127 ــ المؤيد في الدين الشيرازي (390 ــ 470 هـ / 1000 ــ 1087 م)

المؤيد في الدين الشيرازي (390 ــ 470 هـ / 1000 ــ 1087 م)

قال من قصيدة في حق أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (51) بيتاً:

وقد زرتُ مثوى الطهرِ في أرضِ (كربلا)      فـدتْ نفسيَ المقتولَ عطشانَ صاديا

فـفـي عُـشـرِ ما نال الحســــــــينُ بنُ فاطمٍ     لـمـثـلـيَ مـسـلاةٌ لـئـن كـنـتُ سـالـيـا

ولـي عــزمـةٌ إنْ تــمَّـمَ اللهُ خـطــــــــــــبُها     كفـانـي تـمامَ الـعـزمِ لـلصـدرِ شـافيا (1)

الشاعر:

المؤيد في الدين هبة الله بن موسى بن داود الشيرازي السلماني، الملقب بـ (داعي الدعاة) (2) و(باب الأبواب)، شاعر وداعية وفيلسوف وأديب ومتكلم، ولد في شيراز من أسرة إسماعيلية وكان أبوه من دعاتها، أما نسبه فهناك من المؤرخين من يقول بأنه من نسل الصحابي الجليل سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) واستدل على ذلك من قول الشاعر:

لو كنتُ عـــاصرتُ النبيَّ محمداً     ما كنتُ أقصرُ عن مدى سلمانِه

ولقالَ أنتَ مِن أهلِ بيتي معلناً     قـولاً يـكـشّفُ عـن وضوحِ بيانِه (3)

وقال الدكتور محمد كامل حسن تتفق جميع النصوص على تسميته بالسلماني نسبة إلى سلمان الفارسي (4)

عاش المؤيد في بداية حياته حياة الفاقة والشقاء وعانى كثيراً من أهل مدينته بسبب تشيّعه الذي يخالف مذهبهم وقد جرت بينه وبين علماء مدينته من المعتزلة والزيدية والسنة مناظرات عدة بحضور السلطان أبي كاليجار البويهي فكان يتفوق على كل من ناظره فأعجب به السلطان وكان يستمع إليه. (5)

ولكن الدسائس كانت تحاك ضده في بلاط كاليجار فهرب من شيراز بعد أحداث طويلة (6)

وكان لأبيه، ثم له، القيام بدعوة الفاطميين فيها. وكان المؤيد في اللّه متضلعاً في علمي الكتاب والسنّة، غزير العلم، واسع الاِطلاع، مناظراً، أديباً، شاعراً، وغادر مدينته خوفاً من السلطان أبي كاليجار، فخرج متنكراً إلى الاَهواز سنة (329 هـ)، ثم توجّه إلى حلَّة منصور بن الحسين الاَسدي فمكث فيها نحو سبعة أشهر، ثم سار إلى قرواش بن المقلّد.

وتوجّه بعد سنة (336 هـ) إلى مصر، فخدم المستنصر الفاطمي في ديوان الاِنشاء، وتقدّم إلى أن صار إليه أمر الدعوة الفاطمية سنة (450 هـ)، ولُقِّب بداعي الدعاة وباب الاَبواب. ثم نحّي وأُبعد إلى الشام، وعاد إلى مصر، فتوفي فيها سنة سبعين وأربعمائة.

وكان يدرّس في الجامع الاَزهر، وله رسائل ناظر فيها أبا العلاء المعرّي (المتوفى 449 هـ) في موضوع أكل اللحم (7)

يقول الدكتور غسان بركات: (واستطاع الشيرازي من خلال قدراته العقلية وحججه المنطقية أن يقنع أحد ملوك البويهيين (أبي كاليجار) سلطان شيراز من الدخول في دعوته، مما سهل له أمر إجهار معتقداته الفاطمية في بلد يدين للعباسيين بالولاء دون خشية، إلا أن العباسيين شعروا بخطورته وتآمره عليهم فحاولوا إلقاء القبض عليه إلا أنه فر إلى مصر مقر الخلافة الفاطمية وأقام بها زهاء ثلاثين عاماً، عمل خلالها على نشر العقائد الإسماعيلية عن طريق إلقاء المحاضرات العلمية والمجالس التأويلية، فاستمع له جمهرة من المصريين وآخذوا عنه علوم الدعوة وفلسفتها، وعنه أيضاً أخذ اليمنيون والجزائريون فأدانوا له بالأستاذية في علوم الدعوة) (8)

