من اصدارتنا
الكتاب: الوعي الاسلامي
تأليف: السيد حسن المهدي الشيرازي (رحمه الله)
الصفحات: 320 صفحة
الطبعة الثانية 1436هـ - 2015م
مقدمة الكتاب:
المبدأ - الذي ينبثق منه نظام وعقيدة واجتماع - هو مقياس عظمة الشعب وحضارته وثروته الفكرية والمادية ومدى خلوده ومقاومته للشعوب المناوئة له.. والمبدأ هو شارة الانتصار او الفشل في كل ميدان والمبدأ اعظم ثروة يرثها الجيل من ابائه، ويخلفه لابنائه.
اما الحضارة والثروة المادية والعلمية، فانها تتبع المبدأ في تكونها وبقائها على تقدير وجودها قبل ذلك.
فالامة التي لها مبدأ صحيح – تسير على ضوئه – تستطيع ان تحتفظ بما لديها من حضارة وثروة.. ! حتى ولو اتفقت الظروف المعاكسة ان تعصف بها وتبدد ثروتها، وتدمر حضارتها وتقوض كيانها من القواعد وتكتسح كل غال ورخيص، فسرعان ما تستعيد قواها المسلوبة وتلملم نشاطها المنهوب بتوجيه من ذلك المبدأ لتجدد كيانها، وتهتدي الى حضارتها مرة اخرى فتعود الى مقرها الآمن الوديع حتى ولو ابتدأت الامة بلا حضارة، ولا ثروة مادية أو علمية، فمن الهين عليها – بقيادة المبدأ الصحيح – ان تكوّن الحضارة والثروة وكل شيء وأن تتخذ البرامج – التي تساعده على التوسعة والاخضاع، واصهار الشعوب الاخرى في بوتقتها بكل سهولة وبساطة.
كما ان الامة الاسلامية في ابتداء بعثة الرسول الاعظم (ص) لم تكن تملك حضارة ولا ثروة ولكنها حيث سارت على خطط الاسلام والقرآن حكمت في ربع المعمورة وانشأت الحضارة والثروة الهائلتين.
اما الامم التي تدين بمبدأ فاسد فإنها وان سنحت لها الظروف المؤاتية وفراغ الميدان ان تملك الحضارة والثروة، وتصل الى الاكتشافات العلمية والمخترعات الصناعية.. لكنها ستنتهي في اشواطها الى حروب طاحنة تخسـر فيها كل شيء حتى شخصيتها وكيانها.
والتاريخ يحدثنا: ان (الفراعنة) رغم حضارتهم وثرواتهم الزاخرة كيف اندحروا امام النبي العظيم موسى بن عمران وهو يشـرح لنا انهزام (بني اسرائيل) تجاه الرسول الاقدس عيسى بن مريم…
ويبين لنا ان (الفرس) و(الروم) وما شيّدوها من حضارة وثروة كانت تلفظ انفاسها الاخيرة في نفس المجازر الشاسعة التي ارصدتها للوقوف في طريق ثورة النبي الاعظم (ص).. كما يحدثنا عن فشل المغول و(اللويسيين) و(النازيين) وغيرهم من الذين حفل بهم التاريخ وازدهرت الحضارة في وجوههم وزحفت الثروات من اكناف العالم كي تتكدس بين ايديهم.. فلم تغن حضارتهم واموالهم وشعوبهم من واقع الحياة شيئاً..
وذهب مصيرهم الباكر عبرة الاجيال.. حيث لم يكن لهم مبدأ صحيح يسيّرهم وفق نظام يضمن لهم البقاء والخلود.
أما الاشتراكية، والرأسمالية الديمقراطية، فاليوم يتجولان في رحاب الحياة، حيث لا مبدأ ينازلهم الميدان، ولو قُدّر للاسلام يوماً - كما هو المقدر انشاء الله تعالى - ان يقبض على زمام الامر ويمسك بخيوط المؤامرات التي يحيكونها ضد الشعوب ويعلن للعالم تناقضاتهم وسيئاتهم وما ينطلون عليه من خداع وتشويه للحقائق لرأى الناس ان الاشتراكية والرأسمالية كيف تتضاءلان امامه وتتهافتان على اعتابه، ثم يبقى تاريخهم اضحوكة القرون ومهزلة المتفكهين والمسلمون - اليوم - يملكون اكبر ثروة مفتتة مجمدة ولديهم مبدأ ومناهج لو نفّذوها لأجرى ثروتهم في مسالك الحياة وشيّد لهم حضارة نادرة تنحسـر عنها الانظار والافكار – كما جربوه من قبل – غير ان ذلك المبدأ لا وجود له في واقع الحياة وانّما هو مذخور في بعض الكتب والصدور .. وسائر المسلمين يعتبرون مسلمين لانهم يقولون: اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمداً رسول الله .
