إبراهيم السكوني (500 ــ 557 هـ / 1106 ــ 1179 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (62) بيتاً:
تجولُ عليه الخيلُ في أرضِ (كربلا) وقد هشّمتْ منه الأضالعَ والمثنى
كأنَّ الحسيـــــــــنَ الطهرَ ليسَ لفاطمٍ ولا لعليِّ المرتـــضى والنبيْ ابنا
فلهفي له والشمـــــــــــرُ يحتزُّ رأسَه ومنه دمُ الأوداجِ قد صبــغَ الرِّدنا (1)
الشاعر:
أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يوسف العبدي السكوني من شعراء الدولة العيونية في القطيف والعبدي نسبة إلى قبيلة عبد القيس (2)، ترجم له السيد عدنان العوامي فقال: (شاعر درس العروض في القطيف على علي بن الحسن بن إسماعيل العبدي فأصبح فيه إماما وكان من المتصلين بالأمير عزيز بن المقلد بن عبد الله العبدي العيوني حاكم القطيف...) (3)
وترجم له الشيخ محمد صادق الكرباسي فقال: (حذا حذو الأقدمين في شعره بعد أن ألم بأشعار العرب وأخبارهم، أكثر أشعاره في الزهد والمواعظ.. ثم قال في نسبه: السكون نسبة إلى أشرس بن كندة الكهلاني وهو جد جاهلي وقد نسب إليه العديد من الأعلام .... وفيهم من الرواة والمحدثين ومنهم إسماعيل بن أبي زياد السكوني وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، وكان من الرواة الثقات، ثم ذكر الكرباسي مجموعة من أشعاره في مواضيع متفرقة مع تعليقات عليها وقال في نهايتها: والشاعر يبدو من شعره والأغراض التي طرقها كثير التفكر، متديِّناً غيوراً على دينه، وحكيماً يرى الأشياء فيزنها ميزانها من العقل والنفس، فيحبذ الأصلح منها لهما دون إفراط وتفريط....
ثم يقول في ختام الترجمة: ونختم كلامنا عن الشاعر وأغراضه بأمل أن نحصل على شعره الحسيني الذي اغتيل على يد الجهل أو الحقد من ذوي النوايا الساخطة على أهل البيت (عليهم السلام) ولعل لصروف الدهر يد في تغييب ذلك أو طمسه) (4)
أما قصيدته فقد ذكرها بتمامها وهي:
ألا كلَّ شيءٍ غير خــــــــــــالقِنا يُفنى ونفسُ الفتى بالموتِ ما بـــــرحتْ رَهنا
يحبُّ الفتى طولَ الحيــــــاةِ فإنْ يعشْ يلاقي إذا ما عُمِّرَ الضعـــــــفَ والوهنا
وما الناسُ إلا غـــــــــافلونَ عن الذي يُرادُ بهم والموتُ يطحنـــــــــــهمْ طحنا
تؤخِّرهمْ دنياهمُ فكــــــــــــــــــــــأنهمْ بدارِ مقامٍ يستطــــــــــــــابُ بها السكنى
فلا تأمن الدنــــيا الغــرورَ فكم طوت قروناً فما أبقـــــــــــــــتْ بها منهمُ قرنا
إذا هيَ أصفتْ عيــــــــــشَ قومٍ فإنها تصيِّرُه مُرَّاً وتتـــــــــــــــــــــركه أجنى
يسرُّ بها الغمرُ الجهـولُ وذو الحــجى يراها له مما يكـــــــــــــــــــــابدُه سجنا
تزوَّدَ منها الخيـــــــرَ والديــنَ والتقى لعلكَ تُجـــــــــــزى من معادِكَ بالحُسنى
ولولا اتخاذُ الزادِ للبـــــــــعثِ لم يكن لدنيـــــــــــــــــاكَ هذي إن تأمَّلتها معنى
فلا تأمنَ الدهـــــــــــرَ الخؤونَ فــإنه على أهلِ بيتِ المصطفى الطهرِ قد أخنى
أناخَ لهم ريبَ المنــــــونِ فأصبــحتْ منازِلُهمْ منهمْ معطّـــــــــــــــــــلةَ المغنى
وذكرُ قتيلِ الطفِّ هيَّــــــــجَ لـــوعتي وأضرمَ نيــــــــــــــراني وأورثني حزنا
