الشاعر السيد جواد الهندي .. شاعر المنبر ومنبر الشعر

لم يكن الدافع عندما شرعت بالكتابة عن هذا العلم الخافق والقامة الأدبية والعلمية هو الإلمام بكل المزايا والخصائص التي حملها فكره وشعره فهذا يحتاج إلى دراسة مطولة، ولكن كان رجائي أن أوفق ــ ولو قليلاً ــ في رفع الحيف الذي ألحق بهذه الشخصية من قبل الكتاب والمؤرخين ــ سهواً أو عمداً ــ والاجحاف الذي نال شعره الذي احتل صدارة عصر كان يعج بالشعراء، وعلمه وأدبه الذين حاز بهما مكانة متميزة في بيئة تميّزت بكثرة الخطباء والأدباء.

هو خطيب قال عنه الخطيب الكبير محمد علي اليعقوبي: (ما رأيت ولا سمعت أحداً من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت، فقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة الاطلاع في التفسير والحديث والأدب واللغة والأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك). (1)

وشاعر قال عنه السيد محسن الأمين: (من مشاهير الذاكرين، خطيباً طلق اللسان أديباً شاعراً) (2)

ووصفه الشاعر السيد سلمان هادي آل طعمة بـ (شاعر الدوحة الهاشمية وفخر السلالة العلوية) (3) السيد جواد الهندي

في بيئة نستطيع أن نطلق عليها لقب (مملكة العلم والأدب والشعر) في وقتها، ولد السيد جواد بن محمد علي الحسيني الأصفهاني الحائري المعروف بـ (الهندي) حيث كانت كربلاء ــ التي ولد فيها ــ (عبارة عن جامعة دينية كبيرة يقصدها طلبة العلم من كل حدب وصوب في أنحاء العالم الإسلامي) (4) وكانت ولادته سنة (1270 هـ / 1853 م)، أما نسبته ولقبه بـ (الهندي) فقيل: (لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند والله أعلم) (5)

شبَّ السيد جواد منذ طفولته على المجالس العلمية والأدبية فدرس الفقه على يد العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني (المتوفى سنة 1309هـ)، والعالم السيد محمد حسين المرعشي الشهرستاني (المتوفى سنة 1315هـ)، ثم اتجه إلى فن الخطابة الذي وجد فيه ضالته المنشودة، وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية وبرع فيهما واشتهر حتى نال إعجاب أرباب هذا الفن يقول السيد جواد شبر: (حدثني الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام ــ وهو أستاذ الفن ــ أي الخطابة عن السيد جواد الهندي فقال: (كانت له القدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء، فلا يكاد يملك السامع دمعته، ونقل لي شواهد على ذلك وكيف كان يصوّر الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين، والخطيب قسام كان متأثراً به كل التأثر ....). (6)

وقال عنه الشيخ محمد طاهر السماوي في أرجوزته:

وكالخطيـــــبِ السيدِ الجوادِ *** والصـــــارمِ الهنديِّ في النجادِ

فكمْ له شعــــرٌ رثى الحسينا *** أورى الحشى فيه وأبكى العينا

بكى وأبكى وحوى الصفاتِ *** فأرِّخوه (أكمل الخيرات) (7)

وقال عنه الشيخ محمد علي اليعقوبي: (حسيني النسب حائري المولد والنشأة والمدفن ..)

وقال عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (كان زاهداً شديد التقوى ..)

توفي السيد جواد الهندي عام (١٣٣٣ هـ/ 1915 م) عن ثلاث وستين سنة وقد رثاه العديد من الشعراء منهم الشاعر الكبير محمد حسن أبو المحاسن بقصيدة طويلة مطلعها:

ليومِكَ في الأحشــــاءِ وجدٌ مبرّحُ *** برحـتَ ولـكـنَّ الأسـى ليسَ يبرحُ

مضيتَ وما ابقيــــتَ إلا حشـاشـةً *** تـذوبُ وأجفـــانـاً من الدمعِ تُقرحُ

رمى الدهرُ عن قوسِ الحوادثِ أسهماً * بها المجدُ أودى والحوادثُ تفدحُ

وقد خلف ولداً هو السيد كاظم سلك طريق أبيه في المنبر الحسيني وتوفي سنة (١٣٤٩ه‍).

شعره

إذا كان بعض النقاد يحدد الشعر بعنصر الجمال فقط بغض النظر عن المضمون بقوله: (إن الشعر الجميل لا يشرح بل يسمع) كون أغلب الشعراء صنّاع جمال، ولكن قلة منهم من يربط ذلك الجمال بالحقيقة، إلا أن المطالع لشعر السيد جواد الهندي يجد نفسه أمام هذين العالمين.

