رؤية الشيخ الكوراني العاملي لعلامات ظهور الامام المهدي (عجل الله فرجة)
يتردد الباحث في علامات ظهور المهدي (عليه السلام) طويلا بين الرغبة والتلهف الذي يلح عليه وعلى المسلمين، وبين منهج التثبت الذي تمليه عليه التقوى وأمانة البحث.. ففي هذا الحشد المتنوع من الروايات يلمس حينا نور الوحي وصدقه فيخشع لله تعالى الذي أطلع رسوله (صلى الله عليه وآله )على شيء من غيبه فوصل إلين. . ويلمس حينا التناقض والوضع والسجع المفتعل . . . وحينا آخر يحس بشيء من نور وأثارة من علم، وعليه أن يجد طريقه إليها بين طبقات الأصداف وظلمات التحريف والتخليط من بعض الرواة.
فمن الرواة من وعى وحفظ الأمانة وأداه. ومنهم من وسوس له الشيطان أن يحرف الحديث ويختلقه فكذبوا على النبي (صلى الله عليه وآله ) والأئمة (عليهم السلام) فأهلكوا أنفسهم وأتعبوا من بعدهم أعاذ الله المسلمين من شرهم. وجاء المؤلفون في هذا الموضوع فقام بعضهم بإجلاء بعض الجوانب وإلقاء عدد من الأضواء جزاهم الله عن الإسلام وأهله خير. وجاء بعضهم كحاطب ليل، كأنما أشرب حب التخليط، يقبل كل ما روي، ويعمل لاقناعك به، ويتعسف الجمع بين متضاده ومتناقضه وهيهات. . ويطبق العلامات على أحداث عصره بتفسيرات لا سند لها إلا الإحتمال، المطلق، وكأن العلامات كلها تخص عصره وما بعده بسنوات وليس منها علامة تحققت في الماضي الطويل وتجيء في المستقبل البعيد. وقد أصبح من المتعارف في الكتب المتأخرة عد الصفات العامة لعصر ما بعد النبوة في علامات الظهور، وعد علامات الساعة والقيامة في علامات الظهور، حتى أن بعضها ينص على أنه من علامات الساعة ويعده بعضهم في علامات الظهور ويفسر الساعة بساعة الظهور مع أن مصطلح (الساعة) في نصوص الإسلام يعني القيامة بداهة.
من أجل ذلك فإن الدراسة الكاملة لعلامات الظهور تحتاج الى مزيد من التتبع والدقة والمقارنة.
وفي هذا البحث الأولي عن المهدي (عليه السلام) أقدم فهرسا أوليا لأهم العلامات مع بعض الملاحظات حوله.
شخصيات ذكرت في علامات الظهور:
نزول عيسى بن مريم (عليه السلام)، وأحاديثه كثيرة صريحة متواترة في مصادر الشيعة والسنة، وأصل نزوله (عليه السلام) موضع إجماع المسلمين. ويذكر المفسرون هذه الأحاديث عادة في تفسير قوله تعالى: (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)[1]، وفي أحاديث الفتن وأشراط الساعة.وتجمع الأحاديث على أن وقت نزوله يكون بعد ظهور المهدي (عليهما السلام) وأنه يصلي خلف المهدي، وعليه فعد نزوله من علامات الظهور مبني على التسامح وشمول العلامات لما كان من آيات ودلالات ربانية قبل الظهور وأثناءه وبعده.
