جواد البلاغي: (1282 ــ 1352 هـ / 1865 ــ 1933 م)
قال من رباعية في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (35) بيتاً:
سيّدي إن منعوا عنكَ الفراتْ وسـقوا منكَ ظِماءَ المرهفاتْ
فسنسقي (كربلا) بـالـعبـرات وكَّفاً من علقِ القلبِ الأسوفْ
ومنها:
لســـتُ أنساها وقد مالت إلى صفوةِ الأنصارِ صرعى في الفلا
أشرقت منها محاني (كربلا) كشمــــوسٍ غـالها ريبُ الكسوفْ
وقال من قصيدة يستنكر بها العمل الوحشي الذي قام به الوهابيون بتهديم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام):
دهـاكَ ثـامـنُ شوّالٍ بما دهما فَـحــــقَّ لـلـعـيـنِ إهـمالُ الدموعِ دما
يومَ البقيــعِ لَقَد جلّتْ مصيبتُهُ وشاركتْ في شجاها (كربلا) عِظما
الشاعر
الشيخ جواد بن حسن بن طالب بن عباس بن إبراهيم بن حسين بن عباس بن حسن ــ صاحب كتاب تنقيح المقال ــ بن عباس بن محمد علي بن محمد البلاغي النجفي الربعي من أسرة البلاغي النجفية التي يعود أصلها إلى ربيعة.
من أفذاذ العلماء الذين أنجبتهم النجف على مدى تاريخها العلمي الطويل، ومن أعلام العراق والعالم الإسلامي، ومن الرجال العظماء الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن الإسلام والسير على نهج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الصلاح والإصلاح.
قال عنه الأستاذ توفيق الفكيكي: (هو غصن كريم من الدوحة البلاغية الباسقة في سماء الفضل والشرف وعلم أعلامها وشهاب فضلائها وأبدالها، بل كوكب دراريها الثاقبة الساطعة في دياجير الأزمات الشديدة الحلكات، وظلمات المعضلات المدلهمات) (1)
آل البلاغي
ولد البلاغي في النجف الأشرف ونشأ في ظل أسرة تدرج رجالها على مدارج العلم والأدب وتصدروا مجالس الفقه والكمال وكان لهم شأنا كبيرا في ميدان العلم والفقه والأدب.
يقول السيد محسن الأمين في هذه الأسرة في معرض ترجمته للبلاغي: (وآل البلاغي بيت علم وفضل وأدب ونجابة، أخرج بيتهم كثيراً من العلماء والأُدباء. وهم عراقيّون نجفيّون ينتسبون إلى ربيعة ومَن ذكرناهم في سلسلة نسب المترجَم ــ الشيخ جواد ــ جلّهم من أهل العلم والفضل والخدمة في الدين وإن اختلفت مراتبهم). (2)
ويقول فيها الشيخ أغا بزرك الطهراني الطهراني: (آل البلاغي من أقدم بيوتات النجف وأعرقها في العلم والفضل والأدب، أنجبت هذه الأُسرة عدّة من رجال العلم والدين). (3)
ويقول فيها الشيخ جعفر محبوبة: (آل البلاغي من الأُسر العلميّة الأدبيّة السابقة في العلم والفضل، والمحلّقة بقوادم المجد والسؤدد، العريقة في العروبة، والمتقدّمة في الهجرة. تقطن النجف من عهد غير قريب، وهي من الأُسر العربيّة العراقيّة التي عُرفت بمقامها الجليل ومركزها الدينيّ السامي، وترجع بنسبها إلى ربيعة.
عُرفت هذه الأُسرة في النجف، واشتهر ذكرها في أواسط القرن العاشر للهجرة، فضمّت مع سموّ النسب شرف الحسب. فلم تتّكل على نسبها الوضّاء، بل تقدّمت بحسبها، لأنّها قد حازت على العلوم الروحيّة والكمالات النفسيّة بجدّها واجتهادها، وسبقت بالتقوى والصلاح والإرشاد، وبرزت بالعبادة والزهادة، مع كرم نفس وطيب معشر.
وقد نبغ منها رجال تقدّموا في معارفهم ومكارم أخلاقهم الدينيّة، واشتهروا في عصورهم، فكانوا من الرجال المعدودين الذين يُشار إليهم بالبنان، ويُذكرون بسيرتهم وفضلهم وبتقواهم على كلّ لسان (4)
ويقول عنها الشيخ محمد الحسون: (آل البلاغي من الأُسر القديمة العريقة في العلم، والمشهورة بالتقوى والصلاح والسداد. فقد بزغت شمس هذا البيت وسطع نوره الوضّاء في أواسط القرن العاشر الهجري في مدينة النجف الأشرف، وأخذ يزداد إشراقه العلمي يوماً بعد يوم حتّى وصل إلى القمّة في الشرف والمراتب العلميّة السامية، وذاع صيته في دنيا الأدب والثقافة، وأنتج رجالات علميّة كبيرة، كان لها الأثر البالغ في تقدّم النجف العلمي وازدهاره) (5)
وقد ترجم الشيخ جعفر محبوبة لكثير من أعلام هذه الأسرة وذكر آثارهم وأثرهم ومؤلفاتهم
والده وأسرته
تدرّج البلاغي في أصلاب العلماء، فوالده الشيخ حسن بن طالب البلاغي: (كان من أهل الفضل والكمال، حاز الشرف بنفسه، وضمّ إليه سموّ أصله ــ والده الشيخ طالب ــ وطيب فرعه، وهو الشيخ جواد الذي ملأ ذكره جميع الأصقاع والبقاع وتُرجمت مؤلّفاته إلى كثير من اللغات) (6).
