132 ــ حبيب البغدادي: (كان حياً سنة 1269 هـ / 1853 م)

حبيب البغدادي: (كان حياً سنة 1269 هـ / 1853 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (26) بيتاً:

أبدتْ خفايا حـــــــقدِها واستظهرتْ    فـي (كربلا) بضمائرِ الأغمادِ

نشرتْ صحـائـفَ غدرِها واستقبلتْ    وجــهَ الهدى بصفائحٍ وصعادِ

فترى الحسينَ مشمِّراً عن ساعدٍ الـ    إيمـــــانِ مدَّرِعاً دلاصَ رشادِ (1)

وقال من أرجوزة تبلغ أكثر من (300) بيتاً يصف بها رحلته من جبل عامل إلى العراق لزيارة المراقد المقدسة:

وغـايــــــــةُ الـمـقـصـدِ لثمُ تربِهم    والـفـوزُ بـازديـارِهـمْ وقـربِهمْ

فلثمُ ذاكَ التربِ من أرضِ النجفْ    قد ضمنَ الفوزَ منالاً والشرفْ

ولثمُ تـــــــربِ (كربلا) أكـرمْ بها    من تـربةٍ للفضلِ فيها المنتهى (2)

الشاعر

الشيخ حبيب بن طالب بن علي بن أحمد بن جواد البغدادي الكاظمي، ولد في الكاظمية ولا يعرف بالتحديد سنة مولده ووفاته غير أن السيد محسن الأمين حدد الفترة التي كان فيها حياً فقال: (كان حياً سنة 1269 هـ / 1853 م والله أعلم كم عاش بعدها). (3)

وقال الشيخ الطهراني: (هاجر إلى جبل عامل فسكنها وصحب أمراء البلاد ومدحهم بقصائد جيدة ثم عاد إلى العراق في سنة ١٢٤٣ من (تبنين) فنظم أرجوزة طويلة ضمنها ما لاقاه في طريقه وجعلها بمثابة الرحلة أرخ فيها ابتداء سفرته من دمشق وسامراء والكاظميين وكربلاء والنجف وغيرها. رأيناها ضمن مجموعة شعرية. فوفاة المترجم بعد التاريخ ورأيت من شعره ما يدل على حنينه إلى بلده) (4)

يقول السيد الأمين ترجمته: (شاعر مجيد متفنن خفيف الروح، يجمع شعره الرقة والانسجام وأنواع الطرائف، أصله من العراق من بلد الكاظمين عليهما السلام (الكاظمية). سكن جبل عامل... ثم عاد إلى الكاظمية وتوفي هناك. ولا تزال ذريته في جبل عامل إلى اليوم). (5)

وقال عنه الشيخ محمد آل مغنية: (الشاعر المفلق الذي إذا خطب أعجب وإذا انشد أطرب، لم أر في عصري افكه من هذا الشاعر المجيد، وكان أسرع الناس بديهة وأذكى قريحة، رأيته مراراً لا يتوقف في كتابة ما أراد من الشعر والإملاء، سريع البديهة حسن المحاضرة، صاحب أجوبة مسكتة، جزل الكلام، إذا تكلم أعجب كل سامع. ينشئ القصيدة الطويلة في الوقت القصير، وشعره كثير لا يكاد يحصى، من السهل الممتنع). (6)

وقد ذكر له السيد الأمين كثيراً من شعره في أغراض شتى انتقينا منه ما يخصّ أهل البيت (عليهم السلام):

يقول من قصيدة فيهم (عليهم السلام) تبلغ (26) بيتاً:

بني النــــــــبـيِّ لـكـمْ في القلـبِ منزلةٌ    بـهـا لـغـيـــرِ ولاكـــمْ قط ما جنحا