النفس الزكية وأبنا عمه، والأحاديث فيهم من مصادر الشيعة كثيرة تبلغ حد التواتر، وتعد هذه العلامة من المحتومات الخمس. وأحاديثها من مصادر السنة أقل مما في مصادر الشيعة ولكنها عديدة، وقد ورد في بعض هذه الأحاديث أنه حسني وفي أكثرها أنه حسيني وأن اسمه محمدا بن الحسن وأن ابني عمه أخ وأخت إسمهما محمد وفاطمة، يفرون من جيش السفياني من العراق ويدخلون المدينة، فيقبض الظالمون على ابن عمه وأخته ويقتلونهما ويصلبونهما في المدينة المنورة ويفر هو الى مكة فيقتلونه ظلما وعدوانا بغير ذنب في الخامس والعشرين من ذي الحجة الحرام في المسجد الحرام بين الركن والمقام، وليس بين قتله وظهور المهدي (عليه السلام) إلا خمس عشرة ليلة. ستة أشخاص، ورد ذكرهم في أحاديث رايات المشرق وخراسان، هم: رجل يخرج من قم. والخراساني الحسيني ويعبر عنه في مصادر السنة بالهاشمي. والسيد الأكبر. وشعيب بن صالح قائد قوات الخراسانيين، وقائد قوات المهدي (عليه السلام). والسيد الجيلاني الذي يعاون شعيبا بن صالح . والهاشمي الذي يقصد بيت المقدس فلا يبلغه.والأحاديث في الخراساني وشعيب كثيرة متواترة من مصادر السنة والشيعة، كما ورد ذكر السيد الأكبر عند الطرفين أيض. أما الثائر من قم وأصحابه والمتحرك من جيلان (گيلان) فقد ورد ذكرهما في مصادر الشيعة خاصةـ
اليماني، أحاديثه من مصادر الشيعة متواترة وقد عدته من المحتومات الخمس وأنه يظهر في اليمن قبل السفياني، ومقارنا له، وأنه يدعو الى الحق وتجب اجابة دعوته، وأنه يتوجه الى العراق وسوريا ويشارك مع الخراساني في قتال السفياني، وأنه من ولد زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام).وربما كانت رواية "يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة"[2] ، ثم نسبت اشتباها الى المهدي (عليه السلام)، كما قد يكون هذا اليماني هو المقصود بحديث يخرج ملك بصنعاء إسمه حسن وحسين.
ووردت فيه في مصادر السنة أحاديث قليلة. ومما يساعد على القول بصحة هذه العلامة حتى لولم تكن أحاديثها متواترة عدم وجود قرائن منافية وظروف سياسية توجب الشك في صحتها . وتفسيرها بمن ظهر من الزيديين في اليمن لا يتفق مع نصوص أحاديثها الصريحة في اتصال حركته بظهور المهدي (عليه السلام).
السفياني، وأحاديثه كثيرة متواترة من مصادر الشيعة والسنة، وقد تضمن الكثير منها تفاصيل خروجه في دمشق وحركته في سوريا والعراق وأطراف ايران والحجاز والقول بأن أحاديثه من وضع الأمويين لكي يقابلوا بها أحاديث المهدي الصحيحة.. جنوح في الإحتمال وإغماض عن مئات الأحاديث الشريفة عند المسلمين. نعم نجد الاتجاه الأموي وراء وضع أحاديث مدح السفياني وأنه يسلم الأمر للمهدي. تسعة أشخاص ورد ذكر أربعة منهم في تحرك السفياني، وهم، الأصهب أي الأحمر شعر الرأس، والأبقع أي الأبرص، والربيعي والجرهمي، يعارضون السفياني فيقتلهم جميع. وورد وصف الأصهب بالعلج وهي صفة للكفار من غير العرب. والخمسة الآخرون هم: الهجري، والعطرفي، والرقطي، والمرواني، والشيصباني، ورد ذكرهم في روايات متفرقة أنهم يخرجون قبل ظهور المهدي (عليه السلام)، وأن الشيصباني يخرج في العراق.وقد ورد ذكر الأبقع والأصهب في أحاديث السفياني في مصادر السنة، وورد ذكر الباقين في مصادر الشيعة خاصةـ
عبد الله آخر من يحكم الحجاز، وردت أحاديث عديدة في مصادر السنة والشيعة تكاد تكون متواترة بأن ظهور المهدي (عليه السلام) يكون على أثر موت حاكم وملك وخليفة واختلاف على من يكون بعده وحصول أحداث داخلية وفراغ سياسي في الحجاز. . وقد تفردت مصادر الشيعة بحديثين فيهما تفصيل عن هذا الحاكم: أحدهما عن الامام الصادق (عليه السلام) قال "من يضمن لي موت عبد الله أضمن له القائم، أما إنه إذا مات عبد الله لم يجتمع الناس بعده على أحد، ولم يتناه هذا الأمر دون صاحبكم إن شاء الله ويذهب ملك السنين ويصير ملك الشهور والأيام..."[3] والحديث الآخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) "يموت سفيه من آل (العباس) يكون سبب موته أنه ينكح خصيا فيقوم فيذبحه ويكتم موته أربعين يوم. فإذا سارت الركبان في طلب الخصي لم يرجع أول من يخرج (إلى آخر من يخرج) حتى يذهب ملكهم"[4].أما الحديث الأول فواضح الصلة بظهور المهدي (عليه السلام)، وأما الثاني فالظاهر أن المقصود بالسفيه هو عبد الله المذكور ولعل أصل الحديث يموت سفيه من آل (فلان)) وليس من آل العباس ولكن الراوي سمى آل العباس لأنه تصور أن الإمام (عليه السلام) استعمل الكناية عنهم. . وتوجد قرائن أخرى في الأحاديث عن الحجاز تصلح للربط بين الحديثين.
