44 ــ أحمد بن حاجي البلادي (950 ــ 1010 هــ / 1543 ــ 1601 م)

أحمد بن حاجي البلادي (950 ــ 1010 هــ / 1543 ــ 1601 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (49) بيتاً:

أخي كسرَتْ قــلبي مصيـــبةُ (كربلا)     بذبحِكَ كســـراً ما ألمَّ بـــــه جبرُ

أخي يا صريعَ الموتِ والموتُ غايتي     فلا طالَ من بعدِ فرقتــــكَ العمرُ

إذا كانَ لا بدَّ من المـــوتِ فـــــــليكن    على فرقةِ الأحبابِ يُحتسبُ الأجرُ (1)

وقال من نفس القصيدة:

حبيبكِ يا بنتِ الرسولِ بـ (كربلا)     تقلّبه البيـــــضُ المهنّدةُ البِترُ

وابنكِ يا أمّاه أضـــــــــحى ذريةً     تعفِّرُ خدَّيه المثقــــــفةُ السمـرُ

وبادت بسكــانِ الثرى هلْ علمتمُ     بذبحِ أخي أم ليسَ عندكمُ خبرُ

ومنها:

ثلاثة أيامٍ أقـــامَ بـ (كربلا)     غريباً وحيـــــــــــداً نازحاً ماله قبرُ

فيا ميتاً ملقىً بغيــرِ جنازةٍ     ومالكَ كــــــــــافورٌ يُدافُ ولا سدرُ

ويا راحلاً والدارُ منه خليَّةٌ     وأيدي اليتامى منه لما مضى صفرُ

 وقال من قصيدة مضمِّناً بيتي بشر بن حذلم فيها وتبلغ (21) بيتاً:

ونعى له الناعي وقد قضي القضا     وجرتْ بيوم مصابِه الأقدارُ

يا أهلَ يثربَ لا مقام لكـــــــم بها     ذبحَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ

الجســمُ منه بـ (كربلاء) مضرَّجٌ     والرأسُ منه على القناةِ يُدارُ (2)

وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (14) بيتاً:

غرُبتْ بعرصةِ (كربلا) فانهضْ لها     واقرِ السلامَ على جنابِ مزورِها

وانثرْ بتربتِـــــــــها الدمـــوعَ تفجُّعاً     لقتيـــلِها فـــــوق الثرى وعفيرِها

أكرمْ بها من تــــــــــــــــربةٍ قدسيةٍ     قد بالغَ الرحــــــــمنُ في تطيرِها (3)

وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (51) بيتاً:

واذكر مصائبهمْ في كــلِّ نــــــاحيةٍ     وانثرْ دموعَـــكَ في أرضٍ بها قتلوا

قد صرّعوا وقضوا نحباً على ضمأٍ     في (كربلا) وعلى رأسِ القنا حُملوا

روحي فداءُ حسيـنٍ إن أقـــــــامَ بها     فرداً وليسَ لـــــــه عن كربِها حِولُ (4)

وقال من قصيدة تبلغ (66) بيتاً في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

ويا فاطـم الصغرى ادعِ لي برقيةٍ     لتنـــــــــــــدبَ قتلانا بيومِ قتالِ

ونبكي على ميتٍ توفي بـ (كربلا)     غـريباً وحيداً ما احتظى بعيالِ

مسجىً بلا غســــــلٍ ولا كفنٍ ولا     حنـــــــوطٍ ولا قبرٍ ومدِّ حجالِ

وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (57) بيتاً:

وغدت تنوءُ على صريمةِ (كربلا)     بصدودِها وأبى القيادَ زمامُها

حتى إذا أزفَ الترحُّـــــــلُ وانتهى     أمدَ البقا منــها وحانَ حمامُها

نهضتْ بنو حربٍ لحـربِ بدورِها     وبذبحِ مولايَ الحسينِ ختامُها (5)

ومنها:

