49 ــ إسماعيل الصياح ولد (1390 هـ / 1970 م)

إسماعيل الصياح (ولد 1390 هـ / 1970 م)

قال من قصيدة (قبلةٌ تسرجُ الفصول) وهي في كربلاء الشهادة التي رسمت طريق الحرية الحمراء:

يا قبلةً بـــــــــــــــكراً مُماهيةً     صـــــــحوَ الوجودِ بلذّةِ العَدَمِ

خلّــــــي سبيلَ الحزنِ غايتهم     ردمَ الشفاهِ الخضرِ فازدحمي

يــــا (كربلاءُ) الكونُ مرتَهِنٌ     في راحتيــــــــــكِ بأنهـرٍ سَدمِ

عـــودي بألـفِ حكايةٍ وذري     من خانَ عهدَ الـــــــحبِّ للندَمِ

كمْ خــــــــاتلتكِ الريحُ عابثةً     والنخلُ في شطّيْكِ لـــــــــمْ يَنَمِ

يا (كربلاءُ) فمِنْ هُـنا انبثقتْ     حريةٌ صِيغتْ بنــــــــــزفِ دمِ

فاحتاجَكِ العُشّاقُ بوصــــــلةً     كالثائرينَ لذلكَ ابتســـــــــــمي (1)

الشاعر

إسماعيل بن عبيد بن صيَّاح الخويلدي، ولد في مدينة الناصرية، وفيها أكمل دراسته، فحصل على شهادة البكالوريوس في الفيزياء، وعمل مدرساً في هذا المجال، ورغم تخصّصه العلمي إلا أن هاجس الشعر والأدب كان يحثه ليستجلي ما ينبض به قلبه، فكتب الشعر بأنماطه الثلاثة العمودي والتفعيلة والنثر، وكانت أغلب قصائده العمودية تصبّ في الجانب الولائي لأهل البيت (عليهم السلام) وشارك بها في كثير من المهرجانات والمحافل والأماسي في مدينته وخارجها وكذلك خارج العراق، كما نشر قصائده في أغلب الصحف والمجلات العراقية.

حصل الصياح على العديد من الجوائز في المسابقات الشعرية منها:

1 ــ جائزة الجود العالمية عن أبي الفضل العباس (عليه السلام)

2 ــ جائزة محمد علي الخفاجي التي أقيمت في كربلاء المقدسة

3 ــ جائزة مؤسسة الشهداء

4 ــ جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي / الدورة الخامسة

5 ــ جائزة منتدى ابن المقرب الأدبي في الدمام

أصدر الصيّاح مجموعتين شعريتين هما:

1 ــ عندما يشهق البنفسج وهي التي فازت بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي 2015 وطبع على نفقة الجائزة.

2 ــ ذاكرة الرمل وهي مجموعة شعرية خاصة بأهل البيت (عليهم السلام) وقد فازت بجائزة ابن المقرب الأدبي في الدمام، وطُبعت على نفقة الجائزة

وللشاعر مخطوطتان شعريتان هما:

1 ــ هذيان في ساعة متأخرة من القلب

2 ــ أسئلة في متاهات كونية

ولديه أيضا مجموعة قصصية مخطوطة بعنوان: ندوب في ذاكرة مطفأة

كتب عن الشاعر الأستاذ عبد الحليم أحمد الحصيني (2)، واختير بعض شعره لدراسات الماجستير منها دراسة (الأنساق الثقافية للإرهاب في الشعر العراقي) للباحثة دعاء علي هادي / جامعة الكوفة

والصيَّاح هو:

عضو اتحاد أدباء العراق

عضو اتحاد أدباء ذي قار

من مؤسسي نادي الشعر في ذي قار

من مؤسسي منتدى القلعة الأدبي في مدينتي قلعة سكر

شعره

امتاز شعره بنفسه الولائي لأهل البيت وخاصة في (حسينياته) فلكربلاء خاصية لدى الشاعر يراها تسرج الفصول وتبث اشعاعات العقيدة والفداء في النفوس، يقول من قصيدة (قبلةٌ تسرجُ الفصول) وهي في كربلاء:

خَلّي سبيلَ الحزنِ وابــــتسمي     وتنفَّسي شيــــــــــئاً من الغُمَمِ

وتمايلي غصناً ينيـــــــخُ على     أكتــــــــــــافِه سربٌ من الألمِ

وتلمْلمِي غيـــــــــــماً يُباغِتُني     شعراً يَدسُّ الروحَ بالقــــــــلمِ

رفِّي جَناحَ فراشــــــــــةٍ نقلتْ     سرَّ الزهورِ إلى رُبــــى الكلمِ

يا شهقةَ البــــوحِ التي رسمتْ     كلَّ الفصولِ بعـــــــودِها النَهِمِ

وغوايةُ الناياتِ في وطـــــــنٍ     من طوطمِ ينجو إلى صــــــنمِ

كوني بهذا الحزنِ أغـــــــــنيةً     تُذكي أوارَ الشـــــــوقِ بالهممِ

من لؤلؤيِّ الدمـــــــــعِ زينتُها     عينُ القبابِ بمروَدِ الشـــــــمَمِ

كعروسةٍ أرختْ منــــــــائرَها     فتلفَّعَ الريحانُ بـــــــــــــالنسمِ

وجهٌ طفوليُ الـــــــــرؤى نهَرٌ     يُفشي حـــــــقولَ الآسِ للحُلمِ

يا قبلةً بكراً مُمــــــــــــــــاهيةً     صـــــــحوَ الوجودِ بلذّةِ العَدَمِ

خلّي سبيلَ الحزنِ غـــــــايتُهم     ردمَ الشفاهِ الخضرِ فازدحمي

يا (كربلاءُ).. الـــكونُ مرتَهِنٌ     فــــــــــي راحتيكِ بأنهرٍ سَدمِ

عودي بــــــألفِ حكايةٍ وذري     من خــــــانَ عهدَ الحبِّ للندَمِ

كمْ خاتلتكِ الريحُ عــــــــــابثةً     والنخــــــــلُ في شطّيْكِ لمْ يَنَمِ

يا (كربلاءُ).. فمِنْ هُنا انبثقتْ     حريةٌ صِيغـــــــــتْ بنزفِ دمِ

فاحتاجَكِ العُشّـــــــاقُ بوصلةً     كالثائرين لذلكَ ابـــــــــــتسمي

وفي أئمة البقيع (عليهم السلام) كتب الصياح قصيدة (ظلامات أسطورة الجُب):