الدجال الأعور، وأحاديثه في مصادر السنة كثيرة جداً، وفي مصادر الشيعة قليلة، وتتفق تقريبا على أنه من علامات الساعة، وأنه مولود وموجود منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وأنه يستعمل عجائب السحر فيغرى أتباعه، ويضلهم ويدعي الربوبية، وأن المهدي والمسيح (عليهما السلام) يقاتلانه. وتتضمن أحاديثه غرائب غير مألوفة تحيط بشخصيته وحركته وأفعاله.وأقوى الاحتمالات في أمره أن يكون شخصا حقيقيا يستغل التطور الذي تصل اليه العلوم الطبيعية في ظل الدولة الاسلامية بقيادة المهدي (عليه السلام) في أساليب من السحر، كما يستغل ردة الفعل السلبية للرفاهية العامة التي يعيشها الناس فيغري أتباعه بالمحرمات والإباحية ويلبس عليهم بالسحر والشعوذة. وعلى هذا فإن الطابع الأسطوري الذي تتصف به أحاديثه يكون له أساس من الصحة. وان أضاف عليه بعض الرواة.
ويليه في القوة أن يكون الدجال هو الشيطان إبليس الذي طلب من الله تعالى أن ينظره الى يوم يبعثون فأجابه عز وجل (فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) وقد ورد أن قتله في يوم الوقت المعلوم يكون على يد المهدي (عليه السلام).
ويوجد احتمال آخر أن يكون الدجال نفس السفياني وقد وقع التضخيم في أوصافه وأحاديثه، وقد ذكرت بعض الروايات أن السفياني يبدو أعور وليس بأعور... ولكن يبقى هذا الاحتمال ضعيفا لأن أكثر الصفات الواردة في الدجال لا تنطبق على السفياني، ومنها ادعاء الربوبية وعجائب السحر.
واحتمال آخر أن يكون الأعور الدجال والدجال تعبيرا مجازيا عن اغراء الحضارة المادية الكاذبة المزيفة، واغراء الدنيا ورفاهيتها الكاذبة.. وهو أيضا ضعيف لصراحة الأحاديث بأنه شخص حقيقي من نوع خاص يقود حركة عسكرية وإضلاليه في آخر الزمان.
وينبغي التحرز في بحث أحاديث الدجال من أمرين أحدهما: أن غالبية أحاديثه تقريبا عن كعب الأخبار. والثاني :أن من عقائد اليهود أن المسيح المنتظر عندهم يقتل الدجال.
ومن طريف ما اطلعت عليه كتابان للدكتور مارسيل حداد أحد القساوسة اللبنانيين يحاول فيهما اثبات ان الأعور الدجال هو اسرائيل ويشرح في أحدهما سفر الرؤيا من التوراة، ويفسر في الثاني أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله ) في شأن الدجال بأنها تقصد اسرائيل.
ادعاء مئة شخص للنبوة وادعاء عدة أشخاص للمهدية، فهم منها بعضهم أنهما صاحبا حركتين تكونان قبل السفياني، وعدهما في علامات الظهور، أما المصري ففيه حديث وأكثر يقول: "يخرج قبل السفياني مصري ويماني"[5] فأمره محتمل، وأما المغربي فسيتضح ضعف كونه من علامات الظهور في تحرك المغربيين والمصريين الآتي إن شاء الله تعالى. عوف السلمي، ورد فيه حديثان وأكثر أحدهما عن الامام زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) قال:" يكون قبل خروجه أي المهدي (عليه السلام) خروج رجل يقال له عوف السلمي بأرض الجزيرة يكون ماؤاه تكريت وقتله بمسجد دمشق ثم يكون خروج شعيب بن صالح" [6] والأرجح أن المقصود بأرض الجزيرة المنطقة الواقعة عند ملتقى الحدود العراقية السورية التركية فهي التي تسمى بلاد الجزيرة والجزيرة مجردة، أما جزيرة العرب فلا تستعمل مجردة منذ صد حاضرة والمستقبلة لهؤلاء الأقوام وهذه المناطق.مثلا يفسر حديث (نفر أهل المغرب إلى مصر) بالمسيرة الشعبية الليبية التي توجهت الى مصر لفرض الوحدة بين البلدين.. الخ.