شرقتْ بفيضِ دمِ المـناحرِ وارتوتْ     مضضاً وهانَ على الزمانِ فطامُها

وعروسُ خدرٍ صارَ موعدُ عرسِها     يومَ المعـــــــــادِ وقد قضى مقدامُها

يا نازلينَ بـ (كربلا) هـــــلْ عندكمْ     خبرٌ بقتــــــــــــــــلانا وما أعلامُها

وقال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (52) بيتاً:

يا ساكني (كربلا) منّي السلامُ على     أرواحِكمْ كمْ لكمْ في أرضِها وطنُ

وكم رؤوسٌ لكمْ فيـــــــــها مشهَّرةٌ     على العــــوالي وكم فيها ثوى بدنُ

سقياً لهم من رجــــــــالٍ قامَ قائمهمْ     في اللهِ بالـسيفِ لا فرُّوا ولا جبنوا (6)

الشاعر

الشيخ أحمد بن حاجي البلادي البحراني، ولد في قرية البلاد في البحرين ونسب إليها، وقد اختلف في نسبه ومولده، فذكره السيد جواد شبر (7) والشيخ عبد الحسين الأميني (8) باسم أحمد بن حاجي البلادي، وذكر نسبه الشيخ يوسف بن أحمد البحراني فقال: (أحمد بن صالح بن حاجي بن عبد الحسين بن سنبة الدرازي البحراني آل عصفور (1075 ــ 1124 هـ)، (9) وقال الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني أنه: (أحمد بن عبد الله بن حسن البلادي البحراني (توفي 1137 هـ) (10) كما ورد في نيل الأماني باسم أحمد حاجي (11)

لكن الشيخ محمد صادق الكرباسي يفصّل الحديث عن هذه الأسماء الثلاثة بعد أن يستعرضها ويتوصَّل إلى أنها لثلاث شخصيات حيث يقول: (ومن مراجعة عدد من المصادر والتي فاقت العشرة توصلنا إلى ما يلي: إن أحمد بن حاجي البلادي هو مغاير للشخصيتين اللتين ذكرناهما وذلك أن كل من ترجمهما لم يذكر أنهما كانا من الأدباء والشعراء، خلافاً لأحمد بن حاجي البلادي الذي وصف بأنه (الشاعر المشهور) وقد ذكر صاحب أنوار البدرين في ترجمته حتى سمعت أن له من المراثي والقصائد الحسينية ما يقرب من ألف قصيدة دون غيرها من التواريخ والمدائح، وكانت له ملكة في التاريخ لم تكن عند أحد غيره، كان يتكلم بالتاريخ الذي يريده بداهة وارتجالا بلا تأمل وتدبر، وسمعت من بعض أعمامي أن ديوانه مجلدان وقف على أهل قريتنا من البلاد وتلف في الوقعة الأخيرة التي قتل فيها حاكمها علي بن خليفة) (12)

ويتوسّع الكرباسي في الفرز بين هذه الشخصيات الثلاث وفق المنهج البحثي الدقيق مستنداً في ذلك على المصادر المعتبرة والاعتماد على التواريخ ويستشهد الكرباسي من خلال شعر أحمد بن حاجي على اسمه فيقول:

(إن مراجعتنا لنتاجه الواصل إلينا والذي هو ثلاث عشرة قصيدة تامة وناقصة والتي كلها حسينيات ... ومن إحداها يتبيَّن أنه كان يعرف بـ (ابن حاجي) حيث يقول:

وإني ابنُ حاجٍ، أحمدٌ قد جعلتكم     سراجي ومنهاجي وقطبَ معالي

ويترجم الكرباسي لأحمد بن صالح البلادي كشخصية مستقلة (13)

وعن شعره يقول الكرباسي: (وفي شعره مدائح كثيرة تفوح بالولاء وتتضوّع إيماناً بالحق) (14)