يــــــــلومنـي الناسُ في تركي مديحكمُ    وكمْ زجرتُ بــكمْ من لامني ولحا

عذراً بني المصطفى إنْ عنكمُ جمحتْ    قريحتي وهــــي مثلُ الزندِ مُقتدحا

فلا أرى الــــــــــوهمَ والأفهامَ مدركةً    ما عنونَ الذكرُ من أسرارِكم مدحا

سـبـقـتمُ النــــــــــاسَ في علمٍ ومعرفةٍ    والأمـرُ تـمَّ بـكـمْ خـــتـمـاً ومُـفتتحا (7)

ومنها:

لكنما الناس في عــــشواءَ خابــطةٍ    ليلاً وآثـارُكم في المعجزاتِ ضحى

إن شاهدوا الحقَّ فيما لا تحيــط به    عــقـــــــولـهـم جعلوا للحقِّ مُنتزحا

تـجـارةُ اللهِ لــــــم تـبـذلْ نفـائسَــها    إلا لــمن كان عن غشِّ الهوى نزحا

وربما خاضتِ الألبابُ إذ شعــرتْ    مـضامنَ النـورِ دون السترِ قد لُمحَا

فآضَ كلٌّ على دعــــوى مكـاشــفةٍ    تـوهُّــــمـاً أن بـابَ الـسـتـرِ قد فُتحا

شاموا ظواهرَ آياتٍ لــــها وقـــفتْ    ألبابُـهــم غـيـر أنَّ الوهـمَ قـد شرحا

وهمْ على خوضِ ما ألفوهُ مــن أثرٍ    كـمثلِ أعـــمشَ من بعدٍ رأى شبحا

فليس يدري لتشعيـبِ الـظنــونِ به    أسـانحاً ما رأى أم بــــارحـاً سـرحا

إنَّ المدى لبعيـدٌ والســراةُ غـــدتْ    فـيه كلالاً وكلٌّ في الســــــرى دلحا

وكـلـمـا شِـيـمَ مـن آثارِ مـــــعجزةٍ    فـإنَها رشحٌ ما عن فيضِكم طــــفحا

فالحجبُ عن سعةِ الآثارِ ما بخلتْ    والحكمُ في صفةِ الأسرارِ ما سـمحا

وقال من قصيدته الدالية في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) والتي تبلغ (26) بيتاً وقد قدمناها:

خـلِّ الـنــــــسـيـبَ فـلـستُ بـالمرتادِ    لـهـوَ الحديـــــــثِ بزينبٍ وسعادِ

ما لــــــي وكــاعـبـة تكلّفنـي الهوى    شـــــــتّـانَ بـين مُرادِها ومرادي

دعنـي وفيضَ مـحاجري فـلقد غدت    تقــري ضيوفَ الهمِّ نارُ فـؤادي

واذكــــرْ مصابَ الطفِّ فـهيَ رزيةٌ    فصمَ الضلالُ بها عُرى الإرشادِ

يومٌ أصاب الشرك فيه حشى الهدى    بمسدَّدِ الأضغــــــــــانِ والأحقادِ

يومٌ غدا فـيـه عـلـــــــى رغـمِ العُلا    رأسُ الحسينِ هدية ابــــــنَ زيادِ

يوم رُمـي سـبـط النبـــــــيِّ بعصبةٍ    جُبـــــلتْ على ما سنَّ ذو الأوتادِ

آلــتْ عــلــى أن لا تــغــادرَ للنبـيِّ    بـقـيـةً وأتــــــــــــتْ بـكـلِّ فـسـادِ

أبدتْ خفايا حقدِها واستـــــــظهرتْ    في (كربلا) بضمـــــائرِ الأغمادِ

نشرتْ صحائفَ غدرِها واســتقبلتْ    وجـهَ الهدى بصفائـــــحٍ وصِعادِ

فترى الحسينَ مُشمِّراً عن ساعدِ الـ    إيـمـانِ مُـدَّرعـــــاً دلاصَ رشـادِ

وبـكـفِّـه قـلمُ الحتــــــــوفِ فلم يزلْ    يــــمحو سطورَ الشركِ والإلحادِ

في عـصـبـــــــــةٍ رأتِ المنيَّةَ مُنيَةً    فـــــي اللهِ فـانـتـهزتْ منالَ مُراد