لكن هذه المناظرات زادت من أذى الناس له مما اضطره إلى مغادرة شيراز إلى الأهواز وهو في العقد الرابع من عمره بعد أن اتسعت رقعة الخلاف بينه وبين مدينته إلى السلطة، فهرب منها خوفا من أبي كاليجار، غير أنه بقي قلقاً في الأهواز خوفاً من عيون السلطان فلم يبق بها سوى سبعة أشهر ثم غادرها إلى الموصل ومنها إلى مصر التي بقي فيها حتى وفاته. (9)

وقال الدكتور عمر فروخ: (ورث المذهب الفاطميّ والدعوة إليه من أبيه في بلد كان لا يزال مذهب الناس فيه السنّة. ففي آخر رمضان من سنة 429 احتفل المؤيّد في نفر من أتباعه بعيد الفطر ــ لأنّ هذا العيد كان عند الفاطميّين قبل عيد أهل السّنّة بيوم ــ فكادت تحدث فتنة في البلد فاضطرّ المؤيد إلى التنقّل بين شيراز وبسا والأهواز متخفّيا حيناً وغير متخفّ حينا آخر) (10)

ضريبة ولائه

كان المؤيد من أكبر دعاة الفاطمية في كل البلاد التي حل فيها وقد وصف نفسه للمستنصر بالله الفاطمي بقوله: (وأنا شيخ هذه الدعوة ويدها ولسانها ومن لا يماثلني أحد فيها)، (11) كما وصف الشيخ الأميني سعيه في الدعوة إليهم بالقول: (وقد كابد دون تلك الدعوة كوارث، وقاسى نوازل ملمة، وعانى شدائد فادحة، غير أنه كان يستخف وراثها كل هامة ولامة، ولم يك يكترث لأي نازلة). (12) وقد صور المؤيد هذه المعاناة في كثير من شعره منها قوله من يائيته التي قدمناها:

وقاسيت صـعـبـاً بَيْنَ حِلٍّ ورحْــلـــــةٍ     يَقَلّـبُ قَـلـبَ الصَّخْر أدْنـاهُ واهيا

وعاركتُ من بَرْدِ الشِّتاء مَـعـاطـــــباً     بَسْيري ومنْ حَرِّ الهـجيرِ مَكاويا

ولابستُ أقْواماً غِـلاظـاً طِــبَـــــاعُهُمْ     تـظـلُّ بـنـو الآدابِ فِــيـهمْ خَوَافِيا

سيبكي عليَّ الفَضلُ والـعلمُ إنْ رمتْ      بمثلي يَدُ الدَّهْرِ العـسُوفِ المراميا

وبَتَّ حِباِلي عن دِيــارِي وأسْــــرَتي     وصَـــيَّرَ مَـغْنَى الــدينِ مِنِّي خَاليا

وأسكتَ مِنِّي في حِمَى الشرْقِ خاطباً      لهمْ بمرَايا الفَضْل في الخَلقِ جَاليا

وهو يتأسى بالصحابي العظيم أبي ذر الغفاري في ما عاناه من نفي واضطهاد:

وفي آلِ طه إن نـفـيــــــتُ فـإنـنَّـي     لأَعْـــداِئهـم ما زلتُ والله نَافِيا

فما كنْتُ بِدعاً في الأُولى فيهم نَفوا     ألا فخرَ أنْ أغدو لِجُندبَ ثانيا

قالوا فيه

للمؤيد مع أبي العلاء المعري مناظرات ومراسلات كثيرة دونها المؤيد في سيرته التي كتبها بقلمه. وكان قوي الحجة في المناظرة حتى قال عنه المعري: (ولو ناظر أرسطاليس لجاز أن يفحمه، أو أفلاطون لنبذ حججه خلفه) (13)

