العقل واثره في صيانة النهضة الحسينية وتكريس قابلية التكرار والمحاكاة

تتعرَّض هذه المقالة إلى العقل بوصفه مانعاً عن تحريف النهضة الحسينيّة، وكذلك بوصفه عاملاً وسبباً في إمكان محاكاتها، وتتوصل في قسمها الأول إلى أنّ العقل في مقام الثبوت وسيأتي توضيح معنى مقام الثبوت يلعب دوراً كبيراً في غربلة الحوادث التاريخيّة وتصفيتها، ومن جملتها واقعة كربلاء، فلو تأمّلنا في الاستنتاجات العقليّة الفاسدة التي تنشأ من بعض أخبار النهضة الحسينيّة لطرحنا تلك الأخبار بسهولة قبل أن نبحث في مقام الإثباتـ وسيأتي توضيح لهذا المعنى عن إسنادها، أو نفكّر في عقلنتها وتبريرها، وسننزه بذلك ثوب النهضة الحسينيّة المقدّسة عن كثير من التحريفات اللفظيّة والمعنويّة، التي  يمكن أن تُلصَق بها من دون وعي تارة، وعن قصد أُخرى.

وينتهي البحث في القسم الثاني من المقالة إلى أنّ الأخبار التي لا مشكلة فيها ثبوتاً على تقدير صحّة إسنادها يمكن أن توجّه في مقام الإثبات توجيهاً عقلائياً، وتكون صالحة تماماً للاستدلال بها؛ وبهذا يمكن الردّ على مَن يريد أن يفسِّر حركة الإمام الحسين (عليه السلام)على أنّها حركة محدودة وضيّقة، وهي مختصّة بشخص الإمام (عليه السلام)، أو بزمان ومكان محددين، في حين أنّ القسم الأخير من أبحاث هذه المقالة في صدد بيان مع ذكر الشواهد الكثيرة أنّه يفترض من أي قائد ديني أو ثوري يرفض الاستسلام أن يتّخذ نفس الطريقة التي سار عليها الإمام الحسين (عليه السلام).

 فجميع تحرُّكات الإمام الحسين (عليه السلام)من المدينة إلى كربلاء وحتى استقباله للشهادة كل ذلك كان له مبرِّر عقلائي، وطريقه هو الطريق الأفضل والممكن من بين الطرق الأُخرى.

وبهذا يتّضح أنّ حركة كربلاء لا تمثّل مهمة خاصّة غير قابلة للتكرار ولا تحمل رسالة للآخرين، بل الأمر على العكس تماماً، فهي نهضة تُعلّم الأُمم الأُخرى والقادة بوصفها قانوناً عامّاًـ كيفيّة القيام بالمهام المختلفة، التي تُلقى على عواتقهم في الظروف المختلفة، وتعلّمهم وجوب اتّخاذ الموقف العقلائي المناسب للمكان والزمان، وفي الوقت نفسه تحفظ حرمة الدين والشرف والعزّة.

هذه هي الرسالة الخالدة والأبدّية التي تبثّ الحياة في النهضة الحسينيّة، وتجعلها رسالة ترنّ في أسماع مَن ينادي بالحقّ والعدالة والحريّة، وفي كلّ زمان ومكان.

ومن هنا؛ فإننا نثبت في هذه المقالة أنّ النهضة الحسينيّة قابلة للتكرار والمحاكاة والمماثلة؛ أي لا بدّ أن نكون حُسينيين في كلّ زمان، وفي كل مناسبة تشبه عاشوراء، ولا بدّ من السير دائماً في طريق طلب الحقّ والعدالة، وكل القيم الأُخرى، مع الأخذ بنظر الاعتبار ظروف الزمان والمكان. إن البُنية التحتية لدراسة حركة كربلاء دراسة عقليّة للبحث تقوم على فرضين أساسيين:

الأول: إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان عالماً عاملاً بكل ما للكلمة من معنى، وكان بصدد تطبيق الأحكام الإسلاميّة.

الثاني: إنّ الإمام (عليه السلام) هو شخصيّة رسالية أبيّة، وفي الوقت نفسه شخصيّة منطقية وعقلانية، وهو بالرغم من رفضه الصلح كان بصدد اتّخاذ أفضل موقف متناسب مع الأوضاع الزمانيّة والمكانيّة المختلفة.  

وقبل الدخول في صلب البحث في هذه المقالة نتطرَّق إلى مطلبين مهمّين في هذا السياق لهما الأثر البالغ في إلقاء الضوء على جوانب البحث ـ لتتكشّف الصورة أكثر وتبدو أكثر وضوحاً:

المطلب الأول: الحديث عن أنواع الرؤى والنظريات في التعاطي مع التاريخ، وما هي المناهج الموجودة في دراسة التاريخ، والتعامل مع موادِّه.

المطلب الثاني: أثر ودور العقل في مقام الثبوت والإثبات في معالجة الحوادث التاريخية.

وعند الحديث في المطلب الأول، فإننا نقول: إنّ هناك عدّة رؤى ومناهج في دراسة التاريخ وكيفيّة التعامل مع موادِّه، ويمكن تقسيمها على ثلاثة أقسام[1]:

الأول: التاريخ النقلي

ويُطرح في التاريخ النقلي وقائع وأحداث الناس وأحوالهم في الزمن الماضي على شكل سردٍ توثيقي، مجرد من تحليل أو دراسة.

الثاني: التاريخ العقلي

وهو العلم بالقواعد والسنن الحاكمة على حياة الماضين التي تحصل عن طريق دراسة وتحليل الحوادث التاريخية السابقة والوقائع الماضية، ويكون المؤرِّخ بهذا المعنى في صدد الكشف عن طبيعة الحوادث التاريخية ورابطة السببية بينها؛ كي يصل إلى سلسلة قواعد وضوابط عامّة يمكن تعميمها على الحالات المشابهة في الماضي والحاضر.

وهكذا لا يكتفي التاريخ العقلي خلافاً للتاريخ النقلي بسرد الحوادث، بل يقوم بتعليل الوقائع، بمعنى أنّه يسعى في هذه النظرية لتفسير علل وقوع كل حادثة في مرحلتها الزمانية والمكانية  الخاصّة.

الثالث: فلسفة التاريخ

يطرح في فلسفة التاريخ العلم بتغييرات المجتمعات وتطوراتها من مرحلة إلى أُخرى، والقوانين الحاكمة على هذا التطوّر والتغيّر، فهو العلم بكيفيّة صيرورة المجتمع لا بكيفيّة وجوده، فليس المقوِّم لتاريخيّة مسائل فلسفة التاريخ هو ارتباطها بالماضي، بل هو العلم بقضية حدثت في الماضي، وهي مستمرة وستستمر إلى المستقبل.

وهذه المقالة تبحث حادثة كربلاء بلحاظ النوع الثاني من البحث التاريخي، أي إنّها تضع التاريخ العقلي التحليلي تحت البحث والتدقيق، ولم تتعرَّض إلى التاريخ النقلي بما هو سرد للواقعة، بل لو اعتمدنا أيضاً على وقائع ما، فهو من باب أنّها تعدّ المادّة الأوليّة للتاريخ العقلي ومقدمة للبحث. وقد استفدنا هنا من العقل بمعنيين: العقل بصفته الميزان في معرفة صحّة أو سقم الحوادث التاريخية المتعلقة بكربلاء، والعقل بمعنى الوسيلة التي تفي بتحليل وقائع هذه النهضة وتسعى إلى تعميمها[2].

