إبراهيم الطباطبائي: (1248 ـــ 1319 هـ / 1832 ـــ 1901 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (22) بيتاً:
لا بـل شجاكَ بيومِ وقعةِ (كربلا) رزءٌ له السبـــــعُ الشـدادُ تزعزعُ
يومٌ به كرَّ ابنُ حيــدرَ في العدى والبيضُ بالبيضِ القواضـبِ تُقرعُ
يعدو على الجيشِ اللهـــــامِ بفتيةٍ بالحزمِ للحـربِ العــــوانِ تدرَّعوا (1)
الشاعر:
السيد إبراهيم بن حسين بن رضا بن محمد بن مهدي بن مرتضى الطباطبائي الحسني بحر العلوم، ولد في النجف الأشرف، وكانت بواكير تعليمه على يد والده السيد حسين حيث تلقى على يديه العلوم الإسلامية مثل التفسير والفقه والأصول والكلام إضافة إلى الأدب، ولما بلغ مرحلة الشباب وجد أن عالم الأدب يأخذه واستهوته علوم العربية فدرسها وشغف بعلوم اللغة والمعاني والبيان والبديع والشعر، وتأثر بالشعراء الأقدمين وتميز بأسلوب شعري رصين اقتفى أثره مجموعة من كبار الشعراء منهم: الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، والشيخ محمد حرز الدين، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ عبد الحسين الحويزي، والشيخ علي الشرقي، والشيخ محمد السماوي، والشيخ عبد المحسن الكاظمي، والشيخ محمد حسين الكاظمي وغيرهم (2)
قال السيد محسن الأمين في ترجمته: (وآل بحر العلوم من بيوتات العلم الجليلة في العراق خرج منهم العدد الكثير والجم الغفير من جهابذة العلماء وأعيان الفضلاء ومن الشعراء والأدباء. كان المترجم شاعراً مجيداً تلوح عليه آثار السيادة وشرف النسب أبي النفس عالي الهمة حسن المعاشرة كريم الأخلاق لم يكتسب بشعره ولم يمدح أحداً لطلب بره، رأيناه في النجف وعاشرناه فكان أحسن الناس عشرة ومما قاله جامع ديوانه في حقه: نشأ وفيه ميل فطري للآداب فعكف عليها في إبان شبابه وكان مغرىً بغريب اللغة واستظهار شواردها. ذو حافظة قوية للغاية مفضلاً لأسلوب الطبقة الأولى طبقة البداوة على الأساليب الصناعية الحادثة واشتهر في شعره بطريقته العربية الصرفة حتى تألف لها حزب من أدباء العراق على عهده تخرج جماعتهم عليه وكانت له حلقة منهم لا يزال الناس يذكرونها ويصفون لهجته في كلامه وحسن تصويره للخاطر الذي يختلج في باله حتى كأنه يشير إلى شيء محسوس في الخارج كثير الارتجال والحفظ ربما نظم القصيدة كلها بينه وبين نفسه ثم يسردها جميعاً على من يكتبها) (3)
وقال السماوي: (من أكبر بيت شيد بالفضل والأدب، وهو يتلقى ذلك عن أب فأب، عاشرته فوجدته: شيخاً في ظرافة كهل، وأريحية فتى، وكان عفيف النفس، شريف الهمة، معتدل القامة إلى الطول، أسمر، أقنى، يترنم إذا أنشد شعره) (4)
يُخيَّل لمن يقرأ شعر الطباطبائي ويكتشف شاعريته أنه قد تخصص بالشعر فقط، ولكن البيت العلمي الذي ولد فيه ونشأ به ونهل من علومه، فتح له شتى أبواب العلم إضافة إلى الأدب والشعر، فبرع فيهما وسبر غورهما وجنى ثمارهما، فأضاف إلى علميته شاعرية كبيرة وكوَّن منهما ثقافة واسعة ما جعلته موسوعياً.
وهناك أقوال كثيرة فيه من قبل كبار شعراء العراق وقد تخرجوا على يدي الطباطبائي الذي تتلمذ على يد أبيه السيد حسين آل بحر العلوم في كافة العلوم ومنها الشعر والأدب.