هذا ما يستشفه القارئ للنزر اليسير من شعره والذي ذكرته المصادر، ولكن للأسف أن هذا التراث لا يزال مخطوطاً ولعله يجد في المستقبل القريب اليد التي ستخرجه إلى النور، فللسيد جواد الهندي (ديوان شعر حاوياً لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت (عليهم السلام) كما ذكر الشيخ العلامة أغا بزرك الطهراني. (8)

ووصف شعره السيد جواد شبر بالقول: (نقرأ شعره فنحسّ منه بموالاة لأهل البيت وتفجّع ينبع من قلب جريح ينبض بالألم لما أصاب أجداده وأسياده).

يقول من قصيدة في رثاء جده الإمام الحسين (عليه السلام):

وما كان ينشـــــدُ من قبلكمْ *** فقيداً فلا والـــــذي يُعبدُ

سوى من بقلبي له مضجعٌ *** ومن بالطفوفِ له مشهدُ

ومن رزؤه ملأ الخـــافقين *** وإن نَفَدَ الدهـــرُ لا ينفدُ

فمن يسألُ الطفَّ عن حالهِ *** يقصّ عليه ولا يـــجحدُ

بأنَّ الحسينَ وفتيـــــــــانه *** رمايا بأكنافِهِ استشهدوا

ويقول من قصيدة طويلة في سيد الشهداء (عليه السلام):

غريبٌ بأرضِ الطفِّ لاقى حمامَه *** فواصله بين الرماحِ الشوارعِ

أُفدّيهِ خوّاض المنـــــــايا غمارَها *** بكلِّ فتىً نحــو المنونِ مسارعِ

كماةٌ مشوا حرّى القلوبِ إلى الردى فلم يرِدوا غير الردى من مشارعِ

فمن كلِّ طلاع الثنايا شمــــردلٍ *** طلوبِ المنايا في الثنايا الطوالعِ

ومن حسينية أخرى يفتخر بانتمائه لأبي الإباء وسيد الأحرار الإمام الحسين:

وإني من الأمجادِ أبنـاءِ غالبٍ *** سلالة فهرٍ قد ورثتُ إبـــــائيا

أباةٌ أبوا للضيمِ تُلـوى رقـابُهم   وقد صافحوا بيضَ الظبا والعواليا

غداةَ حسينٍ حـــــاربته عبيدَه *** وربِّ عبيدٍ قد أعقَّتْ مــــواليا

لقد سيَّرتها آلُ حـــربٍ كتائباً *** بقسطلِها تحكي الليالي الدياجيا

فناجزها حلفُ المنـــايا بفتيةٍ *** كرامٍ يعدُّون المنــــــــايا أمانيا

ومن مطوّلة أيضاً يرثي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):

يا ابنَ عمّ النبيِّ يا واحدَ الدهـرِ وكهفُ الورى ويا خيرَ هادي

أنتَ كفؤ البتولِ بين البرايا *** يا عديمَ الأشبــــــاهِ والأندادِ

عجباً للسماءِ كيف استقرَّتْ *** ولها قد أُميــــلَ أقوى عمادِ

والثرى كيفَ ما تصدّع شجواً * وبه خرَّ أعظـــــــمُ الأطوادِ

وقلوبُ الأنامِ لم لا أُذيبــتْ *** حـين جبريلُ قامَ فيهم ينادي

هُدّ ركنُ الهدى وأعــلامُ ديـــنِ اللهِ قد نُكّستْ بسيفِ المرادي

وأصيبَ الإسلامُ والعروةُ الـــوثقى وروحُ التقى وزينُ العبادِ

ويتطرّق فيها إلى سيد الشهداء:

وقتيلٌ بالسيفِ ملقى ثلاثاً ** عـافرُ الجسمِ في الربى والوهادِ

لستُ أنسـاه إذ أتته جنودٌ *** قد دعاها لحــــــــربهِ ابنُ زيادِ

فغدا يحصدُ الرؤوسَ ويؤتي *** سيفُه حقه بيـــــــومِ حصادِ

محمد طاهر الصفار

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

...........................................................

الهوامش

1 ــ حاشية ديوان محمد حسن أبي المحاسن الكربلائي ص 34

2 ــ أعيان الشيعة ج 17 ص 223

3 ــ شعراء كربلاء ج 1 ص 204

4 ــ أطلقت هذا الوصف على كربلاء الرحالة والأديبة الفرنسية جان مگر ديولافوا (1851 / 1916) وقد زارت كربلاء عام (1299هـ / 1881 م) وكان عمر السيد جواد الهندي آنذاك 28 عاماً وقد دونت رحلتها بالفرنسية في كتاب ضخم وتُرجم إلى الفارسية ثم تَرجم منها الأستاذ علي البصري ما يخص العراق إلى العربية وراجعها الأستاذ الدكتور مصطفى جواد وطبعت في بغداد عام (1958)

5 ــ أدب الطف للسيد جواد شبر ج 8 ص 264

6 ــ نفس المصدر ص 263

7 ــ مجالي اللطف بأرض الطف ص 79

8 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 القسم الأول ص 197

المرفقات

: محمد طاهر الصفار