كانتْ غياباتُ جبٍّ لمْ تكنْ وطـــــــــناً     وليسَ ثمَّةَ حادٍ للخــــــــــلاصِ دنا

لن يُبتلى الذئبُ مثلَ الأمــــسِ، مـاردةٌ     كلُ العيونِ، لسلطــــانِ يؤولُ غِنى

تكالبوا حولَ إرثِ الوحــــيِ فامَّحـقتْ     صفاتُهم كونُهم قد آمنوا زمـــــــــنا

كأنَّما حين أوصـــــــــــــى اللهُ طاعتَهَ     فرضاً، بتنكيلِ أبناءِ الرســولِ عَنَى

هنا استبدّ بنو الصحراءِ واقـــــــترفوا     جَفافَهم وصريرُ الرمـــــلِ ما وَهَنا

فراحَ يسلبُ من خـــــــــدِّ الربيعِ ندى     وكان يقترحُ الالامَ والمِــــــــــــحَنا

في كلِّ حــــــــــــينٍ علينا من مخالبهِ     طوقٌ ليبتكرَ الإيــــــــــغالَ في دمنا

مُذْ استــــطاروا، وبيتُ الرجسِ آمنهم     تلقّفوها بـــــــــــحاراً تجرفُ السُفنا

ثـــــــــم ارتأوا غيرَ وجهِ اللهِ يُرشِدُهُم     وأجــــــمعوا أمـرَهَم فاسَّاقطوا وثنا

مُذْ وقعةِ الضلعِ والبابِ التـي فضحتْ     أسَّ الجُحودِ، ومَنْ في الأوّلينَ بـنى

مذ شيّعوا النعشَ نَبـلاً، فاستـطابَ لهم     رأسُ الحسينِ أقاحياً برأسِ قــــــــنا

مُذْ ألفِ بئرٍ وليسَ الـــــــــهـدمُ آخرَها     هُم يمكرون، فيلقي ربُنا سَـــــــــكَنا

وما توانوا، بل ازدادوا بســـــــطوتِهم     غياً، وهاؤوا إلى أتبــــــــاعِهم سُنَنَا

أرضَ البقيعِ، مـــــتى يأتـيكِ ناصرُهُم     ويمسحُ الحزنَ من عينـيكِ والشجنا

يــــــــنضو اكتهالَ الليالـي في أزقّتِهم     ويعلي ما انهدّ أقمــــــــاراً تلوحُ لنا

حتى تـــــعودَ الحماماتُ التي هجرتْ     عُشَّ الأمانِ، مــــــــلياً ترسمُ الوسنا

هُم الغريبونَ مُذْ شقّتْ فـســــــــــائلُهُم     رَحْمَ النبــــــوّاتِ صبراً باذخاً وسنا

واللا يهّمون في دنيا مـــــــــــزخرفةٍ     وطراً، فليس لهم في الزائلاتِ جَنى

والمثقلون بوردِ الله يقـــــــــــــــــلِقُهُم     جـــنـحُ الفراشِ إذا ما بالرفيفِ ونى

هم هكذا، كلُ ما يرجون أن نصلَ الـ     ـمعنـــى، فهم واحدٌ واللا حدود كُنى

وفي الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كتب قصيدة (سيِّد الأنوار):

بكلِّ هُمومِ الأرضِ ضــــجّتْ سماؤهُ     لذا كانَ للحُزنِ القديــــــــــــمِ انتماؤهُ

يَصَاعدُ محموماً بكلِّ جراحِـــــــــــهِ     فيهمي على وردِ المريديــــــــنَ ماؤهُ

ويقترحُ الألوانَ من فـــــــــرطِ لُطفهِ     إذا مسَّ أرواحَ الفـــــــــــراشِ بهاؤهُ

ويحنو على الأطفــــــالِ مِثلَ سحابةٍ     فقدْ كانَ عيداً لا يُمَلُّ اشتــــــــــــهاؤهُ

وقدْ مَنَحَ الأشيــــــــــاءَ معنىً وقيمةً     تباركَ نحّاتاً عظيــــــــــــــــمٌ فضاؤهُ

فمازالَ في فحوى القُلوبِ مُـــــــعلّقاً     بإشراقةِ الرائينَ ينـــــــــــــــدى إناؤهُ

أزاهيرُهُ للدائبيــــــــــــــــــنَ تَفتّـحتْ     يلُمُّ عصــــــــــــــــافيرَ التـجلّي نقاؤهُ

وكفّاهُ ... منْ قَمحِ المعــــارفِ بيدراً     ســــــــيَسهُلُ فـي رأسِ اليـتيمِ اقتفاؤهُ

تَراهُ عصياً، دمـــــــــــعَهُ الفذَّ، بينما     وشى - ذاتَ طـفلٍ – بالهُطولِ رِداؤهُ

ويُفصِحُ عَنْ كُلِّ الخفيّات مُـــــــلمِحاً     ويَفضَحُ كُلَّ الــزيفِ لولا حَيــــــــاؤهُ

فيا سيّدَ الأنوارِ.. روحــــــي فراشةٌ     وليليَ مُضْنٍ مُـستَبــــــــــــــاحٌ هواؤهُ

ويا سيّدَ الأوجاعِ حُــــــــزني مُـدوّرٌ     تَوحّدَ في لا مُـنتهاهُ ابتــــــــــــــــداؤهُ

أبُثُّكَ وَجــــــــــــداً بالمواويلِ مُثـخَناً     يكادُ يُحيلُ النَخـلَ دَمـــــــــــــعاً بُكاؤهُ

لَعَلَّ اخضراراً في الغُصونِ مُلــوِّحاً     فيُؤذَنُ في ركـضِ الخريــــفِ انتهاؤهُ

فـــــليْ وَطنٌ عاثوا نشـازاً بِصُبــحهِ     وفي قُبّـــــــــراتِ الصَمتِ لاذَ غِناؤهُ

ولــــــي نَهْرُ حُلْمٍ بالجثـامينِ مُـغرَقاً     ومِنْ دَمِنا المسفـــــــوكِ باتَ ارتـواؤهُ