يقول فيه علي الشرقي: (نشأ وفيه ميل فطري للآداب، فعكف عليها في أبان شبابه، وكان مغرىً بغريب اللغة وشواردها، ذو حافظة قوية للغاية، مفضِّلاً لأسلوب الطبقة الأولى طبقة البداوة، على الأساليب الصناعية الحادثة، أخذ الأدب والشعر عن أبيه وما أن بلغ العشرين إلا وبرع في العلوم الأدبية وبدأ بنظم الشعر ولم تمض برهة حتي طار ذكره في البلاد، واشتهر في شعره بطريقته العربية الصرفة، التي أحياها بعد اندراسها، حتي تألف لها حزب من أدباء العراق علي عهده، وتعصَّب لها قوم تخرج جماعتهم عليه، وهو أكثر رجالات الأدب المتأخرين تعهداً لمن يستفيد منه، وحرصاً علي تخريج من يأخذ عنه، ولذلك كانت له حلقة تلتف حوله من عشاق مسلكه، ولا يزال الناس يذكرون حلقته هذه، ويصفون لهجته في كلامه وحسن تصويره للخاطر الذي يختلج في باله حتى كأنه يشير إلى شيء محسوس في الخارج..) (5)
ويقول فيه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان فاضلاً، كاملاً، أديباً، شاعراً ماهراً، وله الشعر الرائق في الفنون المختلفة وكان يحذو في شعره حذو السيد الرضي، والأبيوردي وقد جمع شعره بعد وفاته ولده السيد حسن في ديوان بعد أن ذهب الكثير منه) (6)
ويقول الشيخ محمد رضا الأصفهاني: (هو من أشهر شعراء هذا العصر، بل من أفراد الدهر، وهو على ما خوّله الله من شرف الحسب والنسب، الركن العراقي لكعبة الفضل والأدب، وأبيات قصائده مقام إبراهيم الذي ينسلون إليه من كل حدب، كان قويّ الحافظة جزل الإداء يرتجل الشعر، وربما دعي لمناسبة مفاجأة فيقول القصيدة بطولها ويمليها بعد حين على كاتبه الخاص باسترسال، ورد مدحه على ألسنة الشعراء المعاصرين له، كالسيد جعفر ابن السيد أحمد الخرسان النجفي، والشيخ محمد السماوي، والشيخ إبراهيم صادق العاملي، والشيخ عبد الحسين الحويزي، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والسيد جعفر الحلي، والسيد موسى الطالقاني، والشيخ محسن الخضري وغيرهم وديوانه المطبوع بمطبعة صيدا ـ لبنان يحتوي على مختلف فنون الشعر، وعدة مراثي لشهداء كربلاء) (7)
وقال فيه السيد حيدر الحلي: (هو أصدق أهل الفضل روية وأملكهم لعنان الفصاحة، وأدلهم علي الصعب من المعاني كيف يروض جماحه الكاسي من أبهي حبر البداوة، العاري عن زبرج الحضارة) (8)
وقال فيه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (هذا هو سيد الأدباء والشعراء في عصره، بل هو عميدهم المقدم، وإمامهم المبجل الذي تنعقد عليه الخناصر وتتصاغر لديه الأكابر. وحقاً له ذلك. وهو – مع ما فيه من سعة الفضل وطول الباع في النظم وآداب العربية – جمع بين شرفي الحسب والنسب، والتليد من المجد والطريف، فهو شريف ابن شريف وحسيب ابن حسيب. كان له ولع بالشعر وانقطاع في الأغلب إليه علي شرفه ووقاره وعلو مقداره. وكانت تلازمه عدة ممن يحاول النظم وملكة الأدب ليقتبس من مقباسه، ويأخذ من أنفاسه، حتي تربى على مدرسة ملازمته، وتخرج على تلقي تعاليمه جملة من أدباء العصر في العراق) (9)
وقال فيه الشيخ محمد حرز الدين: (كان من الفضلاء البارزين، والأدباء الشهيرين والشعراء المحلقين، قوي الذاكرة، فكوراً مع حلم ودماثة أخلاق، لين العريكة علي جانب عظيم من التقي والصلاح وشرف النفس والإباء. صحبته سنيناً فلم أر فيه غير الصفات العالية، والكمالات النفسية وتدربت عليه في الشعر، وحدثني بأمور كثيرة ... وقد منحه الله سرعة الحافظة، فكان يحفظ أكثر شعره، ينظم القصيدة الكثيرة الأبيات في نفسه فيمليها دفعة واحدة ثم يكتبها، وكان لا يحب أن يستعمل الألفاظ المبتذلة في الشعر وإن لسيدنا المترجم له مدرسة خاصة للأدب والشعر تعنى بغزارة المعنى وجزالة اللفظ، تخرج منها جم غفير من كبار العلماء وفطاحل الأدباء والشعراء، نخص بالذكر منهم: الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، والشيخ محمد حرز الدين، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ عبد الحسين الحويزي والشيخ على الشرقي والشيخ محمد السماوي، والشيخ عبد المحسن الكاظمي - نزيل مصره - والشيخ محمد حسين الكاظمي...