ولكن ماذا يصنع اذا وجد أن هذه النصوص تصف تحركات قد حدثت من هؤلاء الأقوام وفي نفس تلك المناطق، بل وبنفس التفاصيل في بعض الأحيان.. مثلا يجد حركة الفاطميين من المغرب الى السودان الى مصر الى الشام.. وتهديدهم للعراق. . حرفيا في أحاديث علامات المهدي. وتحركات زحف المغول "الذين كان يسميهم العرب: الترك المغول والترك" أيضا في أحاديث علامات المهدي في مثل أحاديث "يخرج قوم من الشرق فيقتلون المسلمين. يتغلبون على خراسان. يستبيحون بعض مناطق العجم. يفتحون العراق. تكون بحلب موقعة رهيبة. يهاجمون دمشق" . . الخ. إنها حركة الغزو المغولي حرفي، فكيف نعدها من علامات الظهور ونفسرها بتحرك تركي سوف يكون في المنطقة؟ .
وكذلك تتضمن هذه الأحاديث خطوطا واضحة من تحركات الروم والمسلمين في حركة صراعهم الطويلة، ومن تحركات الإيرانيين داخل ايران وخارجه، وتتضمن معالم الصراع السياسي وأحيانا العسكري داخل الدولة الإسلامية بين العرب والموالي "حركة القومية والشعوبية"
وبهذه الملاحظة قد يصل الباحث الى نتيجة بسيطة هي أن هذه الأحاديث إما أن تكون مكذوبة وضعت بعد وقوع الأحداث التي وصفته، وأنها صحيحة صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله ) والأئمة (عليهم السلام ) لوصف هذه الأحداث فقط، وفي أحسن الحالات تكون علامات بعيدة لظهور المهدي (عليه السلام)، ولكنها ليست بأي حال من علامات عصر الظهور لأنها تحققت منذ قرون طويلة.
ولكن هذا التبسيط لا يحل المشكلة أيضا، لأن عددا من أحاديث هذه التحركات تأبى التفسير بالماضي، مثلا أحاديث أن الروم أي النصارى سوف يتغلبون على الأرض، وأن المهدي (عليه السلام) سوف يقاتل بعضهم. وأحاديث قتال المسلمين لليهود بعد أن يكون لليهود وجود عسكري، ويكشفون جانبا من هيكل النبي سليمان (عليه السلام)، وأن المهدي (عليه السلام) يستخرج لهم التوراة من جبل بفلسطين ويحاجهم بها ويقاتلهم. وأحاديث رايات المشرق وخراسان الممهدة للمهدي التي لا تنطبق على تحركات الإيرانيين الماضية. . وغير ذلك من الأحاديث التي تنص على أنها علامات لعصر الظهور وسنة الظهور وليس فيها أثر من التحركات الماضية؟؟
الذي أطمئن اليه في هذه الأحاديث أن قسما منها صحيح فعلا لروايته وتداوله بين المسلمين قبل حدوث التحركات التي وصفته، فتكون من دلائل صدق نبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ولكن لا علاقة لها من قريب ولا بعيد بعلامات عصر الظهور وإنما حشرها المؤلفون حشرا في الموضوع من دون قرينة على صلتها به، وأن الوضاع أضافوا لها ربطا بالظهور افتراء على النبي (صلى الله عليه وآله ) والأئمة (عليهم السلام). والقسم الأقل منها هو من حديث علامات عصر الظهور، ويصح أن يبحث تحت هذا العنوان، يبدو ان أحاديث حركة المسلمين واليهود، وقسم من أحاديث حركة الروم، وقسم من أحاديث حركة العرب، وقسم من أحاديث حركة العجم، وقليل من أحاديث الترك.