وقال المستشرق الروسي فلاديمير ايفانوف: (كان المؤيد مؤلفاً بارعاً، كتب بالعربية والفارسية ولا تزال كتبه من أمهات كتب الإسماعيلية) (14)

وقال الشيخ الأميني: (أوحدي من حملة العلم، وفذ من أفذاذ الأمة، وعبقري من جلة أعلام العلوم العربية، نابغة من نوابغ الأدب العربي، وله نصيبه الوافر من القريض بلغة الضاد وإن ولد في قاعة الفرس ونشأ في مهدها) (15)

وقال السيد جواد شبر: (وإنما سمي بالداعي لما كان يتحلى به من صفات العلم والتقوى والسياسة ونشر الدعوة وبث المعارف، وعمل داعي الدعاة هو الإشراف على كل شيء يختص بالدعوة وعقد مجالسه بالقصر أو دار العلم). (16)

وقال الدكتور عمر فروخ: (كان المؤيّد في الدين عالماً من علماء المذهب الفاطمي جمع آراءه و جادل عنها شعراً في ديوان له ونثراً في ثلاثة كتب هي المجالس المؤيّدية أوسع كتبه وأهمّها ثم سيرة المؤيّد في الدين التي ترجم فيها لنفسه (كتب فيها تاريخ حياته) بقلمه ثم رسائله إلى أبي العلاء المعرّيّ في شأن امتناع المعرّيّ عن أكل اللحم) (17)

ووصفه إبراهيم بن الحسن الحامدي ــ وهو من كبار الإسماعيليّة ــ بـ(سيدنا المؤيّد في الدين) (18)

قال الشيخ إسماعيل المجدوع: (سيدنا الأجل، داعي الدعاة، المؤيّد في الدين، عصمة المؤمنين، صفي أمير المؤمنين ووليّه وبابه، أبو نصر، هبة الله بن موسى الشيرازي، أعلى الله قدسه، ورزقنا شفاعته وأنسه) (19)

قال طه الولي: (وترك مؤلّفات كثيرة في المذهب القرمطي، وهي ما تزال معتمدة من قبل الإسماعيليّين إلى اليوم، وله شعر يكاد لا تخلو قصيدة فيه من ذكر الولاية والإشارة إلى طاعة الأئمّة، وأنّ علياً والأئمّة من ذرّيّته هم الذين اختصّوا بتأويل القرآن دون غيرهم من الناس) (20)

مؤلفاته

دلت مؤلفاته على سعة علمه في العقائد وعلم الكتاب والسنة يقول الشيخ الأميني: (وللمؤيد آثار علمية تنم عن طول باعه في الحجاج والمناظرة، وعن سعة اطلاعه على معالم الدين ومباحثه الراقية، وتضلعه في علمي الكتاب والسنة ووقوفه على ما فيهما من دقائق ورقائق، له رسائل ناظر بها أبا العلاء المعري ... ومناظراته القيمة مع علماء شيراز في حضرة السلطان أبي كاليجار تعرب عن مبلغه من العلم، ومناظرته مع الخراساني شاهد صدق على تضلعه في العلوم) (21)

ومن مؤلفات المؤيد:

 1 - المجالس المؤيدية.

 2 - المجالس المستنصرية.

 3 - ديوان المؤيد.

 4 - سيرة المؤيد.

 5 - شرح العماد.

 6 - الايضاح والتبصير في فضل يوم الغدير.

 7 - الابتداء والانتهاء.

 8 - جامع الحقائق في تحريم اللحوم والألبان.

 9 - القصيدة الاسكندرية وتسمي أيضا بذات الدوحة.

 10 - تأويل الأرواح.

 11 - نهج العبارة.

 12 - المساءلة والجواب.