كان قوي الحافظة، جزل الأداء، يرتجل الشعر، وربما دعي لمناسبة مفاجأة فيقول القصيدة - بطولها - ويمليها بعد حين على كاتبه الخاص باسترسال طبيعي كأنه السيل المنحدر.
ورد مدحه على ألسنة عامة الشعراء المعاصرين له، كالسيد جعفر ابن السيد أحمد الخرسان النجفي، والشيخ سلمان الفلاحي، والشيخ محمد السماوي والشيخ إبراهيم صادق العاملي، والشيخ عبد الحسين الحويزي، والسيد محمد سعيد الحبوبي، والسيد جعفر الحلي، والسيد موسى الطالقاني، والشيخ محسن الخضري، وغيرهم..) (10)
وهذه الشهادات الكبيرة من أعلام الشعراء وكبار الأدباء تكشف عن شاعرية نادرة لا تتكرر في كل عصر.
شعره
للطباطبائي ديوان شعر كبير يحتوى على مختلف فنون الشعر، جمعه ولده العلامة السيد حسن بحر العلوم، وطبع قسم منه باختيار تلميذه الشيخ علي الشرقي في صيدا بمطبعة العرفان سنة 1332 هـ (11)
قال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (20) بيتاً:
قطعتُ سهولَ يثربَ والهضـــــابا على شدنيّةٍ تطــــــوي الشعابا
سرتْ تطوي الفدافدَ والـــــروابي وتجتازُ المفــــــــاوزَ والرِّحابا
إذا انبعثتْ يثـــــــــورُ لـــــها قتامٌ لوجـهِ الشــــــمسِ تنسجُه نقابا
يجشّمــــــــها المهالـــــكَ مشمعلٌ يخوضُ من الرّدى بحراً عبابا
هـزبرٌ من بني الكـــــرارِ أضحى يؤلّبُ للوغى أُسْداً غِضـــــــابا
غداةَ تألّبتْ أرجـــــــــــاسُ حربٍ لتدركَ بالطفــــــوفِ لها طلابا
فكّر عليهمُ بليــــــــــوثِ غـــــابٍ لها اتخذتْ قنا الخـــــطيِّ غابا
إذا انتدبتْ وجرَّدتِ المـــــواضـي تضيّقَ في بني حربِ الـرحابا
وهبّ بها لحــــــربِ بني زيـــــادٍ لدى الهيجا قســـــاورةٌ صِلابا
فبينَ مشمرٍ للموتِ يـصبــــــــــــو صـبوَّ متيمٍ ولها تصـــــــــابى
وآخر في العدى يـعـدو فـــــيغــدو يكسّرُ في صدورِهم الـــحرابا
إلى أن غُودرت منـــــهم جســومٌ ترى قاني الدماءِ لها خضــــابا
وضلَّ يديـــــرُ فردُ الدهرِ طــرفاً ينـادي بالنصيرِ فلنْ يُجــــــــابا
يصولُ بأسمرٍ طوراً وطـــــــوراً بأبـيضَ صارمٍ يفري الرقــــابا
وأروعَ لم تُروّعه المنـــــــــــــايا إذا ازدلـفتْ تجـــــــــاذبه جذابا
يهزُّ مثقفاً ويســـــــــــــــلُّ عضباً كومـضِ البرقِ يلتهــــبُ التهابا
نضا للضـــــربِ قرضاباً صنيعاً أبى إلّا الرقــــــــــــابَ له قرابا
رمى ورموا سهامَ الحتفِ حـــتى إذا ما أخطأوا مــــــرمىً أصابا
إلى أن خرَّ مُنـــــــــعفراً كـــسته ســوافي الريحِ غـــــــــاديةً ثيابا
فوافته الفواطمُ معــــــــــــــولاتٍ بنــدبٍ منه صمُّ الصـــــخرِ ذابا
وزينبُ ثــــــــــاكلٌ تدعو بقـــلبٍ مُصـــابٍ يملأ الدنيا مُصـــــــابا