وأما أحاديث المغربيين فينبغي الأخذ بعين الاعتبار عند بحثها أن حركة الفاطميين الاسماعيليين كانت في أواخر القرن الثالث الهجري أكبر خطر داخلي هدد الخلافة العباسية، وقد ترك هذا الانقسام والصراع بين شطري الدولة الإسلامية الشرقي والغربي آثارا كبيرة على المسلمين من أبسط مظاهرها أنه كان يعبر أول الأمر عن الفاطميين بالعلويين والفاطميين، ولكن العباسيين تبنوا الطعن في نسبهم وأشهدوا على ذلك قضاة وفقهاء فلم يعد أحد في مشرق الدولة الإسلامية يجرؤ أن يسمي الخليفة الفاطمي بالعلوي والفاطمي بل انتشرت تسمية "المغربي" أي الخارج عن الخلافة العباسية في المغرب وحاكم المغرب الإسلامي.. وهذه هي كل قصة المغربي الذي تحول إلى شخصية من علامات ظهور المهدي (عليه السلام). إن قراءة مجملة لحركة الفاطميين ولأحاديث "ظهور المغربي" تكفي للاطمئنان بعدم علاقتها بعصر الظهور، وان كان الكثير منها كما أشرنا من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله)، وما أخبر به من الملاحم والأحداث الآتية لأنه كان مرويا ومدونا قبل حركة الفاطميين المغربيين بقرن وأكثر.
ويمتد التأثير السلبي لأحاديث المغربيين في علامات الظهور إلى الأحاديث التي يرد فيها ذكر المغرب والمشرق والمغرب والشرق، فهي تحتاج إلى تحقيق المقصود منها هل هو شرق الأرض وغربها وشرق الدولة الإسلامية وغربه، وكذلك تعبير الشرقيين والغربيين وأهل الشرق وأهل الغرب.
من أجل ذلك وجب أن نأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع التاريخي في أحاديث المغربي وكذلك واقع غزو التتار في الأحاديث المتعلقة بالأتراك والترك. وبهذا المقياس لا يبقي لدينا منها إلا القليل.
الآيات السماوية: النداء من السماء، ويسمى في الأحاديث الشريفة أيضا: الصوت، والصيحة.وأحاديث هذه العلامة في مصادر الشيعة كثيرة متواترة وتعده أحد المحتومات الخمس "اليماني، والسفياني، والنداء، وقتل النفس الزكية، وخسف البيداء"[7] وأنه يكون في ليلة الجمعة الثالث والعشرين من شهر رمضان في سنة ظهور المهدي (عليه السلام) على أثر خوف عام يشمل الناس بسبب الحرب، يسمعه أهل الأرض كل قوم بلغتهم فيذهلون له، يبشرهم بظهور المهدي، يسميه باسمه واسم أبيه ويدعوهم الى بيعته، وأن قضية المهدي بعد النداء تصبح الشغل الشاغل للناس.
وفي مصادر السنة ورد في هذه العلامة عدة أحاديث أيضا، قسم منها يوافق ما ورد في مصادر الشيعة، وأكثرها يذكر أن النداء يكون من ملك يسير في غمامة مع المهدي يقول "هذا المهدي فاتبعوه" أو "هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه"
من أحاديث النداء:عن عبد الله بن سنان قال:" كنت عند أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فسمعت رجلا من همدان يقول له :إن هؤلاء العامة يعيروننا ويقولون لنا: إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر وكان متكئا فغضب وجلس ثم قال (عليه السلام):لا تروه عني واروه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك أشهد أني سمعت أبي (عليه السلام) يقول :والله إن ذلك في كتاب الله عز وجل بين حيث يقول إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين"[8].
وعن سيف بن عميرة قال: "كنت عند أبي جعفر المنصور فقال إبتداء: يا سيف بن عميرة لا بد من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب. فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذ قال: إي والذي نفسي بيده لسماع أذني له، فقلت له :يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذ. قال: يا سيف، إنه لحق، فإذا كان ذلك فنحن أول من يجيب، أما إنه نداء إلى رجل من بني عمن.
فقلت :رجل من ولد فاطمة (عليها السلام)؟قال :نعم يا سيف، لولا أنني سمعته من أبي جعفر محمد بن علي يحدثني به ولو يحدثني أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي"[9]
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا نادى مناد من السماء أن الحق في آل محمد فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس، يشربون ذكره فلا يكون لهم ذكر غيره).(٩) طلوع الشمس من مغربه، وردت هذه العلامة في عدة أحاديث في مصادر الشيعة والسنة. ولكن أكثر الأحاديث التي في مصادر السنة وقسما منها في مصادر الشيعة تذكر أن طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة أي القيامة، وهو المرجح عندي.