 13 - أساس التأويل. (22)

ويبدو أن هناك كتب أخرى للمؤيد مفقودة ويدل على ذلك قول القضاعي في تاريخه: (وكان للمؤيد تصانيف جمة في الحجج والسير والأخبار، وله أدعية ومناجاة في الأوراد مشهورة). (23)

سيرته وما كُتب عنه

كتب المؤيد سيرته بقلمه في كتاب سماه (سيرة المؤيد في الدين داعي الدعاة) وضم هذا الكتاب ذروة الأحداث في حياته في الفترة بين عامي (429 ــ 450 هـ) وأصبح هذا الكتاب المصدر الرئيسي والوحيد لكل من تناول سيرته ونشاطه السياسي والديني وقد حقق هذه السيرة وقدم لها الدكتور محمد كامل حسين، كما كتب عنه كامل ترجمة وافية في عن جميع جوانب حياته في (186) صفحة قدم بها ديوانه المطبوع بمصر. (24)

مجالسه وخطبه

أما مجالسه فقد احتوت على علومه وعقيدته التي دافع عنها ومن مجالسه خطبته التي ألقاها في يوم الغدير ودونها فيها وهي خطبة طويلة يبدأها بحمد الله والصلاة على نبيه المصطفى نقتبس منها قوله:

(صلى الله عليه وعلى أخيه ووصيه وابن عمه ووارث مناقبه وعلمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أسد الله الغالب، المشهورة صولته في المواقف والزاهد في الدنيا، الناظر إليها نظر الآنف منها العائف، والتقي العامل بطاعة الله عمل الوجف الخائف، سبق السابقين إلى الإسلام فلم يلحق غباره، وقضى بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يخش عثاره، وسلك السبيل الأقوم فلم تندرس آثاره، ونطق لسانه بالحق والصدق فلم تخف أنواره، لا جرم أنه قد هدم بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أركان الباطل وقوضها، وحل سرائر الكفر ونقضها، وأغص أبطال الشرك بريقها وأجهضها، وغور مياه طوفان أفكها وغيضها، وطلق الدنيا ثلاثا بعد بني الله ورفضها، وأهان بإعراضه عنها جوهرها وعرضها، وداوى بعلومه قلوب شيعته وأزال مرضها، وطهرها من دنس الشرك ورمضها، وأخلص النصيحة للأمة ومحضها، فاختاره الله بعد رسوله وأوجب مودته ومودة نبيه على الأمة وأربى به ...)

ومنها: (واعلموا رحمكم الله أن يومكم هذا يوم عيد عظمه الله وفضله وتمم فيه الدين وكمله بإشهار من وسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأشرف السمات وقال فيه: (من كنت مولاه فعلي مولاه) إفصاحا لما استعجم على الخلائق من الشبه المبهمات حتى أنزل الله عز وجل إيضاحا وتبيينا:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا

وذلك لما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع المشهورة المشهرة المذكورة في الأخبار المأثورة، نزل عليه جبريل (عليه السلام) محفوفا بالإعظام ومناديا من ربه بالسلام مبلغا ما جعله بلاغا للعابدين من الناس وأمر بما يكون حجة على من سلك شبه الشك والالتباس بقوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

في علي

وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

فنزل في غدير خم والأرض مستعرة من الرمض واللهب يظهر منها إلى القضاء فأمر بحط الرحال والأقتاب ونادى بالصلاة جامعة في جميع الأصحاب ودنا من شجرات متقاربات وأعشاب متناشبات وأمر بهن فكسر الأصحاب شوكتهن وقم ما تحتهن وجاؤوا إليه مجتمعين وأحدقوا به مستمعين فنادى سلمان الفارسي وأبا ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي وأمرهم بجمع ما قدروا عليه من الحجارة ووضعوها كهيئة المنبر وألقى عليهم أحدهم إزاره فيروى عن جعفر بن محمد الصادق الناطق بالحكمة بلسان الحقائق أنه قال:

والله ما نادى النبي (صلى الله عليه وآله): لفرض صلاة ولا صوم ولا حج ولا جهاد، وإنما نادى لفرض ولاية علي بن أبي طالب عليكم وإيجابها على الحاضر والباد لأنه (صلى الله عليه وآله) صلى ركعتين صلاة الاستخارة وأم الصعود على تلك الحجارة فحمد الله وأثنى عليه وعدد آلاءه وإحسانه إليه، وبشر وأنذر وخوف وحذر ونعى نفسه إلى الأمة وأعلمهم بانتقاله لمحل الرحمة وقال:

معاشر الناس ألست بكتاب الله أنذركم ومن شديد عقابه أحذركم وأنا أولى منكم بأنفسكم

قالوا بلى يا رسول الله. قال:

اللهم اشهد عليهم على إقرارهم وإني مبلغ ما أمرتني به إليهم وأنا الآن شهيد فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، أيها الناس من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ألا وأني أخبركم بما يزيل الجفاء لأن استمعتموه واتبعتموه ليسلكن بكم المحجة البيضاء وليوضحن لكم طريق الحق السواء فاتقوا الله وأطيعون إن كنتم مؤمنين)

ويتابع المؤيد خطبته بعد نقله لحديث الغدير فيقول: (فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ولي هذه الأمة بعد رسولها، وحافظ فروع الشريعة وأصولها، أشجع من أسعر في نصرة الله وطيسا، واختلس أسنته من أجسام المشركين نفوسا، ونظمت سمهريته منهم جسوما ونثرت مشرفيه منهم رؤوسا العالم المطالع في ظلم الشكوك ببيانه من الحكمة شموسا والزاهد الذي كان لما استخشنه المشركون لبوسا والقائل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك:

ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى

ففضله باهر وثوبه طاهر وطرفه في ذات الله ساهر لقد أفلح من اعتقد ولايته وفاز من تقلد بيعته لأن الله عز وجل لم يختره على الأمة إلا لما اطلع عليه من صادق نيته وخالص طويته، فإن أحببتم أن تسلكوا منهج الحق مسترشدين بدليله فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله، واحمدوا الله معاشر أهل الولاء على ما خصصتم به من ولايته التي أعمالكم بها منقلبة وشملكم من عدل إمامكم الذي أغصان فضله عليكم منهدلة .....)

وهي خطبة طويلة اكتفينا بما نقلناه ما يدل على عقيدة المؤيد الخالصة بولايته لأمير المؤمنين (عليه السلام) كما يدل على بلاغته وأسلوبه البارع في الكتابة (25)

شعره

يقول من قصيدة وهو يصف زيارته للنجف الأشرف والتشرف بزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي غاية أمانيه:

لئن مسَّنى بالنَّــــــفي قُرْحٌ فـإنـني     بلغتُ به في بعضِ هَـــــمِّي الأمانيا

فقد زُرتُ في كوفـان للـمـجْـدِ قـبَّة      هيَ الدينُ والدنـــــــيا بِحَقٍّ كما هِيَا

هيَ القبَّةُ الـبـيضــاءُ قـبَّـةُ حــــيدرٍ     وصيِّ الذي قد أرسلَ الله هــــــاديا

وصيُّ النبيِّ المصطفى وابنُ عمِّه      ومن قامَ مولىً في الغديـــــرِ وواليا

ومن قال قومٌ فيه قـــــــولاً مُناسباً      لقولِ النَّصارى في المسيحِ مُضاهِيا

فوا حبذا التطوافُ حَوْل ضـريحِه      أصلِّي عليه في خُشُوعٍ تــــــــــواليا

وواحـبـذا تـعْـفـيـرُ خـدِّيَ فـــوقـه     ويا طـيبَ إكبــــــــــابي عليهِ مُناجيا

أناجي وأشْكو ظـاِلـمــــي بتَحَرُّقٍ     يثير دُموعاً فوق خـــــــــدِّي جَوَاريا

