7 ــ إبراهيم صادق العاملي: (1221 ـــ 1284 هـ / 1806 ـــ 1867 م)

إبراهيم صادق العاملي: (1221 ـــ 1284 هـ / 1806 ـــ 1867 م)

قال من قصيدة تبلغ (75) بيتاً في أمير المؤمنين وفي رثاء الإمام الحسين (عليهما السلام):

وهمُ الألى ذخــــــرَ الإلهُ لنصرِهِ    في (كربلا) مـن مبدأ التكوينِ

لا عيبَ فيهم غـــيرَ أنهمُ لدى الـ    ـهيجاءِ لا يخشونَ ريبَ منونِ

وعديدُهم نزرُ القليلِ وفي الوغى    كـلٌّ يُعـــــــــــدُّ إذا عدا بمئين (1)

وقال من قصيدة في مدح أهل البيت تبلغ (32) بيتاً:

أأسكنُ الشــامَ ومنْ واليتهمْ    في النجفِ الأعلى وطفِّ (كربلا)

وأرتضي بـــعد ولائي لهمُ    بعداً إذا كــــــذبتُ في دعوى الولا

فيا لها من محنةٍ رحتُ لها    مشتتُ البــــــــــــــــالِ كئيباً مُبتلى (2)

الشاعر:

الشيخ إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي الطيبي. علم من أعلام جبل عامل وفذ من أفذاذ هذه البلدة التي حفل تاريخها بكبار العلماء وسطعت سماؤها بنجوم العلم والأدب الذين شكلت نتاجاتهم وآثارهم مصدراً مهما وثرّاً للمكتبة الإسلامية والعربية في كل فنون العلم والأدب، من أسرة آل صادق العلمية ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل، فتح عينيه في هذه الدنيا على أجواء العلم والأدب فقد كان جده من العلماء والأدباء كما كان والده أديباً وشاعراً وعالماً فاضلاً من تلامذة السيد علي محمد الأمين، فترسم الولد خطى أبيه وجده في هذين المضمارين فكان وهو في جبل عامل يهفو قلبه إلى مدينة العلم ويتلهف لمجالس العلم والأدب ويتطلع للتشرف برؤية القبة الذهبية وصوت الأذان المنبعث من قبتيها وما إن تخطى العقد الثالث من عمره حتى تحقق حلمه.

كانت النجف آنذاك تعيش عصراً علمياً ذهبياً تزعّم الحركة العلمية فيه كبار العلماء الأعلام الذين انضم السيد إبراهيم إلى حلقاتهم منهم: الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كاشف الغطاء، وأخوه الشيخ مهدي، والشيخ مرتضى الأنصاري وغيرهم وبقي في النجف لمدة (27) عاماً أجازه خلالها هؤلاء الأعلام كما كتب فيها منظومة في الفقه بلغت أكثر من ألف وخمسمائة بيت إضافة إلى قصائد كثيرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين (عليهم السلام) (3) وقد كُتب بعضها في الحرم العلوي الشريف. (4)

في عام (1279 هـ) عاد السيد إبراهيم إلى مسقط رأسه بعد قرابة ثلاثة عقود قضاها بعيداً عنها، واستقر في قرية الخيام ولحقه ابنه الشيخ عبد الحسين وبعض شقيقاته بعد وفاة زوجته وبقية عائلته في النجف الأشرف بمرض الطاعون الذي تفشى في تلك الفترة لكنه لم يبق في بلدته أكثر من خمس سنوات حتى وافاه الأجل.

كتب السيد حسن الامين عن الشيخ إبراهيم صادق مقالاً تحدث فيه عن أدب هذه الأسرة ومنهم السيد إبراهيم قال فيه: (وآل صادق من أشرف بيوت العلم في جبل عامل وأعرقها في الفضل والأدب نبغ فيهم أعلام في الفقه والشعر لم تزل آثارهم غرّة ناصعة في جبين الدهر ولا سيما شعراؤهم الأفذاذ الذين طار صيتهم في الآفاق، وكانوا يعرفون قبل الشيخ صادق بآل يحيى نسبة إلى جدهم الذي كان من صدور علماء عصره وأدبائه) (5)

وقال عنه السيد جواد شبر: (كان من العلماء الأفاضل، خفيف الروح درس في النجف الأشرف ..... وله قصائد عامرة في مدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد كتب بعضها في الحرم العلوي المطهر وكان شاعراً وناثراً...