وقال عنه السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي: (كان على جانب عظيم من الفضل والتُقى، وهو الذي رثاه بقصيدة رائعة أديب قريش وشاعر العلويّين الكرام السيّد إبراهيم الطباطبائي). (7)
كما وصفه ابنه الشيخ جواد البلاغي بأنّه: (من أهل العلم والفضل) (8)
ويدلنا على منزلة الشيخ حسن ــ والد البلاغي ــ العلمية ومكانته الكبيرة بين علماء النجف رثاء السيد إبراهيم بحر العلوم له بقصيدة يقول منها:
وعَيـنِـكَ مـا لـلـعَـيْـنِ بَـعْـدَكَ مَـسْـرَحٌ وَلا لِمَزارِ الدَّمْعِ بَعْدَكَ مِنْ غِبِّ
إذا خَطَرَتْ لِي مِنْكَ في القَلْبِ خَطْرَةٌ تَأوَّهْتُ مِنْ كَربي وَحَنَّ لَها قَلْبِي (9)
كما كان جده الشيخ طالب بن عبّاس البلاغي من أعلام الفقه والعلم وصف بأنه: (عالم فاضل، فقيه أُصولي، من مشاهير علماء عصره، تخرّج على يد الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر، وكان معروفاً بالتقوى والزهد والإيثار) (10)
وقال عنه الشيخ جعفر محبوبة: (كان من مشاهير أهل الفضل، معروفاً بالزهد والتقوى، ومن أهل الإيثار والكرامات، نقل له العلاّمة الشيخ محمّد طه نجف كرامةً وقعت له بعد وفاته نقلها له الأبرار من أصحاب المترجم له. وكان من الشعراء المجيدين، وله مراسلات ومطارحات مع أُدباء عصره) (11)
وقد تزوج البلاغي من السيدة الجليلة العلويّة بنت السيّد موسى الجزائري، الذي كان يقيم في مدينة الكاظميّة وقد تزوجها أثناء إقامته في الكاظميّة وأنجب منها بنتا واحدة تزوجها ابن عمها الأستاذ محمّد علي البلاغي صاحب مجلّة الاعتدال النجفيّة (12)
نشأ البلاغي في حلقات الدروس العلمية والفقهية في مدينته مدينة العلم والعلماء النجف الأشرف حيث وُلد، وتدرج في مجالس العلماء وطلاب العلم وفي الرابعة والعشرين من عمره أي في عام (1306 هـ) سافر إلى الكاظمية وبقي هناك لمدة ست سنوات (حتى عام 1312 هـ) وتزوج خلالها في الكاظمية، ثم عاد إلى مسقط رأسه ليواصل حضوره العلمي لمدة أربع عشرة سنة (حتى عام 1326 هـ) فسافر بعدها إلى سامراء ليحضر دروس الميرزا محمد تقي الشيرازي لمدة عشر سنوات (حتى عام 1336 هـ) حتى دخول قوات الاحتلال الانكليزي فغادرها إلى الكاظمية التي بقي فيها لمدة سنتين وهو يساند العلماء في التحريض على الثورة ورفض المحتل وقد دعم الثورة (العشرين) بكل ما أوتي من قوة ثم عاد إلى النجف حتى وفاته فيها ودفن في الصحن الحيدري الشريف
أما مواقفه في الدفاع عن الإسلام ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) فهي كثيرة منها دفاعه عن مشروعية الشعائر الحسينية بيده ولسانه فقد كتب عن مشروعيتها واستحبابها وكان يخرج بنفسه في مقدمة المواكب ويشاركها العزاء ولم يمنعه كبر سنه من الاستمرار في المشاركة وقد أسس مجلس عزاء كبير في كربلاء يقيمه يوم عاشوراء وقد كتب له قصيدة ذكرنا قطعة منها في مقدمة الموضوع.
ومن مواقفه الدينية أيضاً موقفه من الفرقة القاديانية الضالة وسعيه الحثيث لوقف نشاطاتها المنحرفة. وموقفه المعارض الشديد للعمل الوهابي المشين في تهديم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام)
صفاته وأخلاقه
عرف الشيخ البلاغي بكرم أخلاقه وتواضعه وزهده في الدنيا مقتديا بسادته وأئمته (عليهم السلام) سادة الخلق في القول والسلوك وكان يزاول أعماله اليومية بعفوية وبلا تكلف فيتسوق كأي إنسان عادي اقتداء بأمير المؤمنين (عليه السلام) عندما كان يحمل الرزق إلى بيته وعندما قال له قنبر أنا أحملها عنك قال له:
لا ينقص الكاملُ من كمالِهِ إن حملَ الرزقَ إلى عيالِهِ
كما كان أبيَّاً إلى أبعد الحدود وهو يعيش في بيت متواضع جداً وكان كل محتوى غرفته هي الكتب وحصير وبساط للجلوس وهما كل أثاث غرفته صيفا وشتاء ليس فيها ما يدفؤها أو يبردها ولم يكن يفارقها إلى للضرورة فلم يكن يهمه في هذه الدنيا سوى دروس العلم والقراءة والتزود من العلوم المختلفة يقول الأُستاذ توفيق الفكيكي: (كان لا يغادر غرفته ومكتبته، اللهمّ إلاّ في أوقات الصلاة، وزيارة الحرم المقدّس، وفي خروجه للسوق لتموين عائلته بالغذاء اليومي ... أمّا سوى ذلك فلا تجده يبرح غرفته، تحيط به كتبه التي يرجع إليها في تحقيقاته الفقهية والأُصولية والكلامية، أو في تعقيبه وتعليقه على كتاب أو على رأي من الآراء العلميّة والفلسفية الحديثة، فتراه دائماً مكباً ممعناً نظره في تحرير الأجوبة على المسائل العويصة والمشاكل المعضلة التي ترده من أنحاء العراق والأقطار البعيدة، أو تراه منهمكاً في التأليف أو في شرح الأبحاث العقائديّة أو في تفسير آي من القرآن الكريم). (13)
وقال عنه المحقق السيد أحمد الحسني: (كان مجدّاً في المطالعة والكتابة، الكتب مفتوحة أمامه دائمة، والقلم في يده، والقرطاس إلى جنبه، وهو بين مطالع أو كاتب. فلم أدخل عليه في وقت ما إلاّ ورأيته منصرفاً إلى التأليف والتصنيف، أو فاحصاً في الكتب عن موضوع هامّ يريد البحث حوله). (14)
كان البلاغي يتقن من اللغات الفارسية والإنكليزية والعبريّة، إضافة إلى العربية. وكان منهمكاً بالتأليف ونشر العلم حتى أنه باع أثاث بيته البسيط لطبع كتاب وأغلب كتبه لا يضع اسمه عليها أو يضع عليها اسما مستعارا فكل همه هو نشر العلم وانتفاع الناس أما الشهرة فهي أبعد ما يفكر به فكان يقول: (جواد البلاغي إنّي لا أقصد إلاّ الدفاع عن الحقّ، ولا فرق عندي بين أن يكون باسمي أو اسم غيري) (15)