أيا غيث الـــورى إن عـــمَّ جدبٌ وغوثــهمُ إذا مــــــــا الدهرُ نابا
لقد سلبَ العـــــــــدى بالرغم منَّا رداءَ الصــونِ قســـراً والحجابا
على رغمِ العـلى والدينِ أضحتْ بنو حربٍ تـــجاذبُها النقـــــــــابا
بفرطِ حنينِها والدمــــــــعِ أمستْ تباري الرعدَ والــغيث انسكـــابا (12)
ولأبي الفضل العباس (عليه السلام) كتب الشاعر قصيدة تبلغ (29) بيتاً يقول فيها:
قِفْ بالطفوفِ وسلْ بهــــــــا أفواجَها وأثر أبا الفضلِ المثيـرَ عجاجَها
إن أُرتجتْ بــــــــــــابٌ تلاحكَ بالقنا بالسيفِ دونَ أخيــــهِ فكَّ رتاجَها
جلّى لها قمراً لهاشمَ ســـــــــــــــافراً ردَّ الكتــــــــائبَ كاشفاً إرهاجَها
ومشى لها مشـــــــي السبنتى مُخدراً قد هاجَ من بعدِ الطوى فــأهاجَها
أو أظلمتْ بالنقعِ ضــــــاحيةُ الـوغى بالبارقاتِ البيضِ شبَّ ســـراجَها
فاستامَها ضرباً يكيلُ طفيــــــــــــفَها ولّاجُ كلِّ مضيقةٍ فرّاجَــــــــــــها
يلقى الوجـــــــــــوهَ الكالحاتِ فينثني يفري بحدِّ صفيـــــــــحةٍ أوداجَها
كمْ ســــــــــوّرتْ علقاً أساريبُ الدما فرقى بها علماً وخاضَ عجـاجَها
أسدٌ يعدّ عداهُ ثلّةَ ربقـــــــــــــــــــــةٍ فغـدا ببرثنهِ يشلّ نعـــــــــــــاجَها
ومطحطـحٍ بالخيــــــــــلِ في ملمومةٍ حرجتْ فوسّعَ بالحســامِ حراجَها
ما زلت تـلقحُ عقمَ كل كتيـــــــــــــبةٍ حتى إذا نتجـــــــتْ أريتَ نتاجَها
ولكمْ طغتْ غيــــــــــــــــاً ولجّ بغيّها فقطعتَ بالعضبِ الجرازِ لجاجَها
ضجَّتْ من الضـربِ الدراكِ فألحقتْ بعنانِ آفاقِ السمـــــــاءِ ضجاجَها
فإذا التوت عـــــــــــوجاً أنابيبُ القنا بالطعنِ قامَ مـقوِّمـــــــــاً إعواجَها
ركبُ الجيادِ إذا الصــــــريخُ دعا به معرية لم يـنتظـــــــــــرْ إسراجها
الباسمُ العبـــــــــــــــاسُ ما من خطةٍ إلا وكـانَ نميرَها وأجــــــــــاجَها
وردَ الفراتَ أخو الفـــــــراتِ بمهجةٍ رشفـتْ بمعبوطِ الدما زجَّـــــاجَها
قد همَّ منه بنهــــــــــــــــــلةٍ حتى إذا ذكرَ الحسيـــــنَ رمى بها ثجّاجَها
مزجتْ أحبتُه له بنفوسِــــــــــــــــــها نفساً من الصــهباءِ خلتَ مزاجَها
ما ضرَّ يا عبــــــــــاس جلواء السما لو وشّحت بكَ شهبَــــــها أبراجَها
أبكيكَ منجـــــــــــــــدلاً بأرضٍ قفرةٍ بكَ قد رَفعتَ على السماءِ فجاجَها
أبكيكَ مبكى الفـــــــــــــاقداتِ جنينَها ذكرتْ فهـاجَ رنينها مــــن هاجَها
أبكيكَ مقطوعَ اليدينِ بعـــــــــــــــلقمٍ أجرتْ يـداكَ بعذبِهِ أمـــــــــواجَها
وبرغمِ أنفِ الدينِ منــــــــكَ بموكبٍ تقضي سـيوفُ بني أميةَ حــــاجَها
قد كنتَ درّتها على إكليـــــــــــــــلِها قد زينتْ بـكَ في المفارقِ تـــاجَها