ثم ذكر شبر قصيدته وقال: وقد كتب جملة من هذه القصيدة على دور ضريحه المقدس من الجوانب الأربع في 20 رجب سنة 1271) (6)

وقال السيد حسن الصدر: (العالم الفاضل المحقق والأديب الشاعر المفلق جاء من بلاده إلى النجف، وأقام فيها مدة، وكانت النجف تزهو بأدبه وشعره) (7)

وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (كان فقيهاً أصولياً، أديباً شاعراً، خفيف الروح، رقيق الحاشية، ورد النجف طالباً للعلم فبقي عدة أعوام يستفيد ويفيد ويطارح بالكمال، ثم رجع إلى محله، فتصدى للفتوى وبث الأحكام الشرعية هناك، وأفاد، وله شعر كثير مجموع في أيام إقامته بالعراق وبقائه في جبل..) (8)

وقال الشيخ حرز الدين: (عالم فاضل أديب، اشتهر بالأدب الواسع والكمالات العرفانية) (9)

وقال الشيخ جعفر آل محبوبة: (وكان من أقطاب الأدب وأركان العلم، وفرسان القريض، جرى في ميادين العلم، ودارت عليه رحى الشعر والنثر، فكان من المجيدين فيهما، والمحسنين في صوغهما) (10)

وقال عنه الشيخ آقا بزرك الطهراني: (عالم فقيه، وأديب كبير) (11)

وقال الشيخ علي الخاقاني: (عالم كبير، وشاعر معروف… رقيق الأسلوب قوي الديباجة مشرق اللفظ) (12)

شعره

قال الشيخ علي كاشف الغطاء: (وله في أهل البيت عليهم السلام المدائح الأنيقة والمراثي الرشيقة وأكثر شعره فيهم فبقي عد أعوام يفيد ويستفيد ثم رجع إلى جبل عامل فسكن الطيبة فتصدر للفتوى وبث الأحكام الشرعية وله شعر كثير مجموع أيام إقامته في العراق ومكثه في الجبل إلى أن أدركه الأجل) (13)

وشعره يعد من الطراز الرفيع سبكاً وقوةً ولغةً ويدل على ذلك اختيار قصيدته لتكتب في ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام)

يقول في قصيدته في أمير المؤمنين ورثاء الإمام الحسين (عليهما السلام):

هلْ في الوقـــــــــوفِ على رُبى بيرينِ    برءٌ لداءٍ في الفـــــــــــــؤادِ دفينِ

وهلِ الوقــــــــــوفُ على الأماكنِ منقعٌ    غُللاً وقد بقيتْ بغيرِ مـــــــــــكينِ

حتَــــــــــامَ تتبعُ لحظَ طرفِكَ مُجريَ الـ    ـعبراتِ إثرَ ركــــــــائبٍ وظعونِ

وإلامَّ تنفـــــــــثُ مؤصدَ الزفراتِ عن    جمرٍ بأخبيةِ الحشى مــــــــــكمونِ

تخفي الأسى وغريبُ شأنِكَ في الأسى    بادٍ يفسِّرُه غــــــــــــــروبُ شؤونِ

ولقدْ بلــــــــــــوتُ الحادثاتِ وكان لي    في الخطبِ صبرٌ لا يــــزالُ قريني

وتجلّدي ما فــــــــــــــــي كعوبِ قناتِهِ    لردىً يريدُ الغمـــــــــزَ ملمسَ لينِ

ورزينُ حلمي لا يطيـــــــــــشُ لمحنةٍ    جلّتْ وإن قطعَ الزمـــــــــانُ وتيني

وغزيرُ دمعي لا يزالُ مصــــــــــونُه    إلا لذلٍّ شامـــــــــــــــــــلٍ في الدينِ

