِـــــــــصَّةً     لمَدينَتي أَحداثُــــــــــــها بـيضاءُ

لكنَّ لحظاتِ الهَزيـــــــــــــــمَةِ ليلَةٌ      للقادمينَ بظُلمِهِم ظَلمــــــــــــــاءُ

هِيَ ساعةٌ.. وإذا بِسِجـنِ الليـــلِ يَفـ     ـتَحُ بابَهُ، كـي تَدخُلَ الأَضـــــواءُ

وأَرى بِبـــــابِ الدّارِ ضوءاً ساطعاً      فيهِ انهِــــــــدامي، هكذا الأَسماءُ

فَعَلتْ بيَ الأَسمـــــاءُ، حينَ تسَرَّبَتْ      للعينِ، ما لَـــــــــــمْ تفعَلِ الأَنباءُ

النَّعشُ أَنساني البُكـــــــــاءَ، فَوَجْهُهُ      نَجمٌ، لهُ ضوءٌ، هُـــــــناكَ ضِياءُ

يَتَصاعدونَ إلى السَّمــــاءِ، فَلَمْ يَكُنْ     بالأرضِ مُتَّسَعٌ، وَقالَ فَــــــضاءُ:

لم تَتَّسعْ هذي السَّماءُ لِــــــــروحِهِم      فَسَمَت بِهِم، فوقَ السَّماءِ سَــــماءُ

فاهدَأ بُنَيَّ، الواهبونَ نفوسَـــــــــهُم     فازوا وربِّكَ، والنَّعــــــــيمُ جزاءُ

إذ قالَ ربُّكَ للملائـــــــــــكةِ افتَحوا      بابَ الجِنانِ، فَإنَّهم شُـــــــــــهَداءُ

..................................................

1 ــ زودني الشاعر بسيرته وقصائده عبر الانترنيت

المرفقات

: محمد طاهر الصفار