أحمد اللُويِّم (ولد 1381 هـ / 1961 م)
قال من قصيدة (القمر الدامي) في حق أبي الفضل العباس (عليه السلام) تبلغ (46) بيتاً:
للعشقِ قصَّـــــته في (كربلاء) ففي مواقفٍ لأبي الفضلِ انتشى العجبُ
(عباسُ) حطّمَ في الماءِ الغرورَ فلمْ ترده إلّا على استحيـــــائها القِرَبُ
حسامُه وطنٌ للنصـــــــــــرِ ضيَّعه فالنصرُ بعدَكَ يا عبــــاسُ مُغترِبُ (1)
وقال من قصيدته (نبوءة جرح):
وهل (كربلا) يُعصى على العقلِ فهمُها؟! لتفتحَ لـــي باباً مِنَ الوهمِ مُوصدا!
جَـــــــرَتْ (كربلا) في الرأسِ أولَ فكرةٍ بهـــــــا العقلُ حازَ الفهمَ فاللهَ وحّدا
هناكَ بــــــدتْ لي (كربلا) فوق ما روى لِيَ (الوعي واللاوعي) شكًّا ووكّدا
ومنها:
وبعــــضُ الذي مازالَ يحملُ ثِقْلَهُ أمـــــــيناً عليه (الوعيُ) حتّى تأَوّدا
هــــنا (كربلا) تأبى وصايةَ دمعةٍ فنحبسُ عن عينٍ مِنَ الوعي مُسهدا
هنا (كربلا) للعقلِ مسرى انعتاقِه لحريةٍ تفـــــــــــــضي به لو تجرَّدا
الشاعر
أحمد بن عبد الله اللويم الشعبي ولد في قرية الشعبة من قرى الإحساء ثم نزح مع عائلته إلى الدمام كتب الشعر العمودي والحر، وأكثر شعره انصب في الحقل الديني وخاصة في مدائح ومراثي أهل البيت (عليهم السلام) (2)
قال عنه المحقق الكرباسي: (شعر اللويم مفعم بالولاء، لفظاً ومعنىً ووجداناً وفكراً، يميل في أسلوبه إلى القرآن الكريم، وهذا ما ينم عن بعده الفكري الذي يغرف من كوثر المعرفة الإسلامية الدافقة...) (3)
شعره
يقول اللويم من قصيدة (على ضفة الغدير):
يا عيدُ خذني في ركــــابِكَ شاعراً ملأ الولاءُ عــــــــليهِ كلَّ مجالِ
ولتلقني فوقَ الضــــبـــابِ قصيدةً عصماءَ تقــــرعُ مسمعَ الأجيالِ
وتعيدُ في سمــــعِ الغديـــرِ حكايةً من هاهنا مــــــرّتْ مرورَ خيالِ
فهنا أعيدُ علــــى الغديـرِ تساؤلي عن نازليهِ وعن سنينَ خــوالي؟
عن آيةٍ ختــــمتْ فصــولَ حكايةٍ قدسيةٍ هيَ آيةُ الإكـــــــــــــــمالِ
عن مشــــهدٍ تليتْ به وقـد التقتْ هيَ والأذانُ علــــى صداحِ بلالِ
هل لا تزالُ بقيةٌ من رجـــــــعِها تهدي الحداةَ إلى وريــفِ ظلالِ؟
دعني أعيدُ على الغديرِ تســاؤلي إني شقيتُ بحيرتي وســـــؤالي؟
دعني أقرِّبُ للغديرِ مســــــــافتي فـالشكُّ ينأى بي فأجــــهلُ حالي
حتى متى أنا في مسافةِ حـيــرتي حـجرٌ على سفحِ انتظارٍ عـالي؟
وإلى متى تتعثرُ الأنغــــــــامُ في قيثــــــــارةٍ تشـدو على إطـلالِ؟
وإلى متى تتلوَّنُ الكلمــــــاتُ في شفـةٍ تلوذُ بــــــــغصَّةٍ وســعالِ؟
وإلى متى صوتُ الحقيـقةِ همسةٌ خرســـاءَ في أذنٍ من الإغــفالِ؟
وإلى متى التاريخُ يركضُ خلسةً ويـدبُّ في وادٍ دبيــــــــبَ نمالِ؟
وإلى متــــــــى ثوبُ التقيَّةِ سُـبَّة وبـه كسا التاريخُ عُــريَ رجالِ؟
فعلى ضفــافِكَ يا غديرُ توحَّدتْ لغةُ الحـوارِ وأفصـــــــحتْ بمقالِ
إنَّ الغديرَ هـــــــوَ الدليلُ لحائرٍ ما بينَ مـوروثٍ وبيــــــن رسالي