وخطوبُ آلِ محمـــــــــــدٍ ضعّفنّ من    أركـــــــــــــانِ دينِ اللهِ كلَّ حـصينِ

همْ خيرةُ البـــــــــــاري ومهبطُ وحيهِ    حقّاً وعيبةُ علمِهِ المخــــــــــــــزونِ

همْ نورُ حكمتهِ وبـــــــــــــــابُ نجاتِهِ    أبداً وموضــــــــــــعُ سرِّهِ المكـنونِ

أمناؤهُ في أرضِهِ، خلفــــــــــــــــــاؤه    في خلقِهِ، أبنــــــــــــــاءُ خيرِ أمـينِ

وهمُ الأولى عينُ اليقيـــــــــــنِ ولاهمُ    مِن كلِّ هولٍ فـي المعـــــــــادِ يقيني

ما ليْ من الأعمــــــــــــــالِ إلّا حبُّهمْ    في النشأتينِ وحبُّـهمْ يكـــــــــــــفيني

مهما أسأتُ وقد نســــــــــأتُ رثاءهم    بدرُ الولا لرثائهمْ يــــــــــــــــدعوني

وإذا تقاعدَ منطقي عن مدحِــــــــــهمْ    نهضتْ جميعُ جــــــوارحي تهجوني

أو ما درتْ تلكَ الجـــــــــوارحُ شفّها    رزءُ الأطائبِ من بنـي يــــــــــاسينِ

وحديثُ فاجعةِ الطفــــــــــوفِ أذالها    دمعاً به انبجستْ عيــــــــونُ عيوني

إني متى مثلتها سَعُرُ الجــــــــــــوى    مني بأذكـــــــــــى مـن لـظى سجِّينِ

ومتى أطفْ بالطفِّ من ذاكَ العُـرى    جعلتْ أراجيفُ الأسـى تعــــــــروني

وذكرتُ ما لم أنسَه من حـــــــــادثٍ    ما زالَ يُغري بالشمــــــــــــالِ يميني

حيثُ ابنُ فاطمةٍ هناك تحــــــــوطه    زمرُ الضــــــــلالةِ وهــوَ كالمسجونِ

وهمُ الأولى قد عـــــــاهدوهُ وأوثقوا    عقداً لبيعتِهِ بكلِّ يميــــــــــــــــــــــــنِ

حتى أناخَ بهمْ بـمــــــــــا يحويهِ من    آلٍ وأمــــــــــــــــــــــوالٍ وخيرِ بنينِ

غدروا بهِ والغـدرُ ديــــــدنُ كلُّ ذي    إحَنٍ بكلِّ دنيــــــــــــــــــــــــةٍ مفتونِ

ورموهُ ــ لا عـرفوا السدادَ ــ بأسهُمٍ    من كفِ كفرٍ عن قَسيِّ ضــــــــــغونِ

ولديهِ من آســــــــــــادِ غـالبَ أشبلٌ    يخشى سطاها ليـــــــــــثُ كلِّ عرينِ

وأماثلٌ شربوا بأقــــــــــــــداحِ الولا    صافي المـــــــــــودَّةِ من عيونِ يقينِ

سبقوا بجدِّهمُ الوجــــــــــــــودَ وآدمٌ    ما بينَ ماءٍ في الوجــــــــــــودِ وطينِ

وهمُ الألى ذخرَ الإلهُ لنصــــــــــرِهِ    في (كربلا) من مبـدأ التكــــــــــــوينِ

لا عيــــــبَ فيهمْ غيرَ أنـهمُ لـدى الـ    ـهيجاءِ لا يخشـــــــــــونَ ريبَ منونِ

وعديدُهم نزرُ القليــلِ وفي الـوغى    كلٌّ يُعدُّ إذا عــــــــــــــــــــــــدا بمئينِ

