110 ــ جعفر الخطي: (980 ــ 1028 هـ / 1572 ــ 1619 م)

جعفر الخطي: (980 ــ 1028 هـ / 1572 ــ 1618 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (78) بيتاً:

مضمَّخة أجسـادُهـــــــــم فـكـأنـما    عليهنَّ مـن حـــمرِ الدماءِ مجاسدُ

تضيءُ بهِ أكنافُ عرصةِ (كربلا)    وتـظــــــــــلمُ مـنه أربعٌ ومشاهدُ

فيا (كربلا) طــــلتِ السماءَ وربما    تناولَ عفواً حظ ذي السعي قاعدُ (1)

الشاعر

الشيخ أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام الشهير بالخطي البحراني العبدي لقب بـ (العبدي) نسبة إلى بني عبد القيس بن شن بن قصي بن دعمي بن جدلية بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان (2) ولقب بـ (الخطي) نسبة إلى مسقط رأسه قرية الخط في البحرين (3)

كان الخطي من علماء البحرين الكبار وأدبائها الأفذاذ قال السيد الأمين في ترجمته: (أحد المشاهير، علامة فاضل من الصلحاء الأبرار وكان مع وفور تقواه أديب رقيق وشاعر مطبوع جزل اللفظ منسجم الأسلوب قوي العارضة من شعراء أوائل القرن الحادي عشر وأحد المعاصرين لمفخرة الشيعة الشيخ بهاء الدين العاملي ورد عليه في أصفهان خلال زيارته لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه‌ السلام ومدحه بقصيدة عصماء وجاراه في رائيته في مدح صاحب الزمان سلام الله عليه حيث اقترح عليه ذلك) (4)

وقال عنه ابن معصوم المدني: (ناهج طرق البلاغة والفصاحة. الزاخر الباحث الرحيب المساحة. البديع الأثر والعيان. الحكيم الشعر الساحر البيان. ثقف بالبراعة قداحه. ودار على السامع كؤوسه وأقداحه. فأتى بكل مبتدع مطرب. ومخترع في حسنه مغرب. ومع قرب عهده فقد بلغ ديوان شعره من الشهرة المدى. وسار به من لا يسير مشمر وغني به من لا يغنى مفرداً. وقد وقفت على فرائده التي لمعت. فرأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. وكان قد دخل الديار العجمية فقطن منها بفارس. ولم يزل بها وهو لرياض الأدب جان وغارس. حتى اختطفته أيدي المنون. فغرس بفناء الفنا وخلد عرايس الفنون. وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وألف رحمه الله تعالى) (5)

وقال عنه الشيخ علي بن منصور المرهون: (هو العالم الفاضل.. أحد المشاهير، علامة فاضل من الصلحاء الأبرار، وكان ــ مع وفور تقواه ــ أديبا رقيقا وشاعرا مطبوعا، جزل اللفظ، منسجم الأسلوب، قوي العارضة...) (6)

وقال عنه السيد جواد شبر: (أحد المشاهير، علامة فاضل، من الصلحاء الأبرار، وكان مع وفور تقواه أديب رقيق وشاعر مطبوع جزل اللفظ منسجم الأسلوب قوي العارضة من شعراء أوائل القرن الحادي عشر وأحد المعاصرين لمفخرة الشيعة الشيخ بهاء الدين العاملي ورد عليه في أصفهان خلال زيارته لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه السلام) (7)

اشتهر الخطي بشعره في الحنين إلى الوطن فقد كتب عليه أن يعيش متغرباً حتى أدركته المنية في بلاد بعيدة، فكان أجمل شعره وأخلده هو ما كان صدى لعواطفه ومظهراً لحنينه لأرضه والتشوّق لمسقط رأسه، فكان لنا منه ذخيرة من الرقة واللوعة تدفّقت شعراً رقيقاً وقصائد شجيّة مليئة بأنين الفراق وزفرات الشوق والحنين، وهذه النبرة من الشعر البحريني لم تكن غريبة على شعراء عاشوا قبل الخطي وبعده حتى أصبحت سمة من سمات الشعر البحريني، فقد لهج بها الشعراء نغماً عذباً وشدواً رقيقاً خالداً ذكره خلود الأدب ولعل أبرزهم هو جعفر الخطي الذي شاءت إرادة الله أن يذوق الغربة والنزوح عن الأوطان حتى يموت غريباً عن وطنه الذي طالما تغنى به وتشوق له فقال في بعض ذلك:

يا هلْ ترونَ لنـــــــازحٍ قذفتْ به    أيدي البعادِ (لجدّحفص) إيابا

لا تحســـب (البحرين) أني بعدها    مُــــتبوِّئٌ داراً ولا أصحــابا

ما أصبحت (شيراز) وهي حبيبة    عندي بأبــهجَ من أوالِ جنابا (8)