ويقول من قصيدة (وليد الزمن الصعب) وهي إلى الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
لملمتُ أشواقي وجـــــئتكَ عاديا ودخلتُ ســـردابَ القداسةِ حافيا
وجثوتُ ألثــــــــــمُ تربَه وأشمَّه فشممتُ فيه ثرى الجنانِ الزاكيا
وأخِذتُ بالصورِ العتاقِ تعثّرتْ بركامِ أمــــسِ وقد ظللنَ زواهيا
فأخذتُها بيديَّ أمسُّـــــــحُ رينَها وأثيرُ كــــــــامنَها وأجلي الخافيا
فلمحتُ مهدَكَ يستطيلُ شراعُه ويحوكُ مــن أملِ السنينِ مراسيا
ومنها:
وأصيلُ فكرٍ ظـــــلَّ يعبقُ عطرُه حتى أفاضَ على الزمانِ غواليا
ووقفتُ دونَ المهدِ أعزفُ نغمتي وأصوغُ بيعتيَ الصـدوقَ قوافيا
أكبرتُ في المولـــودِ يولدُ فارساً ويداهُ تقتدحــــــــانِ عزماً واريا
تتلمســــــانِ الدربَ ناعمتينِ والـ ـدربُ الطويلُ قد استحالَ أفاعيا
تترقّبُ المســـــــرى ويفتحُ باعَه سفرُ تظـــــنُّ بهِ الصهيلَ تناجيا
يا سرَّ من راءِ انتجعتــــــكِ مرَّةً ولقد أطلتُ على الطلــولِ بكائيا
ومنها:
ومحمدٌ يلقي عليـــــــــــــكَ ظلالَه تمتدُّ ما امتـــــدتْ خُطاكَ مراميا
والمرتضـى واري العزيمةِ ناظراً للغيــــــبِ تروي فيه ثأراً ظاميا
ومشى أبـوكَ إليكَ يحمـــلُ فـي يدٍ سرَّاً وفي الأخرى التراثَ الباقيا
وأخـذتُ نـاحيتي هناكَ وراعـــني رجعٌ تردَّدَ في الـــــــزوايا حانيا
هديٌ وأورادٌ وليــــــــــــــلُ تهجُّدٍ وحناجرٌ تتلو الكتـــــــــابَ مثانيا
وقصدتُ جـامعَكَ الـعظيمَ وسرَّني أن كان دارَ عبادةٍ مــــــــــتراميا
ويقول من قصيدة (بضعة الهادي) وهي إلى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها):
جئتُ نبعَ الزهــراءِ أحملُ أدلا ئي وقد فاضَ نبعُـــــــــها بالماءِ
فملأتُ الأدلاءَ مــــــــاءً نميراً فاستقي يا نجــــــــومَ من أدلائي
أنا أدري أني على نهجِها الحـ ـقِّ أغني هل تسمــعيــنَ غنائي؟
ومدايَ الرحيـبُ أوسعَ من أمـ ـدائِكِ العليا فاسبحي في فضائي
وخذي أنتِ مـا تشــائينَ نبضاً وشعاعاً ولتــرقصي في ضيائي
قد ترشّفتُ مــن ينـــــابيعِ فكرٍ بالنبـــــــــــــيِّ اتصاله والسماءِ
وقال في قصيدة (القمر الدامي) في حق أبي الفضل العباس (عليه السلام):
كلُّ الأهلّةِ بيــضٌ حيـــــــــنما بـــزغـتْ إلّا هلالكَ محمرٌّ ومـــــــــــضطربُ
ينشقُّ من أفقِ جـرحٍ ظلَّ مــــــــــنفتـحاً على السماءِ ولم تــــــؤذنْ به القطبُ
شهرُ الحسينِ فداكَ الدهـــــــــرُ أجمــعَه لولاكَ ما سُلســــــــــلتْ أيامُه الحقبُ
ولم يكنْ لزمانٍ في مــــــــــعـــــــاجِـمه معنى تضيءُ به قامـــــــوسَها الكتبُ
ما للأهلّةِ عقفٌ مـــــــــــــــــلءَ قامـتِها تطوفُ بالقمرِ الـــــــــــدامي وتنتحبُ
وحولَ هامتِهِ الحـــــــمراءَ طافَ بــــها ليلٌ تفجَّرَ في نجمــــــــــــاتِهِ الغضبُ