فرماحُها لحـــشى الصـدورِ مشوقةٌ    وسيوفُها لـــــدمِ الرقابِ صَوادي

اللهُ أكبرُ يا لـيــــــــومٍ فــي الـورى    لـبـسـتْ به الأيــــــامُ ثـوبَ سوادِ

يومٌ بـه نُـكـسـنَ أعــــــــلامُ الـهدى    حـتـى تـداعـى شـــــــمـلـه بـبدادِ

يـومٌ بـه عـجَّـتْ بـنــــــــاتُ مـحمدٍ    مـــــــن مـبـلـغٍ عنا النبيَّ الهادي

يا جدُّ لو أبـصـــرتَ ما بلغَ الـعدى    مـــــــــــنّـا ومـا نـالـتـه آلُ زيـادِ

أما الحسينُ ففي الوهــــــــادِ وإننـا    فـــي الأسرِ والسجادُ في الأصفادِ

يـا جـدّ مـا آووا ولا راعـوا ولا ادَّ    كـــــــروا بــأنَّ اللهَ بـالــمـرصـادِ

أهـونْ بـكـلِّ رزيـــــــــةٍ إلّا الـتـي    صــــــدعـتْ بـعاشوراءَ كلَّ فؤادِ

لكَ في جوانحِنا زعازعُ لــــم تزلْ    منــها تصبُّ مـن الجفونِ غوادي

مـولايَ يـا مــــــــــن حبُّه وولاؤه    حــــرزي ومدَّخـري ليومِ معادي

أينالُ مـني من علمــــــــتَ شقاءه    ويريـــــدُ بي سـوءاً وأنتَ عِمادي

وعليكمُ صلّى المهيمنُ مـــا سرتْ    نـيبُ الفـــــــلا وحدا بهنَّ الحادي

وقال عند زيارته لمرقدي الإمامين الكاظمين (عليهما السلام):

وافتْ إليكمْ تجوبُ المــــاءَ حاملةً    ناراً من الشـــوقِ لا يطفأ لها لهبُ

حتى ترى الطورَ والأنوارَ تشمله    من نارِ موسى وفيهِ السرُّ مُحتَجَبُ (8)

وقال في زيارته إلى مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام):

للهِ تربُـــــكِ سـامـراء فـــــــــــــــاحَ بــه    ريحُ النبوَّةِ إشــمامـاً وتـعـبـــيـقـا

هـنِّـئـتَ يـا طـــــرفُ فــــــيما متّعتك بهِ    يــدُ الـمـواهـــبِ تـأيـيداً وتــوفيقا

لم يطرق العقــــلُ بــــــاباً من سرائرِهم    إلا وكـان عـــن الإفـهـــامِ مغلوقا

وفي الـمـعـــــاجـــــــــزِ والآثارِ تبصرُه    لــرائـمٍ غـــررُ الايـضـاحِ تـحقيقا

هذا الـكــــــــــــــتـابُ فـسـلـه عـنهمُ فبهِ    صراحــة المدحِ مفهوماً ومنطوقا

أبصــــرْ بعينِكَ واسمعْ واعتبرْ وزنِ الـ    ـمـــــعقولَ واختبرِ المنقولَ توثيقا

وجـــــلْ بــــــطــرفِـكَ أيـماناً ومـيسـرةً    وطـــــفْ بسعيـكَ تغريباً وتشريقا

فهلْ ترى العــــروةَ الـوثـقى بغيــــرِهمُ    حـــيثُ الـــــولاءُ إذا بالغتَ تدقيقا

وهل ترى نارَ مـــوسى غيرَ نــــورِهمُ    وهلْ ترى نعتَهم في اللوحِ مسبوقا

وهـل تـرى صـفــــوةَ الآيـــــاتِ معلنةً    لـغــــــــيرهم ما يـؤدِ الفكرَ تشقيقا

