125- جواد بدقت الكربلائي: (1210 ــ 1281هـ / 1795 ــ 1864 م)

جواد بدقت الكربلائي: (1210 ــ 1281هـ / 1795 ــ 1864 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (35) بيتاً:

ما برَّحتْ بكَ غير ذكرى (كربلا)    فإذا قـضـيتَ بــها فذاكَ يقينُ

وردَ ابنُ فاطمة المنــونَ على ظما    إن كنتَ تأسى فلتردكَ مَنونُ

ودعِ الحـنـيـنَ فـإنها العظـــمى فلا    تأتي عـلـيـهـا حـسرةٌ وحنينُ (1)

ومنها:

فجزتكَ تـيـمٌ بالـضـلالـةِ بـعده    للحشرِ لا يــأتي عليهِ سكونُ

عقدتْ بيثربَ بيعةً قضيتْ بها    للشـركِ مــنه بعد ذاكَ ديونُ

برقيِّ منبـرِهِ رُقيْ في (كربلا)    صدرٌ وضُرِّجَ بالدماءِ جبينُ

ومنها:

لولا سقــــــــوط جنينُ فاطمةٍ لما    أودى لهـا في (كربلاءَ) جنينُ

وبكسرِ ذاكَ الضلعِ رُضّتْ أضلعٌ    فـي طـــيِّها سرُّ الإلهِ مصونُ

وكـمـا عـلـيٌّ قـــــــــودُهُ بـنـجـادِهِ    فـلـه عـلـــيٌّ بـالـوثـاقِ قـرينُ

ومنها:

وبـــقطعِهمْ تلكَ الأراكـة دونها    قُطعتْ يدٌ في (كربلا) ووتينُ

لكنّما حملُ الرؤوسِ على القنا    أدهــــى وإن سبقتْ به صفينُ

كـلٌّ كـتــابُ اللهِ هـذا صـامـتٌ    خافٍ وهـــــذا نـاطـقٌ ومـبينُ

وقال من ملحمته (الهائية) التي تبلغ (1265) بيتاً:

كـلُّ فجٍّ من الأراضي لهمْ فيـ     ـهِ ندوبٌ لا سيّما (كربلا)ها

تلـكَ كانت أمُّ الخطوبِ فمهما     جــاءَ خطبٌّ فذاكَ مِن أبناها

يومَ صاحتْ به المقاديرُ رعباً     لبنــــــي أحمدٍ ومَن يرعاها (2)

ومنها:

فـأقـامـت فـي (كـربلاءَ) وقـــــاعاً    وجـلـيـــــلُ البلاءِ كان بلاها

يومَ طافَ ابنُ أحمدٍ والعـــــــوادي    حجبــتْ وجهةَ السما بثراها

بينَ صحبٍ رأتْ ورودَ الردى أعـ    ـذبَ وردٍ من دونه في لُهاها (3)

ومنها:

أنزلوا يوم (كربلاء) بمغنى    شرعةِ المصطفى فعفّوا فناها

لنفـــوسٍ من آلـهِ أوقـفـوهـا    وأســــالوا على الفيافي دماها

أرأيتَ الـنـبـيَّ أيَّ خطـوبٍ    بـمـقـاســــــــــاةِ آلـهِ قـاسـاهـا (4)

ومنها:

قلّـدتـهــــــــا يــدُ القـضا بسيوفٍ    قـلّـدتـهـا فـي (كربلا) آبـاها

وتسومُ العدى ضرابَ المواضي    فعساها تروي غليلاً عساها

فإذا لـم أنــــــــلْ مـن الأمرِ شيئاً    ربَّ نـفـسٍ تـبيدُ دونَ مُناها (5)

وقال من قصيدة أخرى:

لقد أضاءتْ محاني (كربلا) بسنا    شمسُ من الفــلكِ العلويِّ مطلعُها

شـمـسُ الإمـارةِ مـن دانتْ لعزَّتِه    بـنـو الإمــارةِ أدنـاهـا وأرفـعُـهـا

فمِنْ نداهُ البحورُ الفـــعمُ مـترعُها    ومن علاهُ المعالي الغرُّ مشرعُها (6)

الشاعر

الشيخ جواد بن محمد حسين بن عبد النبي بن مهدي بن صالح بن علي الأسدي الحائري الملقب بـ (بدقت) أو (بدگت) وهو لقب أسرته الكربلائية العريقة التي تنتمي إلى بني أسد والتي تشرفت بسدانة المرقدين المطهرين للإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام) في فترة من الفترات.