ولحاجتي يا أنسَ نــــــــــاظرةِ العلى لو قد جعلتـكَ للعيونِ حجــــــاجَها (13)
ومن شعره في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):
أشجاكَ رسمُ الدارِ مــــــــــــالكَ مولعُ أمْ هلْ شجــاكَ بسفحِ رامةَ مـربعُ
وأراكَ مهما جـزتَ وادي المنـــــحنى لكَ مقلةٌ عبــــــرى وقلبٌ موجـعُ
لا بلْ شجاكَ بيومِ وقــــــــعةِ (كربلا) رزءٌ له السبعُ الشـــــدادُ تزعـزعُ
يومٌ به كرَّ ابنُ حيـــــــــدرَ في العدى والبيضُ بالبيضِ القواضبِ تقـرعُ
يعدو على الجيـشِ اللهـــــــــــامِ بفتيةٍ بالحزمِ للحربِ العــــوانِ تدرَّعوا
يقتادهمْ عند الكــــــــــــــــريهةِ أغلبٌ ثبِتُ الحشا من آلِ غــــالبَ أروُع
من كلِّ مرهـــــــوبِ اللقاءِ إذا انبرى نحوَ الكتائبِ والذوابــــــــلِ شَّرعُ
يعدو فيغــــــدو الـرمحُ يرعفُ عندماً والسيفُ في علقِ الجماجــمِ يكرعُ
حتى هووا صرعى ترضُّ لهـم قرى بسنابكِ الجُردِ العتــــــــاقِ وأضلعُ
وغدى ابنُ أمّ المــوتِ فـرداً لا يـرى عوناً يحامي عن حمـــــــاهُ ويمنعُ
فغدا يصولُ بعزمـــــــــــةٍ من بـأسِهِ كادتْ له الشمُّ الجبالُ تــصـــــــدَّعُ
تلقاهُ إن حميَ الوغــــــــــــى متهللاً يلقى الوغى بأغرِّ وجهٍ يـســـــــطعُ
يسطو فيختطفُ النفوسَ بصــــــارمٍ كالبرقِ يقدحُ بالشـــــــــــرارِ فيلمعُ
وهوى برغمِ المكرماتِ فقلْ هـــوى من شـامخِ العلياءِ طودٌ أمنـــــــــــعُ
شلواً تناهبه الصــــــــــــوارمُ والقنا والرأسُ مـنه على قناةٍ يُـــــــــــرفعُ
وابتُزَّ ضوءُ الشمـــــــسِ حزناً بعده فالأفقُ مغبـرٌّ الجوانبِ أســـــــــــفعُ
لهفي لزينـــــــــبَ وهيَ تندبُ ندبها وجفــــــــــونُها تهمي المدامعَ هُمَعُ
تدعو من القلــــــــــبِ الشجيِّ بلهفةٍ شجواً يكــــــــادُ لها الصفا يتصدَّعُ
تدعو أُخيَّ حسيـــنُ يا غوثَ الورى في النائبــــــــاتِ ومن إليهِ المفزعُ
أحسينُ من يحمي الفــــواطمَ حُسَّراً أمستْ ومَن للشمــــــلِ بعدكَ يجمعُ
أسرى تُقنّعُ بالسياطِ متــــــــــــونَها لهفي لآلِ اللهِ حيــــــــــــــــــنَ تقنّعُ
سَلبتْ براقعَها العداةُ فعــــــــــــاذرٌ لو أصبحــــــــــــــتْ بأكفِّها تتبرقعُ (14)
وللشاعر قصيدة تبلغ (45) بيتاً في رثاء بطل الأنصار وقائدهم حبيب بن مظاهر (عليه السلام) يمجد الوقفة البطولية له ولأصحابه الشهداء يقول فيها:
أحبيبُ أنت إلى الحسيـــــــن حبيبُ إن لم ينط نسبٌ فأنــــــــتَ نسيبُ
يا مرحباً بابن المظــــــــاهر بالولا لو كان ينهضُ بالـــــولا الترحيبُ
شأنٌ يشقّ على الضـــــراحِ مرامُه بعداً وقبركَ والضــــــــريحُ قريبُ
قد أخلصت طـرفي عُــــلاك نجيبة من قومِها وأبٌ أغـــــــــــرّ نجيبُ