أثر العقل في مقامي الثبوت والإثبات في تحليل الحوادث التاريخية

في البداية من الضـروري أن نذكر توضيحاً مختصـراً لاصطلاحي الثبوت والإثبات:

 مقام الثبوت: هو مقام الواقع؛ لأن لواقع كلّ شيء حدَّاً ودرجةً، وهو مقام الشيء في حدِّ نفسه، والبحث في مقام الثبوت هو البحث عن إمكان وجود الشيء، وأنّه هل يلزم من فرض وجود قضية أو حادثةٍ ما محذورٌ عقلي فاسد أو لا؟

وأمّا مقام الإثبات: فهو مقام الشيء بالنسبة إلينا في مقابل مقام الشيء في نفسه وهو يرتبط بمرحلة التحقق الخارجي، ويُبحث في مقام الإثبات حول وجود دليل عقلي أو نقلي يدل على الموضوع الذي افترضناه ممكناً في عالم الثبوت أو لا.

ولو درسنا الحوادث التاريخية على أساس مقاميّ الثبوت والإثبات، لوجدنا فيهما جهة اشتراك وجهة افتراق، أمّا جهة اشتراك مقامي الثبوت والإثبات، فهي: إنّ للعقل تاثيراً فيهما معاً. وأمّا جهة افتراقهما، فهي أنّ الحادثة التاريخية في عالم الثبوت تُعرَض على العقل.

وبعبارة أُخرى: إنّ العقل في مقام الثبوت هو المعيار والمُحكّم في الحوادث التاريخية، أي إنّ العقل هو الميزان في معرفة أنّ هذه الحادثة التاريخية مثلاً زواج القاسم في واقعة كربلاء ويوم عاشوراء هل هي ممكنة ثبوتاً أو لا؟ أي إنّ أصل قبول هذه الواقعة التاريخية وبقطع النظر عن إمكان إيجاد دليل لها من الناحية التاريخيّة ـ هل يلزم منه محاذير فاسدة أو لا؟

وأمّا إذا بُحثت قضية زواج القاسم من ناحية مقام الإثبات، فأحد جهات تلك القضية هو البحث في الأدلّة النقليّة ودراستها، فالعقل باعتباره الوسيلة بصدد استنتاج أنّه لو فرضنا أنّ تلك القضية لا تستتبع محاذير فاسدة على مستوى الثبوت، وفرضنا أنّ أدلّتها صحيحة أيضاً، فلماذا؟ ولأي سبب تقع هذه القضية في ذلك الزمان والمكان؟ وهل كان هذا العمل منطقياً ومعقولاً أو لا؟

العقل في مقام الثبوت مانع من تحريف النهضة الحسينية

من جملة ما تتبنَّاه الشيعة: إنّ قول المعصوم وفعله وتقريره حجّة، ومن هذه الجهة يكون التحريف في الدين عموماً، وفي شخصية وحياة الأئمة خصوصاً خطيراً ومدمِّراً جدَّاً؛ ومن هنا فمنع التحريف اللفظي أو المعنوي هو الهدف لكلّ ذي لبّ، ومن جملة طرق الوقوف بوجه التحريف هو التمسّك بالعقل في مقام الثبوت الذي وقع البحث حوله بشأن النهضة الحسينيّة في هذه المقالة. أمّا كيف يصير العقل في مقام الثبوت مانعاً عن تحريف الحوادث التاريخية؟

فنقول في صدد الجواب عن ذلك: إنّه يُطرح تساؤل في مقام الثبوت وقبل أن نلتمس الأدلّة العقليّة أو النقليّة للحادثة التاريخيّة، ولا بدّ أن يُجاب عن ذلك التساؤل بالإيجاب؛ كي ينفتح البحث عن التاريخ النقلي وتعليل الحوادث وذلك التساؤل الأساسي هو: هل يلزم من نقل حادثة ما محذور عقلي فاسد أو لا؟ مثلاً ما يذكر عادَّة: إنّه لمّا عزم علي الأكبر في يوم عاشوراء على القتال، نذرت أُمّه: لئن أرجع الله تعالى عليّاً الأكبر سالماً ولم يقتل في كربلاء لأزرعن طريق الطف ريحاناً، أي أنّها نذرت أن تزرع ثلاثمائة فرسخ 1800 كيلو متر ريحاناً[3]، هل يمكن أنّ يتصور الإنسانُ الذي يتمتّع بعقل وفكر متعارف وعادي هذه الحادثة؟ وبقطع النظر عن البحث في مقام الإثبات عن حضور ليلى أُمّ عليّ الأكبر، وهل أنّه أمر واقعي أم لا؟

فلو كان هذا الخبر مقبولاً، وكان تصديقه ونسبته إلى الإنسان العاقل والسليم يستلزم محذوراً عقلياً فاسداً؛ إذن فلا حاجة إلى أن نبحث أدلّة ذلك الخبر العقليّة والنقليّة، وهل أنّ هذا الخبر مقبول أو لا؟ بل لا قيمة لهذا الخبر وإن كان مرويّاً في بعض الكتب، بل في مئات الكتب، وإنّما يطرح مثل هذا الخبر قبل النظر في أدلّته.

ولهذه النظرية تطبيقات مفيدة في جميع الحوادث التاريخية، ويمكن غربلة وتصفية كثير من الأقوال التاريخيّة بسهولة عن طريق ميزان العقل؛ ومن هنا فالبحث من هذه الناحية ليس بحثاً جديداً [4]، وقد اكتفينا باستعراض شواهد قليلة، وأوكلنا عمدة البحث إلى القسم الآخر الذي لم يُتعرَّض إليه في المؤلفات أبداً.

ومن جملة الحوادث المتعلّقة بحركة كربلاء والتي هي غير ممكنة ثبوتاً، وفي عداد المحرَّفات، هي ما ورد في كتاب أسرار الشهادة من أنّ عدد جيش عمر بن سعد في كربلاء مليون وستمائة... وقد قتل الإمام الحسين (عليه السلام)لوحده في يوم عاشوراء ثلاثمائة ألف رجل. فلو فرضنا أنّ السيف يقتل في كل ثانية رجلاً، فقتل ثلاثمائة ألف رجل يحتاج إلى ثلاثة وثمانين ساعة وعشرين دقيقة[5].

 فمثل هذه الأخبار وإن كانت تُروى في كتب متعددة ومن مؤرخين كثيرين، بل ومشهورين، إلاّ أنّها مطروحة ثبوتاً من دون حاجة إلى ملاحظة سند تلك الحادثة، وتجشُّمِ العناء والتكلُّف في عقلنتها وتوجيهها إثباتاً. وإذا استفدنا من الموازنة العقليّة سيتمّ تنزيه ثوب النهضة الحسينيّة المقدسة من مثل هذه التحريفات؛ لأنّ فيها محاذير عقليّة واضحة.

