100- بشر بن حذلم (القرن الاول الهجري)

بشر بن حذلم (من شعراء القرن الأول الهجري / السابع الميلادي)

قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

يا أهلَ يثربَ لا مُــقـــامَ لكمْ بها    قتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ

الجسمُ منه بـ (كربلاءَ) مضرّجٌ    والرأسُ منه على القناةِ يُدارُ

يا أهل يثربَ شيـخـكـمْ وإمامكمْ    مـا مـنــكــــمُ أحدٌ عليه يغارُ

الشاعر:

ورد اسم الشاعر في القصة المعروفة التي نقلتها المقاتل والمصادر وهي: أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) لما رجع إلى المدينة ووصل إلى مشارفها طلب من الشاعر أن يدخل المدينة وينعى الحسين، وقد سمَّاه ابن طاووس بشراً وسُمِّي في بقي المصادر بشيراً.

وقد ذكر القصة السيد ابن طاووس فقال ما نصه: (قال بشير بن حذلم: فلما قربنا منها نزل علي بن الحسين عليهما ‌السلام، فحط رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه.

وقال: يا بشر، رحم الله أباك لقد كان شاعراً، فهل تقدر على شيء منه؟

قلت: بلى يا بن رسول الله إني لشاعر.

قال: فادخل المدينة وانع أبا عبد الله عليه ‌السلام

قال بشر: فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت أقول:

يا أهلَ يثربَ لا مُــقـــامَ لكمْ بها    قتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ

الجسمُ منه بـ (كربلاءَ) مضرّجٌ    والرأسُ منه على القناةِ يُدارُ

يا أهل يثربَ شيـخـكـمْ وإمامكمْ    مـا مـنــكــــمُ أحدٌ عليه يغارُ

قال: ثم قلت: هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم، وأنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه.

قال: فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن، مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور، فلم أر باكياً ولا باكية أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمر على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله.

وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول:

نـــعـــى ســيـدي نـاعٍ نـعـاهُ فـأوجـعـا    وأمـرضـنـي نـاعٍ نـعـاهُ فـأفجعا

فـعـيـنـيَّ جُـودا بـالـدموعِ واســــكـــبا    وجـودا بـدمـعٍ بــعد دمعِكما معا

على من دهى عرشَ الجليلِ فزعزعا    فأصبحَ هذا المجدُ والدينُ أجدعا

على ابـنِ نــبـــــيِّ اللهِ وابـنِ وصـيِّـه    وإن كان عنَّا شاحط الدارِ أشسعا

ثم قالت: أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله عليه ‌السلام، وخدشت منا قروحاً لما تندمل، فمن أنت يرحمك الله؟

قلت: أنا بشير بن حذلم وجهني مولاي علي بن الحسين، وهو نازل موضع كذا وكذا مع عيال أبي عبد الله الحسين عليه‌ السلام ونسائه.

قال: فتركوني مكاني وبادروا، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع، فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس، حتى قربت من باب الفسطاط، وكان علي بن الحسين عليهما ‌السلام داخلاً، فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسي، فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة، فارتفعت اصوات الناس بالبكاء وحنين الجواري والنساء، والناس من كل ناحية يعزونه، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال ..... ثم يروي خطبة الإمام زين العابدين في المدينة) (1)

كما ذكر القصة أيضاً السيد محسن الأمين وقال معقباً على القصة: (وظاهره انه كان مع علي بن الحسين وأهل بيته حين توجهوا من العراق إلى المدينة ولا يعلم سبب وجوده معهم) (2)

وظاهر هذه الرواية تدل على أن بشراً أو بشيراً هذا كان من ثقات الإمام زين العابدين (عليه السلام) والمثير في القصة أنه حينما سأله الإمام إن كان يقدر على نعي الحسين شعراً قال له: نعم إني لشاعر. ومن الطبيعي أن شاعراً موالياً لأهل البيت (عليهم السلام) وفي تلك الفترة التي شهدت كثيراً من الأحداث السياسية المهمة سيكون له كثير من الشعر في إبراز فضائل أهل البيت ومظلوميتهم ولكن التاريخ لم يذكر له سوى هذه الأبيات الثلاثة فأين ذهب شعره ؟ كما أين ذهب الشاعر نفسه فالتاريخ لا يذكره سوى في هذا الحدث ؟

هذا السؤال تجيبنا عنه أحداث تلك الفترة التي بلغ فيه الضغط السياسي والاضطهاد والتنكيل والتشريد أقصى مداه ضد الشيعة من قبل الأمويين فخطف ليل العهد الأموي المظلم الشاعر مع شعره ولا يعرف مصيرهما.

...........................................................................

1 ــ ذكر القصة الأبيات كل من:

ابن طاووس / الملهوف على قتلى الطفوف ص 82

أعيان الشيعة ج 3 ص 582

السيد عبد الرزاق المقرم / مقتل الحسين ص 374

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 1 ص 61

السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري / تسلية المُجالس وزينة المَجالس ج ٢ ص 460

مهدي الحائري المازندراني / معالي السبطين ج 2 ص 203

ابن نما الحلي / مثير الأحزان ص 112

محمد صادق الكرباسي / ديوان القرن الأول ص 176

جواد محدثي / موسوعة عاشوراء ص 66

السيد عبد الحسين شرف الدين / المجالس الفاخرة ج 1 ص 148

 لبيب بيضون / موسوعة كربلاء ج 2 ص 565

المجلسي / بحار الأنوار ج ٤٥ ص ١٤٧

2 ــ أعيان الشيعة ج 3 ص 582

المرفقات

: محمد طاهر الصفار