والكلُّ إن حَميَ الوطيـسُ يــرى به    قبض اللوا فرضـــــــــــاً على التعيينِ

ما رنّةُ الأوتارِ في نغمــــــــــــاتِها    أشهى لديــــــــــــهمْ من صـليلِ ظبينِ

كلا ولا ألحـــــــــانُ مــعـبدَ عندهمْ    في الروعِ أطربُ من صـهيلِ صفونِ

ثاروا كما شاءَ الهـــــــدى وتسنَّموا    صهـــــــــــــواتِ قبِّ أيـاطلٍ وبطونِ

وعدوا لقصدٍ لو جـرتْ ريحُ الصِّبا    معهم بهِ وقفــــــــــتْ وقــوفَ حرونِ

وإذا الهجانُ جـرتْ لقصــدٍ أدركتْ    قصباً يقصِّرُ عنه جــــــــــريَ هجينِ

حتى إذا ما غـادروا مهــــجَ العِدى    نهبـــــــــــــــــــــــاً لكلِّ مهنَّدٍ مسنونِ

وفدُ الردى يبغـي قـــــــــراهُ وكلهمْ    حبَّ القِرى بـالنفــــــــسِ غيرَ ضنينِ

فلذاكَ قد سـقطوا على وجـهِ الثرى    ما بيــــــــــــــــنَ مذبوحٍ وبينَ طعينِ

وشروا مـفاخــــــرَهم بأنفسِ أنفسٍ    ينحــــــــــــــــــطّ عنها قدرُ كلِّ ثمينِ

طوبى لهـم ربحوا وقد خسرَ الألى    رجعوا هناكَ بصــــــــــــفقةِ المغبونِ

وغدا عـميدُ المكـــــرماتِ عميدُهم    من بعــــــــــــــدِهمْ كالوالهِ المحزونِ

ظامـي الفؤادِ ولا مــــعينَ له على    قومٍ حموا عنــــــــــــــــه ورودَ معينِ

يرنـو ثغورَ البيدِ وهيَ فسيـــــــحةٌ    شحنــــــــــــــتْ مراصدَها بكلِّ كمينِ

ويـرى كراديسَ الضلالِ تراكـمتْ    وكأنّها قطـــــــــــــــــعُ الجبالِ الجونِ

ويكـرُّ في تلكَ الصفوفِ مُجـاهــداً    كرَّ الوصيِّ أبيهِ فــــــــــــــــي صفينِ

ويعـودُ نحوَ سرادقٍ ضُـربتْ على    أزكى بنـــــــــــــــــــاتٍ للهدى وبنينِ

وكـرائمٌ عبثَ الأســـــــــى بقلوبِها    فغدتْ فــــــــــــــــــواقدَ هدأةٍ وسكونِ

يسـدي لها الوعظَ الجميلَ وذاكَ لا    يُجدي ذواتِ لواعـــــــــــــجٍ وشجونِ

ونوائبٌ عن حمـــــــلِ أيسـرِ نكبـةٍ    منها تسيخُ منـــــــــــــــاكبِ الراهونِ

ثم انثنى يلقى الصـــــــوارمَ والقـنا    بأغرَّ وجــــــــــــــــــهٍ مشرقٍ وجبينِ

قسماً بـثـــــــابتِ عزمهِ وهي الـتي    بثبـــــــــــــــــــــاتِ عزمتِهِ أبرُّ يمينِ

لو شـــاءَ إقراءَ الردى مهجَ العِـدَى    طـــــــــــــرَّأ لأضحتْ ثمَّ طعمَ منونِ

أو شــــــــــــــاءَ إفناءَ العوالمِ كـلها    قسراً لأومَـــــــــــــــــأ للمـنايا كوني

أنَّى ومحـتـــــــــــــومُ المنايا كـامنٌ    ما بين كــــافِ خطابِــــــــــهِ والنونِ

لكنْ لسرٍّ في الغيــــــــوبِ وحــكمةٍ    سبقتْ بغـــــــــامضِ علمِهِ المخزونِ

وخبا ضياءُ المسلمينَ ومـــــحكمُ الـ    ـذكرِ المبيــــــــنِ غـــــدا بغيرِ مبينِ