تميز الخطي بشاعرية كبيرة ومما يشهد على ذلك أنه لما سافر إلى طوس لزيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ذهب إلى أصفهان فالتقى بالشيخ بهاء الدين محمد العاملي الذي جمع إلى الحكمة والعلم والشعر والآداب، الفلسفة وعلم الكلام. فكان لقاء هذين العلمين في أصفهان مجالاً لتساجلهما بالشعر، فاقترح الشيخ البهائي على الخطي معارضة قصيدته الرائية:

سرى البرقُ من نجدٍ فهيَّج تذكاري    عهوداً بحزوى والعذيبِ وذي قار

فقال له البهائي: قد أمهلتك شهراً. فقال له الشيخ جعفر: بل يوماً في مجلسي، فاعتزل ناحية وأنشد قصيدة طويلة مطلعها:

هي الدارُ تستسقيكَ مدمعكَ الجاري    فسقياً فأجدى الدمعُ ما كان للدارِ

فقال له الشيخ البهائي وأشار إلى جماعة من سادات البحرين وأشرافهم كانوا جالسين عنده:

(هؤلاء يعرفون مقدارك إن شاء الله تعالى على أنه لم يبق فما أظنه من الأرض شبر لم تطبه). ولما أتم الخطي قصيدته الطويلة كتب إليه الشيخ البهائي مقرِّضاً: (أيها الأخ الأعز الفاضل الألمعي بدر سماء أدباء الأعصار وغرة سيماء بلغاء الأمصار. أيم الله إني كلما سرحت بريد نظري في رياض قصيدتك الغراء ورويت رائد فكري من حياض فريدتك العذراء زاد بها ولوعي وهيامي واشتد اليها ولهي وأوامي فإنما عناها من قال:

قصيدتُكَ الغرَّاء يا فـــردَ دهرِهِ    تنوبُ عن الماءِ الزلالِ لمن يظما

فتروي متى تُروى بدائع لفظها    ونــظماً اذا لم تروِ يوماً لها نظما

ولعمري لا أراك إلا آخذاً فيها بأزمة أوابد اللسن تقودها حيث أردت، وتوردها أنى شئت وارتدت، حتى كانت الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى لسانك والمعالي تتغاير في الانثيال على جناحك والسلام). (9)

وللقارئ أن يتبين مدى شعرية الخطي من خلال هذا التقريض الذي جاء من علم من أعلام الفكر والأدب في التاريخ الإسلامي، ومفخرة من مفاخر الشيعة.

وهناك تقاريظ أيضاً من أعلام عصره لم يخف عليهم انبهارهم بقصيدته وهي وإن تكن جاءت من مفكرين وشعراء وكبار فإنها لا تقوم بشاعريته، وهي إن استطاعت أن تدل عليه وتشير، ولعل قصيدته الرائية التي سنذكرها هي من أجود شعره فقد بقيت تتناقلها الألسن وتشدو بها الأفواه في المجالس

شعره

قال السيد الأمين: (شاعر مطبوع جزل الألفاظ حسن السبك من شعراء المئة الحادية عشرة في أوائلها مدح أمراء البحرين وساداتها ووفد على الشيخ بهاء الدين العاملي بأصفهان حين زار الرضا (ع) ومدحه بقصيدة فريدة ونال عنده حظوة ونوه البهائي باسمه وله ديوان شعر كبير حاو لجميع فنون الشعر جمعه في حياته راويته ومنشده الحسن بن محمد الغنوي الهذلي بأمر السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار بن حسين العلوي الموسوي وصدره بخطبة طويلة مسجعة مجنسة على عادة أهل ذلك العصر، عثرنا منه على نسخة مخطوطة قديمة في جبل عامل قد ذهب منها أول الخطبة ويسير من آخر الديوان

ثم قال شعره ها نحن نختار من شعره القسم الأوفر ناقلين له من ديوانه الذي عندنا مرتبا على الأبواب) (10) وقد نقل كثيراً من شعره (11)

أما شعره في أهل البيت فيفيض رقة وصدقا يقول من قصيدته الدالية في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (78) بيتاً:

ولكن هلمَّ الخطب في رزءِ ســــــــــــيدٍ    قضى ظمأ والــــــماءُ جــارٍ وراكدُ

كأنّــي به في ثلّةٍ مـــــــــــــــــن رجـالِهِ    كما حفَّ بالليثِ الأسـودُ الــــــلوابدُ

يخوضُ بـــــــــــــهمْ بحرَ الوغى وكأنه    لواردهـم عذبُ المجـــــــــاجةِ باردُ

إذا اعتقلوا سمرَ الرمـاحِ وجـــــــــرّدوا    سـيوفاً أعارتها البطــــــونُ الأساودُ

فليس لها إلا الصـــــــــــــــدور مراكزاً    وليس لها إلا الــــــــــرؤوسَ مغامدُ

يلاقون شدّاتِ الكمــــــــــــــــــاةِ بأنفسٍ    إذا غضبتْ هانــــــتْ عـليها الشدائدُ

إلى أن ثووا في الأرضِ صرعى كأنهم    نخيلٌ أمـــــــــــــــالتهنَّ أيدٍ عواضدُ

أولئكَ أربابُ الحفـــــــــــــاظِ سمتْ بهمْ    إلى الغايةِ القصوى النفوسُ المواجدُ