وقد جاء هذا اللقب (بدقت أو بدگت) من جدهم الأعلى الحاج مهدي الذي قيل إنه كان فيه لثغة في لسانه فأراد أن يقول بزغت الشمس فقال بذقت (7) وقد ذكر ذلك الشيخ المحقق محمد السماوي بقوله:

وكالجوادِ بن الحسينِ المنتمي    لبدگتٍ نبـــزاً بكافٍ أعجمي

الأسديُّ من أهـــــــالي كربلا    فكمْ له مـن نظمِ عقدٍ قد حلا

بكى وأبكى مقلاً في محــــفلِ    فأرخوا (جنى رياضَ المُقل) (8)

درس بدقت في بداية حياته على يد والده فكان لتلك الدراسة الأولى أثراً كبيراً عليه ومنها فُتّحت أذهانه على الشعر الذي كرسه في حق أهل البيت (عليهم السلام) ولكن سرعان ما خطف الموت والده وهو بأمس الحاجة إليه حيث كان والده الحاج محمد حسين يمتهن بيع الحبوب في دكان صغير، فأثر موت والده عليه كثيراً فلم يكن له ذلك الباع الطويل في التجارة كوالده فتدهورت حياته المادية وتدنّى مستوى معيشته حتى اضطر للعمل حمّالاً في السوق.

وإذا كان بدقت لم يوفّق في التجارة فقد أبدع في الشعر وحاز نجاحاً كبيراً فلم يضع لمساته في التجارة وزاحم تجار السوق بل نقش اسمه في سماء الأدب الذي كان أميل إليه فطرياً، ونافس كبار شعراء عصره، في ذلك الوقت الذي كانت فيه كربلاء تعجّ بالشعراء الكبار أمثال: الشاعر الكبير محسن أبو الحب, والشاعر الحاج محسن الحميري, والشاعر موسى الأصفر, والشاعر قاسم الهر, والشاعر يوسف بريطم, والشاعر فليح حسون رحيم, والشاعر علي الناصر, والشاعر محمد علي كمونة, والشاعر عمران عويد وغيرهم وقد تتلمذ وصقل موهبته الشعرية على يد الأخيرين.

قرر بدقت أن يتفرّغ للشعر والأدب وقد ساعده وارد بستانه الذي ورثه من أبيه على ذلك فكان يقتات منه، وتقع هذه البستان في عكد (بليبل) (9) فلازم الشاعر الشيخ عمران عويد الذي أثر فيه وصقل مواهبه.

تميّز بدقت بشعره حيث تبوّأ مكانة متميزة في بيئة شاعرة واشتهر عصره بالشعراء الكبار لكنه حاز على مركز الطليعة بينهم لغزارة نتاجه الشعري الرصين فتميز شعره بلغة جزلة متينة الألفاظ وأسلوب متماسك التراكيب, اعتمد على فنون البلاغة لاسيما البديع وفنونه كما تميّز بالنَفَس الطويل المحافظ على الجودة كما في ملحمته الكبيرة التي سنتحدث عنها.

قالوا فيه

قال الشيخ العلامة أغا بزرك الطهراني: (كان من مشاهير شعراء كربلاء له ديوان مخطوط كله من الجيد). (10)

وقال الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان شاعراً بليغاً أديباً كاملاً ... ينظم النظم الرائق وقد نظم روضة في مدح الإمام علي (عليه السلام) وأخرى في ذم أعدائه, وقد تصدى ولده الأديب الشاعر محمد حسين لجمع شعره .... ودفن في الرواق الحسيني بقرب مرقد الأقا البهبهاني) (11)

كما عده الشيخ علي آل كاشف الغطاء في مكان آخر من كتابه من أكبر شعراء العراق، والعراق كان يتسيّد الساحة العربية في الشعر والأدب فقال ما نصه: (كان شاعراً ماهراً من أكبر شعراء العراق). (12)

ويظهر أنه لم يكن شاعراً فقط بل كان خطيباً كما نستشف ذلك من قول محمد السماوي حيث يقول في ترجمته: (الفاضل الأديب الشاعر المحاضر المشهور بالمحبة لأهل البيت (عليهم السلام) (13)

كما وصفه بذلك رضا كحالة فقال: (أديب شاعر محاضر). (14)