وبنـــاتُ خيرِ المرسلينَ برزنَ مـن    دهشِ المصــــــــــــابِ بعولةٍ ورنينِ

من كـــــلِّ زاكيةٍ حَصَانِ الذيلِ مـا    ألفٍ سوى التخـــــــــــديرِ والتحصينِ

ولصــــــــونِها أيدي النبوَّةِ شيّـدتْ    من هيبةِ الباري منــيـــــــــعَ حصونِ

وأجلُّ يـــــــــومٍ راحَ مفـخرُ هـاشمٍ    فيه أجــــــــــــبُّ الـــظـهرِ والعرنينِ

يومٌ بهِ تلكَ الفـــــــــــواطمُ سُيِّرتْ    أسرى تلفُّ أبـــــــــــــــاطحاً بحزونِ

من فوقِ غاربِ كلِّ أعــجفِ عاثرٍ    في السيرِ صعبُ القـــــودِ غير أمونِ

وتقولُ للحامي الحمى ومـــــــقالُها    كدموعِـها من لؤلـؤٍ مـــــــــــــــكنونِ

عطفاً عليَّ ولا أخــــــــالكَ إنْ أقلْ    عطـــــــفاً عليَّ تـغـضُّ طرفكَ دوني

أو لستَ تنظرني وقد هتــكَ العدى    خدري وهــدّمـت الطغاةُ حــــصوني

من بعدِ أن تركوا بنيكَ على الثرى    ما بين مذبــــــــــــوحٍ وبين طـــعينِ

عارينَ منبوذينَ في كَنَـــــفِ العَرا    مِن غيرِ تغسـيـــــــــــــــلٍ ولا تكفينِ

تلكَ الرزايا قد أشبنَ مدامــــــــعي    بدمِ الفؤادِ كــما أشبـــــــــــــنَ قروني

أيمسُّ عينيَّ الكرى وعلى الثــرى    جسمُ الحســينِ أراهُ نصــــــبَ عيوني

من غيرِ دفنٍ وهو أفضلُ ميِّـــــتٍ    في قــــــــــــــــــلبِ كلِّ موحِّدٍ مدفونِ

وله قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) يقول منها:

يا سيِّــــــــــــد الشهداءِ يـا من حبُّه    فرضٌ وطــــــــاعتُه إطاعةُ جدِّهِ

وابنَ الإمامِ المـرتضى عـلمُ الهدى    سرُّ الإلهِ مبينُ مـــــــــنهجَ حمدِه

وابنَ المطهَّرةِ البتــولِ ومـن عنتْ    غرُّ الوجوهِ لنورِ بـــــــاذخِ مجدِهِ

وأخا الزكيِّ المجتبى الحسـنَ الذي    نورُ الهدى من نورِ غـــرَّةِ سعدِهِ

وأبا عليٍّ خيرَ أربــــــــــابِ العلى    وإمــــــــــــامَ كلِّ موحِّدٍ من بعدِهِ

وافاكَ عبدُكَ راجيــــــــــاً ومؤمِّلاً    منكَ الحبا ورضــاكَ غايةُ قصدِهِ

فاعطفْ عليه بنظرةٍ تُــــوري بها    ــ يا خيرَ مقصـودٍ ــ شرارةَ زندِهِ

وأنله منكَ شفــــــــاعةً يمسي بها    من لطـــــــــــفِ باريهِ بجنَّةِ خلدِهِ

وأقِلهُ سطوةَ حـــادثِ الزمنِ الذي    أخنى عليــهِ بجــــــــــــدِهِ وبجهدِهِ

فلأنتَ أكرمُ من همـــــــتْ أنواؤه    يومَ العطاءِ لـوفدِهِ مـــــــــن رفدِهِ (14)

وقال من قصيدة في الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تزيد على (١٥٠) بيتاً:

هذا ثــــــــــرى حط الأثيـرُ لقدرِهِ    ولعزِّهِ هــــــــــــامُ الثــــــريَّا يخضعُ

وضريحُ قـــدسٍ دونَ غـايةِ مجدِهِ    وجلالُه خفضُ الضـــــــــراحِ الأرفعُ

أنَّى يُقــاسُ بهِ الضـراحُ عُلا وفي    مكنـــــــــونِهِ سرُّ المهيمــــــنِ مُودَعُ

جدثٌ عليهِ من الإلـهِ ســــــــرادقٌ    ومن الرضا واللطـــــفِ نورٌ يسطعُ

ودّتْ دراريُّ الكــــــــــواكبِ أنّها    بالدرِّ من حصـــــبــــــــــائِهِ تترصَّعُ

والسبعــــــــــةُ الأفـلاكُ ودَّ عليُّها    لو أنه لثـــــــــــــــــرى عليٍّ مضجعُ

عجباً تمنّـــــــــــــــى كلُّ ربعٍ أنّه    للمرتـــــضى مولى الــــــبريةِ مربعُ

ووجودُه وســعَ الـوجودِ وهلْ خلا    في عـــــالمِ الإمكـــــانِ مـنه موضعُ

كشّافُ داجيةِ القضـاءِ عن الورى    بعزائمٍ منــــــــــــــها القضـاءُ يروَّعُ

هزَّامُ أحزابِ الضــــــلالِ بصارمٍ    من عزمِـــــــــــهِ صبحُ المنايا يطلعُ

سبَّاقُ غــــــــــايـاتِ الفخارِ بحلبةٍ    فيها الســـــــواري وهيَ شهبٌ تطلعُ

عمَّ الوجودَ بســـــابـغِ الجودِ الذي    ضــــاقتْ بـــــــأيديهِ الجهاتُ الأربعُ

أنّى تساجــــله الغيـوثُ ندىً ومِن    جـــــــــــــــدوى نداهُ كلُّ غيثٍ يهمعُ

أمْ هلْ تُقاسُ بهِ البحــــــــارُ وإنّما    هيَ مــــــن نــــــــــدى أمدادِه تتدفعُ

فافزعْ إليه من الخــطوبِ فإنَّ مَن    ألـــــــقى العصا بفنـــــــائِهِ لا يَفزعُ

وإذا حللتَ بطــــــــورِ سينا مجدِهِ    وشهدتَ أنـــــــوارَ التـــــــجلّي تلمعُ

فأخلعْ إذاً نعــــليـكَ إنكَ في طِوى    لجــــــــــلالِ هيبِـــــــهِ فـؤادُكَ يخلعُ

وقلِ السـلامُ عليــــكَ يا مَن فضلُه    عمَّنْ تمسَّكَ بــــــالـــــــــولا لا يُمنعُ

مولايَ جُــدْ بجـميلِكَ الأوفى على    عبدٍ له بـــــــجميـــــلِ عفوِكَ مطمعُ

يرجوكَ إحســـــاناً ويأملكَ الرضا    فـــــــضلاً فـــــأنتَ لكلِّ فضلٍ منبعُ

هيهاتَ أنْ يـخـشى وليُّكَ من لظى    ويهولُه يــــــــــومَ القيامةِ مـــــــطلعُ

ويهولُه ذنبٌ وأنــــــــــــتَ له غداً    من كلِّ ذنبٍ لا محــــــــــــالةَ تشفعُ

ويخافُ من ظمأ وحوضُكَ في غدٍ    لذوي الولا من سلــــــــسبيلٍ مُترعُ

يا مَن إليـــــهِ الأمرُ يرجعُ في غدٍ    ولديهِ أعمـــــالُ الــــــــخلائقِ تُرفعُ