كأنّي بمولايَ الحسينِ وحــــــــــــوله جيوشُ ابن ســعدٍ قد علا السهلَ والحَزنا
وقد أقبلتْ مِن كـــــــــــــلِّ فجٍّ قبيـــلةٌ عساكرُ لا ترتادُ عنــــــــــــــها ولا تثنى
كتائبُ فيهمْ كل طاغٍ وكــــــــــــــافرٍ على بغضِ أهلِ البيتِ أضلــــــعُهمْ تُحنى
وقد إنثنى من جـــــــــاءه خـــيرُ فتيةٍ يهزُّونَ في يومِ القتــــــــــــــالِ القنا اللدنا
همُ أوردوا حوضَ المنــــــــــيَّةِ دونه وما استشعـــــــروا خـوفاً هناكَ ولا وهنا
ومولايَ ممنوعٌ مِن المـــــاءِ كـــــلّما تحرَّاهُ لاقى دونــــــــــه الضربَ والطعنا
يقولُ ألا من شـــــــــــــربةٍ ليْ فإنني لكربِ الظما قد صــــرتُ ذا جسدٍ مُضنى
ألمْ تعلموا أنِّي الحسيـــــــــنُ ووالدي عليٌّ وجــــــــــــــــــــدِّي يومَ خمٍّ له أدنى
فلم يتجافوا عنه خــــــــــــوفَ عقوبةٍ ولا ردَّهمْ عنه المقــــــــــــــالُ ولا أغنى
وشدَّ عليهمْ شدَّ ليثٍ غضنـــــــــــــفرٍ ونصلُ الحســـــامِ العضبِ في يدهِ اليمنى
يذودُ العــــدى عنــــه ويحمي حريمَه إذا ما بدا قــــــــــــــــــرنٌ له جدَّلَ القرنا
إلى أن أتاهُ حتـــــــــــــفُه وهو صائلٌ بسهمٍ طليــــــــــــــــــــقِ الحدِّ أقبلَ مُرثنّا
فخرَّ صريعـــــاً داميَ النــــحرِ ظامئاً فويقَ الثـــــــــــرى لم يلقَ غسلاً ولا دفنا
أقامَ ثلاثاً بالعـــــــــــــــــــراءِ تزورُه وحوشُ الفيـــــــافي من فرادى ومن مثنى
تجولُ عليه الخيلُ في أرضِ (كربلا) وقد هشّمت منـــــــــــــه الأضالعَ والمثنى
كأنَّ الحسينَ الطهر ليسَ لفـــــــــاطمٍ ولا لعليِّ المرتضــــــــــــــــى والنبي ابنا
فلهفي له والشمـــــــــــرُ يحتزُّ رأسَه ومنـــــــــــــــه دمُ الأوداجِ قد صبغَ الردنا
سأندبُ مولايَ الحسيـــــــــــنَ تفجُّعاً وأبكي له إذ عـــــــــــــسعـسَ الليلُ أو جُنّا
أنوحُ عليه كل يــــــــــــــــــومٍ وليلةٍ وأبكي عليه بالمــــــــــــــــــــدامعِ أو تُفنى
قتيلٌ بأرضِ الطفِّ أبكى مصــــــابُه ملائكةَ الرحمنِ والإنــــــــــــــــــسَ والجنا
لقد أورثوا الإســـــــــــــلامَ ذُلّاً بقتلِهِ وقد هدَّموا منه القـــــــــــــــــواعدَ والركنا
ومرَّ جوادُ الطهرِ نحـــــــــــوَ خيامِه حليـــــــــــفُ الجوى يُبـكي العيونَ إذا حَنّا
فلما رأينَ الطاهراتُ جـــــــــــــوادَه وقد قتلَ الأعـــــــــــــــــداءُ صاحبَه صِحْنا
بكينَ ونشّرنَ الشعورَ تفـجُّـــــــــــعاً بشجوٍ ويلطمـــــــــــــــــــنَ الخدودَ إذا قمنا
وزينبُ تدعوهُ أخـــــــي كنتَ عدَّتي إذا نــــــــــــــــــــابنا دهرٌ وكنتَ لنا حصنا
أخي قتّلوا الأطفالَ مـــن غيرِ رحمةٍ عطاشا ولا قينا النـــــــــــــــــــكالَ وعُذِّبنا
أخي شتّتَ الأعداءُ بعــــــــدَكَ شملَنا ومالوا علينا بالسبـــــــــــــــــــــــاءِ وهُتِّكنا
أخي يا أخي هذا الـــوداعُ ومـــــا له إيابٌ ولكن نظـــــــــــــــــــــرة منكَ زوِّدنا
أخي لو ترانا كالإمـــاءِ حواســــــراً نُجرُّ ومن طولِ المســــــــــــــــــافةِ قد ذُبنا