ومن أمثلة هذه التحريفات ما يذكر من قصّةٍ في مسألة حبِّ أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (عليه السلام)، فإنّه لمّا كان الإمام عليّ (عليه السلام)على المنبر، كان الحسين أسفل المنبر، فطلب الماء؛ فبادر العباس ليسقيه الماء...

قال الشيخ النوري في مناقشة هذا الحديث الموضوع:  إنّ مَن يقول بأنّ الإمام علياً (عليه السلام)كان يخطب على المنبر، لا بدّ أن يعلم أنّ الإمام علياً (عليه السلام)لم يخطب على المنبر إلاّ في مدّة خلافته، فلا بدّ أن تكون تلك الحادثة في الكوفة، وفي هذا الوقت كان عمر الحسين ثلاثاً وثلاثين سنة، فكيف يكون هذا الكلام معقولاً؟ [6] ومَن ينسيه العطش الالتفات إلى سنه وعمره والمكان الجالس فيه، كيف يصلح أن يكون قدوة لأفراد المجتمع أو يكون قوله وفعله وتقريره حجّة؟. ومن هنا؛ فمثل هذا الخبر قبل أن نعرف أنّه ورد في أيّ مصدر، وما هو مقدار اعتباره من حيث صحّة السند وعدمها، لا يكون ممكناً ثبوتاً بملاك العقل بسبب ما يترتّب عليه من المحاذير الكثيرة غير المعقولة والفاسدة؛ ولذلك فلا حاجة إلى المبالغة في إتعاب النفس للتعرُّف على أنّه هل الراوي صادق أو كاذب؟ وهل أنّ سلسلة السند صحيحة أو لا؟ وهل أنّ الخبر صحيح أو موثّق أو.. وحينئذٍ سنطرح هذا الخبر بسهولة ومن دون الالتفات إلى دلالته ومضمونه. والنتيجة: هي أنّه يمكن أن يستفاد من العقل في مقام الثبوت لتحقيق الأُمور التاريخية فوائد جيدة، فإنّ ذلك سيكفي المحققين مؤنة البحث الإثباتي العقلي أو النقلي في المسائل التاريخية. إذن؛ فمع الاستفادة من العقل يمكن المنع ثبوتاً من وجود التحريفات الكثيرة اللفظيّة والمعنويّة في جميع الحوادث التاريخية، ومن جملتها واقعة كربلاء.

العقل في مقام الإثبات العامل الرئيس لتكرار النهضة الحسينية

من جملة الأسئلة المهمة بشأن حركة كربلاء والتي يمكن أن تثير الانتباه والتأمّل هي: هل أنّ حادثة كربلاء خاصّةٌ ولا تتكرر، أو أنّها قابلة للاقتداء بها وتكرارها، فهي عامّة؟ فإن أُجيب عن الشقّ الأول من السؤال بالإيجاب، وإنّها حادثة مختصّة بشخص معين؛ فلا معنى للكلام حول عاشوراءات أُخرى، ولا يمكن أن نستنتج من هذه الواقعة التاريخية قانوناً.

 وأمّا لو أُجيب بالنفي، وأنّ واقعة كربلاء كانت تُدار على يد قائد دينيّ، وثوريّ كما هو مدّعى المقالة وكان اتّخاذ القرارات معقولاً ومناسباً إلى حدّ كبير، بحيث لو واجه ذلك أيَّ قائد ثوريّ لاتّخذ تلك القرارات نفسها، ولاتّخذ هذا المنهج نفسه؛ وعليه يمكن الوصول إلى قواعد وقوانين، وسنن تكون بها النهضة الحسينيّة، والدفاع عنها إلى آخر نفس، أمراً موضوعيّاً في أوضاع كربلاء وزمان الإمام الحسين (عليه السلام). ويظنّ بعض الناس أنّ كربلاء حادثة خاصّة، مرتبطة بأشخاص معينين، وليس لها أيّ عموميّة، والدليل على هذا تحريفان معنويان أساسيان:

الأول: إنّ الحسين إنّما خرج ليُقتل ويكون دمه كفارة لذنوب شيعته.

الثاني: >إنّ الإمام الحسين كان يعتبر هذه الواقعة والشهادة تكليفاً إلهياً مختصّاً به، ولا ربط له بنا، فهو ليس قابلاً للاتّباع[7] .

نهضة  كربلاء لا تقف عند زمن الإمام الحسين (عليه السلام)

إننا في خصوص هذا القسم من البحث في صدد الوصول إلى نتيجة، وهي أنّ نهضة كربلاء لم تكن خاصّة تتعلّق بزمن الإمام الحسين (عليه السلام) فحسب، بل هي عامّة يمكن محاكاتها؛ ولأجل تحليل هذه القضية نستعين مرّة أُخرى بالعقل في مقام الإثبات، وسنتعرَّض في هذا القسم من البحث إلى الأسباب التي أدّت إلى حدوث واقعة كربلاء والنهضة الحسينيّة، والمواقف التي اتّخذها أبو عبد الله الحسين (عليه السلام)، ولكن بعد الإذعان بأنّ بعض وقائع كربلاء ممكنة ثبوتاً، ولا مشكلة فيها من حيث السند إثباتاً[8]، ويمكن أن تكون نتيجة هذا القسم من البحث هي أنّ واقعة كربلاء من المعقوليّة بمكان، بحيث لو واجهها أيُّ قائد ثوري لاتّخذ نفس ذلك الموقف الذي اتّخذه الإمام الحسين (عليه السلام)؛ ومن هنا فإنّ هذه الثورة عقلائية تماماً وعامّة[9].

ولأجل إثبات أنّ النهضة الحسينيّة من المدينة إلى كربلاء نهضة عامّة قابلة للتكرار سنختار ثمانية مواقف رعاية للاختصار اتّخذها الإمام الحسين (عليه السلام)، ودراسة أسبابها:

 لماذا كانت النهضة الحسينية في زمان حكم يزيد؟  كيفيّة حضور الإمام (عليه السلام)وكلامه في مجلس الوليد بن عتبة.  لماذا الهجرة إلى مكة؟ لماذا الخروج من مكة؟ لماذا التوجّه نحو الكوفة؟  لماذا الاستمرار في المسير بعد سماع خبر شهادة مسلم؟  لماذا كربلاء؟ لماذا الشهادة؟ لماذا كانت النهضة في زمان حكم يزيد؟

 هنا يمكن طرح عدّة تساؤلات، وهي: لماذا بعد أن استلم يزيد السلطة أظهر الإمام الحسين (عليه السلام)موقفه تجاه ذلك؟ ولماذا عزم على الهجرة؟ فهل كان من المحتمل أن يوجد حلّ آخر غير هذه الطريقة؟ قد جاء في المصادر التاريخيّة، أنّه بعد موت معاوية، وتسلُّم يزيد للسلطة أرسل يزيد كتاباً إلى الوليد بن عتبة والي المدينة جاء فيه: >أمّا بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً، ليس فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام[10]. وجاء في المصادر الأُخرى فيما يرتبط بهذا الكتاب: >إذا أتاك كتابي هذا، فاحضر الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، فخذهما بالبيعة لي، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما[11].