حطّتْ على نهـــرِهِ الطــــامي وآلــــمَها أن الضفافَ عليها تُنحـــــــــرُ القِربُ
الهائمونَ بحــــــــــــــبِّ الآلِ حـــسبهمُ سبقٌ عليهِ الرهانُ الصـــــعبُ يُكتسبُ
كنّا عصـــافيرَ لــــــــم نظـــفرْ بأجنحةٍ إلا ارتعاشةَ حلمٍ ريـــــــــــــشُه زغبُ
نـــراكَ في قطــــراتِ الـــدرِّ مُحــــتفياً بِنا فما شكَّ فـــــــــــي جينــاتِنا حسبُ
إنّا يتاماكَ رغمَ اليتمِ ما انـــســـــــربتْ بنا الخصـــــاصةُ حيث الذلُّ يــنسربُ
إنّا يتاماكَ مسكونونَ عــــــــــــــــاطفةً جيَّاشة فوقَ حـدِّ السيـــــــــفِ تــنتسبُ
إنّا يتاماكَ لم نترككَ منـــــــــــفــــــرداً والحقدُ حولكَ يُضـــــرى نابه الــحدبُ
ينمو هواكَ نموَّ العمـــــــــــرِ في دمِـنا منذ الأجنّةِ حتى تطبـــــــــــقُ الــتربُ
هذا دويُّكَ من أمشـــــــــــاجِهِ نسجــتْ قلوبُنا أتـــــــــــــــــــراها عنكَ تــنقلبُ
في كلِّ نبضةِ قلـــــــــــــبٍ سجعُ أمّهةٍ عليكَ دوزنَه بين النعـــــــــــــــــاةِ أبُ
خطبتَ في أوليــــــاتِ الدهرِ فالتبستْ على مسامعِه الآيـــــــــــاتُ والخــطبُ
أصغي لصـــــــوتِكَ هدّاراً فيمــــلؤني وعياً بطفِّكَ حتى اسّـــــــاقطتْ حُــجُبُ
ما إن سمــــــــــــعتكَ من راوٍ روايته ظنٌّ تفرَّخَ في نبــــــــــــــراتِه الـــريبُ
إني سمــعتكَ قبـــل الطـــــينِ مرتحلاً ظهرَ اليقينِ وحولي الغيبُ مصــطـخبُ
وربَّ قـافيةٍ أيقظــــــــــــــــتها سحراً والليــــــــلُ عارٍ من النجماتِ مكــــتئبُ
يفزِّعُ الصبحَ مـــــــنها رجعَ ســـاقيةٍ كــــأن أصــــــــداءها الآهاتُ تصطخبُ
عوَّذتُ سمــــــعَكَ أن تلقاكَ صارخةً حـــزناً ويكفيكَ مـــــــــــــــــنها أنَّةٌ تثبُ
يا مَن عشقنــــاهُ حتى قِيلَ قد نفضتْ غبـــارَها في رفـــــــــوفِ الغايةِ الرتبُ
عشقٌ نشدُّ له الأعمارَ أمتــــــــــــعةً وإن تـــحزَّمَ في أسفــــــــــــارِنا النصبُ
من (عابسٍ) عدتُ ممسوساً يُشيِّعني عقلٌ بحـــبلِ جنونِ العـــــــــشقِ مُنجَذِبُ
من الجنونِ مــــــــلأتُ الكأسَ أمنيةً ألا يفزِّعَ أطـــيـــــــــــــــاري غداً رهبُ
ومن (حبيبٍ) تجــلّى لي الوفاءُ ندى على شفــــــــــــــاهِ ورودٍ غالـها الشغبُ
قد أظمأ الخـــــــوفُ أمنا بين أعينِها حتى تســـــــــــاقطَ مِن أحـلامِهـا الهدبُ
فلتسقِ أجفانَها حــــــــــــــلماً تقرُّ به لو برهةً فقطــــــــــــــــــاةُ النبـعِ ترتقبُ
الليلُ يحمــــــــــــــــلُ أحزاناً مؤجَّلةً في وجنـــــةِ الصـــبحِ عـنها أنبأتْ نُدبُ
للعشقِ قصته فـــــــي (كربلاءَ) ففي مواقفٍ لأبي الفضـــــــلِ انتـشى العجبُ
(عباسُ) حطّمَ في الــماءِ الغرورَ فلم تردهُ إلا على استحيــــــــــــــائِها القربُ
حسامُه وطنٌ للنصـــــــــــــرِ ضيَّعه فالنصرُ بعدكَ يا عبـــــــــــــاسُ مُغتربُ
حيث الحسينُ له عينٌ عــلــــيه بكتْ واتبعَ النصرَ أخرى وهـــــــــو مُحتسبُ