ولي ألــــفُ رُبّـانٍ، ومَـــوجٌ صهيلُهُ     مُمِضٌ لنَخْرِ اللّوحِ صــــــــار رَجاؤهُ

فذا وطنٌ مُستصـرَخاتٌ بــــــــروقُهُ     فما أن تلظّتْ فيهِ زادَ هَبــــــــــــــاؤهُ

فَهبْ لي فؤاداً يشـربُ القَهـرَ ساهماً     بفحواكَ دُونَ العالمينَ انتـــــــــــشاؤهُ

وهَبْ ليَ صبراً، بـــربريٌ جُـموحُهُ     لأُرسي صموداً لا يُطـــــــــــالُ بِناؤهُ

وقال في قصيدة (قراءة في سورة الفجر) وهي في أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام)

للفجرِ، للأطيــــــــــــــــــارِ والحقلِ     ولِبَسمَةٍ، تقفو خُطى الطِــــفلِ

ولأجلِ إيذانٍ لأعيُــــــــــــــــــــــنِنا     كي لا تهابَ مواســــمَ السَمْلِ

أوجزتَ، للأجيــــــــــــــــالِ فلسَفةً     (ألّا يُبايعَ مِـــــــــــــثلَهُ مِثلي)

أحــــــــــــدثتَ في اللاوعي مملكةً     أثثتَـــــــــها، من غربةِ الأهـلِ

صرتَ الوضوحَ بدربِ من قصَدوا     معنى الحيـاةِ، بصعبِها السهلِ

وفمَ السراجِ، فزيتُهُ دمُــــــــــكَ الـ     ـمسفوحُ، يَـــحْمِلُ حِكمَةَ النَخلِ

فالرفضُ حتى الموتِ، قُلــــتَ لَهم:     لا لــــــــــن أبايعَ والدما تَغلي

وكوابلٍ، مـــــــــــذْ أنْ رَسمْتَ لهم     جُرفَ النهارِ، علـى رُبى الليلِ

يا سيدَ اللاءاتِ، صِــــــــــرتَ فَماً     للرافضينَ العــــــــيشَ في ذُلِّ

وبِثُلَّةٍ، كـــــــــــانتْ قَدْ ارتَشَـــفَتْ      معنى الإباءِ بمائـــــــــهِ النَهْلِ

لكنهم صاروكَ مُـــــــــــــذْ لمسوا      حـــــــــــــريةً تنمو مع النسلِ

حتى الرضيعُ نذرتَهُ عـــــــــطِشاً      يذَرُ القِمــــــــــاطَ بذُروةِ النَبلِ

من أجلِ دستــــــــورٍ يُـؤرشِفُنا الـ     أنقــى، حَـببتَ النزفَ أنْ يُملي

كانتْ عُيونُ النصــــــــرِ مُشرعةً     لمْ يُثنِــــــها مـا اغبّرَّ من جَهلِ

كلُّ المساءاتِ التي اشتعـــــــــلتْ     شيباً، أضـــــاءتْ عُتمةَ الرَّملِ

حينَ الكمالُ على الثرى جســــــدٌ     صُلِبتْ عليهِ ســـــــنابكُ الخيلِ

كنتَ المسيحَ وكـــــــــــــــلُّنا عِللٌ     والدَمـــــــعُ للأخـطاءِ لا يُجلي

كلُّ الدروبِ مَشتْ بـــــــــنا رَهَقاً     مُذْ أُبدِلَ الينبــــــــــوعُ بالوَحلِ

وقال في قصيدة (قراءة في طقوس بيضاء) وهي في رمز الإباء وسيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام):

تاقَتْ إلى صُبحِكَ المنشودِ أجـــــنحتي     واستنطقتْ فيكَ كلَّ الكونِ أسـئــــلتي

ثـــــــــكلى تُردِّدُ دمعَ الأمـــــسِ أغنيةً     شاختْ من البعدِ عن أوتارِهـــا لغتي

وقادني الشـــــوقُ ولهاناً أتوقُ إلــــــى     تقبيلِ ما فيكَ لو أفنى بـــــــــــأزمِنتي

مرَّتْ خطوبٌ عظـيماتٌ لتُــــــخرسني     و(واحسيناه) كــــــــــانتْ كل أمنيتي

قالوا: إلى الصلـبِ تنكيــــــلاً بلا سببٍ     فكانَ عيــــــــــسايَ مخبوءاً بأمتعتي

واشتدَّ بي شغفٌ كــــــــــيمـا تُمارسني     طقوسُكَ البيضُ في محرابِ مِشنقتي

آليتُ إلّا زفيرَ الــــــشوقِ يــــــــحرقُها     فرحــــــــــتُ أكتمهُ ضجَّتْ بهِ رئتي

غالوا مُناهــــــا وراحَ الطـلعُ يفضحُهم     إذْ أينعتْ نخـــــــــلةً سـكينُ مِقصَلتي

قصُّوا لـــــــساني لكي تمضي بـــعلَّتِها     أسرارُ قلبي ففاضَ الـــغيمُ من شفتي

فـــــــأنبتتْ ألفَ حـــــــــلاجٍ يرتِّلُ من     روحي إلى الريحِ والجــــلادُ مِئذنتي

هُمْ هَدَّموا كوخَ أحــــزاني مكـــــــابدةً     حتى استُحلّتُ بما أهواكَ مَــــــملكتي

إن يُوصَلِ العشقُ في فرضٍ ونــــافلةٍ     فأنتَ نـــــــافلتي والفرضُ في صِلتي

فكمْ تقلّبتُ في الآفاقِ يـــــــــــــلطمُني     موجُ الظنونِ ويُمسي القلبُ بوصَلتي

سارتْ سفينةُ إيــــــــماني ببحرِ هوىً     نسجتُ من حـــزنِـكَ البريِّ أشرعتي

ولوحُها كــــــــانَ صبراً قاسياً عَطِشاً     لذا ستُهزَمُ ريـــــــــحُ التيهِ من جِهتي

هَبْ أننـــــي تُهتُ في دنيايَ من زللي     هَبْ أنَّها جافتِ التحــــــليقَ أجنحتي

وجــــــانبتْ مرةً في السرِّ وامتعضتْ     مَّما استقرَّ بها من دُرِّ أوديــــــــــتي