ومن جانب آخر، قد وردت رواية أُخرى فيما يتعلّق بعدم قبول الإمام للبيعة، وهي أنّه بعد أن دُعي الإمام إلى مجلس الوليد بن عتبة، سأل عبد الله بن الزبير الإمام الحسين، فقال: فما تجيب إن دُعيت إلى بيعة يزيد يا أبا عبد الله؟ فأجاب الإمام (عليه السلام): >كيف أبايع ليزيد، ويزيد يشرب الخمر ويلهو، ويقضي يومه بملاعبة الكلاب والفهود وليله باللهو واللعب[12].

 ومع الالتفات إلى الوثائق المذكورة، فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام)قد أظهر موقفه تجاه يزيد لدليلين على الأقل:

الأول: طريقة يزيد في التعامل مع القضية، وهي إمّا البيعة أو قطع الأعناق، فماذا سيكون موقف كلّ إنسان ثوري أمام هذا القهر والتهديد؟ واللطيف أن الإمام الحسين (عليه السلام)قد عاش في حكومة معاوية ما يقرب من عشر سنوات بعد شهادة الإمام الحسن (عليه السلام)، ولكن مع ذلك لِمَ لم يتّخذ موقفاً من هذا القبيل؟

الجواب: إنّ معاوية لم يُبدِ أيّة معاملة شديدة مع الإمام الحسين (عليه السلام)، فحتى عندما أرسل له الإمام الحسين (عليه السلام) كتاباً شديد اللهجة، لم يظهر معاوية موقفاً متشدداً، على الرغم من أنّ الآخرين كانوا يحثّون معاوية على اتّخاذ الموقف الشديد، ولكن مع ذلك>كان يبعث إليه في كل عام ألف ألف درهم من بيت المال، ويرسل إليه ما عدا هذا المبلغ السلع والجوائز الكثيرة[13].

الثاني: إنّ السبب في رفض الإمام البيعةَ هو علمه بمفاسدها الواضحة، فإنّ السمعة السيئة ليزيد كانت بدرجة من الوضوح، بحيث يعترف بها حتى مثل ابن خلدون الذي يعتقد بأن أصل حركة الحسين (عليه السلام)غير معقولة حيث يقول:  يزيد متجاهر بالفسق[14]، وليس الحسين (عليه السلام) مثل أي شخص من المسلمين فحسب، بل هو متصدٍ لزعامة المسلمين، وهو سليل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقبوله لبيعة يزيد يعني إعطاء الشرعيّة لأعمال الحكّام المفسدين وسلطتهم.

ولهذه الأدلّة يبدو أنّ كل قائد ثوري لو عاش في ظرف الإمام الحسين((عليه السلام) لكان ينبغي له أن يظهر نفس المواقف التي صدرت من الإمام(عليه السلام)؛ أي إنّه يأبى ويرفض بيعة يزيد، وسيطرح بشكل وآخر اعتراضه ولا يرضى بمشروعيّة حكومته.

كيفيّة حضور الإمام (عليه السلام) في مجلس الوليد بن عتبة وكلامه معه

بعد أن دُعي الإمام الحسين(عليه السلام) إلى قصـر الإمارة من قِبَل الوليد بن عتبة والي المدينة أخذ الإمام يعمل بدقّة وحنكة توجب غضب الأعداء، وذلك:

أولاً: روي عن أبي مخنف أنّ الإمام قبل أن يذهب إلى مجلس الوليد: قام فجمع إليه مواليه وأهل بيته.. وقال لأصحابه: إنّي داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا؛ فاقتحموا عليَّ بأجمعكم، وإلاّ فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم[15][16].

ثانياً: لمّا قرأ الوليد كتاب يزيد بشأن البيعة، قال الإمام (عليه السلام) بعد أن استرجع: أمّا ما سألتني من البيعة فإنّ مثلي لا يعطي بيعته سراً، ولا أراك تجتزئ بها مني سراً دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانيةً. قال: أجل. قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً[17]. وأمّا بشأن موقف الإمام الحسين (عليه السلام) وكلامه، فإنّه بالرغم من أن الوليد بن عتبة كان مكلفاً بأخذ البيعة من الإمام أو اتّخاذ الموقف الصارم والشديد تجاهه، قد أُبهت الوليد بموقفين مدروسين:

الأول: كلام الإمام (عليه السلام)المنطقي والمعقول؛ فقد طرح عليه اقتراحاً جعل الوليد يقع في مشكلة ويتأثّر؛ فيعطي الإمام الفرصةَ لأن يبايع مع الناس.

الثاني: لمّا بالغ مروان بن الحكم، وحثّ الوليد على اتّخاذ موقف صارم، رفع الإمام الحسين (عليه السلام) صوته واتّخذ القرار الحاسم، وبذلك أظهر شجاعته وبطولته، وفي نفس الوقت أظهر عملاً عقلائياً ومنطقياً، فإنّه قد أخرج قومه من مخبئهم وأخذوا الإمام الحسين معهم.

وهذه الملاحظة تنسجم تماماً مع مَن يدّعي أنّ النهضة الحسينيّة بكلّ جزئياتها، حادثة معقولة، ويمكن أن يُدافع عنها بشكل عقلائي؛ وبالتالي فيها قابليّة الشموليّة والعموميّة والتكرار.

لماذا الهجرة الى مكة؟

إذا كان الخيار الوحيد للإمام الحسين (عليه السلام)، هو عدم قبول البيعة واتّخاذ الموقف حيال ذلك، وكان من اللازم أن يترك المدينة، فلماذا اختار مكة؟ وللجواب عن هذا السؤال نطرح عدّة ملاحظات:

الاولى: اختيار مكة نتيجة الاستشارة

لمّا تبيَّن أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد عزم على ترك المدينة، فإنّ من جملة الأشخاص الذين تشرفوا بلقائه وأحسّوا بالعواقب الخطيرة المترتّبة على هذا السفر وتنبؤوا بها هو محمد بن الحنفية أخو الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعد أنّ طرح الأمر عليه سأل الإمام الحسين (عليه السلام) أخاه محمداً: فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكة... فقال (عليه السلام): يا أخي قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً وموفّقاً، وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيّأت لذلك[18].

الثانية: مكة الحرم الالهي الامن

حيث إنّ الإمام مهدّد بالقتل فيما لو لم يبايع، فكانت مكة هي المكان المناسب للهجرة، فإنّ أرض الحجاز هي حرم الله الآمن عند المسلمين، والناس فيها آمنون كما جاء في سورة آل عمران: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}[19].

الثالثة: مكة هي عاصمة الاسلام المركزية

أولاً: إنّ مكة مكان مناسب للاطّلاع على أفكار المسلمين؛ فإنّ هذا المكان المقدّس محل اجتماع المسلمين.

وثانياً: إنّ مكة هي المكان العالمي المناسب لإعلان المواقف والتبليغ[20]؛ ومن هنا نجد أنّه بعد أن جاء الإمام (عليه السلام) إلى مكة وأقبل أهلها يختلفون إليه ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق[21].