بأبي المفدّي نفـــــــــسه عن رغـبةٍ لم يدعه التـرهيـــــــبُ والترغيبُ
ما زاغَ قلباً من صفـوفِ أميــــــــةٍ يومَ استطــــــارتْ للــرجالِ قلوبُ
يا حاملاً ذاكَ اللواءَ مـــــــــــرفرفاً كيف التوى ذاك اللوى المضروبُ
للهِ من علمٍ هــــــــــــــــوى وبـكفِّهِ علمُ الحسينِ الخافقُ الـــمـــنصوبُ
أبني المـــــــــواطر بالأسنةِ رعّــفاً في حيث لا برقُ السيوفِ خــلوبُ
غالبتمُ نفراً بضفَّةِ نينــــــــــــــــوى فغُلـبتمُ والغــــــــــــــالبُ المغلوبُ
كنتمْ قواعدَ للهـــــــــــدى ما هــدّها ليـلُ الضلالِ الحــــــــالكُ الغرِّيبُ
شابٌ وأشيـــــــــبُ يستهلُّ بوجــهِهِ قـمرُ السما والكوكبُ المــــــشبوبُ
ومنها يذكر الشهداء زهير بن القين، وبرير بن خضير، وهلال بن نافع الجملي، وعابس بن أبي شبيب الشاكري، ووهب، ومسلم بن عوسجة وتعد ملحمة شعرية حسينية يقول فيها:
فزهيرُها طلقُ الجبينِ ويــــــــــعده وهـبٌ ولكن للحياةِ وهـــــــــــــوبُ
وهلالُها في الروعِ وابـــنُ شــبيبِها وبريرُها المتنــــــــــــمِّرُ المذروبُ
والليثُ مسلمُها ابن عوسجــةَ الذي سلمُ الحتوفَ وللحــــــروبِ حريبُ
آســـــــــــــادُ ملحمةٍ وسُـــمُّ أساودٍ وشـواظ برقِ صـــــــــوارمٍ ولهيبُ
الراكبين الهـــــولَ لــــم ينكبْ بهم وهـنٌ ولا ســـــــــــــــأمٌ ولا تنكيبُ
والمالكينَ على المــــكــاشحِ نفسها والعــاتقينَ النفسَ حيـــــــــنَ تؤوبُ
قومٌ إذا سمعوا الصــــــريخَ تدفقوا جريــاً كما يـتدفقُ الشــــــــــــؤبوبُ
وفــوارسٌ حشوُ الـــــدروعِ كأنّهم تحتَ الجـــــــــواشنِ يذبـلٌ وعسيبُ
أو أنهم في الســـــابقــاتِ أراقمُ الـ ـوادي يبـــــــــاكرُها النــدى فتسيبُ
ساموا العدى ضرباً وطـعناً فيـهما غنّى الحسامُ وهـــــــــلهـلَ الأنبوبُ
من كلِّ وضَّاحِ الجبيـــــــنِ مغامرٍ ضـرباً وللبيــضِ الرقــــاقِ ضريبُ
إن ضاقَ وافي الدرع مـنه بمنكبٍ ضـخمٍ فصدرُ الــعزمِ منــــه رحيبُ
مالانَ مغمزُ عـودِهِ ولربَّـــــــــــما يـتقــصّفُ الخطـيُّ وهو صـــــــليبُ
ومعمَّمٌ بالسيــــــــفِ معـتصبٌ بهِ واليــــوم يومٌ بالطـفوفِ عصيــــــبُ
ما زالَ منصلتاً يــــــــــذبُّ بسيفِهِ نــــمراً وأيــن من الأزلِّ الذيــــــــبُ
تلقاهُ في أولى الجيادِ معــــــــامراً وسواهُ فــي أخـــرى الجيادِ هيـــوبُ
يلقى الكتيبةَ وهو طلقُ المجـــتلي جذلانَ يبســــمُ والحِمـــــــــامُ قطوبُ
طربُ المسامعِ في الوغى لكـــنه بصليلِ قــرعِ المشرفيِّ طــــــــروبُ
واهاً بني الكرمِ الأولى كم فيـــكمُ ندبٌ هــوى وبصفحتــــــــــيهِ ندوبُ