سل في تضاريسِ عمري كيفَ نشأتُها     يُجِبكَ نبضيَ في مكنـــــونِ أوردتي

يا أيـــــــــــها العلمُ المركوزُ في جبلٍ     من الكمالِ تسـامتْ فيكَ مِـــــــنسَأتي

يا صوتَكَ الــسَّيلُ مُذْ فـاضتْ معارفُه     إنْ لمْ يمـــــــرَّ بها ما شكلُها ضِفتي؟

إنِّي لأقرأ وِردَ الــــــــــــــنحرِ بسملةً     يضــــــــوعُ قرآنُها في روحِ أمكنتي

وأقرأُ السَّبيَّ دربَ الحقِّ يُـــــــــنشدُه     سربُ الفراشـــــاتِ في تأويلِ أخيلتي

قرأتُك الأمسَ قرآناً يُطهِّرُنـــــــــــــي     وطفُّك اليومَ يا مــــــولايَ صَومَعَتي

دعني لأنشِدُكَ المكتـــومَ فـــي وتـرِي     ذَرها لِتَسْتَلْــــــــهِمَ الإشراقَ أدعيتي

أريدُ حُبَّكَ زادي إن جَــــــــــفَا عملي     أبا الطفوفِ ومِـــــــــصباحاً لأقبيتي

وفي أميرِ القلوبِ علي بن أبي طالب (عليه السلام) أيضاً كتب الصياح قصيدة (صهيل الشوق):

أسرجِ الشوقَ واستقـــــلِّ الغُماما     لعظيمٍ بـــــــــــحبِّهِ القلبُ هاما

وتوضَّأ مــــــــــن نـورهِ ثم رتِّلْ     آيةَ الـــرأسِ إن أردتَ السلاما

واخلعِ النعلَ كي تطـــــوفَ نجيِّاً     حيثُ فاضتْ دماؤه كالخُزامى

وذرِ الوجدَ يأخذُ الــــــنفـسَ تيهاً     واجعلِ الـوصلَ يستفزُّ الغراما

سوفَ تلقاهُ والهــوى دمـعُ صبٍّ     يُبرئُ الــجرحَ سيلُه حيث داما

لا تلمني إذا قــــــصـصتُ هواهُ     إن روحي بــــــــــحبِّه تتسامى

ذاكَ مولايَ يعجزُ الـوصفُ حقاً     كــــــــــــان عبداً وسيِّداً وإماما

فـــــــسلامٌ عليهِ مُـذْ صارَ مهداً     بيتُ باريهِ حينَ شـــــــقَّ اللثاما

وسلامٌ عــــــليهِ مُـذْ صارَ نوراً     كسَنا اللهِ في قلــــــــوبِ اليَتَامَى

وسلامٌ عليهِ وهــــــــــــو مُـناجٍ     حينَ شجُّوا ســـــــجودَه والقياما

يا عظيماً فـي قلبِ كلِّ مُــــحِبٍّ     وبسيطاً بــــــــــقلبِ كلِّ الأيامى

وحيــــــــــاةً لكلِّ من رامَ سِلمَاً     وهو في الحربِ كانَ موتاً زُؤاما

جئتكَ اليومَ باسطاً كفَّ روحي     اغــــــــــترفْ منكَ جذوةً وهياما

وفي قصيدة (مرايا الغياب) يبث شكوى إلى أمل الإنسانية البكر المؤمل المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الذكرى الأليمة لتفجير قبري أبيه وجده الإمامين علي الهادي والحسن العسكري (عليهما السلام)

كلامُكَ قرآنٌ وصمْتُك أدعــــــــــــــيَهْ     وحَمْلُك سِرٌّ والغياباتُ أحــــــــــــجِيَهْ

تقلّبتَ في صُلبِ النبــــــــــوَّاتِ ساجداً     فكنتَ لآلافِ النبييـــــــــــــــــنَ أمنيَهْ

تَخيَّرتَ من بيــــــــنِ السلالاتِ نورَها     فسالتْ بفهمِ العسكرييـــــــــــنِ أوديَهْ

فكــــــــــــــــانا لغيمِ الأمرِ برقاً ومهَّدا     لعودِكَ أرضاً بالخصوبـــــاتِ مُغنِيَهْ

أشادا حصوناً للخفاءِ تســـــــــــــوَّرتْ     ولاءً من الأصحابِ يُبنــــــى بتورِيهْ

فكم أفعما لبَّ الكـــــــــــــــلامِ معارفاً     وكمْ ألمحا بالفعلِ ما لســـــــتَ مُبديهْ

فناراتُ صبـــــــــرٍ كلّما هبَّ عاصفٌ     يُضِلُ سراةَ الموجِ ضـــــاءتْ لتجلِيهْ

تقــــــــــاسمتُما ظلمَ الطواغيتِ حُسَّراً     وكان لجيشِ اللهِ فــــي الخسفِ تسليهْ

فيا مانحاً فجرَ الرسالاتِ نفحـــــــــــةً     سلاماً بما تفضــــــي أساريرُ حِبرِيَهْ

سلاماً لمشكاةِ الإلهِ مــــــــــــــضرَّجاً     بدمعٍ تلظّـــــــــى في اتقاداتِ وجديهْ

فيا أيها المخبــــــــــوءُ في كلِّ نبضةٍ     من القلــــــبِ حتّامَ اقترافيْ لصبرِيَهْ؟

فديتُكَ لـــــــــهفي لمْ أكنْ غيرَ عاشقٍ     ســـــــــــتغرقُه في لُجَّةِ البوحِ أغشيَهْ

فــــــبالرغمِ من كلِّ الأعاصيرِ أينعتْ     براعمُ حبٍّ للمسافاتِ مُرجِـــــــــــيَهْ

فما إن تفشى الصحوُ في قلبِ سكرتي     تَثِبْ لحظةٌ غيميةُ الشوقِ مُـــــجزِيه

وتــــــــــــرسمُ في الآفاقِ شبَّاكَ حالمٍ     وريحَ قميصٍ كمْ تفانتْ لــــــــــتدنيهْ

قرأتُكَ فــــــــي سربِ الحماماتِ لهفةً     وحزناً عتيقاً في طــــــــفولةِ وجهيه