قومٌ إذا مُـدحـوا فـي كـــــــــلِّ مـكرمةٍ    قالَ الكتــــــابُ نعمْ أو زادَ تصديقا

أضحى الثناءُ لهم كالشمسِ رأدُ ضحىً    وباتَ في غـــــــيرِهم كـذباً وتلفيقا

إنّي وإن قــــــلَّ عن أوصافِهم خطري    وهل تــــــــرى زمناً ينتاش عيّوقا

تعساً لقوم تعـــــــــامتْ عن سنا شهبٍ    إيـضاحُها طـــــبَّقَ الأكوانَ تطـبيقا

إنَّ الإمـامـةَ والـتــــــــوحـيـدَ في قرنٍ    فـكيفَ يؤمنُ من يــــــختارُ تفـريقا

يا من إليهم حملت الشــــــوق ممتطياً    أقـتاب دجلة لا خيلا ولا نـــــــــوقا

الماءُ يحملُني والنـارُ أحــمــــــــــــلُها    مـن لاعـــجِ الوجدِ تبريحاً وتشويقا

أنـتـمْ رجـائـي وشـوقي كــــــــلُّ آونةٍ    وأنـتـمُ فــــــــرجي مهما أجدْ ضيقا

في يـوم لا والـدٌ يُـــــــــغـني ولا ولدٌ    ولا يـــــــــفـرِّجُ وفـرَ المالِ تضييقا

ونـحـنُ في هذهِ الدنيا لحــــــــــــــبِّكمُ    نرعى علــى الضيمِ جبريَّاً وزنديقا

من بـينِ مُبدي عداءٍ لا نطيـــــــقُ له    رداً وآخرُ حــــــــــقداً يخزرُ الموقا (9)

وقال في حق الإمام الرضا (عليه السلام):

أبا الحسنِ الرضا قصَدَتكَ مِنَّا    قلوبٌ قد وردنَ نداكَ هيما

ولاحــــتْ قبةٌ كالشمسِ تمحو    أشعتُها عن القلبِ الهموما

فـلـم تـرَ غــــيـرَ حـبّـكمُ نجاةً    ولـم ترَ غيرَ فضلكمُ نعيما (10)

ومنها:

ألـستمْ خيرَ أهلِ الأرضِ طرَّاً    وخيرَ من ارتدى الشرفَ العميما

ولو بـكـمُ اسـتـجـارتْ آلُ عادٍ    لمـــــــــا عـادتْ لـيـاليها حسوما

ألستمْ في الورى كسفينِ نوحٍ    ومن ركـــــــبَ السفينَ نجا سليما

تبصّرَ من تبصَّـرَ فـي ولاكمْ    فـلـم يـعدُ الصــــــراط المستقيــما

ومن جابَ الفيافي في ولاكـمْ    فـلا بـأسٌ يخافُ ولا جحيــــــــما

..............................................................

1 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٥٤٢ / موسوعة الشعراء الكاظميين ج 2 ص 10 ــ 11

2 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٥٤٧ ــ 551

3 ــ نفس المصدر ج ٤ ص ٥٤١

4 ــ أدب الطّف للسيد جواد شبّر ج 6 ص 307 عن طبقات أعلام الشيعة للطهراني

5 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٥٤١

6 ــ نفس المصدر والصفحة عن كتاب جواهر الحكم ودرر الكلم

7 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٥٤١ / موسوعة الشعراء الكاظميين ج 2 ص 9 ــ 10 / أدب الطف ج 6 ص 308

8 ــ أعيان الشيعة ص ٥٤٢

9 ــ نفس المصدر ص 542

10 ــ نفس المصدر والصفحة

كما ترجم له:

محمد حسن آل ياسين / شعراء كاظميون ج 1 ص 125 ــ 184

عبد الكريم الدباغ / موسوعة الشعراء الكاظميين ج 2 ص 5 ــ 14

المرفقات

: محمد طاهر الصفار