اما الافكار الاسلامية، فيعرفونها فلسفة مثالية فارغة ليس عليهم ان يدرسوها، وانما ذلك شأن الفلاسفة فحسب.. وامّا الشعائر الدينية العامة، فيزعمون انها من وظائف رجال الدين.. واما الفرائض الدينية فيؤجلونها الى أوان الشيخوخة والمشيب، والشاب ما دام في غضون الشباب فـ (كان الله غفوراً رحيماً…) وأمّا القسم الآخر من الاسلام، فملفق من قبل اناس نفعيين.. واما الاقتصاد والاجتماع والسياسة وما شاكلها، فلا يربطها الى الاسلام، فبينها وبين الاسلام شقة واسعة ومن نسبها الى الدين فقد ابتدع في الدين، لانها اطروحة مدخولة في الاسلام وليست من الاسلام.
والبعض الآخر من المسلمين الذي عرف شيئاً من الاسلام فيحسب انه لا ينفعه في القرن العشرين، وانما كان من صالح القرن العاشر.
هكذا الاستعمار الكافر صوّر الاسلام ضحلاً هزيلاً في اعين المسلمين حتى اصبح ذلك طابعهم الاصيل والمستوى العام لوعيهم الاسلامي، وكذلك اصبحوا فاقدين للفكرة الاسلامية الكاملة، ولأية فكرة أخرى، وانّما امسوا أذناباً لمن يسودهم، وعيالاً على من يكفلهم ولم يعرفوا غير هذه العيشة المضنية التي اسهر الاستعمار على ان يبقيهم عليها، فهم يبحثون عمن يتبعونه ولا يطلبون من يتبعهم، فكان طبيعياً ان يتلونوا كل يوم بلون وان ينجرفوا مع كل تيار يمر ببلادهم لانهم ذلك المبدأ الذي يسير ثروتهم ويبني عليها حضارة وكياناً.
اما سياستهم الاقتصادية، فانها ـ بحكم الاستعمار السافر او المتلصص في بلادهم ـ رأسمالية لم تتزحزح منذ ان وضع المستعمر الكافر قدمه في بلادهم ، ولقد حاول البعض ان يوفق بين احكام الاسلام وبين القوانين الرأسمالية حتى وصل الى حد الشعور بعجز الاسلام عن ايجاد المعالجات للمشاكل المتجددة، ثم حكم بضرورة اتخاذ المعالجات الرأسمالية كما هي الان دون حاجة الى محاولة التوفيق ولا ضير في ترك الاحكام الاسلامية لانها (في نظره) قاصرة عن مجاراة الرأسمالية والاشتراكية .
وبقي القسم الاخر حتى اليوم يعتقد امكان التوفيق بين الاقتصاد الاسلامي والرأسمالي،. ولكنه سينتهي الى ما انتهى اليه صاحبه وسوف يفشل في هذه المحاولة.
كما ان جماعة من المفتونين بالنظام الاشتراكي ، اطلقوا الاحكام الطائشة باتفاق الاقتصاد الاسلامي والاشتراكي على معالجات موحدة للمشاكل الاقتصادية واتخذوا من علي (ع) وابي ذر بطلين اشتراكيين ..
والواقع: ان هؤلاء اناس لم يعرفوا الاسلام ـ رغم انهم نشأوا في أحضانه ـ واتفقت الرأسمالية أو الاشتراكية مع ميولهم ، ومصالحهم الفردية فحاولوا ان يبرروا موقفهم أو يجرفوا الاخرين معهم بمثل هذه الاكاذيب التي تنم عن الضمائر العفنة ، والعقول الاسنة القذرة .
واذا كان ذلك مبلغ المسلمين من الاقتصاد الاسلامي وموقفهم من المبدأ الاسلامي .. فمعناه : ان لا وجود لمبدأهم في واقع حياتهم ومتى كان ذلك فلن يسودوا مهما تعددت منابعهم ، وحضارتهم المدنية لانها لاتجد قيادة تسيرها وفق نظام منتج ينقذهم من الجهل والفقر والتقشف ويدرأ عنهم المآسي والويلات.
فمتى ضاقوا بهذه الحياة النكدة التعيسة عليهم ان يستسلموا لمبدأهم وينطلقوا في الحياة وفق أوامره وزواجره.
من هنا كان الواجب يحتم علينا .
1- أن نستعرض صوراً واضحة عن الاقتصاد في النظام الرأسمالي والاشتراكي وننوه الى تناقضهما مع الاسلام في النقاط المركزية التي لا تقبل التأويل والتزوير ليعلم المأجورون والمغفلون ان الاسلام ليس رأسمالياً ولا اشتراكياً، ولن يتفق معهما ابداً، اضافة على ما فيهما من اخطاء واخطاء.
2- ان نفصل شطراً عن الاقتصاد الاسلامي ونشرح كيف انه يستقل بتنظيم الحياة الاقتصادية ويعالج المشاكل الحاضرة وفق نظام دقيق يرفع المستوى الاقتصادي للمجتمع الى درجة لا يمكن ان يتقاربها المجتمع الاشتراكي او الرأسمالي.
كما سنبحث في الجزأين الاخيرين من هذا الكتاب عن جانبين اخرين للاسلام لنرفع الستار عن وجوه المتنطعين والمستغلين الذين يغالطون ضمائرهم ثم يسرقون ركائز الاسلام ليتباروا بها ويبيعوها على الاسلام فيجلبوا بذلك اكبر عدد ممكن من المؤمنين من حضائرهم المقدسة الى مساقط المجرمين .
السيد حسن الشيرازي
كربلاء
17/8/1379هـ
اترك تعليق