ونُسبى كما تســـبى الإماءُ ولم نــجدْ لنا ناصراً في النـــــــــــــــاسِ يردعهمْ عنّا
مُنينا من الأعـــــــــداءِ من بعدِ جدِّنا بما لم يكنْ في الناسِ خـــــــــــــلوٌ به يُمنى
فلو صدَّقوا فينـــــــــــــــا نبـوَّةَ أحمدٍ لما زبَّنونا عن مـــــــــــــــــــــواريثِنا زَبْنا
وساروا برأسِ السبطِ من فـوقِ ذابلٍ يلوحُ كبدرِ التمِّ في غســـــــــــــــــقِ الدجنا
إلى الظالمِ الطاغي يزيـــــــــــدَ فإنه بما قد جنى يستوجــــــــــــبُ السبَّ واللعنا
وينكتُ أسنانَ الحسينِ بعـــــــــــودِهِ ويبدي إذا من كفرِهِ ضاحـــــــــــــــــكاً سِنا
يقولُ ونيرانُ الحَقـــــــــــــــودِ بقلبِه تشبُّ وإعجاباً بأفعــــــــــــــــــــــــالِهِ غنى
إلا ليتَ أشيــــــــاخي ببدرٍ يرونَ ما فعلنا وفي أولادِ أحمــــــــــــــــــــــدَ وُرِّثنا
شفينا غليلاً منهـــــــــمُ في صدورِنا وسمنــــــــــــــــــــــاهمُ حتفاً وفيهمْ تحكَّمنا
أيا قارعاً سِنَّ الحسـيـــــــــــن تعمُّداً ستُقرعُ يومَ البعــــــــــــــــــثِ مـن ندمٍ سِنّا
ستأتي غداً زهـــــــراءُ فاطمُ تشتكي وقد خَضَّبتْ من نحرِه الجــــــــيـبَ والرِّدنا
تقولُ: إلهُ العــــــــرشِ خُذ بظلامتي فإنَّكَ عدلٌ في القضــــــــــــــاءِ وفي الوزنا
أيرجو الذي أردى الحسيـــنَ شفاعةً يفوزُ بها من جدِّهِ بــــــــــــــــــــئسَ ما ظنّا
أيا أمّةً حادتْ وضلّتْ عـــــن الهدى وآذتْ رسولَ اللهِ في النســـــــــــــبِ الأدنى
وحالتْ عن العــــهدِ القديمِ وأظهرتْ له أبداً تلك الحقـــــــــــــــــــــــائدَ والضغنا
كفرتمْ بربِّ العالميـــــــــــــــنَ وأنتمُ بما قد تعدَّيتمْ لنــــــــــــــــــارِ اللظى سكنى
أيا ســــــــــــــادتي يا آلَ بيتِ محمدٍ محبتكمْ يومَ الحســــــــــــــــــــــــابِ لنا كِنا
موالاتكمْ فــــــــرضٌ على كلِّ مسلمٍ لذاكَ تمسَّكــــــــــــــــــــــــــــنا بها وبها دِنّا
إذا جاوزَ المـرءُ النجـــــــاةَ ولم يجدْ له عملاً ينجيــــــــــــــــــــــــهِ كنتم له سفنا
يرومُ السكوني منكمُ أفضــــلَ الجزا وتبدلُ منه الخوفَ يا سيـــــــــــــــــدي أمنا
عليكم سلامُ اللهِ ما عســـعسَ الدجى وما ناحَ طيرٌ في الغصـــــــــــونِ وما غنى
..........................................................................
1 ــ دائرة المعارف الحسينية للكرباسي ــ ديوان القرن العاشر ج 2 ص 354 ـــ 359 نقلاً عن المجموعة الحسينية في مكتبة آل الحكيم العامة في النجف الأشرف رقم 131
2 ــ كامل سلمان الجبوري ــ معجم الأدباء من العصر الجاهلي حتى سنة 2002 م، دار الكتب العلمية، بيروت 1442 هـ / 2002 م ج 1 ص 18
3ــ ديوان أبي البحر الخطي ــ مؤسسة الانتشار العربي، بيروت ــ 2005 م تحقيق السيد عدنان محمد العوامي ــ باب الحياة الثقافية في البحرين من ابن المقرب إلى الخطي ج 2 ص 220
4ــ دائرة المعارف الحسينية للكرباسي ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 36 ــ 41
اترك تعليق