لم تجرِ في شفتيهِ (الآن) مــعـــــولةً حتى رأى النصرَ من زنــــديهِ يَختضبُ
يممتُ شطركَ يا (عباس) بـــي ظمأ وقربةُ العــــــــــزِّ فـيها الـــريُّ والطلبُ
أحدو سؤالي عن الإيثــارِ مـــحتشداً في غرفةٍ قد رمــــــــــاها وهـــيَ تلتهبُ
ضجَّ الأنينُ بقلبِ المــاءِ وانفـــجعتْ لهولِ تفريطِـــــــــــها في ريِّهِ الـــسحبُ
هذا (أبو الفضل) من كانـتْ مــيامِنه جيشاً ويسراهُ فيها يــــــــــورقُ الـــعنبُ
كفاهُ أم ريشتا الرسامِ غـــــــــــادرتا في الطـــفِّ لوحةَ عــــشقٍ بوحُها عجبُ
للهِ درُّكَ من يومٍ قد انفطــــــــــــرتْ فيه السمـــــــــــاءُ وأورى زندَه الغضبُ
لونُ السماءِ تناسى فيه زرقــــــــــته ما يشرقُ الــصبـــــحُ إلا وهوَ مُختضبُ
يـــومٌ به هامةُ الإســــــلامِ قد فُـلقتْ واندقَّ حتى مــشـــــاشُ العظمِ والعصبُ
ويـــا أهلّة لمْ يبرحْ يــــــــــــــؤرِّقُنا منذُ الطفوفِ ومــيــــــــــضٌ منه مكتئبُ
ولا تـــزالُ سماءُ الطفِّ واجــــــمةٌ فثمَّ بدرٌ على بوغــــــــــــــــــــائِها تربُ
وقال من قصيدته (نبوءة جرح)
أكثِّفُ في مرآةِ وعيـــــــــــــــــــي رذاذهُ لينــــــــــزاحَ شَكٌّ في مرايايَ عربدا
رميـــــــــــــــتُ ببئرِ الغيبِ دلوَ تـساؤلي عن الـطفِّ لكن عادَ لي الدلوُ مُجهدا
وهل (كربلا) يُعصى على العقلِ فهمُها؟! لتفـتحَ لـــــي باباً مِنَ الوهمِ مُوصدا!
جَـــــــرَتْ (كربلا) في الرأسِ أولَ فكرةٍ بهــــــــا الـعقلُ حازَ الفهمَ فاللهَ وحّدا
هناكَ بــــــدت لي (كربلا) فوق ما روى لِـيَ (الوعـي واللاوعي) شكًّا ووكّدا
ركَضْتُ إليها في دمــــــــــــي ما ورثتُهُ مِـنَ العشـقِ حتى عن جدودي تفصَّدا
وجاوزتُ أُفقًا قد تسنَّـــــــــــــــــمَ ظَـهْرَهُ مِنَ الليل أعمى لا يرى النجمَ مُرْشدا
وأبحرتُ في التاريـــــــخِ والوعي قائدي أشقُّ بــــــــــهِ موجاً مِنَ الشكِّ مُزبدا
وفي برزخٍ ما بين حُلْمٍ وصَـــــــــــــحْوَةٍ وقفتُ عـلى جُرْفٍ مِنَ الحدسِ أرمدا
هناكَ بمرآةِ النُّهـــــــــــــــــــى شَعَّ بارقٌ أذابَ ضباباً مِنْ ظــــــــــــنونٍ وبدَّدا
وبعــــضُ الذي مازالَ يحمـــــــــــلُ ثِقْلَهُ أمـــــــــيناً عليه (الوعيُ) حتّى تأَوّدا
هــــنا (كربلا) تأبى وصـــــــــــايةَ دمعةٍ فنحبسُ عن عيــنٍ مِنَ الوعي مُسهدا
هنا (كربلا) للعقلِ مســـــــــــرى انعتاقه لحريةٍ تفــــــــــــــــضي به لو تجرَّدا
......................................................
1 ــ كتاب (دفتر الشجي) لناجي الحرز ص 37 ــ 40 وهو مختارات من مراثي 100 شاعر إحسائي للإمام الحسين (عليه السلام) من مطبوعات الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة 1438 هـ / 2007 م
2 ــ نفس المصدر
3 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 3 ص 229
اترك تعليق