ووصفه السيد جعفر الخرسان: بـ (زبدة الشعراء). (15)

وقال عنه العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني: (من مشاهير شعراء كربلاء..) (16)

وقال عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (ملك ناصية اللغة، وأمسك بعنان القريض، طرق أبواب الشعر فأجاد بها إجادة تامة...) (17)

وقال السيد جواد شبر: (طرق أبواب الشعر فأسمع كل حي وفتح له الشعر أبوابه وأحسن به ترحابه) (18)

شعره

أشهر شعر بدقت الملحمة الكبيرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي ملحمة طويلة ضمّن فيها فضائله ومآثره وبطولاته وصفاته العظيمة ويبلغ عدد أبياتها (1265) بيتاً, وإضافة إلى هذه الملحمة فله ديوان جمعه ابنه محمد حسين بدقت المتوفي سنة 1339هـ، وقد حققه الأستاذ سلمان هادي آل طعمة, وله أيضاً الروضة وهي تضم 28 قصيدة كل قصيدة قافيتها على حرف من حروف الهجاء ابتداء من الهمزة وحتى الياء, وكلها في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

يقول جواد بدقت في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (31) بيتاً:

متى فلكُ الحادثاتِ اســـــتدارا    وغـادرَ كـلَّ حشىً مُستطارا

كيومِ الحسيــــنِ ونـارُ الـوغى    تصاعــــد للفرقدينِ الشرارا

فلم ترَ إلا شهــــــــــــاباً ورى    وشهماً بفيضِ النجيعِ توارى

إلى أن أطـــلَّ بها فـــــــــادحٌ    تزلـــــزلَ منه الوجودُ ومارا

وعاد ابن أزكى الورى محتداً    وأمنعُ كل البــــــــرايا ذمارا

تجولُ على جـسمِهِ الصافناتُ    وتـكسوهُ من نقعِها ما استثارا

فيا ثاويــاً يملأ الـكائنـــــــاتِ    عُلا ويضـــيءُ الوجودَ منارا

ويا سابقاً قد وهـــــــاهُ العثارُ    فليت العثــــار أصيب العثارا

فكيفَ وأنـــــــــتَ حسامُ الإلهِ    تفلّلُ منكَ المنــــــايا غرارا؟

وتدعو وأنتَ حـمى المستجير    فيعيا عليكَ الورى أن تُجارا

وتستسقي مــن نـفحاتِ الظما    فتسقى من المشرفيِّ الحرارا

وتبقى ثلاثـــاً بديــــــــــمومة    معــرَّى بجرعائِها لا تُوارى

وكيف يعفر منك الـصعـــــيد    محيا به الملكـــوتُ استنارا؟

وصدركَ عيـــــبة عــلمِ الإله    يعدّ لخيــــــلِ الأعادي مغارا

فذلك أجرى دمـــــــوعي دماً    وأوقدَ مـــــــا بين جنبيَّ نارا

وفي القصيدة يتفجع بدقت على مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه من بعد مقتله من رض صدره الشريف وهو منبع علم الله ثم يتطرق إلى سبي حرائر النبوة وسليلات الوحي على النوق ويطاف بهن في البراري والقفار وهن يلذن به فيقول:

وما لعقائلِ أزكـى الأنـــــــــــــــامِ    لينحـى بها في الفـلا ويُســــارا؟

وإن تركبَ الـنـيـبَ مـهــــــــزولةً    وتوسعـــها في الـترامي مــغارا

وزينـبُ تـدعـو ألا هــــــــلْ مجير    يجيـــــــرُ وأنّـى لها أن تُــجارا

بقلبٍ يذيبُ الصــفا شـــــــــــجـوه    ودمعٍ سكوبِ يضـاهي القــطارا

سأهجرُ إلا البـكـا والعـــــــــــويل    وآلف إلّا الهنـــــــــــا والــقرارا

أرى واحـدي مــــــــركزاً للرماح    ومن بعدُ يوجسُ قلبي إصطبارا

وتدعـــــــــــو أخاها وأنّـى تُجاب    وما كــــــــــان إلّا تجيبُ افتقارا

أخي صرتُ قطبَ مدارِ الخطوب    يــــــــدورُ عليَّ مدى ما استدارا

يشاطرُني الـــــــــــــدهرُ أحـداثه    وتدعو بي النائبــــــــــاتُ البدارا

وقلبي من الثكـــــــــلِ في كلِّ آنٍ    يموتُ مــــراراً ويحـــــيا مـرارا

أراكَ تُكـــــــــــــابدُ وقعَ الحِمـامِ    بحرّ حشىً يضرمُ القــــــلـبَ نارا

ويُجلى كريمَـــــكَ في السمهريِّ    وجسُمُـــــــــك جلبة قبِّ المهارى

وحولكَ من هاشــــــــــمٍ عصبةٌ    وصــــحب وفوا للمعالي ذمــــارا

ومن أشهر قصائده في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) هذه القصيدة التي تبلغ (36) بيتاً والتي يتحسّر فيها من قتل الإمام وهو حجة الله في أرضه وابن سيد الأنبياء وسيدة نساء العالمين مع أهل بيته وهم كالكواكب المشرقة وأصحابه الأوفياء أشرف الناس حسباً ونسباً على يد الأدعياء فيقول:

غداة أبو السجادِ والمــــــــــوتُ باسط    مـواردَ لا تـلـفـــــى لـهـنَّ مصادرُ

أطلَّ عـلـى وجـهِ العراقِ بفتـــــــــــيةٍ    تـباهــتْ بهم لـلفرقدينِ الأواصــرُ

يقيمُ بهم ركنَ الهدى وهـــــــــــو والدٌ    ويحيي بهم ربعَ العلى وهـــو داثرُ

فطافَ بهم والجيشُ تأكـــــــــــله القنا    وتعبثُ فيه المــاضيــــــاتُ البواترُ

على معركٍ قد زلزلَ الكــــــونُ هولَه    وأحجمنَ عـنه الضارياتُ الخوادرُ

يزلزلُ أعلامَ المنـــــــــــــــــايا بمثلها    فتقضي بـهـــــولِ الأولينَ الأواخرُ

وينقضُ أركانَ المقــــــــــــاديرِ بـالقنا    إمـامٌ على نقــــــضِ المقاديرِ قادرُ

أمستنزلُ الأقدارَ مـن ملكــــــــــــوتِها    فكيــفَ جرتْ فيــــما لقيتَ المقادرُ

وأنَّ إضطرابي كيف يصرعكَ القضا    وإنَّ القـــضا إنـــــــفاذ ما أنتَ آمرُ

أطلَّ على وجــــــــــــهِ المعالمِ موهنٌ    وبــــــــــادرَ أرجـــاءَ العوالمِ بادرُ

بأنَّ ابنَ بنتِ الوحـــــي قد أجهزتْ به    مــعــــــاشرُ تنميها الإماءُ العواهرُ

فما كان يرسو الدهـــرُ في خَلَدِي بأن    تدورُ على قطــــــبِ النظامِ الدوائرُ

ويقول من قصيدة تبلغ (30) بيتاً:

إذا مـيَّـز الـشـمرُ رأسَ الحسين    أيـجـمـعــهــــــا للعلى مجمعُ؟

فيا ابنَ الذي شـرَّعَ المكـرمـات    وإلّا فـلــــــيـسَ لــهـا مـشرعُ

بـكـمْ أنــــزلَ أللهَ أمَّ الـكـتــــاب    وفـي نشرِ آلائـكـم تــــــصدعُ

أوجهكَ يـخـضـبُـه الـمـشـرفـيُّ    وصـدرُك فـيه الـــقنا يـشرع؟

وتـعدو على جسمكَ الصافنات    وعـلـمُ الإلـهِ بـــــــــــه مـودعُ

ويـنقـعُ مـنـكَ غـلـيـلُ السيـوف    وإنَ غليــــــــــــــلكَ لا يـنـقـعُ

ويقضي عليك الردى مصرعاً    وكيف القضا بالردى يصرع؟

بنفسي ويا ليتــــــــــــها قدّمت    وأحرزها دونـــــــكَ المصرعُ

ويا ليته استــــــــبدلَ الخافقين    وأيسر ما كـــــــــــــان لو يقنعُ

لقد أوقعوا بكَ يـــــا ابنَ النبي    عزيزاً على الديــــنِ ما أوقعوا

فمصاب الحسين (ع) يعيش مع الشاعر ولا يفتأ يذكره ويبكي وكل مصاب دونه يهون يقول من قصيدته المشهورة:

لم تجرِ ذكـــــرى نيّرٍ وصـــفــاتِـه    إلّا ذكرتكَ والـحديــــــثُ شجونُ

يا قلب مـا هــــــــــــذا شعارُ متـيَّمٍ    ولعلَّ حـال بني الغــــــرامِ فنونُ

خفِّض فخطبكَ غير طارقةِ الهوى    إنَّ الهوى عمَّا لـقيـــــــــتَ يهونُ

ما برّحت بكَ غير ذكرى كـــربلا    فإذا قـضيـــتَ بها فــــــذاكَ يقينُ

وَرِدَ ابن فاطمة المنونَ على ظـما    إن كـنتَ تأسى فلتــــــردكَ منونُ

ودعِ الحنيــــــنَ فإنها العظمى فلا    تأتي عليها حســـــــــــرةٌ وحنينُ

ظهرتْ لها فــــــــي كلِّ شيءٍ آية    كـبرى فكادَ بها الــــفـنـــاءُ يحينُ

بكـتْ السماءُ دماً ولـم تبــــــردْ به    كبدٌ ولو أنَّ الـنـــجـــــــومَ عيونُ

ندبـتْ لها الرسلُ الكــرامُ ونــدبُها    عن ذي المعــــارجِ فيهـمُ مسنونُ

فبـعينِ (نوحٍ) سـالَ ما أربى على    ما سارَ فــــيه فلكهُ المـشـــــحونُ

وبقلبِ (إبراهيم) مـــا بـــردتْ له    ما ســــجّرَ (النمرود) وهو كمينُ

ولقد هوى صعقاً لذكرِ حـــــديثِها    (موسى) وهوّنَ ما لقي (هارون)

وإختارَ (يحيى) أن يُطافَ برأسهِ    وله التأسي (بالحسيـــــــن) يكونُ

وهو يعزو كل ما حدث في الطف لخيانة وصية النبي (صلى الله عليه وآله) في تعيين الخليفة من بعده وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فلولا السقيفة ما جرت كربلاء ولولا غصب أمير المؤمنين حقه لما قُيِّد زين العابدين (عليه السلام):

فجزاكَ تيمٌ بالضـلالةِ بعــــــــــده    للحشرِ لا يــــأتي عليه سكونُ

عقدتْ بيثـربَ بيعـةٌ قضيــتْ بـها    للشركِ منه بـــعــد ذاكَ ديونٌ

برقيِّ منبرِهِ رُقـــــــي فـي كربلا    صدرٌ وضُــرِّجَ بالدمـاءِ جبينُ

لولا سقـوط جـنين فاطــــــمةٍ لما    أودى لهـــا فـي كربلاءَ جنينُ

وبكسرِ ذاكَ الضلعِ رُضَّتْ أضلعٌ    في طيِّها سرُّ الإلــــهِ مصونُ

وكما (علي) قّــــــــــــودُهُ بنجادِهِ    فـله (عـــــــليٌّ) بالوثاقِ قرينُ

وكما (لفاطم) رنّة من خــــــــلفه    لبناتِــــــــها خلفَ العليلِ رنينُ

وبزجرِها بـسياطِ (قنفذ) وشـحّت    بالطـــفِّ في زجـرٍ لهنَّ متونُ

وبقطعِهم تـلكَ الأراكــــــةِ دونها    قُطعـتْ يدٌ فــــي كربلا ووتينُ

لكنما حمـلُ الرؤوسِ عــلى القنا    أدهى وإن سبـــقــتْ به صفينُ

كلٌ كتــــــابُ أللهِ هـــذا صامتٌ    خــــــــــافٍ وهذا ناطقٌ ومبينُ

وقال في رمز الوفاء وعنوان الشجاعة أبي الفضل العباس (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (45) بيتاً:

أبا الفضلِ في يومٍ بـه جمحَ القـــــضا    وعاثــــــتْ بـكـــــلِّ الـعالمينَ عظائمُه

أقامَ مقـاماً يـمـلأ الـكـــــونَ ســــــيفُه    وحسبــــكَ مـمـــــــا كـان أن هو قائمُه

يطولُ بـشـأوِ الأولـينَ بـنـــــــــورِهم    وإنَّ لـــــه شــــــــــأواً بـه طالَ هاشمُه

يقومُ ببحرٍ بالعظائمِ مـتـــــــــــــــرعٌ    وأعـظم منــــــه كفُّ مـن هو عائــــمُه

فإنَّ لأسبـابِ الـقــضـاءِ عوالــــــــماً    وإنّ الردى يمني أبي الـفضل عــــالمُه