ولم يبقّ إلا واحــــــــــــــدُ الناسِ واحداً    يكــــــابدُ من أعدائهِ ما يكــــــــــابدُ

يكرُّ فينثــــالون عنه كأنّـــــــــــــــــــهم    مها خلـفهنّ الضــــــــارياتُ شـواردُ

يحامي وراء الطـــــــــــاهراتِ مجاهداً    بأهلي وبــــي ذاكَ المحامي المجاهدُ

فما الليثُ ذو الأشبالِ هِيـــج على طوى    بأشجع منه حــــــــــين قلَّ الـمساعدُ

ولا سمعتْ أذني ولا أذنُ ســــــــــــامعٍ    بأثبتَ منه في اللقــا وهــــــــو واحدُ

وقال في مجاراته لقصيدة البهائي في الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وتبلغ (55) بيتاً:

وألزمتني مدح امرئٍ لو مـــــــدحـته    بشعرِ بني حوا ودعْ عنكَ أشعاري

لقصَّرت عــــــــن مقدارِ ما يستـحقه    عُلاهُ فإقلالي ســــــــواءً وإكثـاري

إمام هـــــــدىً طـهـرٌ نقيّ إذا انـتمى    إلى ســـادةٍ غُـرِّ الشمـــــائلِ أطهارِ

وبـــــــرٌ لبرٍ ما نسبـــــتَ فـصـاعـداً    إلى آدم لـــــــــــــم ينمِه غيرُ أبرارِ

ومنتظرٌ مـا أخّرَ اللهُ وقــــــــــــــــته    لشيءٍ سـوى إبــراز حقٍّ وإظـــهارِ

له عزمةٌ تثني القضــــــــــــاءَ وهمةٌ    تؤلف بين الشاةِ والأسَدِ الـضـاري

أبا القاسم انهضْ واشفِ غلّ عصابةٍ    قضى وطراً من ظــــلمِها كلُّ كفّار

إلى م وحتى م المُنى وانتـظــــــارنا    سحائبُ قد أظللـــنَ من دونِ أمطارِ

ذوتْ نظـــرة الصبرِ الجميلِ وآذّنتْ    بيبــــــــــسٍ لإهمالٍ تمـادى وأنظارِ (12)

ومن شعره في الحنين الى وطنه ما رسم منه صورة جميلة عن المجتمع البحريني في ذلك الوقت فيذكر الاماكن ويتشوق الى المنازل فيقول:

يا سـاكـنـي الخُط في قلـبـي لـكـمْ خططٌ    مـعـمـورةٌ بـمعـانــــــــيكمُ مغانيها

يا هلْ تــــــــرونَ لمحنيِّ الضـلوعِ على     ذكـرِ الـديـارِ وقوفاً في محانـيـها

ماذا على الطيرِ إذ أبلى الضحى جسدي    فـخفٌ لـو حـــــمَّلتني في خوافيها

إن يقعد الطيرُ عن حملــــي لكم وسرتْ    ريحُ الصبا فاطلبوني في مساريها (13)

وقد قُدر لله ان يموت بعيداً عن وطنه، فمات بشيراز سنة 1028هـ ــــ 1618م بعد ان ترك فكراً لا ينسى وإرثاً لا يفنى

..................................................

1 ــ ديوان جعفر بن محمد الخطي ــ مطبعة الحيدري ــ طهران 1373 هـ علق عليه وأخرجه الخطيب علي بن الحسين الهاشمي ــ عضو جمعية الرابطة العلمية الأدبية في النجف الأشرف ص 36 ــ 39 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ١٦٢/ أدب الطف ج 5 ص 72 ــ 75

2 ــ سلافة العصر لابن معصوم الحسني ص 307 / أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج ٤ - الصفحة ١٥٧ / مقدمة الديوان ــ و ــ

 3 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ١٥٧

4 ــ نفس المصدر والصفحة

5 ــ سلافة العصر ص 307 ــ 308

6 ــ شعراء القطيف ج 1 ص 119

7 ــ أدب الطف ج 5 ص 76

8 ــ ديوانه ص 8

9 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ١٦٠ / سلافه العصر ج 1 ص 307 ــ 308

10 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ١٥٧

11 ــ نفس المصدر ص 157 ــ 173

12 ــ ديوانه ص 63 ــ 65 / كما نقلتها كثير من المصادر

13 ــ ديوانه ص 123 ــ 124 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ١٦٦

كما ترجم له:

محمد أمين المحبي / خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ج ١ ص ٤٨٣

الحر العاملي / أمل الآمل ص 37

الشيخ عباس القمي / الفوائد الرضوية ص 81

عمر فروخ / معالم الأدب العربي في العصر الحديث ج 2 ص 331

السيد عدنان محمد العوامي ــ ديوان أبي البحر الخطي / تحقيق

أنيسة المنصور وعبد الجليل العريض ــ ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي / تحقيق

المرفقات

: محمد طاهر الصفار