إذن؛ فيمكننا أن نجيب مَن يسأل عن السبب في اختياره مكة، بأنّه إن كانت مكة هي الحرم الإلهي الآمن، وهي أفضل ملاذ للمطلوبين والمراقبين، وهي المكان المناسب للإنسان المصلح الذي يريد أن يكون على علم بما يجري في العالم الإسلامي، ويوصل صوته إليهم، فالهجرة من المدينة إليها أمر منطقي؛ وهذا هو السبب الذي دفع البعض بأن يوصي الإمام (عليه السلام) أيضاً بالذهاب إلى ذلك المكان.

وهذا ما ندّعيه في هذا القسم من المقالة، وهو أنّ النهضة الحسينيّة في مقام الإثبات نهضة منطقية، وبالإمكان الدفاع عنها عقلائياً، وهي مؤهلة لأن يستفاد منها قاعدة كلية وضابطة عامّة.

ماذا الخروج من مكة في الثامن من ذي الحجة؟

إنّ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) بسرعة من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية وتركه الحجّ وعدم إكماله له يثير التساؤل، ويمكن توجيه الإجابة عن هذا السؤال بعدّة توجيهات:

الف - خرج ابتعادا عن الاعداء وحفاظا للنفس

لمّا سأله أبو هرّة الأسدي الكوفي في موضع الثعلبية: ما الذي أخرجك من حرم جدِّك محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال (عليه السلام): " يا أبا هرّة، إنّ بني أُمية أخذوا مالي وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت"[22]. ولمّا رآه الفرزدق وسأله عن سبب الخروج من مكة بهذه السرعة بقوله: ما أعجلك عن الحجّ؟ فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام): "لو لم أعجل لأُخذت"[23]. ولهذا السبب نجد أنّ خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة كان متزامناً مع يوم دخول عمرو بن سعيد بن العاص بجيشه الجرّار إلى مكة، هذا والحسين كان قد أحرم للحجّ، فأحلّ إحرامه وجعلها عمرة مفردة[24]، وكان هؤلاء يقومون بعملهم بجديّة، إلى حدّ أنّهم قد قطعوا الطريق عليه حتى بعد خروجه من مكة، وكاد الأمر أن يصل إلى القتال[25].

ب- الحفاظ على حرمة مكة

أشرنا في البحث المتقدّم إلى أنّ مكة تُعرف بين المسلمين بـالحرم الإلهي الآمن إلاّ أنّ يزيد وأعوانه الذين لا يعتقدون بالقيم الإلهية أرادوا أن يستغلّوا هذه الفرصة؛ حيث إن الناس في حالة طواف ولا سلاح معهم، وليس لديهم الاستعداد للدفاع عن أنفسهم؛ فيريقوا دم الإمام في حرم الله الآمن، وفي هذه الحالة سيكونون قد تخلصوا من أشد أعدائهم، ثمّ إنّه لا يُعرف بعد ذلك مَن الذي فعل هذا الفعل، والأهم من ذلك هتك حرمة مكة، وسيكون قتل الإمام واستشهاده في الكعبة أمراً عادياً.

وعندما قال له عبد الله بن الزبير: إن شئت أقمت فوليت هذا الأمر آزرناك وساعدناك ونصحناك وبايعناك. أجابه الإمام (عليه السلام): "إنّ أبي حدَّثني أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش، ثم قال (عليه السلام): "والله، لئن أُقتل خارجاً منها أحب إليَّ من أن أُقتل داخلاً منها بشبر"[26].

والنتيجة: إنّ الإمام بعمله هذا قد أخّر الشهادة ورفع هتك حرمة مكة، وكان هذا هو الطريق الوحيد والمنطقي لحفظ النفس وحفظ حرمة بيت الله الحرام.

لماذا التوجه نحو الكوفة؟

كانت نتيجة البحث السابق هي أنّه كان من المنطقي أن يترك الإمام الحسين (عليه السلام) مكة، إلاّ أنّ السؤال هنا هو: إن كان الخروج من مكة ضرورياً، فلماذا التوجّه نحو الكوفة؟ ويمكن أن يكون الجواب عن هذا السؤال هو: أنّ أهل الكوفة دعَوه إليهم؛ وذلك طبقاً للروايات والوثائق التاريخية.

فإنّه بعد أن دخل الإمام (عليه السلام)إلى مكة وصلت إليه كتب كثيرة من أهل الكوفة، ولكنّه سكت، ولم يجب عن كتب أشراف أهل الكوفة، حتى روي أنّه وصل إلى الإمام (عليه السلام) في يوم واحد، ستمائة كتاب، وبلغت اثني عشر ألف كتاب، إلاّ أنّه لم يجب عنها، ولمّا وصل الكتاب الأخير من أهل الكوفة بيد هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي الذي جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم: للحسين بن علي من شيعته المؤمنين، أمّا بعد، فحَيَهل، فإنّ الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل، ثمّ العجل يا بن رسول الله"[27].

فهل يمكن أن يكون الجواب عن هذه الكتب والرسل بالنفي أو اللامبالاة؟ فلو لم يجب الإمام (عليه السلام) عن هذا العدد الكبير من الكتب التي يطلبون فيها منه نصرتهم وهدايتهم، فماذا سيحكم التاريخ اليوم بشأن الإمام الحسين (عليه السلام)؛ ولذلك تُعدّ إجابتهم هي الطريق المنطقي الوحيد. إلاّ أنّ الإمام الحسين لم يكن ليعتمد على كتبهم ويتحرك نحو الكوفة من دون تحقيق وتفحص، بل أراد أن يختبرهم ويرى مدى صدقهم بإرسال رسول إليهم؛ ولذا لمّا اختار الإمام الحسين (عليه السلام) مسلمَ بن عقيل للقيام بهذه المهمة، كتب إليهم جواباً عن كتبهم: "وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم"[28].

ثمّ إنّ مسلم بن عقيل بعد أن ذهب إلى الكوفة وانتقل إلى دار هاني كتب كتاباً إلى الحسين (عليه السلام)يدعوه فيه للمجيء إلى الكوفة، قال: "فإنّ الناس كلهم معك، وليس لهم في آل معاوية رأي ولا هدى"[29]، وقد وصل هذا الكتاب إلى الإمام (عليه السلام)بعد أن خرج من مكة[30].

ومن هنا؛ فأفضل مكان يقصده الإمام(عليه السلام) هو ذلك المكان الذي يكون فيه سفيره قد هيّأ فيه الأرضيّة المناسبة، وأخذ من الناس البيعة له، فالإمام إذن ليس له خيار إلاّ ترك مكة، والخيار المنطقي الوحيد هو السير نحو الكوفة فحسب؛ ومن هنا نجد أنّ الإمام (عليه السلام) قد أجاب ابن عباس بالنفي الذي كان يعتقد بخطورة الذهاب إلى الكوفة[31].