ومَسَّ ربيـــــــــــــعٍ لو تسنَّى لبعضهِ     بزوغاً لكانتْ صــرخةُ الموتِ أغنيهْ

فيا ماءَ طينِ الآدمييـــــــــــــــنَ كلِّهم     ويا نفحةَ الــــــرحمنِ من بعدِ تسويَهْ

ويا فكرةَ الربِّ التي ما تـكامـــــــلتْ     سوى فـــــيكَ إذ كلُ المجازاتِ أرديَهْ

تـــــــجلّيتَ منذُ البدءِ في كـلِّ مصلحٍ     فـــــــــكانَ لمعناكَ العظيمونَ تهجيَهْ

فيا قــــــــبساً من نورِ ذاتٍ تـوزَّعتْ     على الكونِ ترجو في الغياباتِ تَرقِيَهْ

فكنتَ دليلَ الشمسِ حينَ احتـــــجابِها     وكنتَ لآلامِ المساكينِ تزكــــــــــــيَهْ

تكررتَ في كل الدياناتِ مُــــــــــنقِذاً     ومنتَظراً وِتراً إذ الحـــــــالُ مُـزرِيَهْ

وقالوا: كثيراً, كاختلافِ فـــصــولِهمْ     ولكنهمْ قـــــــــالوكَ من غيرِ تَسـمِيَهْ

وقــــــــــالوا: سيأتي والمسيحُ بجنبهِ     ويــــــــــأتي بآياتٍ من الظلمِ مُنـجِيهْ

وبالرعــــبِ منصورٌ وبـالسيفِ قائمٌ     ويمضي إلى رأسِ الشقاقِ لــــيرديَـهْ

وقالوا: علــــــــيمٌ بالسريراتِ حاكمٌ     عـليها وآتٍ يهدمُ اليــــــــــــــومَ أبْنِيَهْ

إذاً أنتَ لنْ ترضــــى لــدينٍ تحوَّلتْ     رؤاهُ وإن كــــــــــــانتْ بقاياهُ أغطيهْ

ولنْ تقبلَ التجديفَ مــــــــن كلِّ مِلَّةٍ     ولنْ تتركَ الأحـقادَ في الخـــلقِ مُفتيَهْ

ولنْ تعفُونْ عمَّنْ تزحــــــــزحَ دينُه     لأجلِ مراماتٍ بـدنيـــــــــــــاهُ مُغرِيَهْ

فيا نظرةَ اللهِ التي ما تثاقــــــــــــلتْ     من الصبرِ حتى تـصبحَ العينُ مُجدِيَهْ

ويا أيها الإنسانُ كنْ أيَّ شــــــــاهدٍ     تـــــــــــــــــأبَّطَ نهـراً معرفياً لتُجرِيَهْ

فكلُّ مقاماتِ الظـــــــــهـورِ دروبُها     لدولةِ عدلٍ بيــــــــــــنَ كفيكَ مُفضِيهْ

وإلى رمزِ الإنسانيةِ الحَقّة.. الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) كتب الصياح أيضاً قصيدته (القمر) يقول فيها:

جاءتْ إلى قدرٍ، أمْ ســــــــاقَها القدرُ؟     أمْ أنّها لحظةُ المــــيقاتِ تنتظرُ؟

جاءتْ تنوءُ، مخـــــاضَ الكونِ يدفعُها    لكعبةِ اللهِ حــــــــينَ الناسُ تعتمرُ

كأنَّها مريمُ العــــــــــــذراءِ حينَ أتتْ     لكنّما البـــــيتُ لا نخلٌ ولا ثمرُ!

وأجمعوا أمرَهم أن لا مكـــــــــانَ لها     وكادتِ الأرضُ كالبركانِ تنفجرُ

فنودِيت تحتها هزِّي إليكِ يـــــــــــدي     يسّاقطُ الغوثُ والأركـــانُ تنفطرُ

وابقي ثلاثاً, ولا تومي إلـــــــــى أحدٍ     لا يَدخلنّ إلى محــــــرابِك البشرُ

ولا تخافي وإلّا تحـــــــــــزني وذري    همَّاً فإنِّي أنــــــــا الميقاتُ والقدرُ

فلمْ تصُكّ لها وجهاً, وما ارتــــــعبتْ     وعــــــــــاودت بجوارِ اللهِ تستترُ

ألقتْ به ساجداً في الركنِ فــــاستبقتْ     فؤادَها فاستوى في حــجرِها قمرُ

نادتْ علياً فشقّت بحـــــــــرَ وحشتِها     وكلّمته صــــــــــــــبيّاً منه تعتذرُ

وآنستْ جُنحَ جبرائيلَ يكنِـــــــــــــفها     تحفّها الحورُ, والأمــــلاكُ تبتشرُ

تاللهِ هذا الذي في صلــــــــــبِ آدمكم     له سجدنا وكنّا فيــــــــــــهِ نفتخرُ

هوَ الخليفةُ, والإنسانُ صــــــــــورتهُ     صفاتُه من صـــــــفاتِ اللهِ تنحدرُ

هوَ الذي شهوةُ الدنيـــــــــــــا تراودُه     فلا تُمكّنـــــــــها في ثوبهِ الصُوَرُ

هوَ الذي يُغـــــــــــرِقُ الآفاقَ معرفةً     كـــــــــــــأنّه لتوالي قحطِها مطرُ

وهوَ القميــــــصُ الذي ألقى الإلهُ بهِ     على الديانــاتِ كيما يرجعُ البصرُ

وهوَ الصواعُ، الذي الرحمنُ كالَ بهِ     عدلاً فذي جـنةُ المأوى وذي سقرُ

فأينما راحَ ظِلُّ الــــــــــــــحقِّ يتبعُه     وأينــــــــما حلَّ فهوَ العينُ والأثرُ

وكلّما أكثروا مدحـاً بمنْ وضـــــعتْ     تواضعتْ فتســـــامى قلبُها العَطِرُ

وبشّروها بأنَّ الشـمسَ بــــــــــازغةٌ     وأنبؤوهـــــــــا بـأنَّ البدرَ ينشطرُ

وأوَّلته أبـــــــــــــا نورين، وادَّكرت     مِن بـــــــعدِ حينٍ بأنَّ الهامَ تنفطرُ