ويقول السيد أحمد الحسيني: (ومن أشدّ مظاهر تواضعه أنّه لم يجعل اسمه الشريف على كتبه المطبوعة، مع أنّ كلّ واحد منها يكفي لأن يكون مفخرة يفتخر به العلماء). (16)
نشأ البلاغي في حلقات الدروس العلمية والفقهية في مدينته مدينة العلم والعلماء النجف الأشرف حيث وُلد، وتدرج في مجالس العلماء وطلاب العلم وفي الرابعة والعشرين من عمره أي في عام (1306 هـ) سافر إلى الكاظمية وبقي هناك لمدة ست سنوات (حتى عام 1312 هـ) وتزوج خلالها في الكاظمية، ثم عاد إلى مسقط رأسه ليواصل حضوره العلمي لمدة أربع عشرة سنة (حتى عام 1326 هـ) فسافر بعدها إلى سامراء ليحضر دروس الميرزا محمد تقي الشيرازي لمدة عشر سنوات (حتى عام 1336 هـ) حتى دخول قوات الاحتلال الانكليزي فغادرها إلى الكاظمية التي بقي فيها لمدة سنتين وهو يساند العلماء في التحريض على الثورة ورفض المحتل وقد دعم الثورة (العشرين) بكل ما أوتي من قوة ثم عاد إلى النجف حتى وفاته فيها ودفن في الصحن الحيدري الشريف
أما مواقفه في الدفاع عن الإسلام ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) فهي كثيرة منها دفاعه عن مشروعية الشعائر الحسينية بيده ولسانه فقد كتب عن مشروعيتها واستحبابها وكان يخرج بنفسه في مقدمة المواكب ويشاركها العزاء ولم يمنعه كبر سنه من الاستمرار في المشاركة وقد أسس مجلس عزاء كبير في كربلاء يقيمه يوم عاشوراء وقد كتب له قصيدة ذكرنا قطعة منها في مقدمة الموضوع. (17)
ومن مواقفه الدينية أيضاً موقفه من الفرقة البهائية الضالة وسعيه الحثيث لوقف نشاطاتها المنحرفة في تضليل المسلمين وموقفه المعارض الشديد والمستنكر من الفعل الوهابي المشين في تهديم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام) وله في كل هذه الانحرافات كتب توضح انحرافها بالأدلة العلمية (18)
أساتذته ومعاصروه وتلاميذه
كان البلاغي مدرسة علمية إسلامية رصينة استمدت مقوماتها من منابع علمية صافية ورفدت طلاب العلم بمختلف العلوم فقد درس على يد كبار علماء النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء منهم:
1 ــ الشيخ محمد تقي الشيرازي ــ قائد ثورة العشرين ــ
2 ــ المحدّث الميرزا حسين النوري الطبرسي
3 ــ الشيخ أقا رضا ابن الشيخ محمّد هادي الهمداني
4 ــ الشيخ محمّد طه ابن الشيخ مهدي نجف
5 ــ الشيخ محمّد حسن ابن الشيخ عبد الله المامقاني النجفي
6 ــ السيّد محمّد بن هاشم الرضوي الهندي
7 ــ السيّد حسن الصدر الكاظمي
8 ــ محمّد كاظم بن حسين الخراساني النجفي، المعروف بـ (الآخوند)
كما عاصر كوكبة من العلماء الذين رافقهم منهم:
1 ــ الشيخ عبد الله المامقاني
2 ــ الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني
3 ــ الشيخ محمّد حرز الدين
4 ــ السيّد محسن الأمين
أما تلاميذه فكثيرون هم الذين اقتبسوا من إشعاعات علمه منهم:
1 ــ الميرزا محمّد علي المدرّس التبريزي
2 ــ الشيخ جعفر بن باقر محبوبة النجفي
3 ــ الميرزا محمّد علي بن أبي القاسم الأوردبادي الغروي
4 ــ السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني
5 ــ الشيخ ذبيح الله بن محمّد علي المحلاّتي
6 ــ الشيخ محمّد رضا بن عباس الطبسي النجفي
7 ــ السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي
8 ــ السيّد أبو القاسم الخوئي
9 ــ الشيخ مرتضى بن محمّد حسن المظاهري الإصفهاني النجفي
10 ــ الشيخ إبراهيم بن مهدي القرشي ، المعروف بـ (اطيمش)
11 ــ الشيخ نجم الدين جعفر ابن الميرزا محمّد العسكري الطهراني
12 ــ السيّد صدر الدين الجزائري
13 ــ الأُستاذ علي الخاقاني
14 ــ الشيخ علي محمّد البروجردي
15 ــ الشيخ مجتبى اللنكراني
16 ــ الشيخ محمّد رضا ابن الشيخ طاهر فرج الله
17 ــ السيّد محمّد صادق ابن السيّد حسن بحر العلوم
18 ــ الميرزا محمّد علي أديب الطهراني
19 ــ الشيخ محمّد مهدي اللاهيجي
20 ـ الشيخ مهدي بن داود الحجّار
21 ــ السيّد حسين الخادمي الإصفهاني
22 ــ الشيخ محمّد أمين زين الدين
23 ــ الشيخ سلمان الخاقاني
24 ــ السيّد مسلم الحلّي.
مؤلفاته ومراسلاته
ترك البلاغي ثروة علمية وفكرية هائلة وكنزا نفيسا لا يفنى فقد سخر حياته للدفاع عن الإسلام ونسج من قلمه دروعا لصد كل هجمات الملحدين والكائدين به.
يقول الأُستاذ توفيق الفكيكي عنه: (فجرّد قلمه البليغ ـ وهو أقطع بحجّته من الحسام ـ في وجوه الملحدين) (19)
ويقول الأستاذ علي الخاقاني: (أغنتنا الآثار العلميّة للشيخ البلاغي عن التنويه بعظمته وعلمه الجمّ وآرائه الجديدة المبتكرة، فلقد سدّ شاغراً كبيراً في المكتبة العربية الإسلامية بما أسداه من فضلٍ فيما قام به من معالجة كثيرٍ من المشاكل العلميّة، والمناقشات الدينية، وتوضيح التوحيد ودعمه بالآراء الحكيمة قبالَ العقائد السقيمة والمنحرفة، ولو لم يكن للشيخ البلاغي إلاّ كتابه (الرحلة المدرسية) لَكَفاه فخراً). (20)
ونترك القارئ مع عناوين مؤلفاته التي يستشف منها مدى علمية البلاغي وسعة ثقافته:
1 ــ آلاء الرحمن في تفسير القرآن، ألّف منه جزأين فقط ولم يمهله الأجل لإكماله
2 ــ الرحلة المدرسية: في الردّ على اليهود والنصارى. ترجم إلى الفارسية والأوردية
3 ــ البداء
4 ــ البلاغ المبين: في الإلهيات
5 ــ نصائح الهدى: ترجم إلى الفارسية
6 ــ العقود المفصّلة: وهي أربعة عشر عقداً في حل المسائل الفقهية والأُصولية
7 ــ تعليقة على بيع المكاسب للشيخ الأنصاري
8 ــ رسالة في شأن التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
9 ــ حرمة حلق اللحية
10 ــ أنوار الهدى: ترجم إلى الأوردية
11 ــ أعاجيب الأكاذيب: ترجم إلى الفارسيّة
12 ــ الردّ على الوهّابيّة
13 ــ نسمات الهدى ونفحات المهدي: في إثبات الإمام المهدي (صلوات الله عليه)
14 ــ الهدى إلى دين المصطفى: في الردّ على النصارى، ترجم إلى الفارسية
15 ــ رسالة التوحيد والتثليث
16 ــ رسالة في تنجيس المتنجّس
17 ــ التوحيد والتثليث
18 ــ المصابيح: في الرد على القاديانية
19 ــ أجوبة المسائل البغداديّة
20 ــ أجوبة المسائل التبريزيّة
21 ــ أجوبة المسائل الحلّيّة
22 ــ بطلان العول والتعصيب
23 ــ داروين وأصحابه
24 ــ داعي الإسلام وداعي النصارى
25 ــ الردّ على جرجيس سايل وهاشم العربي
26 ــ الردّ على كتاب تعليم العلماء
27 ــ الردّ على الدهريّة
28 ــ الردّ على كتاب ينابيع الكلام
29 ــ الشهاب في الردّ على كتاب (حياة المسيح) لبعض القاديانيّة
30 ــ المسيح والأناجيل
31 ــ الاحتجاج: لكل ما انفردت به الإمامية بما جاء من الأحاديث في كتب المذاهب الأخرى
32 ــ التقليد
33 ــ الخيارات
34 ــ وضوء الإماميّة وصلاتهم وصومهم: ترجم إلى الإنكليزيّة
35 ــ دعوة الهدى إلى الورع في الأفعال والفتوى: في إبطال فتوى الوهابيين بهدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام)
36 ــ صلاة الجمعة لمن يسافر بعد الزوال
37 ــ عدم تزويج أُمّ كلثوم من عمر
38 ــ عمانؤيل في المحاكمة مع بني إسرائيل
39 ــ إلزام المتدين بأحكام دينه
إضافة إلى رسائل في الفقه والأصول والعقائد والتعليقات
وقد جرت له مراسلات مع العديد من أعلام عصره في مسائل علمية وفقهية عديدة فكان يجيب على من يراسله بعلمية فائقة ولا يدخر جهدا في إبداء علمه الغزير اقتداء بالحديث الشريف (صدقة العلم نشره) ومن الذين راسلوه: السيد محسن الأمين صاحب كتاب أعيان الشيعة في مسائل عديدة منها حول مناسك ومواقيته الحج والشعائر الحسينية وأعلام آل البلاغي وغيرها من الأمور وقد نشر السيد الأمين بعض هذه المراسلات في كتابه المذكور في ترجمة البلاغي
كما جرت مراسلات أخرى بين البلاغي وبين الشيخ إبراهيم المظفّر حول الشعائر الحسينيّة، والحاج عباس قلي الواعظ الجرندابي عن عدّة مسائل علمية، والسيد نجم الحسن أحد أعلام الشيعة في الهند، والذي أرسل إليه البلاغي كتابه في الرد على مذهب القاديانيّة، والسيد الإمام عبد الحسين شرف الدين العاملي، والشيخ محمّد علي الأُوردبادي، وأبي المجد الشيخ محمّد رضا النجفي الأصفهاني، والسيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني.
ما قِيل وكُتب عنه
لا غرو أن تثير شخصية البلاغي الفذة إعجاب أعلام الفكر والأدب والعلم فدونوا اعترافاتهم بهذه العلمية الموسوعية وهذه بعض مدونات هؤلاء الأعلام:
قال فيه الشيخ علي كاشف الغطاء (رجلٌ فاضل، مُجِدّ في تحصيل العلوم، وأديب شاعر مصنّف، وهو من بيت كلّهم علماء أتقياء، وله شعرٌ حسَنُ الانسجام). (21)
وقال فيه الشيخ جعفر النقديّ (عالِمٌ عَيلَمٌ مهذّب، وفاضلٌ كامل مدرّب، آباؤه كلّهم من أهل العلم. اشتغل في طلب العلم ... وله في الأدب يدٌ غير قصيرة، وشعره جيّد حسن). (22)
وقال فيه الشيخ محمّد حرز الدين: (عالم فقيه كاتب، وأديب شاعر، بحّاثة أهل عصره، خدم الشريعة المقدّسة، ودين الإسلام الحنيف، بل خدم الإنسانيّة كاملة بقلمه ولسانه وكلّ قواه).(23)
وقال فيه الشيخ محمد الحسون: (العلامة البلاغي فقيه أُصولي، حكيم متكلّم، محدّث بارع، فيلسوف، مفسّر، أديب شاعر، ورع تقيّ، متواضع، عظيم في جميع جوانب سيرته، يُعدّ من مفاخر عصره علماً وعملا. مجاهد كبير، له مواقف مشرّفة ضدّ القوّات الانكليزيّة. أوقف حياته المباركة في الذبّ عن الدين ودحض شُبه النصارى والمادّيّين) (24)
وقال فيه الشيخ محمّد السماوي: (هذا الفاضل من سلسلة علماء أتقياء، مُقتَدىً بهم سامٍ عليهم بالتصانيف المطبوعة المفيدة، عاشرتُه فكان مِن خير عشير، يضمّ إلى الفضل أدباً، وإلى التقى إباً، وله شعر حسن الانسجام). (25)
وقال السيد محسن الأمين: (كان عالماً فاضلاً، أديباً شاعراً، حسن العِشرة سخيّ النفس، صرف عمره في طلب العلم وفي التأليف والتصنيف، صنّف عدّة تصانيف في الردود). (26)
وقال فيه الأُستاذ توفيق الفكيكي: (كان - رحمه الله تعالى- داعي دعاة الفضيلة، ومؤسّسة المدرسة السيّارة للهداية والإرشاد وتنوير الأفكار بأصول العلم والحكمة وفلسفة الوجود، فقد أفطمت جوانحه على معارف جمة، ووسع صدره كنوزاً من ثمرات الثقافة الإسلاميّة العالية والتربية الغالية، وقد نهل وعبّ من مشارع المعرفة والحكمة الصافية حتى أصبح ملاذ الحائدين الذين استهوتهم أهواء المنحرفين عن المحجّة البيضاء وخدعتهم ضلالات الدهريّين والماديّين.