وقال في أمير المؤمنين أيضاً من قصيدة تبلغ (60) بيتاً

أبا حَسَـنٍ يا نَظِيرَ النَّــــذِيرْ     ولولا وجــــودكَ فَـاتَ النَّظيرا

ويا قَمَـراً بعد ذاكَ الــسراجْ     مُنيراً بَـــــدَا للدِّياجـي مـنـيـرا

ويا صـاحبَ البَيِّنَــاتِ الذي     يُـريــــــنا نعـيماً وملكاً كـبـيـرا

أجرْ عَبْدَك المُسْتَضَام الذي      أتى بك مَوْلَى الورى مستجيرا

وأخْرِجَ مـن أرضِــــهِ فيكمُ     فـجـابَ البـــــراري إليكمْ فقيرا

فكنْ لي معيناً ولـــــيُّ الإلهِ     على الظالمينَ وكنْ لي نـصيرا

وخَرِّبْ ديارَ الطغــاةِ البغاةِ      ودَمِّــــــــر كـبـيرَهمُ والصغيرا

إلهي شفعتُ بـــهذا الوصيِّ     فشفِّعْ لــــي فيه السميع البصيرا (26)

وقال في مكانة أمير المؤمنين (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قصيدة تبلغ (23) بيتاً:

وهذا رسولُ اللهِ أفضلُ مُرْسَـــــــلٍ     وليس يطيقُ الـناعتونَ له نــعتا

ومن هوَ خيرُ الخلقِ أصلاً ومحْتداً      وأكرمهمْ نفسـاً وأطهرهمْ نــبـتا

أقامَ عمودَ الدينِ والـــرشدِ والهدى      وَحَتَّ سنامَ الكـفرِ بالحقِّ فانحتّا

وكمْ كـمْ لـه مـن آيـةٍ وعــــــــلامةٍ     وباهرِ علمِ كــان يـبـهـتهمْ بــهتا

وقد يسَّرَ اللهُ الـــــــــهدى بـلـسـانِـهِ     لـمـنْ كـانَ قـلـبٌ فألاّ تـذكّــرتـا

وآياتُ دينِ اللهِ تـــــــــــزهـرُ كـلّـها     بنـورٍ تـراهُ ســاطـعـاً إن تـأمّلتا

وتأويلُه مـسـتـودعٌ عـــــــــندَ واحدٍ     وإن لـم تـســائله فزوراً تـــأوّلتا

وأحمدُ بيتُ النورِ لا شـــــــــكَّ بابه      أبو حسنٍ والبيتُ من بابِه يُؤتى (27)

وقال:

حـسـبـي الله وحـــــده     وعـلـيـه تـوكـــــــلي

أملي المصطفى الذي      هو لي بالمُنَى يــــلِي

وعـلـــــــــيٌّ وفـاطـمٌ     والـموالي بــــنو علي

وإمامُ الزمــــــانِ مَنْ      هو في الدينِ لي ولي

همْ عمادي لشـــــدَّتي     بهم الـهمُّ ينــــــــجَلي (28)

وقال يصف ما ناله من أذى بسبب ولائه لأهل البيت (عليهم السلام):

ألا يا بـنـي طــه بِـنَـفْـــــــسـي أَنْــتُم     فــؤادي بكُمْ مُغْرىً وقَلْبيَ مُغرمُ

فَدَيْتُهْمُ طوعــاً وإن كــــــــنتُ فيــهمُ     أراقـبُ دهري أن يُراقَ لي الدمُ

أناسٌ لهمْ جـــســــمـي لـكلِّ كريــهةٍ     مَـحَـــــلٌ وقـلبي لـلـهـمومِ مخِيمُ

زوى الدهــرُ عني فيهمُ سهمَ خيــرِهِ      وللشرِّ مـــــنه بين أحشايَ أسْهُم

تَـصَـرَّمَ يَـــوْمٌ مـن أمَـيَّـــــةَ جـــائـرٌ     وعَـنـــي يَـوم الجَوْرِ لا يَتَصرَّم

لئن كان مــنهمْ مظلماً زَمَنٌ مـــضى     فأظلمَ مـــــــنه ذا الزمانُ وأظلمُ

وإن كــان شـيـعِـيٌّ تـهـــــــضّمَ تارةً     فـــها أنا ذا طولُ المدى مُتَهَضِّمُ

أعــاينُ حتفي باســـــطاً لــي ذراعَه     كـمـا رامَ فَتْكا بالفـــريسةِ ضَيْغَمُ