في سجدةِ الفجرِ فـي محرابهِ نحروا     صـــلاتَه ففصيلُ البيتِ هُمْ عقروا

ولمْ يكنْ ذنبه إلّا عــــــــــــــــــدالته     فهوَ الصراطُ الذي ضلّوه فأتمَروا

كانتْ سِمــــــــاتُ جميـعِ الأنبياءِ بهِ     لكنّهم قدرَ ذاكَ النـــــورِ ما قدروا

مَنْ مثلُه نطقَ الرحمـــــــنُ في فمهِ     ومَنْ على قلبهِ التنزيـــــلُ ينهمرُ؟

مَنْ مثلُه كَتِفُ المختارِ تحمِـــــــــلُهُ     لينبذَ الرجسَ كيما يؤمنَ الــــحَجَرُ

مَنْ مثلُه جَمَعَ الأضـــــدادَ فافترقتْ     فيه الأنـامُ فمنْ آبوا ومن هــجروا

مَنْ مثلُه قبضةُ الجبارِ قــــــــبضتهُ     إن يـغضبنَّ جحيــــــــمُ اللهِ تستعرُ

فهوَ الذي لرحى الآياتِ مـحــورُها     وهـو الذي أنزِلَتْ في حـقِّهِ السِّوَرُ

لو أنّه لم يُرِدْ مــــــــــــــوتاً فبارئهُ     ما شاءَ لكنه قد راقَه السَّـــــــــــفرُ

وفي أبي الفضل العباس (عليه السلام) ساقي عطاشى كربلاء يقول الصياح في قصيدته (ذاكرة الرمل)

بأمِّ نفوسِ الجيـــــــــــــشِ يُمناهُ توثقُ     فيعفو عظيماً أو إذا شــــــــاءَ يمحقُ

يـــــــــــــلفُّ المنايا حيثما شدَّ عاصفاً     ليجتثّ زرعــــــــاً بالخياناتِ يُورقُ

نعمْ كان صلباً مُذْ نعومـــــــــــةِ سيفِهِ     ولـــــــــــــكنّه في رُقعةِ السبطِ فيلقُ

فأيِّ شجاعٍ أقفــــــــــــــلَ الرمزَ بعدَه     وكلُّ الذي جارى سجــــــــاياهُ مُمْلِقُ

ليترُكَ وسماً بالقنــــــــــــــاديلِ وارفاً     بذاكرةِ الرملِ الرَّمـــــــــاديِّ مُشرقُ

ويرفو جراحَ الغدرِ من ماءِ عــــــينِهِ     سلاماً على عـــــــــينيهِ بالمجدِ تألقُ

سلاماً على كفَّيكَ عبــــــــــــاس باتتا     سماءً تــــــــــسوقُ الغيمَ حُبَّاً فترشقُ

وصــــــــــــــدرُ نبيٍّ كذّبتْ خيلُهم بهِ     وعــــينٌ أبـتْ إلّا على النصرِ تطبقُ

ورأسٌ تشظّـى فرطَ ما اشتــدَّ رفضُه     فــــرأسُ المعاني حيثُ ذكراهُ يُطرقُ

وســـــــــاعدُ حـزمٍ كمْ تجـــلّى منارةً     ومنْ كلِّ جودٍ جودُك الخصبُ أعمقُ

فها أنتَ أمـــــرٌ يكبرُ الـــشرحَ كنهه     وإنَّ جــــــــــواباً يجتلي النـورَ ضيِّقُ

هناكَ على مرمــى ابـــتلائين خيَّموا     وسربُ حيارى ما خــلا القلـبُ يخفقُ

وحيدونَ إلّا مِنْ ذهــــــــــــولٍ يلفُّهم     فلا الصبحُ مرجـــوٌّ ولا الليـلُ يصدقُ

وليسَ سوى قـــلبٍ تــــــــفرّقَ بينَهم     حناناً بملءِ الكـــــــــــونِ أيَّــانَ يَغدقُ

(ترى أيَّ جــرمٍ) همُ بالــقولِ واحـدٌ     فأسكتُه ما فاحَ فالصبــــــــــــــرُ يعبقُ

يواري طــويلاً شاحذاً كـــلَّ صـمتِهِ     ولكن لونَ الضـعفِ بالطفلِ ينــــــطقُ

وزينـــبٌ تقفو كلَّ حينٍ رســـــومَهم     يداً تمسحُ البــــــــلوى وأخرى تطوِّقُ

وفـــي لُجَّةِ الأهوالِ والهــــمِّ زورقٌ     تخطّتْ تخومَ الحـــــــزنِ للدمعِ تخفقُ

بلحظةِ غوثٍ يســتردُّ أمانَــــــــــــها     حديثٌ على رغمِ الـــــــــرزيَّاتِ شيِّقُ

أجاءَ بها من كـانَ في الصبرِ طاعِناً      لآخرِ أنفاسِ التباشيرِ يـهــــــــــــــرقُ

بذبــــلى شفــاهٍ قارعتْ سطوةَ الظما     تكادُ إذا مـــــــــــــا جفَّـتِ الآهُ تُحرقُ

أيا عــــــمَّتــا فاحمرَّ بالغيظِ خطوُها     وهمَّتْ إلى العبـــــاسِ فـالدهرُ يسرقُ

براعمُ أزهـــــــارٍ على شرفةِ الخوا     تلوذُ بعريِّ الماءِ والمــــــــوتِ مُحدقُ

أخــي قد مللنَا الصبرَ فافتقْ غمامَها     فلمّا أتمتْ راحَ بالسيفِ يـــــــــــــبرقُ

وزلزلَ حتى ضاقتِ الأرضُ مهرباً     ولكن فوجَ النبـــــــــــــلِ لـلجودِ أسبقُ

كذا خـــــلّد التأريخُ في الرملِ ماءَه     وظلّ على ذكرِ المعاديـــــــــــنَ ينطقُ

وفي قصيدته (على خشبة الطف) وهي في سيد الماء أبي الفضل العباس (عليه السلام) أيضاً يقول:

جحافلٌ وصهيـــــــــلُ الموتِ والهلعُ     وأعينٌ جامــــــــــــــــحاتٌ كلها طمعُ

وسمرةُ الأرضِ يـطغى فـي ملامحِها     لـــــــــــــــونٌ تفرَّدَ فـي اتقانهِ الوجعُ