أما الرواية التي تقول عن المهدي عليه السلام (وهو الشمس الطالعة من مغربه)(١٠) فلا تصلح أن تكون قرينة على أن المقصود بطلوع الشمس من مغربها في هذه الأحاديث المعنى المجازي أي طلوع شمس الإسلام بعد غيابها وطلوع المهدي عليه السلام بعد غياب. . فان صراحة أحاديث طلوع الشمس من مغربها تدل على أن المقصود هو المعنى الحقيقي للشمس وللطلوع.
الكسوف والخسوف في غير وقتهم، وردت فيه بضعة أحاديث في مصادر الشيعة وبعض أحاديث في مصادر السنة، وتتفق على أنهما يكونان في شهر رمضان بعد الصيحة، وأن ذلك لم يكن منذ هبط آدم ومنذ خلق الله السموات والأرض. . وتختلف هذه الأحاديث في تحديد يوم حدوث هاتين الآيتين.علامات أخرى في الشمس، وردت في روايات متفرقة في مصادر الشيعة وروايات قليلة في مصادر السنة، مثل :ذهاب نور الشمس من طلوعها الى ثلثي النهار، وتوقفها من الزوال الى الغروب، وظهور وجه انسان وصدره في الشمس، وقد فسره بعضهم بالمسيح (عليه السلام) وظهور كف ويد في الشمس وفي السماء تشير: هذ...هذ. وفي رواية نعيم بن حماد عن أسماء "إن امارة ذلك اليوم أن كفا من السماء مدلاة ينظر إليها من الناس"[10]. ظهور حمرة تجلل آفاق السماء، وتبقى ثلاثة أيام. وردت فيها بعض أحاديث في مصادر الشيعة والسنة وفيها إجمال، ويبدو أن وقتها قبل ظهور المهدي (عليه السلام) بمدة لردع الناس عن معاصيهم كما ورد في أكثر من حديث. الكوكب المذنب، ورد أنه نجم يطلع في المشرق يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وفي بعضها أن ذنبه يضيء فقط، وأنه يفزع العرب. ولا يفهم من رواياته المتفرقة التي وردت في مصادر الشيعة والسنة تحديد وقته، ويظهر أن هذا المذنب ليس كبقية المذنبات التي هي من آيات الله الكونية المتعارفة، بل له مواصفات خاصة فهمها المسلمون في صدر الإسلام فقد روى نعيم بن حماد في الفتن عن الوليد قال "رأينا رجفة أصابت أهل دمشق في أيام مضين من رمضان فهلك ناس كثير في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة، ولم نر ما ذكر من الواهية وهي الخسف الذي يذكر في قرية يقال لها حرست، ورأيت نجما له ذنب طلع في المحرم سنة خمس وأربعين ومائة مع الفجر من المشرق فكنا نراه بين يدي الفجر بقية المحرم، ثم خفي، ثم رأيناه بعد مغيب الشمس في الشفق وبعده فيما بين الجوف لشهرين وثلاثة، ثم خفي سنتين وثلاث. ثم رأينا نجما خفيا له شعلة قدر الذراع رأي العين قريبا من الجدي يستدير حوله بدوران الفلك في جمادين وأياما من رجب ثم خفي. ثم رأينا نجما ليس بالأزهر طلع عن يمين قبلة الشام مادا شعلته من القبلة إلى الجوف إلى أرمينية، فذكرت ذلك لشيخ قديم عندنا من السكاسك فقال: ليس هذا بالنجم المنتظر. قال الوليد: ورأيت نجما في سنيات بقين من سني أبي جعفر (المنصور) ثم انعقد حتى التقى طرفاه فصار لطوق ساعة من الليل، قال الوليد: وقال كعب هو نجم يطلع من المشرق ويضيء لأهل الأرض كإضاءة القمر ليلة البدر قال الوليد: والحمرة والنجوم التي رأيناها ليست بالآيات، إنما نجم الآيات نجم يتقلب في الآفاق في صفر وفي ربيعين وفي رجب، وعند ذلك يسير خاقان بالأتراك تتبعه روم الظواهر بالرايات والصلب، قال الوليد قال :بلغني عن كعب أنه قال: يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذناب"[11]. كثرة الأمطار، ورد فيها عدة أحاديث في مصادر الشيعة وأن سنة ظهوره (عليه السلام) تكون سنة غيداقة كثيرة الأمطار، وأن العلامات تختم بأربع وعشرين مطرة يرى أثرها وبركتها ويحيي بها الله الأرض فتخرج خيراته.