ومن ملامحه ومخائله الدالّة على كماله النفسي هي فطرته السليمة وسلامة سلوكه الخلقي والاجتماعي، وحدّة ذكائه وقوّة فطنته، وعفّة نفسه ورفعة تواضعه، وصون لسانه عن الفضول، ولين عريكته، ورقّة حاشيته، وخفّة روحه وأدبه الجمّ، وفيض يده على عسره وشظف عيشه. فهذه السجايا والخصال هي أهمّ صفاته الكماليّة، وقد ورثها ـ بحكم قانون الوراثة ـ عن آباء آبائه البلاغيّين البهاليل الكرام) (27)
وقال فيه تلميذه الأستاذ علي الخاقاني (كان شامخاً في سيرته، فقد ترفّع عن درن المادّة، فتزيّا بالمُثُل العالية التي أوصَلَته في الحياة ـ وبعد الممات ـ إلى أرفع الدرجات. كان يصلّي جماعةً في الجامع المقابل القريب من داره، يأتمّ به أفاضل الناس وخيارهم، وبعد الصلاة كان يدرّس كتابه ( آلاء الرحمان في تفسير القرآن ). ومن نظر في سيرة الشيخ البلاغي وجَدَه قد تأثر بِسيَر الأولياء، حيث تخصّص في الدفاع عن الإسلام الذي سما على جميع الأديان، وذبّ عنه أمام تيّار الغرب). (28)
وقال فيه الشيخ جعفر باقر آل محبوبة: (ركن الشيعة وعمادها، وعز الشريعة وسنادها، صاحب القلم الذي سبح في بحر العلوم الناهل من موارد المعقول والمنقول، كم من صحيفة حبرها، وألوكة حررها، وهو بما حبّر فضح الحاخام والشماس، وبما حرر ملك رق الرهبان والأقساس، كان مجاهداً بقلمه طيلة عمره، وقد أوقف حياته في الذب عن الدين، ودحض شبه الماديين والطبيعيين، فهو جُنّة حصينة، ودرع رصينة، له بقلمه مواقف فلّت جيوش الإلحاد، وشتت جيوش العادين على الإسلام والطاعنين فيه... حضرت بعض دروسه واستفدت منه مدة، كان نحيف البدن، واهي القوى، يتكلف الكلام، ويعجز في أكثر الأحيان عن البيان، فهو بقلمه سحبان الكتابة، عنده أسهل من الخطابة). (29)
وقال السيّد الصدر: (عالم فاضل كامل، فقيه متكلّم، أديب شاعر أُصولي، أحد حسنات هذا العصر، من بيت فضل وعلم). (30)
وقال الشيخ محمد هادي الأميني: (فقيه كبير، ومجتهد مجاهد، وعالم نحرير، وعابد زاهد ناسك ورع، ومؤلّف خبير، متضلّع في العقائد، صاحب اليراع المقدّس، الذي سبح في بحار العلوم، ودحض شبه المادّيين والطبيعيّين، مع إلمامه ببعض اللغات الأجنبية، كان إلى جانب هذه القيم شاعراً مجيداً، وأديباً عبقرياً) (31)
وقال فيه السيد جواد شبر: (كان على جانب من عظيم من الخلق الاسلامي الصحيح فهو لا يماري ولا يداهن ولا تلين له قناة في سبيل الحق، وكان مع علوّ نفسه متواضعاً يكره السمعة ويشنأ الرفعة) (32)
رثاؤه
ترك البلاغي برحيله فراغاً كبيراً في الساحة العلمية والفكرية والفقهية فاتشحت هذه الأوساط بالسواد لفقده ودخل الحزن والأسى قلوب رجال العلم والأدب وقد رثاه كثير من أعلام عصره، ونقتطف بعضاً من قصائد من رثوه من الشعراء:
قال السيد رضا الهندي في رثائه من قصيدة طويلة:
إن تمسي في ظلمِ اللحودِ موسّدا فلقد أضـــــــأتَ بهنَّ أنوارَ الهدى
ولئن يفاجئكَ الـردى فـــلـطـالـما حاولـــــتَ إنقاذَ العبادِ من الردى
هذا مـدى تـجـري إلـيــــه فسابقٌ فــــي يومِهِ أو لاحقٌ يمضي غدا
قد كنتُ أهوى أنّني لكَ ســـــابقٌ هيهاتَ قد سبقَ الجوادَ إلى المدى
فليندبُ التوحـيـدُ يـومَ مـــــمـاتِـه سـيـفاً على التثــــليثِ كان مجرَّدا
وليبكِ ديـنُ مـحـمـدٍ لـمـجـــــاهدٍ أشـجـتْ رزيَّـتـه الــــــنـبيَّ محمدا
وللهندي قصيدة أخرى في رثائه يقول منها:
قـد خـصَّـك الـرحـمـنُ فـي آلائه فـدعـاكَ داعـيــــــهِ لــدارِ لقائِهِ
عمَّتْ رزيَّتُكَ الـسما والأرضَ يا داعي هداهُ بــــأرضِـهِ وسمائِه
يا محيي الدينَ الـحـنـيفِ تـــلافه فالدينُ أوشــكَ أن يـموتَ بدائِهِ
أوقدتَ أنوارَ الـهـدى من بعــدما قد جدَّ أهــــلُ الكفـرِ في إطفائِه
ورفعتَ للـتـوحـيـدِ رايـةَ بــاسلٍ ردَّ الـــــضـلالَ مُــنـكِّـساً للوائِه
يا باريَ القلمَ الذي إن يــجرِ في لوحٍ أصابَ الشركَ حتمَ قضائه
ما السمرُ تشبه منه حسنَ قوامِه كـــــلا ولا الأسيافُ حدَّ مضائِه
وقال السيّد محمّد الحلّي مؤرخا عام وفاته:
دهـى الإســـــلامُ إذ بـهِ تـداعـى سـورُهُ
وشـرعُ طــه أسـفـاً لـمّـا مضى نصيرُهُ
مذ غاب أرّختُ ألا غابَ الهدى ونورُهُ
ورثاه العالم الأديب الشيخ محمد رضا المظفر بقصيدة منها:
ليـهـنـكَ الـيـوم إمّـا كـنـتَ مُنفــرداً مــــــن الـمـلائكِ قـد أصبحتَ في زمرِ
غابت ذُكاكَ وأنوارُ الهدى سطعتْ والشمسُ تخفى ونورُ الشمسِ في القمرِ
وذي بآفاقِ متـنِ الأرضِ رحـلـــته سـيَّــــــارةٌ فــوقَ هـامِ الأنـجـمِ الـزهـرِ
أقـامـهـا لـصفوفِ الناسِ مدرســـةً جَـلـت مــــــقـامـاً عـن المزمارِ والوترِ
ألـقـى دروسَ الهدى فيها ولــــقّنها شـيـخـاً بـه ظــــــفـرَ الإسـلامُ بـالـظـفرِ
ورثاه السيد محمود الحبوبي فقال:
دأبـتَ بـنـشرِ ما سميتَ كــــــــتباً وديــــنُ اللهِ سـمّـاها دروعـا