وأرقـبُ أنّـي سـاعةً بعد ســــــــاعةٍ     لأنــــــيـابـه مُلْـقًـى ولـلـفـمِ مـلقمُ

إذا ما طويت اليوم أحَــــــسَبُه غــداً     وإن مَرَّ شَهْرُ الحجِّ قلتُ المحـرَّمُ

وأضربُ في الآفاقِ ضربَ مــشرَّدٍ      غدا لـــيسَ يدري أيَّ صقعٍ يؤمَّمُ

فلـيـسَ لـه مـن حَيْـرةٍ مــــــــتـأخـرٌ     ولـيـسَ لـه مــــــن حَـيـرةٍ مُـتقدِّمُ

أقَضِّي نهاري في ظلامٍ من الجوى     يـكادُ له يـــــــــــــرتدُّ ليلاً فيـظلمُ

كما الليلُ أقضيهِ سميــــــــرَ نجومِهِ     فـتـــــبكي لما بي إن بكيتُ وتألمُ

وما ليَ من ذنبٍ سوى أنـــني امرؤ     لآلِ رسولِ اللهِ نفـــــــسيَ مُسَــلِّمُ

رضيتُ بـحكمِ اللهِ فـيَّ لحبِّـــــــــهمْ     وهــــل دافعٌ أمراً به الدهرُ يحـكمُ (29)

وقال من قصيدة في يوم الغدير تبلغ (67) بيتاً:

لو أرادوا حقيقةَ الدينِ كــــــانوا     تبعاً للذي أقامَ الــــــــــرســـولُ

وأتـتْ فيه آيةُ الـــنـــــــصِّ بـلّغْ     يوم (خُمٍّ) لـــــــــمَّا أتى جبريلُ

ذاكـمُ الـمرتضــــــى عليٌّ بحقٍّ     فبعليـــــــــاهُ ينطقُ التـنزيــــــلُ

ذاك برهـــــــانُ ربِّه في البرايا      ذاك في الأرضِ سـيفُه المسلولُ

فأطيعوا جهداً أولي الأمرِ منهم      فلـهم في الخلائقِ التـــــــفضيلُ

أهـلُ بـيـتٍ عـلـيـهـمْ نـزلَ الذكـ     ـرُ وفـيهِ التحريمُ والتحـــــــليلُ

همْ أمانٌ من العـــمى وصـراط     مـستقيــــــــــــمٌ لنا وظلٌّ ظليلُ (30)

....................................................................

1 ــ ديوان المؤيد في الدين داعي الدعاة ، تقديم وتحقيق الدكتور محمد كامل حسين ــ دار الكاتب المصري / القاهرة 1949 ص 246 ــ 274 ذكر منها 35 بيتاً / الغدير ج ٤ ص ٣٠٥ ذكر منها (17) بيتا وأشار إلى عددها ونقلها عنه في أدب الطف ج 2 ص 264 / ذكر منها الكرباسي بيتين فيما يخص الإمام الحسين (عليه السلام) ــ ديوان القرن الخامس ص 282

2 ــ مقدمة ديوانه ص 19 / الغدير ج ٤ ص ٣١١

3 ــ عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف، المعروف بتاريخ القضاعي، ابن سلامة الشافعي ص 458