لماذا الاستمرار في المسير بعد سماع خبر استشهاد مسلم؟

إنّ السؤال الذي تكون الإجابة عنه أصعب من الإجابة عن الأسئلة السابقة هو أنّه لماذا لمّا أُخبر الإمام الحسين (عليه السلام) وهو في الثعلبية بشهادة مسلم وهاني، لم يتراجع عن التحرك نحو الكوفة، بل استمر في السير؟ وللجواب عن هذا السؤال لا بدّ من ملاحظة النقاط التالية:

الاستعداد القلبي لأهل الكوفة

 لعل أهم جواب عن هذا السؤال هو أنّ الإمام (عليه السلام) وإن سمع بنقض أهل الكوفة للعهد، ولكنه لم ييأس منهم، وكان يتصور أنّه لو وصل إليهم يستطيع أن يقودهم ضد بني أمية؛ لأن قلوب أهل الكوفة معه (عليه السلام) وضد بني أمية، وإن كانوا قد شهروا سيوفهم ضد الإمام (عليه السلام)، وهذه القضية قد أكّدها بعضهم، والشاهد على هذا أنّ الإمام (عليه السلام)لما نزل الصفاح المنزل الثاني بعد مكة التقى بالفرزدق الشاعر المعروف ـ وسأله عن أوضاع الكوفة، فأجاب الفرزدق: "من الخبير سألت: قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية..."[32].

وهذا الكلام نفسه سمعه في موضع عذيب الهجانات الموضع الثاني عشر بعد مكة حيث إنّه بعد ما التقى الإمام الحسين بجيش الحرّ، ولحق أربعة نفر من أهل الكوفة بجيش الحسين سألهم الإمام عن أوضاع الكوفة، فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه: " أمّا أشراف الناس، فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستميل ودّهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلبٌ واحد عليك، وأمّا سائر الناس بعد، فإنّ أفئدتهم تهوى إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك"[33].

هذا هو استعداد أهل العراق القلبي، ومحبتهم للإمام (عليه السلام)، حتى أنّه احتجّ عليهم عندما التقى بجيش الحرّ وفي يوم عاشوراء، فكان يقول لهم: "أيّها الناس، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبُكم وقدِمتْ عليّ رسلُكم: أن اقْدِم علينا؛ فإنّه ليس لنا إمام، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ، فإن كنتم على ذلك، فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم"[34].

فرغم هذه الخطابات التي قيلت للإمام (عليه السلام)، ورغم أنّه قد أُخبر بمقتل مسلم بن عقيل وهاني، ومع علمه بأوضاع الكوفة، إلاّ أنّه لم ييأس منهم، ويرى أنّهم على مفترق طريقين، وأنّهم إلى الآن يمكنهم أن يختاروا الإمام الحسين (عليه السلام)، ويمكنهم أنّ يحققوا الهدف الذي كان ينشده الإمام، والذي كانوا هم يبحثون عنه أيضاً.

الأمر الواقع يفرض نفسه

من الواضح أنّ يزيد لم يجعل للإمام (عليه السلام)في المدينة خياراً غير البيعة أو القتل، مع أنّ الإمام لم يفعل شيئاً حتى الآن، ومَن دبّر المؤامرة لقتله في مكة كان عالماً بأوضاعه (عليه السلام)، وكان يراقبه بعنوان أنّه العدو من الدرجة الأُولى؛ كي يجتثّه عن طريقه، وخصوصاً بعد أن تحرّك الإمام (عليه السلام) من مكة، وأرسل رسوله وسفيره مسلم بن عقيل إلى الكوفة؛ الأمر الذي أدّى تلقائياً إلى أن يواجهوا الإمام (عليه السلام)بما هو منتفض ومتمرِّد كما يدَّعي أعداؤه فوجدوا ذريعة لقتل الإمام (عليه السلام)، ولا سيما بعد حركته من مكة، فإنّه قد تقدّم خطوة في طريق النهضة، واستمرّ في السير على هذا الطريق؛ لأنّه يعلم أنّ الدولة تبحث عنه، وهدفها قتله وقتل أصحابه، كما ذكر الشيخ التستري في الخصائص: "إنّهم جدّوا في إلقاء القبض عليه، أو قتله غيلة ولو وجدوه متعلقاً بأستار الكعبة"[35].

إنّ التوجيه العقلائي لاستمرار الإمام الحسين (عليه السلام) في النهضة بعد أن سمع شهادة صاحبه هو الدخول في طريق لا رجعة فيه، أي إنّه لم يكن الأمر بنحوٍ لو ترك الاستمرار في التحرُّك، وذهب إلى مكان آخر كان في مأمن من الحكومة الظالمة؛ ومن هنا اكتفى الإمام (عليه السلام)بالاعتماد على الاستعداد القلبي لأهل الكوفة ظاهراً، واستمرّ في تحركه[36].

لماذا  النزول في كربلاء؟

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا البحث هو: هل أنّ لنزول الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء توجيهاً عقلائياً؟

والجواب عن هذا: إنّه بعد أن التقى الإمام الحسين (عليه السلام) بجيش الحرّ في منطقة شراف، وكانت مهمة الحرّ هي منع الإمام الحسين (عليه السلام) من التوجه نحو الكوفة، وكان الإمام (عليه السلام) قد صمم على الاستمرار في المسير نحو الكوفة، ولكنّهم قد التجأوا وباقتراح من الحرّ إلى الاتّفاق على اختيار طريق وسط لا يؤدي إلى الكوفة ولا يرجعه إلى المدينة، واتّفقوا على أن يتياسر الحسين (عليه السلام) في السير نحو طريق القادسية وعذيب الهاجنات، إلى أن يكتب الحرّ إلى ابن زياد في أمره ...[37].

وبعد مدّة جاء الرسول من الكوفة فدفع كتاباً للحرّ جاء فيه: "أمّا بعد، فجعجعْ بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلاّ بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام"[38].

فأنزل الحرُّ الإمام (عليه السلام) بأمر من ابن زياد في منطقة، تَبيَّن لهم بعد السؤال عن اسمها أنّهم بالقرب من قرية نينوى التي هي بالقرب من منطقة كربلاء[39]؛ ومن هنا فدخول الإمام (عليه السلام) إلى كربلاء فيه جنبة إجبارية ـ حسب الظاهر  ولا بدّ له أن يتوقف في هذه المنطقة [40].

لماذا الشهادة؟

السؤال الأخير في هذا القسم من المقالة هو: إذا كان لتحرِّك الإمام توجيه عقلائي، فإلقاء أشخاص قليلين في الموت والتهلكة في قبال ذلك الجيش الكبير، كيف يمكن أن يكون عقلائياً؟

والجواب هو:

استجابة الإمام الحسين (عليه السلام) لطلب أهل الكوفة

إنّ الإمام قد ذكر مراراً في الأيام الأخيرة أنّه إنّما جاء إلى هذه المصر لأجل كتُبِ أهل الكوفة، وإذا هم عدلوا عن رأيهم وما جاءت به كتبهم؛ رجع من حيث أتى، والشاهد على ذلك: إنّه لمّا جاء قرة بن قيس الحنظلي إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وأوصل رسالة عمر بن سعد للإمام (عليه السلام)، قال الإمام (عليه السلام) له: "كتَبَ إليّ أهلُ مصـركم هذا أن اقْدِم، فأما إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم"[41].

وقد ذكّرهم الإمام الحسين (عليه السلام) مرّة أُخرى في يوم عاشوراء، فقال: "أيّها الناس، إن كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض"[42].