فتى القلمِ الذي إن صــــــــرَّ ألقى صليلَ المشرفيِّ له خضوعا
وإن تحمله مـــــــــــختضباً مداداً فـماذا السيفُ مختضباً نجيعا
وإن رضعَ المدادَ ترى شيـوخَ الـ ـضــلالةِ تتقي ذاكَ الرضيعا
وقال العلاّمة الشيخ محمّد علي الأُوردبادي في رثائه من قصيدة طويلة:
سأبكيك والقرآنَ مــا دمـتُ بــاقياً بعلمكَ والمعروفُ منكُ مطوَّقا
وأبكيكَ للخطبِ المهولِ إذا دهـى وللجمعِ إمّا الـجمعُ رُعـباً تفرّقا
أراني قليلا إن أقُلْ فيك صـارخاً أحاميةَ القرآنِ نـــفـسي لكَ الوِقا
وهل كان يُجديك الفداءُ بمهـجتي وأنّكَ في الأجداثِ مستودَعٌ لقى
وخـطـبُك قد عــمّ البلادَ فلـم يَدَعْ خَـلِـيّاً مـن الأرزاءِ إلاّ وطــبّـقـا
فأبكيتَ أكنافَ العــراقِ وفــارِساً ومصـرَ وأرجـاءَ الحجازِ وجُلَّقا
وفي الهـنـدِ إعوالٌ عـليــك ورنّةٌ لما آن سـهمُ الموتِ نـحوكَ فَوِّقا
وضجّتْ لك الدنيا واُسْبِلَـتِ الدِّما على الخدِّ دمـعاً لا يزالُ مُرقرقا
وقال في رثائه الشاعر الأُستاذ صالح الجعفري من قصيدة:
في ذمَّةِ اللهِ نفسٌ بالجهادِ قـــــضتْ فكانَ آخرَ شــــــيءٍ فارقتْ قلمُ
مرتْ بها إبلُ السبعينِ مــــــسرعةً كما يــــــــمرُّ بعـينِ النائمِ الحلمُ
ما نادمتْ غيرَ قرطــــاسٍ ومحبرةٍ خـــوفَ الندامةِ إذ لا ينفعُ الندمُ
ألذّ ما عندها صــــوتُ اليراعةِ من فوقِ القراطيسِ لا نايٌ ولا نغمُ
عجبتُ والدهرُ مملوءُ الردا عــجباً إن الهدى سرُّه في الدربِ ينكتمُ
ما مبدأ الفضلِ ثق أن الفضائلَ في ما حبّرته يداكَ الـــــــيومَ يُختتمُ
بالأمسِ كنتَ لدينِ المصطفى أمـلاً واليوم أنتَ لدينِ المصـطفى ألمُ
وقال الشاعر الشيخ محمد تقي الفقيه في رثائه من قصيدة:
أفنيتَ نفسكَ بـــــــالجهادِ وطالما روَّيتَ من دمِها اليراعَ الظامي
حتى تســــــامتْ للجنانِ مهيضةٌ هـتــفَ الـمـلائـكةُ ادخلي بسلامِ
رئـــتاكَ واحدةٌ يهيبُ بها الردى حـنــــقـاً وأخـرى طعمةُ الأقلامِ
من يحسُ من شقِّ اليراعةِ كأسَه فوق الذي يحسوهُ في الصمصامِ
صيّرتَ قلبكَ شـمـــــعـةً وحملته ضــــوءاً أمـامَ الـديـنِ للإعـظامِ
فـأذبـتـه فـإذا الـمـدامــــعُ أسـطرٌ والـنـــورُ معناها البديعُ السامي
وللعلامة السيد علي نقي النقوي الهندي قصيدتان في رثائه يقول من الأولى:
قد قضى يالهفَ نفسي حضرةُ الشيخ (الجوادْ)
مَــــــــن به أصبحَ صرحُ الدّين كالسّبع الشّدادْ
والذي جاهدَ في نـصـرِ (الهدى) حـــقّ الجهاد
بـيراعٍ نـــــــــافـذِ الأمـرِ إذا خـاضَ الـحُـروبا
مفرداً بان جنــــــــــــــــوداً للعِدا تتلو الجنودا
آيةُ اللهِ الإمامُ الحـــــــــــــــجّةُ الشيخُ البلاغي
مَـــــــــنْ به الدّينُ بدا مُصْطَبغاً أيّ اصطباغِ
حيـــــــــــثُ جلّى شُبَهَ النّاسِ وأعيى كُلْ لاغِ
فـغدا الكفـــــــــــــرُ به مُنْهَزِماً يشكو الكروبا
(والهدى) يرفع فــــــي الـجوّ من الفخر بنودا
شعّ (أنوارُ الهدى) بيــــــــــــــن قريب وبعيدْ
منْ هُــــــــــداهُ فاهتدى من ضـوئها كلُّ سعيدْ
مَنْ له قلبٌ وألقى سمعـــــــــــــــه وهو شهيدْ
فـنــــــــــأى عـن غـيّـه مـن كــان للغيّ قريبا
ودنا للرّشــــــــــــد من كان عـن الرّشدِ بعيدا
ويقول في الثانية:
أتـاني بــريدُ الأسى مرسلا وليس على الرُّسْلِ غير الـبلاغِ
بنعي لــه ماجَ بين الضلوع بـحرٌ من الهمِّ والبـــــحرُ طاغِ
نعـــــى عَلَماً للهدى لم يَزَلْ يُـجـاهـدُ فـي نـصرِهِ كُــلَّ بـاغِ
وطــأطأ للـدّيـن هـامَ الـعِـدا فـعـادَ بـه مُـلْــجــــمـاً كُـلَّ لاغِ
بــه ملّةُ الـــحقّ قد أزهَرت إذ اصطبغتْ منه أيّ اصطباغِ
مضى آخذاً من سِني عُمْرِهِ لـمـنـزلِ أُخــــــــراه خيرَ بلاغِ
ومات فـــحقّ الأسى والبُكا وأضحى الهنا مــآله من مساغِ
أتلك القـيامـــةُ قلت مؤرّخاً (بـل مـصــابُ الإمامِ البلاغي)
كما رثاه أيضاً السيد مسلم الحلي والشيخ محمد علي اليعقوبي وغيرهم
شعره
كلمات الأعلام حول شاعريته تغني عن الحديث عنها ولكن ما نريد أن ننوّه إليه هنا هو أن هناك اعتقاد بأن رجل الدين تنحصر مهمته في الفقه والإفتاء وغيرها من المسائل التعبدية، وأن ميدانه هو حلقات العلم الخاصة بالأمور العقائدية والفقهية وليس له شأن في أمور الأدب والشعر وأغراضه وإذا كان هناك اتصال فهو في حدود الضرورة.
وهذا الاعتقاد خاطئ فإذا راجعنا سيرة حياة كثير من العلماء الأعلام فسيتضح العكس حيث سنجد أن كثيراً منهم قد تنوّعت ميادينهم في الفقه والأدب والفلسفة وغيرها وحازوا على قصب السبق في هذه الميادين، وهناك أسماء لامعة في سماء الفقه سطع نجمها أيضاً في سماء الأدب والشعر فهذا الشريف الرضي الذي كان نقيب الطالبيين وأعلمهم اشتهر بشعره الرقيق وكذلك أخوه الشريف المرتضى علم الهدى صاحب المصنفات الكثيرة له ديوان ضخم احتوى على أكثر من عشرين ألف بيت متعدد الأغراض والفنون.