4 ــ مقدمة ديوانه ص 19

5 ــ نفس المصدر ص 27

6 ــ ديوانه ص 63

7 ــ موسوعة طبقات الفقهاء ج 5 ص 364

8 ــ الفكر السياسي والاجتماعي للمؤيد في الدين الشيرازي ص 166

9 ــ الغدير ج 4 ص 312

10 ــ تاريخ الأدب العربي ج 3 ص 178

11 ــ سيرته ص 99

12 ــ الغدير ج ٤ ص ٣١١

13 ــ معجم الأدباء للحموي ج 1 ص 350

14 ــ ديوانه ص 58 / أدب الطف ج 3 ص 266

15 ــ الغدير ج ٤ ص ٣١١

16 ــ أدب الطف ج 3 ص 268

17 ــ تاريخ الأدب العربي ج 3 ص 180

18 ــ كنز الولد ص 11

19 ــ الفهرست ص 40

20 ــ القرامطة ص 200

21 ــ الغدير ج 4 ص 311

22 ــ ديوانه ص 58

23 ــ تاريخ القضاعي ص 458

24 ــ الغدير ج ٤ ص ٣١٢

25 ــ المجالس المؤيدية في مقدمة ديوانه ص 58 ــ 62

26 ــ ديوانه ص 291

27 ــ ديوانه ص 293

28 ــ ديوانه ص 301

29 ــ ديوانه ص 274

30 ــ ديوانه ص 215 ــ 218

كما ترجم له وكتب عنه:

جورد طرابيشي / معجم الفلاسفة ص 657

إحسان إلهي ظهير / الإسماعيلية تاريخ وعقائد ص 714

فرهاد دفتري معجم التاريخ الإسماعيلي / ترجمة سيف الدين القصير ص 269

أغا بزرك الطهراني / الذريعة ج ٩ ص ١١٢٨

الشيخ علي النمازي / مستدركات علم رجال الحديث ج ٦ ص ٣٤١

الزركلي / الأعلام ج ٨ ص ٧٥

رضا كحالة / معجم المؤلّفين ج ١٣ ص ١٤٤

مركز الأبحاث العقائديّة / موسوعة حديث الثقلين ج ٤ ص 166

غنية ياسر كباشي ــ مناظرات داعي الدعاة الفاطمي مؤيد الدين الشيرازي من سيرته

حيدر محمد عبد الله الكربلائي ــ الداعي الاسماعيلي المؤيد في الدين الشيرازي ودوره السياسي والفكري والعقائدي في الدولة الفاطمية (390 - 470هـ/ 999 - 1077م): دراسة تاريخية

عارف تامر ــ المؤيد في الدين هبة الله بن موسى

عارف تامر ــ مذكرات داعي دعاة الدولة الفاطمية المؤيد في الدين هبة الله بن أبي عمران موسى الشيرازي / تحقيق

محمد سعيد العامودي ــ هؤلاء المصلحون الأربعة لم يكونوا مختلفين

فيرينا كليم ــ مذكرات رسالة: العلامة الإسماعيلي رجل الدولة والشاعر المؤيد في الدين الشيرازي / ترجمة شارل شهوان

محمد علي مخلوف ــ أضواء على الرسائل المتبادلة بين داعي الدعاة الفاطمي هبة الله الشيرازي وأبي العلاء المعري / تحقيق

عبد الرحمن حجازي ــ البلاغة والتأويل: الصور التشبيهية في شعر المؤيد في الدين الشيرازي

محمد كامل حسن ــ ديوان المؤيد في الدين داعي الدعاة / تحقيق

محمد كامل حسن ــ سيرة المؤيد في الدين داعي الدعاة: ترجمة حياته بقلمه / تحقيق

مصطفى غالب ــ المجالس المؤيدية: تأليف المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي / تحقيق

عاصم أمين بني عامر ــ لغة المواربة في الرسائل المتبادلة بين أبي العلاء المعري وداعي الدعاة الفاطمي

طرابيشي، جورج (2006 م). معجم الفلاسفة (ط. الثالثة). بيروت: دار الطليعة. ص. 657. مؤرشف من الأصل في 9 أكتوبر 2016.

المؤيد في الدين[وصلة مكسورة] - الأعلام، خير الدين الزركلي، 1980

إحسان إلهي ظهير. الإسماعيلية تاريخ وعقائد. لاهور - باكستان: إدارة ترجمان السنة. ص. 714. مؤرشف من الأصل في 2016-04-17.

الفكر السياسي والاجتماعي للمؤيد في الدين الشيرازي - ص 167 - غسان بركات، جامعة تشرين نسخة محفوظة 23 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.

فرهاد دفتري (2016). معجم التاريخ الإسماعيلي. ترجمة: سيف الدين القصير (ط. الأولى). بيروت، لبنان: دار الساقي. ص. 269. مؤرشف من الأصل في 2019-12-07.

المرفقات

: محمد طاهر الصفار