فهذه الأُمور تدلّ على أنّ الإمام (عليه السلام)لم يكن ليضع نفسه أمام سيوف الأعداء من دون تقييم الأمور وموازنتها، وكان يحتجّ عليهم إلى آخر لحظة بعهودهم وكتبهم، وكان يتحيّن الطرق لحلّ المشكلة، كما كان أيضاً يُحرِّك عواطفهم ومشاعرهم كأن يذكّرهم بنسبه من رسول الله[43]؛ لعلهم ينضمّون إليه.

حصار العدو  للإمام الحسين (عليه السلام) والتشديد عليه

ضيّق حاكم الكوفة على الإمام (عليه السلام) إلى درجة لم يكن للإمام (عليه السلام) إلاّ خياران: إمّا البيعة، أو القتل، والشاهد على هذا أنّه قد ورد فيما يتعلّق بالمكاتبة التي وقعت بين عمر بن سعد الذي كان يحب أن لا تنتهي القضية إلى الدماء وبين ابن زياد، أنّ عمر كتب كتاباً كذب فيه وهو: إنّ الإمام قد عرض عليهم أنّه يذهب إلى يزيد ويضع يده بيده ولكن كان جواب ابن زياد بتحريض من الشمرـ  : "أمّا بعد، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً، انظر، فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم؛ فإنّهم لذلك مستحقون، فإن قُتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره؛ فإنّه عاقّ مشاقّ قاطع ظلوم... وإن أبيت، فاعتزل عملنا وجندنا، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسلام"[44].

فكتاب ابن زياد هذا كان من الشدّة إلى حدّ بحيث كان يهدد حتى قائد الجيش بالعزل من منصبه، فيما إذا قصّر في أوامر ابن زياد، والذي يشهد بذلك الإجراءات الشديدة التي اتّخذوها بشأن الإمام الحسين (عليه السلام) من حبس الماء عليه وعلى أصحابه[45]، ومجيء الجيش الجرّار والإصرار الكبير على البيعة ليزيد.

اباء الذل والعار:

بعد أنّ طُرحت حلول للمصالحة والمسالمة؛ رأى الإمام الحسين (عليه السلام) أخيراً أنّ العدو يريد له الذلّ والهوان، فبناءً على ما ندّعيه من ثورية الإمام (عليه السلام) وإبائه الضيم، حان الوقت الآن وفي يوم عاشوراء أن يعلن الإمام (عليه السلام) عن موقفه، فنادى: "ألا وإنّ الدّعي وابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، هيهات منّا الذلّة"[46]، ثم قال: "ألا قد أعذرت وأنذرت، ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلّة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر[47].

فإذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) قد سلّم نفسه وأصحابه للشهادة، فإنّما فعل ذلك بعد أن أظهر التجاوب والحلم الكثير معهم، واستخدم جميع الطرق التي تحول دون تحقق تلك الواقعة من إلقاء الحجج، وتأنيب الضمائر وما شاكل ذلك، ولكنّ العدو قد أظهر القسوة والشدّة والإلحاح والإصرار، ولم يقنعوا إلا باستسلام الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه؛ حينئذٍ لم يكن الإمام (عليه السلام) ليقبل العار والذلّة، وكان مستعداً لأن يبذل نفسه في سبيل أهدافه المقدّسة بوصفه الزعيم الديني والقائد الثوري الأبيّ؛ كي يسقي بدمه الطاهر براعم الحقّ والعدالة، وإذا لم تكن تثمر في ذلك الوقت، فلا أقل تبقى إلى أن يأتي الوقت المناسب لإثمارها.

محمد منصور نجاد

 

[1] وإن كان قد أُخذ الإطار العامّ للتقسيم المذكور من الأستاذ الشهيد المطهري، لاحظ: المجتمع والتاريخ، نشر صدرا: ص65ـ58، إلا أننا اقترحنا تبديل القسم الثاني من التاريخ العلمي إلى التاريخ العقلي، وقد اشتمل على توضيحات جديدة، وأيضاً قد طرح هيجل هذا الموضوع بشكل أكمل وأكثر تفصيلاً؛ حيث إنّه يعتقد أنّ التاريخ على ثلاثة أنواع: النوع الأول من التاريخ هو الأدلّة العينيّة للحوادث، وهذا النوع هو التاريخ العلمي الثورة الفكرية، والنوع الثاني: ينقسم إلى ستة أقسام فرعيّة أُخرى، لم نذكرها مراعاة للاختصار، والنوع الثالث: التاريخ الفلسفي. ولأجل التفصيل راجع: ك. و. هيجل، العقل في التاريخ، ترجمة حميد عنايت، مؤسسة النشر العلمي جامعة صنعتي شريف 1366: ص 16 ـ 18 المقدمة، وص1ـ55 من أصل الكتاب.

[2] إنّ أول شخص في العالم الإسلامي نظر إلى الوقائع برؤية تأريخية عقلية هو ابن خلدون الأندلسي، وقد توصّل من خلال دراسته لتاريخ الأجيال المختلفة إلى قاعدة العصبية التي تعدّ هي البنية التحتية والأساس للحصول على القوة والقدرة، أو زوال القبائل والحضارات. ومن هنا؛ قد تعامل مع قضية كربلاء وبحثها على هذا الأساس، حيث ذكر في مقدمة كتابه المشهور: "والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون مَن سواه إنّما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم، باتّفاق أهل الحلّ والعقد عليه حينئذٍ من بني أُمية" تاريخ ابن خلدون المقدمة: ج1، ص210. وقال أيضا: "وأمّا الحسين، فإنّه لمّا ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين: أن يأتيهم فيقوموا بأمره. فرأى الحسين أنّ الخروج على يزيد متعيّن من أجل فسقه، لا سيما مَن له القدرة على ذلك وظنها من نفسه بأهليته وشوكته، فأمّا الأهلية فكانت كما ظن وزيادة، وأمّا الشوكة فغلط يرحمه الله فيها؛ لأن عصبية مضر كانت في قريش وعصبية عبد مناف إنّما كانت في بني أُمية ... فقد تبيّن لك غلط الحسين، إلاّ أنّه في أمر دنيوي لا يضره". اُنظر: مقدمة تاريخ ابن خلدون :  ج1، ص216. ولسنا الآن في صدد مناقشة وبحث نظرية ابن خلدون.

[3] المطهري، مرتضى، تحريفات عاشوراء، حزب الجمهورية الإسلامية: ص18، ومن الضروري الانتباه إلى أنّ هذا الكتاب قد ناقش هذه الحوادث مفصّلاً.

[4] لم يُتوسع في البحث من هذه الناحية، ولكن هناك كتباً بحثت هذا الأمر، أفضلها: اللؤلؤ والمرجان للمرحوم النوري، وتحريفات عاشوراء للشهيد المطهري الذي اعتمد فيه على كتاب المرحوم النوري.

[5] المطهري، مرتضى، تحريفات عاشوراء: ص21.

[6]  المصدر نفسه: ص 6ـ 15

[7] المصدر نفسه: ص3ـ 62.