أما السماءُ فدمـعــــــــــــــاتٌ مؤجَّلةٌ     ساديةُ الصـمتِ في سيمائِـــــــــها بُقعُ

راياتُهم من خـريــــفِ الدينِ صبغتُها     طبولُهم بصليلِ الـــــــــــشركِ تنقرعُ

وثلةٌ من فـــــــــــــــوانيسٍ أضاءَ بها     زيتُ الحسيـــــــــنِ بنورِ الحقِّ تلتمعُ

فالعـــــــــــاشقونَ تشعُّ البوحَ أعينُهم     صـــــــــــــــمتاً نديَّاً إذا ما هزَّها ولعُ

وهمْ لهمْ كـدويِّ النحلِ أدعــــــــيةً     إذا تأمّلتُهم للهِ تــــــــــــــــــــــــــستمعُ

نوارسٌ فـي بحارِ العشــــــقِ هيأتُهم     لــــــــــــــــكنهم كأعاصيرٍ غداةَ دُعوا

كانوا فـريقينِ واللاعـــــــدلُ قسمتُهم     في كلِّ شيءٍ سوى تصديقِ ما سمعوا

وثمَّ نـهرٍ مـــــن الأشجانِ مضطربٌ     كأنّه من شفا شطآنهِ يــــــــــــــــــــقعُ

وهـــــــــــا هنا خيمةٌ ما أن ينيخُ بها     ثـــــــــقلُ العويلِ برأسِ الصبرِ ترتفعُ

وكـــــــــــــــــان بيـنهما أفقٌ وأسئلةٌ     وكان بــــــــــــــينهما الأضدادُ تجتمعُ

ويخفتُ الضوءُ صوتٌ للسيوفِ علا     ريحٍ هناكَ بدورٌ هــــــــــا هنا سطعُوا

دارتْ رحـى الحربِ أشلاءً موزعةً     ثكلى، يتامى صغار صبــرَهم رُضِعُوا

سعيرُ ثأرٍ وغـــــــــــــــــاياتٌ مبيَّتةٌ     لسانُها من أقاصي الحقــــــــــــدِ يندلعُ

وينجلي مسرحُ الأحــداثِ عن بطلٍ     فــــــــي رأسِهِ ريشتانِ الموتُ والفزعُ

في كفِّهِ رايةُ الإيثارِ يــــــــــــعقدُها     كفُّ الإلــــــــهِ وفي صمصامِهِ الجَزَعُ

وفيهِ عزمٌ بكبرِ الأرضِ ما بـسطتْ      صـــــــــــــولاتُه راحتيها قال: لا تسعُ

مدجَّجٌ بصقيلِ الصــــــــدقِ مـهرتُه     عقائدٌ لم تزلْ فـــــــــــــــــي حلمِهِ مُتَعُ

هوَ العصيُّ على الإغـراءِ مُذْ نـبتتْ     خصالُه من عليَّ راحَ ينــــــــــــــطبعُ

تجري سفائنُ غيظٍ مـن تـــــــورُّعِهِ     لـــــــــــــــكنه مُغرَقٌ في سيفهِ الورعُ

يقلّبُ الجيشَ في عينيـهِ لا جـــــــبلٌ     بعاصِمٍ عــــــــــن فمِ الطوفانِ فابتُلِعُوا

يدارؤونَ بمنعِ المـــــــــــــــاءِ أفئدةً     حرَّى مع العطــشِ المجنونِ تصطرعُ

فيغدرونَ ولا عيبٌ بمــا غــــدروا؟     ويمكرونَ ولا تنـــــــــــــجيهمُ الخُدَعُ؟

لنْ يدركــــــــــــوهُ فلمْ تنفعْ كمائنُهم     لــــــــــــــــــــــــــــكنّه بلقاءِ اللهِ يقتنعُ

يُرخَى الستــــــــارُ وقرباناهُ بُوركتا     مـــــــن نحرِ سيِّدهِ والصحبُ فارتفعوا

وفي قصيدة (قافلة الأحزان) وهي إلى فلكِ الرزايا زينب (عليها السلام) يقول الصياح:

لمْ يبرحِ الدربُ تطويـــــــــــــــهِ ويطويها     ومنْ ثقيلِ الرزايا كانَ يُثــــــريها

فتارةً تسكـــــــــــــــــــبُ الدمعاتِ صامتةً     ومرةً عن جفونِ العيـــــنِ تُخفيها

مُــــــــــــذْ وقعةُ الضلعِ حتى الشامِ جاهدةً     يدُ المصائبِ بالأشجــــــانِ تلويها

لكنّما بضعةُ الكــــــــــــــــــــــرارِ تفرقها     ذاتِ الشمالينِ أو كــالريحِ تذروها

بكلِّ عزَّتِها تمشي وصـــــــــــــــــــــبيتها     رؤوسُهم مثـــــلما الأقمارِ تحدوها

تجرُّ أذيــــــــــــــــــالَ صبرٍ خلفَ هيبتِها     والجرحُ أحقرُ أن بالذلِّ يكســــوها

كنخلةٍ وسياطُ الريحِ تـــــــــــــــــــــجلدُها     تأبى عليها انحناءً حيثُ تـــرجوها

تُزمِّلُ الـــــــــــــــــــكبرَ الممدوحَ شامخةً     كأنّها أسلٌ والـــــــــــــــــهمُّ يبريها

فكلما ازدادتِ الأوجاعُ تــــــــــــــــرهفُها     وكلّما انثــــــــالتِ الدمعـاتُ تقسيها

كمْ كتّمتْ حسرةً فـــــــي القلبِ كـمْ ذرأتْ     وكـــــــمْ من الطفِّ آلاماً سـتحكيها

عن غربةِ السبــــــطِ عن خذلانِ نـاصرِهِ     عمنْ إذا شاءَ حتى الأرضَ يدحوها

لـــــــــــــــــــــكنّه خطَّ للأحرارِ من دمِهِ     درباً وكفٌّ من العبــــــاسِ تمضيها

يا كوكبَ الحُزنِ كمْ دارتْ عليه رحى الـ     أيامِ والوجعُ المكظومِ يبـــــــــــهيها

تــــــــــــمضي وقـافلةُ الأحزانِ تُثقلها الـ     أيتامُ والعطشُ المحمومُ يسقيـــــــها