وله مآلُ ثوابِـــــــــــــــها وعقابِها    يعطي العطاءَ لــمن يشـــــاءُ ويمنعُ

أعيتْ فضائلكَ العقولَ فمــا عسى    يثني بمدحتِــــــكَ البليـــــغُ المصقعُ

وأرى الألى لصفاتِ ذاتكَ حـدَّدوا    قد أخطأوا معنى عـــــلاكَ وضيَّعوا

ولآي مجــــدِكَ يا عظيمَ المجدِ لم    يتدبَّروا وحديثُ قدسِــــــــكَ لم يعوا

عجبي ولا عـجبٌ يلينُ لكَ الصفا    والماءُ من صمِّ الصفــــــــا لكَ ينبعُ

ولكَ الفلا يُطـــــوى ويعفورُ الفلا    لدعاكَ من أقصى السبـاسبِ يُسرعُ

ولكَ الرمامُ تهبُّ مـــــــن أجداثِها    والشمسُ بعد مغيبِـــــــِها لكَ ترجعُ

والشمسُ بعد مــــــغيبِها إن ردَّها    بالسرِّ منكَ وصيُّ مـــــوسى يوشعُ

فهيَ التي بكَ كلُّ يـــــــومٍ لم تزلْ    من بدءِ فطرتِها تغيبُ وتـــــــــطلعُ

ولكَ المناقبُ كالكــــواكبِ لم تكنْ    تُحصى وهلْ تُحصى النجومُ الطلّعُ

فالدهرُ عبدٌ طائعٌ لــــــــكَ لمْ يزلْ    وكذا القضـــا لكَ من يمينكَ أطوعُ

ولئنْ أطاعَ البحرُ مـوسـى بالعصا    ضرباً فموسـى والعصا لكَ أطوعُ

ولئنْ نجتْ بالرسـلِ قبلـــــــكَ أمّةٌ    فلقدْ نجتْ بكَ رســـــلُ ربِّكَ أجمعُ

وصفاتُكَ الحُسنى يقصِّرُ عن مدى    أدنى عُلاها كلُّ مـــــــــدحٍ يصنعُ (15)

ومن قصائده في مدح أمير المؤمنين أيضاً قصيدة تبلغ (55) بيتاً يقول منها:

يُخيَّلُ لـــــــــــــــــي بأنَّ البرَّ بحرٌ    يُســــــارعُ في المسيلِ إلى وَراها

إلى أن مسَّتِ الأعتـــــــــابِ أبدتْ    رغـــــــــاها تشتكي نصباً عُراها

وقد لاحتْ لعينيــــــــــــــــها قبابٌ    يردُّ الطـــــــرفَ عن بادي سناها

هنالكَ قرَّتِ الوجنـــــــــــــاءُ عيناً    ونالتْ بالســـــــــرى أقصى مُناها

وأنحتْ جانبَ الغــــــــروي شوقاً    يجاذبـــــــــــــــها لمـا تبغي هواها

فوافتْ بعد جدٍ خيـــــــــــرَ أرضٍ    يُضـــــــاهي النيِّـرينِ سنا حصاها

فألقتْ في مفاوزِها عصــــــــــاها    وأرستْ في ذرى حـــــامي حماها

أبي الحسنينِ خيرِ الخلقِ طــــــرَّاً    وأكرمَ من وطــــــــــاها بعدَ طاها

وأعظمَ من نحتــــــــه النيبُ قدراً    وأشرفَ من بهِ الرحــمـــــنُ باهى

وأطيبَ مَن بني الدنيــــــــا نِجاراً    وأقــــــــــــــدمَ مفخـــراً وأتمَّ جاها

وأصبرَها على مضضِ الليــــالي    وأبصـــــــــرَها إذا عُمـــيتْ هداها

وأحلمَها إذا دهمـــــــــتْ خطوبٌ    تطيشُ لها حـــــــــــلومُ ذوي نهاها

وأنهضَها بأعباءِ المعــــــــــــالي     إذا عن نيلِها قصــــــــــرتْ خُطاها

وأشجــــــــــــعَها إذا ما نابَ أمرٌ    يردُّ الدارعيـــــــــــــــنَ إلى وَراها