وقد اعتمدنا في نسبه وتاريخ وفاته على ما قاله الكرباسي

وكان أحمد بن حاجي البلادي عالماً فقيهاً شاعراً، قال عنه السيد جواد شبر: (عالم فاضل أديب من شعراء أهل البيت ومادحيهم له مراثي كثيرة) (15)

وقال الشيخ الأميني: (وقد يقال أن له ألف قصيدة في رثاء الامام السبط الشهيد الحسين عليه ‌السلام دوّنها في مجلدين، قد ذكر الشيخ لطف الله الجدحفصي عدة قصائد من حسينياته في مجموعة له، وقفنا على نسخ منها بخطه وأخذنا منها ما ذكرناه ....) (16)

وقال عنه السيد حسن الأمين نقلاً عن تاريخ البحرين المخطوط: (هو من أدباء البحرين وخطبائها، ومن أولي المفاخر ونقيبها، جمع مع الشعر بعض العلوم الأدبية، وله ديوان كبير مشتمل على مجلدين، مجلد في حكايات طريفة وأشعار منيفة، ومجلد في القصائد والمراثي ...) (17)

وقال بمثل ذلك الشيخ حسين بن علي بن سليمان البلادي البحراني ولقبه بـ(البروجردي) حيث قال في ترجمته: (المقدس البروجردي الأقدم الشيخ أحمد المعروف بابن الحاجي) (18) ولعله سكن بروجرد لفترة.

شعره

قال من قصيدة تبلغ (70) بيتاً:

أطِلِ الوقوفَ على الدّيــــــــارِ ونادِ     يـا دارَ أحمدٍ النَّـبيِّ الـهـادي

يــا دارَ فـاطـمةَ الـبـتولِ وحـيــــدرٍ      وابنيهما والتسـعةِ الأمــجـادِ

يا مهبَطَ الوحي الشريفِ ومنزلَ الـ     ـتـنزيلِ والآياتِ والإرشـــادِ

يــا مـنـبعَ الـعلمِ الـغزيرِ ومعدنَ الـ     ـصلواتِ والأذكارِ والأورادِ (19)

وقال من قصيدة تبلغ (37) بيتاً:

أقولُ لـعـيـنـي وقد ساءنــي     بكاهـا لربعٍ عفـاهُ الــدَّمــارُ

أتـبـكـيـنَ حزناً لربـعٍ خــلا     ومــنه السفيرُ نأى والسّفارُ

فهلّا بكيتِ غريبَ الطفوفِ     قتيلاً بكته السّمـا والبـحـارُ (20)

ومنها:

عزيزٌ على جـدِّه الطهرِ أن     يرى رأسَه فــوقَ رمــحٍ يُدارُ

وعزَّ على حيـــدرٍ أن يراهُ     وفي جسمِـه لـلـرِّماحِ اشتجارُ

وعزَّ عـلى فاطمٍ أن تـــراهُ     وقـد رَوِيَتْ مِـن دماهُ الـشِـفارُ

له مِن نــجــيـعِ دمـــاهُ رداً     ومِن نسجِ أيدي السوافي إزارُ

وقال من قصيدته التي تبلغ (21) بيتاً وقد قدمناها:

هلْ مدمعٌ بعدَ الحسيـــــنِ يُـعارُ     فالصبرُ فـي تركِ المصيبةِ عارُ

لا خيرَ مِن بعدِ الحسيـنِ لـعاقلٍ     تاللهِ مــا بــعـدَ الـحـسـينِ قـــرارُ

خلّ المنازلَ واغتنمْ لكَ فرصةً     تـقـضـي إليكَ بـهـا لـديـهِ جــوارُ

والـثمْ ترابَ ضريـحِه مُستنشقاً     طـيـباً حـــواهُ ضريـحُه الـمعطارُ

وتسلَّ إن رُمتَ الـسُّـــلوَّ به إذا     ضاقـتْ بــما رحُـبت عـليكَ ديـارُ

وقال من قصيدة حسينيته التي تبلغ (51) بيتاً وقد قدمناها:

أنستْ بها أرضُ الطفـــوفِ وأقفرتْ     منها الديـــارُ وليسَ غير يسيرِها

غربتْ بعرصةِ (كربلا) فانهضْ لها     واقرِ السلامَ على جنابِ مزورِها

وانثر بتربتها الدمــــــوعَ تـــــــفجُّعاً     لقتيلِـــــها فــوق الثرى وعفيرِها

أكرمْ بها من تــــــــــربةٍ قدســـــــيَّةٍ     قد بالغَ الجبُّــــــــارُ في تطهيرِها

يا تربةً من حـــــــولِها الأمـــلاكُ ما     زالتْ تشمُّ لمسكِــها وعبيـــــرِها

يا تربةً حفّـــــــتْ بها القــومُ الأولى     فازوا بلثمِــــــــهمُ لتربِ قبـورِها

قد ضمّنتْ جســـــدَ الحسينِ ومَن به     فتــــكتْ أميـــــةُ بعد أمرِ أميرِها

وقال من قصيدة تبلغ (66) بيتاً وقد قدمناها، يقول في نهايتها مستنهضا الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد أن يستعرض فيها أحداث الطف وما جرى على آل النبي (صلى الله عليه وآله):

أبا القاسمِ المهديّ يا رايةَ الهدى     ويا خيرَ مبعـــــوثٍ لأكرمِ آلِ

خذِ الثأرَ بالسيفِ الذي لو سللته      لراعَ قلـــــوباً من صميمِ جبالِ

وشدَّ على أعـــــــــداكَ آلَ أميةٍ     فقد سـلكوا عمداً طريقَ ضلالِ

......................................................................

1 ــ ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 87 ــ 91 عن معجم شعراء الحسين للهلالي، مخطوط / موسوعة شعراء البحرين ج 1 ص 57 / عن مجموعة الشيخ علي بن عبد الله البلادي، مخطوط

2 ــ ذكر منها الكرباسي ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 92 ــ 94، 21 بيتاً فيما يخص الإمام الحسين عليه السلام / أعلام هجر ج 1 ص 105 عن معجم شعراء الحسين للهلالي، مخطوط

3 ــ ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 116 ــ 117 / أدب الطف ج 5 ص 172 عن مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي / الغدير ج 11 ص 241

4 ــ ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 192 ــ 196 / نيل الأماني، ديوان الدمستاني ص 369 / أعلام هجر ج 1 ص 100 / أدب الطف ج 5 ص 173

5 ــ ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 214 ــ 220 / نيل الأماني ص 379 / وذكر مطلعها في أدب الطف ج 5 ص 174

6 ــ ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 287 ــ 291 / نيل الأماني ص 372

7 ــ أدب الطف ج 5 ص 173

8 ــ الغدير ج 11 ص 342

9 ــ لؤلؤة البحرين ص 72

10 ــ أنوار البدرين ص 136

11 ــ نيل الأماني أو ديوان الدمستاني 369 جمع عبد العزيز بن عيسى الشهابي

12 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 228 ــ 229

13 ــ نفس المصدر ج 3 ص 118

14 ــ نفس المصدر ج 2 ص 336

15 ــ أدب الطف ج 5 ص 174

16 ــ الغدير ج ١١ ص ٣٤١

17 ــ مستدركات أعيان الشيعة ج ٢ ص ٢٠

18 ــ رياض المدح والرثاء ص 570

19 ــ ذكر منها الشيخ الكرباسي 4 أبيات في ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 68 وقال إن عدد أبياتها 70 بيتا / أعلام هجر ج 1 ص 103 عن تاريخ البحرين، مخطوط / موسوعة شعراء البحرين ج 1 ص 51 / الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر ص 100

20 ــ ديوان القرن الحادي عشر ج 2 ص 83 ــ 86 / رياض المدح والرثاء ص 428 / أعلام هجر ج 1 ص 101

المرفقات

: محمد طاهر الصفار