[8] لأجل أن لا تكون هناك مشكلة من حيث السند، قمنا بنقل أهم شواهد هذا القسم عن مصدر يبدو أنّه من أفضل المصادر التاريخية سنداً في واقعة كربلاء، وقد طبع هذا المصدر من قبل مؤسسة  النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية، وهو كتاب وقعة الطفّ لأبي مخنف، لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي، تحقيق: الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي، طبع سنة 1367ش، وهذا الكتاب يتمتع بمزايا كثيرة، وأرى من الضروري أن أتحدَّث عن هذا الكتاب ومؤلفه ليتعرَّف المحققون على حادثة كربلاء. من الأُمور الواضحة لمحققي تاريخ الإسلام أنّ أبا مخنف المتوفّى سنة158 هجري قمري أول مَن ألّف كتاباً بشأن واقعة كربلاء باسم مقتل الحسين، ومن تلامذته هشام بن محمد بن سائب الكلبي الكوفي، وقد كتب هشام الكلبي أيضاً كتاباً بنفس ذلك العنوان بعد أن استفاد من كتاب أُستاذه وأضاف إليه، وقد اعتمد مشهور المؤرخين لتاريخ الإسلام كالواقدي، والطبري، وابن قتيبة، والمسعودي، والشيخ المفيد، والشهرستاني، وابن أثير الجزري وإلخ.. على هذين الكتابين في بحثهم حول وقعة كربلاء. .... وبكلمة واحدة: إنّ هذا الكتاب جامع لكلّ المقاتل والمصادر المعتبرة في واقعة كربلاء.

[9] من الواضح أنّ الطريق الذي يوضّح واقعة كربلاء لا ينحصر بالتاريخ العقلي، وهذه المقالة لا تنكر وجود طرق أُخرى أعلى من العقل كالقلب و المودّة و..، بل إنّها تدّعي أنّ التبيين العقلي لواقعة كربلاء يتمتّع بأنّه القدوة الفضلى عند الناس.

[10] أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص75.

[11] المصدر نفسه: ص74، في الحاشية.

[12] محمد تقي، ناسخ التواريخ: ج6، ص6ـ 165. اُنظر: ابن أعثم،  الفتوح: ج5، ص12.

[13] المصدر نفسه: ص118

[14] لاحظ الحاشية رقم 2.

[15]  أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص80

[16] روي أنّ العدد الذي حاصر القصر 30 إلى 50 شخص. اُنظر: ناسخ التواريخ: ج 6، ص166.

[17] أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص80 .

[18] الأمين، سيد محسن، الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام، ترجمة إدارة جميع المراكز، العلاقات العامة، وزارة الثقافة والإعلام الإسلامي، الطبعة السادسة: صيف 1369. والجدير بالذكر أنّ الكتاب المذكور هو قسم من كتاب أعيان الشيعة، الذي كتبه المؤلف في 56 مجلداً، والمجلد الأول من هذه الموسوعة عبارة عن دراسة حقيقة التشيّع والجواب عن الأسئلة المتعلّقة بذلك، والمجلد الثاني يتحدَّث عن حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والمجلد الثالث عن حياة الإمام علي (عليه السلام)، والمجلد الرابع عن حياة بقية الأئمة عليهم السلام، والمجلدات الأُخرى فيها دراسة عن حياة علماء الشيعة على مدى التاريخ. اُنظر أيضاً: أعيان الشيعة: ج1، ص588

[19] آل عمران: آية 79. وراجع لأجل الاطّلاع على الأقوال بشأن الحرم الآمن، مجمع البيان، ج4، ص174 الناشر: مؤسسة انتشارات فرهاني.

[20] هذا ما استفاده الإمام الخميني قده في هذا الموضع تحت عنوان البراءة من المشركين

[21] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص36 .

[22] الأمين، سيد محسن، الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام: ص186. واُنظر: أعيان الشيعة: ج1، ص595.

[23] المصدر نفسه: ص180. اُنظر: الأمين، سيد محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص594.

[24] المصدر نفسه: ص175ـ 176. اُنظر: الأمين، سيد محسن، لواعج الأشجان: ص69.

[25]  أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص152.

[26] المصدر نفسه: ص152ـ 153.

[27] ا لأمين، سيد محسن، الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام: ص156. وأيضاً: أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص93.

[28]  أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص96

[29] المصدر نفسه: ص111ـ 112

[30] الأمين، سيد محسن، الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام: ص176.

[31] قال عبد الله بن عباس مقترحاً على الإمام (عليه السلام): "لا تقرب أهل العراق وأقم بهذا البلد؛ فإنك سيد أهل الحجاز ، فإن أبيت إلاّ أن تخرج فسرْ إلى اليمن..." أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص151. أمّا بالنسبة إلى عدم تمكّن الإمام (عليه السلام)من البقاء في الحجاز، فهذا ما أقمنا الدليل عليه في البحث السابق، وأمّا بالنسبة إلى الذهاب اليمن، فلا نرى في اليمن أي أرضية مناسبة لذلك، وترجيحها على الكوفة، مع كلّ ما تتمتع به من مواصفات أمر غير معقول.

[32] أبو مخنف، لوط بن يحيى ، وقعة الطفّ: ص158.

[33] المصدر نفسه: ص174.

[34]  المصدر نفسه: ص169.

[35] لمصدر نفسه في الحاشية: ص149

[36] هذه التوجيهات لا تتنافى مع علم الإمام (عليه السلام)؛ لأنّ الإمام (عليه السلام)لديه تكليف كبقية الناس، ولم يكن الإمام (عليه السلام)ليستفيد من علمه لمصالحه الشخصيّة، ثمَّ إن محل هذا البحث في علم الكلام في باب علم الإمام (عليه السلام)، وليس محله في مثل هذه المقالات.

[37] اُنظر: أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص171

[38]  المصدر نفسه: ص177.

[39] كربلاء ليست اسماً لقرية، بل هي منطقة تقع فيها قرية نينوى. اُنظر: المصدر نفسه: ص179 في الحاشية.

[40] ننبّه مرّة أُخرى على أنّ هذا الأُسلوب العادي لحركة القافلة الحسينيّة لا ينافي علم الإمام الحسين (عليه السلام)بأنّه لا بدّ أن يأتي إلى كربلاء، بل إنّ طريقة البحث في المقالة هي للجواب عمَّن يتصور أنّ الإمام (عليه السلام)إنّما جاء إلى كربلاء كي ينال الشهادة ويكون شفيعاً للأمّة، والمقالة تدّعي أنّ حركة الإمام الحسين (عليه السلام)كانت طبيعية ومنطقية إلى درجة بحيث إنّ كلّ قائد ثوري يعيش هذه الظروف سيصل إلى النتيجة نفسها، وإنّ الإمام الحسين (عليه السلام)قد عمل بتكليفه الشرعي والعقلي.

[41]  أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص 184ـ 185.

[42] المصدر نفسه: ص209.

[43] المصدر نفسه: ص206.

[44] المصدر نفسه: ص187-188، والذي يؤكد هذا الادّعاء الكاذب من عمر بن سعد هو ما ذكره عقبة بن سمعان. اُنظر: الأمين، سيد محسن، الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام: ص207ـ208.

[45] اُنظر: أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ: ص190ـ 191.

[46] الأمين، سيد محسن، الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام: ص 223. واُنظر: الأمين، سيد محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص603

[47] المصدر نفسه: ص224. واُنظر: الأمين، سيد محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص603.

المرفقات