فنازلها حربــاً تـذوبُ لـهـولِـــــهِا الـ    ـسماواتُ لــــــــولا أنـــه هــــو حاجمُه

على سـابـحٍ لو شـاءَ من طولـــــهِ به    لداستْ مـنـاط الـنيِّـــــــــــراتِ مناسمُه

فأرسله في الـجــيـشِ حـتـــــى تفللتْ    حـدودُ مواضيــهِ وخــــارتْ ضراغمُه

فأحرزَ مجرى المــاءِ كـفٌّ يفـــــوقُه    بمجرى الندى في بعضِ ما هو ساجمُه

فأعيا بأن تطفى ضـراغــــــــــمُ قلبه    وقلبُ حسينٍ ليــسَ تطــــفى ضـراغمُه

فلم يروِ منه غــــــــــــيرَ قلبِ مزادِهِ    وعادَ كــوجسِ الرعدِ تُزجـــى هـماهمُه

تنــــــــــــــــازِلهُ الآســــادُ علماً بأنّه    يصادمُ محتــــــــومَ القضا من يصـادمُه

فأمضى بهم عزماً ترى دونه الرَّدى    وإن الرَّدى أن لا تهـــــــــــــبَّ عزائمُه

ومن شعر الروضة وهي (28) قصيدة كلها في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قوله من قصيدة تبلغ (26) بيتاً:

بل باهتوا لـ (أبــي ترا    بٍ) في فمِ الأعدا تــــرابُ

بولائـهِ أدركـــــــتُ ما    أرجو وهمْ خسروا وخابوا

بولائهِ صــدعَ النبــــيُّ    لما بهِ نــــــصَّ الكتـــــابُ

بولاهُ تصــرفُ كلُّ حا    دِثـة تـسـيء وتُـسـتــــرابُ

بنواله جـــــــرتِ البحا    رُ الفعمُ وانـهمرَ السحــابُ

بل قــامت الدنـــــيا به    وعـنـتْ لـعـزتـهِ الـرقــابُ

بــهداهُ يُستـسقـى وذكـ    ـراه بـهـا الـداعـــي يُـجابُ

بل فيه يكشفُ ما يـرو    عُ عـن الأنامِ ويُـــستـرابُ

بالله لولا غـــمـر كــفـ    ـكَ لـم يــــكن للفيضِ بـابُ

باللهِ ما من باســـمِ غيـ    ـرك إن دعي لا يستــجابُ

بالله يا مــن زالَ دونــ    ـكَ عن فمِ الغيبِ النقــــابُ

بالله يا من بــــــاســمِه    لمَّا دعوا المولى أجـــــابوا

المصطفى وبفـاطـــــمٍ    وبنيكما طــهروا وطـــابوا

أما ملحمته الخالدة في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) فهي تحتاج إلى دراسة منفردة كونها ألمت بتاريخ مرحلة من أهم مراحل التاريخ الإسلامي استعرض فيها بدقت هذه المرحلة من بداية الدعوة الشريفة إلى واقعة الطف وخص الجزء الأكبر منها في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونسختها موجودة عند السيد سلمان هادي آل طعمة بخط والده (19)

.........................................................................................................

1 ــ ديوانه، تحقيق السيد سلمان هادي آل طعمة ط1 1999 ص 68

2 ــ نفس المصدر ص 148

3 ــ نفس المصدر والصفحة

4 ــ نفس المصدر ص 152

5 ــ نفس المصدر ص 165 ــ 166

6 ــ نشرت على موقع موسوعة الشعر العربي وهي غير موجودة في الديوان

7 ــ أعيان الشيعة / محسن ألأمين ج 17 ص 188

8 ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 77

9 ــ مقدمة ديوان جواد بدقت تحقيق سلمان هادي آل طعمة ص 8

10 ــ الكرام البررة ج 2 ص 278

11 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 2 ص 140 و ج 9 ص 188

12 ــ الحصون المنيعة ج 7 ص 148

13 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٢٨١ عن الطليعة للسماوي

14 ــ معجم المؤلفين ج 3 ص 168

15 ــ مقدمة ديوان جواد بدقت / تحقيق السيد سلمان هادي آل طعمة ص 12

16 ــ طبقات أعلام الشيعة ج 2 ص 278

17 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 154

18 ــ أدب الطف ج 7 ص 148

19 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 174

المرفقات

: محمد طاهر الصفار