وتستمر حلبات الإبداع باحتضان فرسانها فيأتي دور السيد محمد سعيد الحبوبي وآية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما من العلماء الأفذاذ الذين أثروا الساحة العلمية والأدبية بفقههم وشعرهم.
وأمامنا اليوم شعر من الطراز الممتاز في موضوعات شتى وأغراض متعددة تمطر القارئ برذاذ من الصور الجميلة المليئة بالمشاعر المتدفقة والمكيفة للتأمل والاهتمام لواحد من أعلام العلماء وأساتذة الفقه ورجال الفكر مع شهادات الأعلام بشاعرية كبيرة يظن القارئ لها أنه قد تخصص بالشعر فقط
يقول السيد محسن الأمين العامليّ في أعيانه، كان منه: (كان العلّامة البلاغي (رحمه الله) ــ مع عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين ــ أديباً كبيراً مقدّماً، وشاعراً مبدعاً، فَخِم العبارة، من فحول الشعراء، له نظم رائق سلس متين، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانيّة والمشاعر الإنسانيّة والتأمّلات الروحيّة).
ويقول أيضاً: (له شعر كثير جيّد، وهو في مواضع مختلفة) (33)
وقال الشيخ جعفر محبوبة: (وهو مع تبحّره في العلوم الروحيّة ذو سهم وافر من النظم، فهو شاعر محسن مجيد) (34)
وقال السيد محمد علي الحكيم: (كان - قدس سره - مع عظيم مكانته في العلم وتفقهه في الدين أديبا كبيرا وشاعرا مبدعا، من فحول الشعراء، له نظم رائق سلس متين، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانية، والمشاعر الإنسانية، والتأملات الروحية، وأكثر شعره كان في مدح أهل البيت عليهم السلام ورثائهم، وبقيته في تهنئة خليل، أو رثاء عالم جليل، أو في حالة الحنين إلى الأخلاء يحتمه عليه واجب الوفاء، أو في الدفاع عن رأي علمي، أو شرح عقيدة أو فكرة فلسفية بطريقة المعارضة الشعرية) (35)
وقال الأُستاذ توفيق الفكيكي: (كان ـ رضوان الله عليه ـ من فحول الشعراء وإن اشتهر بمؤلّفاته العلمية والفلسفية، غير أن الفضلاء من كبار الأُدباء والشعراء يقرّون له بمكانته الأدبية وشاعريته المطبوعة، فهو شاعر محسن مجيد). (36)
وقال العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني: (وكان ـ بالإضافة إلى عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين ـ أديباً كبيراً، وشاعراً مبدعاً، له نظم رائق سلس متين، أكثره في مدح أهل البيت (عليهم السلام) ورثائهم) (37)
وهناك أقوال أخرى أشادت بشاعرية البلاغي تركناها خشية الإطالة ونكتفي ما ذكرناه من أقوال أساتذة الأدب والتاريخ لندخل إلى عالم شعره الساحر وسنقتطف أورادا من حدائق شعره.
يقول في مولد الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
طلتِ فخراً يا ليلةَ النصفِ من شعـ ـبانَ بيــــضَ الأيامِ بالـــــتسويدِ
بـإمـامِ الـهـدى سـعــــــدتِ ومـا كــ ـلُّ زمـــــانٍ في ذاتهِ بـــــسعيدِ
لا يـغـرنّـكِ الـبـيـاضُ فــــــــــلـولا هُ لغُـــودرتِ كالليالي الـــــسودِ
فـهـوَ نـورُ اللهِ الـذي أشـرقَ الــكـو نُ بـــأنوارِه وسرُّ الــــــوجــودِ
وهـوَ الـلـطـفُ بـالـعـبـــادِ إمـامُ الـ ـحـــقِّ فـيـهمْ وحـــــجَّةُ المعبودِ
خـازنُ الـعـلــــــــــمِ آيـةُ اللهِ والـدا عي إليهِ عـــــدلُ الكتابِ المجيدِ
الـمُـنـادى لـكـلِّ خـــطـبٍ عــظـيـمٍ والـمـرجَّــــــى لـكلِّ هولٍ شديدِ
ثائرُ الدينِ مُدركُ الثأرِ شــــافي الـ ـغيظِ غوثَ الوليِّ غيظُ الـحسودِ
قائمُ الـحـقِّ نـاصـرُ الــــدينِ والإيـ ـمانِ أمنُ اللاجي نكــالُ الجحودِ
وله في الإمام المهدي (صلوات الله عليه) أيضاً قصيدة طويلة جداً ردّ بها على أحد المنكرين لوجود الإمام (عليه السلام) وفيها من الدلائل الواضحة والأدلة الساطعة ما يدحض كل قول مشكك، يقول منها:
وفـي خـبر الـثِّقْلَينِ هادٍ إلى الذي تَـنــــــازَعَ فـيه الـناسُ والتبَسَ الأمرُ
إذا قال خيرُ الرُّسْــــلِ: لن يتفرّقا فكيف إذن يـخلو من العِترةِ العصرُ؟
ومـا إن تَـمـسّكـتـمُ تُـنبـيـكَ أنّـهـم همُ الســـــــادةُ الهادون والقادةُ الـغُـرُّ
أتَحصُرُ أمرَ اللهِ بالعجـزِ، أم لدى إقـامةِ مـا لَفَّفْـــــــتَ أقعَدَك الحصرُ؟
فـكم فـي (يـنـابـيـع الـمودّة) مَنهلٌ نَـميـــــــرٌ بـه يَـشفى لـواردِهِ الصَّدرُ
وفي غيرهِ كـم مِن حديثٍ مُسلسَلٍ به يفطـــــنُ الساهي ويستبصر الغَرُّ
ومن بينِ أسفــارِ التواريخِ عندكم يُـؤلَّـف فـي تــــــاريـخِ مـولـدِهِ سِـفْرُ
وكم قــال مِن أعلامكم مِثلَ قولنا به عارفٌ بحرٌ وذو خــــــبرةٍ حَبْرُ؟
وإن شــئتَ تقريبَ الـمدى فَلَرُبّما يَـكِلُّ بـمضمارِ الـجِيادِ بـــــــكَ الفكرُ
فمُـذ قادَنا هادي الدليلِ بما قضى به العقلُ والـنقلُ اليقينانِ والـــــــذِّكرُ
إلــى عِـصمةِ الـهادينَ آلِ مـحمّدٍ وأنّـهمُ فـي عـصرِهـم لـهمُ الأمــــــرُ
وقد جاء في الآثارِ عن كلِّ واحدٍ أحاديثُ يَعْيــــا عن تواتُرِها الحَصرُ
تُعـرِّفُنا آبــنَ الـعـسـكـريّ، وأنّـه هـو الـقائمُ المهـــــديُّ، والواترُ الوِتْرُ