هنالكَ ائتـــــــــــــــــــزَرتْ لما أحيطَ بها     صبرَ النبيينَ روحاً كان يزجـــــيها

تُذيقهمْ من وبالِ القـــــــــــــولِ ما حملتْ     سحائبُ الغيظِ والكرارُ يسخيـــــــها

إذ أنّها شربتْ من بئــــــــــــــــــرِ والدِها     فشرَّبَــــــــــتهم هوانَ الذلِّ منْ فيها

وكتب الصياح قصيدة (سيرة ذاتية ليتيم) وهي في خاتم الرسل وسيد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله) يقول فيها

على صَفَحَاتِ الماءِ يمتدُّ طــــــــيفُه     ويروي ظمــاءَ المستنيرينَ جُرفُه

حفيٌّ بأسرارِ السمـــــــــــــاءِ يَعبُّها     غــــــداةَ تــدلّى قابَ قوسينِ طرفُه

على فتــرةٍ لم ترمقِ الأرضُ نظرةً     سماها أتـــى كالفجرِ والنورُ عزفُه

ليكـــــــــشفَ أسرارَ الظلامِ يراعُه     وينفخُ روحاً في الحضاراتِ حرفُه

تقلَّبَ في الأصلابِ مذ كانَ فكـــرةً     كمالاً فأثمارُ الــــــــــــــنبيينَ قطفُه

أمالَ قلوبَ الناسِ طفلاً وســــــاقها     أسارى بنبذِ الحقدِ فـالـعـــــفوُ سيفُه

وكانَ إذا ما سارَ بيتاً من الـــــرؤى    كأنَّ جناحاً من سنا اللهِ ســــــــــقفُه

وقلّده صدقٌ على القومِ إمــــــــــرَةً     لتــــــــــــحملَ وأداً للنزاعاتِ كفُّه

وحتى لِمَنْ آذوه تلقـــــــــــــاهُ نـخلةً     يفيِّئهمْ لا يـــــــــــمنعُ التمرَ سعفُه

وكمْ كانَ في بحـــرِ التعيسينَ نسمةً     وبينا على الظلّامِ يـــــشتدُّ عـصفُه

وهاجرَ فـــــــــرداً نحوَ ميقاتِ ربِّهِ     وعادَ ومن عينٍ لدى اللهِ رشــــــفُه

تأمَّلَ فـــــي الأكوانِ في كهفِ قلبِهِ     ليفصِحَ عن غيبِ السماواتِ كــهفُه

ويــــــرجفُ حينَ الأربعينَ تكامُلاً     ليصدحَ قرآناً هدى الناسِ رجــــــفُه

ويــــــــصطفُّ بـغيُ الأثرياءِ قباله     فيأنسُ في رهطِ المساكيـــــنَ صفُّه

ليحشدَ جيشاً من إرادةِ عــــــــزمِهِ     يدكُّ حصونَ المستبدِّينَ زحـــــــــفُه

ويرقى بـــــــــــآمالِ الأقلينَ حثّهمْ     على الصبرِ حتى غايةِ النصرِ نزفُه

ومـــــن رحَمِ الصحراءِ ينسجُ بيتَه     ليغدو مناراتٍ فجبريلُ ضــــــــــيفُه

ويذكي كؤوسَ الوصلِ شهدُ ربيعِهِ     ويعصرُ في كرمِ العباداتِ صـــــيفُه

ويــــبني من الآلامِ صـرحاً مُمَّرداً     لينذرَ من بعدِ السلاطينَ جـــــــــوفُه

ويرســــمُ في تيهِ الـمسافاتِ أنجماً     فيصــــــــــــــبحَ رمزاً للأدلاءِ طيفُه

سلاماً على المــختارِ مُذْ حلَّ نورُه     على الطينِ حـــــتى صارَ باللهِ هتفُه

سلاماً عــــــــــــلى يُتمٍ تلطّفَ أمَّةً     ليغدقَ حتى الـ ســـارَ في التيهِ لطفُه

سلاماً عليهِ حينَ فاضتْ غــــمارُه     سلاماً على من حـــــرَّرَ الـرِّقَّ حتفُه

وعذراً أبا الزهراءِ والشعرُ قاصرٌ     ومثلي إذا ناجاكَ يــــــــــــزدادُ لهفُه

وحســـــبي قولَ اللهِ فصلٌ بوصفهِ     أميناً ختاماً للنبييــــــــــــــــنَ وصفُه

وفي سيد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله) أيضاً قال الشاعر في قصيدة (ليل طويل):

ليلٌ طويلٌ، صَهيــــــلُ الرَّملِ يُذكِيهِ     وأنجمٌ بلَّلتْ ضـوءاً دياجـــــــيه

بدربهِ تَعصــــــفُ الأفكارُ، لا قمراً     يحثُّهُ للسُرى إلاّ أمــــــــــــــانيهِ

كان اقتراحَ المعاني الخُضرِ شاغِلُهُ     فظلَّ يبحثُ عن كـــــونٍ يوازيهِ

ولمْ يجدْ غيرَ قلبٍ تــــــــاقَ معرفةً     للغيبِ يرقى عُروجـاً في تساميهِ

يبثُّ شكواهُ، والأصداءُ تُرجِــــــعُها     طيفاً، ويُحـــــــــــزنُهُ ألاّ يُلاقيهِ

تَضيقُ في صَدرهِ الدنيا إذا اتسـعتْ     رؤيــــــــاهُ فانسكبتْ دمعاً مآقيهِ

والـــــكهفُ يدري بما يَلقى فيمنحهُ     فضاءَهُ الرحبَ وطراً من تماهيهِ

يُجيلُ فــــــــــي خَلَدِ الدُّنيا بحسرتهِ     وبينَ جَنبيهِ آمالٌ تُــــــــــــواسيهِ

لا غيمَ في الأفـقِ إلاّ ما افترُوه ولا     ثغراً تبسّمَ قمــــــــــحاً في فيافيهِ

لكنَّ أسئلةً في صــــــــــدرهِ اتّقدتْ     ودائباً ليُجاري حلَّ مــــــــــا فيهِ

.................................................................

1 ــ زودني الشاعر بسيرته وقصائده عبر الانترنيت

2 ــ الناصرية تاريخ ورجال ج 2 ص 785

المرفقات

: محمد طاهر الصفار