وأحاديث هذه العلامة تحتاج مضافا إلى التحقيق العادي فيها إلى ملاحظة اشكالين: الأول: معارضتها بالأحاديث التي تذكر أن من علامات الظهور الجدب وقلة الأمطار.
الثاني: أن الأحاديث التي تحدد الأربعين يوما التي يتصل مطرها بأنها تكون في جمادي والعشر الاول من رجب، تتعارض مع علامة النداء والكسوف والخسوف في رمضان، لأنها لا تكون حينئذ خاتمة العلامات، وحملها على رجب من السنة الثانية ضعيف لأن ظهوره (عليه السلام) في محرم فيكون مطر الأربعين يوما بعد الظهور وليس ختام العلامات، ولا يبعد أن يكون هذا المطر المتواصل في جمادي ورجب بعد ظهوره (عليه السلام) وأن عده من علامات الظهور من باب التوسع في التسمية كما في نزول عيسى (عليه السلام).
الآيات الأرضية نار الحجاز، وفي هذه العلامة أحاديث متعددة في مصادر الشيعة والسنة، وأكثرها يحدد مكانها في الحجاز بجبل الوراق وبحبس سيل كما في مستدرك الحاكم ج ٤ـ ص ٤٤٢ وفي وادي حسيل وهو كما يبدو من تصحيف النساخ عن حبس سيل. وقد ذكر الحموي في معجم البلدان أن حبس سيل إحدى حرني بن سليم. والحرة منطقة صحراوية داكنة، وحرة بني سليم قرب المدينة المنورة.وبعضها تحدد مكانها في واد بقعر عدن من حضرموت، وتذكر أنها بالمشرق دون تحديد. وأكثر أحاديث هذه العلامة الواردة في مصادر السنة تنص على أنها من علامات الساعة، وبعضها تؤكد وقوعها قبل الساعة بشكل مطلق دون تحديد، كما في صحيح مسلم ج ٨ـ ص ١٨٠ (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) أي يصل نورها إلى مدينة بصرى قرب الشام، ويوافق هذه الأحاديث بعض ما في مصادر الشيعة من أن نار عدن تسوق الناس إلى المحشر، وتسوق الناس من المشرق الى المغرب. والأحاديث الباقية تذكر أنها علامة لظهور المهدي (عليه السلام) وأنها قدام قيامه بقليل، وقبل غرق البصرة والفتن المتلاحقة. ولا يبعد أن تكونا نارين إحداهما علامة لظهور المهدي (عليه السلام) والأخرى من علامات الساعة.
الزلازل والخسف، والثابت المتواتر من هذه العلامة أحاديث الزلزلة وخسف البيداء بجيش السفياني الذي يتوجه إلى مكة المكرمة لقتال المهدي (عليه السلام)، وكذلك الزلازل والخسف في دمشق، قبل خروج السفياني، وأحاديث هذه العلامة كثيرة في مصادر الشيعة والسنة، وسيأتي ذكرها في أحداث الظهور ان شاء الله تعالى.اما الأحاديث المتفرقة الباقية فيذكر بعضها خسفا بالمشرق، وخسفا بالمغرب، وخسفا في بغداد وخسفا في البصرة، ويذكر بعضها كثرة الزلازل في الأرض.
[1] سورة النساء، الآية ١٥٩ .
[2] البحار، ج ٥٢ـ ص ٣٨٠.
[3] بحار الأنوار ج ٥٢ـ ص . ٢١٠.
[4] كمال الدين للصدوق ص . ٦٥٥.
[5] بحار الأنوار ج ٥٢ـ . ٢١٠.
[6] بحار الأنوار ج ٥٢ـ ص . ٢١٣
[7] كما وردت بذلك الأحاديث وكما عدها النعماني في كتاب الغيبة ص . ٥١.
[8] بحار الأنوار ج ٥٢ـ ص . ٢٩٢
[9] الإرشاد المفيد ص . ٤٠٤
[10] إلزام الناصب ج ٢ . ١٣٤.
[11] الفتن لابن حماد ص ٩٣ (مخطوطة).
اترك تعليق