تَبِعْنا هُدى الــهادي فأبلَغَنا المَدى بنورِ الهدى.. والحــــــمدُ للهِ والشكرُ
وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) كتبها للموكب الذي أسسه في كربلاء:
يا يا تريبَ الخَدّ في رَمضا الطفوفْ لَـيَتنــــــــــي دونَـك نَـهْباً لـلسيوفْ
يـا صــــــــــريعاً ثاوياً فوق الصعيدْ وخضيبَ الشيبِ مِن فيـضِ الوريدْ
كـيف تـقضي بـيـــــن أجـنـادِ يـزيـدْ ظـامياً تُسقــــى بكاســاتِ الحُتُـوفْ
كيف تقضي ظامياً حـــــولَ الفراتْ دامـياً تَــنْـهـلُ مــــــنــكَ الـظامياتْ
وعـلى جسمِكَ تجري الصـــــافناتْ عـافرَ الجسمِ لُقىً بين الـــــصُّفوفْ
سـيّدي أبـكيكَ للشيبِ الخضـــــــيبْ سـيّدي أبـكـيـكَ لـلـوجـهِ الــــتَّريبْ
سـيّدي أبـكيكَ لـلجســـــــــمِ السليبْ مِـن حشـا حَـرّانَ بالدمــعِ الذَّروفْ
سـيّدي إنْ مَـنَعوا عنك الفـــــــراتْ وسَـقَوا مـنـك ظِــمـاءَ الــــمُرهَفاتْ
فـسـنسقي كـربلا بـالعَبَـــــــــــراتْ وَكَـفاً عـن عَـلَـقِ الـقـلـبِ الأَسُـوفْ
وقال في مولد الإمام الحسين (عليه السلام):
شعبان كـــــــم نعمتْ عينُ الهدى فيه لــــولا المحرَّمُ يأتي في دواهيهِ
وأشــــــــرقَ الـديـنُ مـن أنـوارِ ثالثه لــولا تـغـشّـاه عـاشـورٌ بـداجيهِ
وارتاحَ بالسبطِ قلبُ المصطـفى فرحاً لـو لمْ يرعه بذكرِ الطفِّ ناعيهِ
رآهُ خـيـرَ ولــــــــــيـدٍ يُـســتـجـارُ به وخيرَ مستشهدٍ في الدينِ يحميهِ
قرَّت به عينُ خيرِ الــــرسـلِ ثم بكتْ فـهــــــل نـهـنـيـه فيهِ أو نعزِّيهِ
إن تبتهجْ فـاطـمٌ فـي يــــــــومِ مـولدِه فليلةُ الطـــفِّ أمستْ من بواكيهِ
أو ينتعشْ قلبُها من نـــــــــورِ طـلعتِه فـقـد أديـــلَ بقاني الدمعِ جاريهِ
فقلـبُـهـا لـم تـطـلْ فـيـــــــــه مـسـرَّتُه حتى تنازعَ تبريـــحُ الجوى فيه
.....................................................................
1 ــ مقدمة كتاب: الهدى إلى دين المصطفى للشيخ البلاغي، تحقيق الفكيكي ج ١ ص ٨
2 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 255
3 ــ طبقات أعلام الشيعة ج 1 ص 323
4 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 58
5 ــ الشيخ جواد البلاغي رجل العلم والجهاد ص 16
6 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 66 ـ 67
7 ــ وسيلة المعاد في مناقب شيخنا الأُستاذ ص 416 ــ 413 وهو مقدّمته لترجمة الرحلة المدرسيّة إلى الفارسيّة.
8 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 261
9 ــ الشيخ جواد البلاغي رجل العلم والجهاد ص 17
10 ــ الكنى والألقاب ج 2 ص 94
11 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 67
12 ــ الشيخ جواد البلاغي رجل العلم والجهاد ص 28
13 ــ مقدمة كتاب: الهدى إلى دين المصطفى للشيخ البلاغي، تحقيق الفكيكي ج ١ ص 11
14 ــ مقدّمة كتاب الرحلة المدرسيّة للبلاغي تحقيق السيد أحمد الحسيني ص ٦
15 ــ مقدمة كتاب الرد على الوهابية للبلاغي ص ١٠ تحقيق السيد محمد علي الحكيم
16 ــ مقدّمة الرحلة المدرسيّة ص 12
17 ــ مقدّمة كتاب الرحلة المدرسيّة للبلاغي تحقيق السيد أحمد الحسيني ص 11
18 ــ نفس المصدر السابق
19 ــ مقدمة كتاب: الهدى إلى دين المصطفى للشيخ البلاغي، تحقيق الفكيكي ج ١ ص 7
20 ــ شعراء الغري ج 2 ص 438
21 ــ الحصون المنيعة ج 9 ص 186
22 ــ الروض النضير ص 304
23 ــ معارف الرجال ج 1 ص 96
24 ــ الشيخ البلاغي رجل العلم والجهاد / المقدمة
25 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ص 65
26 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 262
27 ــ مقدمة الهدى إلى دين المصطفى ص 11
28 ــ شعراء الغري ج 2 ص 438
29 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 62
30 ــ تكملة أمل الآمل ج 1 ص 76
31 ــ معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 253
32 ــ أدب الطف ج 7 ص 151
33 ــ أعيان الشيعة ج 4 ص 256
34 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 62
35 ــ مقدمة كتاب الرد على الوهابية للبلاغي ص ١5 تحقيق السيد محمد علي الحكيم
36 ــ مقدّمة كتاب: الهدى إلى دين المصطفى ج 1 ص 16 ــ 17
37 ــ طبقات أعلام الشيعة ج 1 ص 325
كما ترجم له:
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 3 ص 123
كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء ج 1 ص 339 ــ 340
كما ألف العديد من الأعلام عن شخصية البلاغي كتباً عنه منهم:
الأستاذ علي الأوسي ــ الشيخ محمد جواد البلاغي المفسر ـ المجدد ـ المصلح
الباحثة رغد فلاح عبد كاظم الخزرجي ــ محمد جواد البلاغي دراسة تاريخية
ثائر عباس هويدي النصراوي ــ منهج الشيخ البلاغي في نقد الفكر الديني اليهودي
كما أقيم له مؤتمر دولي في أكاديمية العلوم والثقافة الإسلامية التابعة لحوزة قم العلمية عام 2008م. وتم إعداد موسوعة العلامة البلاغي في تسعة مجلدات وهي تضم كافة مؤلفات العلامة البلاغي.
اترك تعليق