وإن همْ أوقدوا للحـــــــربِ ناراً    أحالَ إلى لظاها مَـــــــــــــن وراها

وإن طرقتْ حِماهـا مشكـــــلاتٌ    وأرزمَ في مرابعِها رجــــــــــــــاها

جـــــلاها من لعمري كلُّ فضلٍ    إلــــــــــى قدســيِّ حضــــرتِهِ تَناهى

أمامُ هـــــــــــدىً حباهُ اللهُ مجداً    وأولاهُ عــــــــــــــــــلاءً لن يُضاهى

وبحرُ ندىً سمــــا الأفلاكَ قدراً    فدونَ مقــــــــــــــــامِهِ دارتْ رُحاها

وبدرُ علاً لأبنــــــــــــاءِ الليالي    سناهُ كلُّ داجيــــــــــــــــــــــةٍ محاها

متى ودقتْ مرابعُها غيــــــوثٌ    فمنْ تيَّــــــــــــــــــــارِ راحتِهِ سخَاها

أو اجتازتْ مسامعَها علــــــومٌ    فزاخرُ فيضِ لجَّتـــــــــــــــــــهِ غثاها

وإنْ نهجتْ سبيلَ الــرشدِ يوماً    فمـــــــــــــــنْ أنــــوارِ غرَّتِهِ اهتداها

وثمَّ مناقبٍ لعلاهُ أمســــــــــتْ    يدُ الإحصـــــــاءِ تـــــقصرُ عنْ مَداها

وأنّى لي بحصرِ صفاتِ مولىً    له الأشياءُ خـــــــــــــــــــــالقُها بَرَاها

وما مدحي وآياتُ المثـــــــاني    على علياهُ مقصـــــــــــــــــــورٌ ثناها

أخا المختـــــارِ خُذْ بيدي فإني    غريـــــــــــــــــــقُ جـرائـمٍ داجٍ قذاها

وعَدِّل في غـــــــدٍ أودي لأنّي    وقفتُ من الجـــــــــــــحيمِ على شفاها

وكفَّ بفضـــلِكَ الأسـواءَ عني    فقد أخنى على جَــــــــــــــــلَدي أذاها

وباعدْ بين ما أبـــــــغي ودهرٍ    أبتْ أحداثُه إلّا سفـــــــــــــــــــــــــاها

فأنتَ أجلُّ من يُدعـــــى إذا ما    تفــــــــــاقمتِ الحـــــــوادثُ لانجلاها

فزعتُ إلى حِماكَ ونارُ شوقي    للثمِ ثراكَ مسعــــــــــــــــــــورٌ لظاها

وبتُّ لديكَ والآمالُ تجــــــري    على خــــــــــلدي وظـــــــلكَ مُنتهاها (16)

............................................................................

1 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص 150 / أدب الطف ج 7 ص 174 / شعراء الغري ج 1 ص 103 ــ 106

2 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص 152

3 ــ شعراء الغري ج 1 ص 70

4 ــ أدب الطف ج 7 ص 177

5 ــ نشر في مجلة البلاغ الكاظمية تحت عنوان (علائق شعرية عراقية عاملية) العدد السادس / السنة الثانية

6 ــ أدب الطف ج 7 ص 177

7ــ تكملة أمل الآمل ج 1 ص 27 ترجمة رقم 6

8 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 5

9 ــ معارف الرجال ج 1 ص 24 ترجمة رقم 5

10 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 536 ترجمة رقم 1

11 ــ طبقات أعلام الشيعة ج 10 ص 18

12 ــ شعراء الغري ج 1 ص 68

13 ــ الحصون المنيعة ج 9 ص 178

14 ــ أدب الطف ج 7 ص 178 ــ 179

15 ــ شعراء الغري ج 1 ص 91 ــ 94 أدب الطف ج 7 ص 178 ــ 179

16 ــ أدب الطف ج 7 ص 180 ــ 182

كما ترجم له:

الحاج حسين الشاكري / علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٤ ص ٤٢١

الشيخ محمد صادق الكرباسي / معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 1 ص 139

معجم شعراء العرب ج 1 ص 27

المرفقات

: محمد طاهر الصفار