أبكيكمُ ولكم بقلبـــــــــــــي قرحةٌ أبداً وجــــرحٌ في الفــــــــؤادِ رغيبُ
ومدامعٌ فوقَ الخدودِ تـذبــــــذبتْ أقراطها وحـــــشاً تكادُ تـــــــــــذوبُ
حنَّ الفؤادُ إليـــــــــــــكمُ فتعلّمتْ منه الحنيــنَ الــرازحـــــــــاتُ النيبُ
تهفو القلوبُ صوادياً لقبـــــوركمْ فكــأنَّ هاتيكَ القـــبور قــــــــــــــليبُ
قربتْ ضرائحـــكمْ على زوَّارِها ومــزورُها للزائــــــــــــــرينَ مُجيبُ
وزكتْ نفوسكمُ فطــــابَ أريجُها في حــيث نشرُ المـســـكِ فيــه يطيبُ
جرّتْ عليكمْ عبرتي هــــــــدّابها فجرى عليـكمْ دمعـــــيَ المســـــكوبُ
بكرتْ إليكمْ نفحةٌ غرويـــــــــــةٌ وسرت عليكمْ شـمـــألٌ وجنــــــــوبُ (15)
وقال من قصيدة تبلغ (37) بيتاً:
غداةَ الطفِّ حينَ طغــــــــاةُ حربٍ عكفنَ عليهِ بــــــاللدُنِ الطوالِ
إذا احتضنَ الكميتَ تكنَّـــــــــــــفته أراقـمُ مِن بني عـمٍّ وخـــــــالِ
تخالهمُ إذا ركبــــــــــــــوا العوادي جبالاً قد ركبنَ عـلـــــى جبالِ
أباةٌ من بني مضرٍ حــــــــــــــــماةٌ حموا خدرَ الفواطـــمَ بالنضالِ
غداةَ السبطِ وهــــــــــــوَ نبيلُ فهرٍ غدا غـرضاً لغـــــــاشيةِ النبالِ
فصــــــــــــــــارَ إذا أصابـته سهامٌ تكسَّـرتِ النصالُ على النصالِ
عجبتُ يموتُ من ظمأ ويـجري الـ ـفراتُ الــــعذبُ يطفحُ بالزُّلالِ
له الماءُ الحلالُ فـكيفَ حــــــــربٌ تحلؤهُ عــن المـــــــــاءِ الحلالِ (16)
وقال من أخرى تبلغ (25) بيتاً:
فللهِ من فتيانِ صــــــــــــدقٍ تآزروا لنـــــــصرِ ابنِ طهَ قبلَ شدِّ المآزرِ
إذا انتدبوا تحتَ العجاجِ تــــــطالعتْ فــــــــوارسُهمْ تهفو بشعثِ الغدائرِ
رجالٌ إذا اشتدَّ الضـــــــرابُ رأيتها تشدُّ كأمثــــــــــالِ النسورِ الكواسرِ
وإن هيَ أمَّتْ معــركَ الحربِ ثلّمتْ حدودَ المواضي في نحورِ القساورِ
يغوصُ بها الضـربُ الدراكُ فتلتوي تلوّيَ مهصورِ الحـشى والخواصرِ
إلى أن تهـــــــاوتْ بالقنا الملدِ بعدما أطنَّتْ أنابيبَ القنا المُتشـــــــــــاجرِ
فتلكَ بجنبِ الطفِّ أضحتْ جسومُهم عواريَ لو لم ترتدي بالمــــــــفاخرِ
تروحُ عليه الصافنــــــــاتُ وتـغتدي برضِّ القوى منها بوطءِ الحـــوافرِ
ولهفي لربَّاتِ الخدورِ وقـــــــد بدتْ سوافرَ تدعــــــــو بالليوثِ الخوادرِ (17)
وقال من قصيدة تبلغ (28) بيتاً:
سَلْ إن عرفتَ الدارَ عن سُكّانِــــــها وانشدْ بها قــــــلباً رهينَ ضمانِها
واسبلْ دموعَ المقلتينِ بــــــــــــزفرةٍ تتوقَّـــــــــدُ الأحـشاءُ مِن نيرانِها
جارَ الزمانُ بها فــــــــــامحلَ ربعَها دهــراً وكانَ الدهـرُ طوعَ عنانِها
قد أصبـــــــــــــحتْ قفراً يباباً بعدما أمسى شقيقُ الروضِ مِن ندمانِها
وإذا مررتَ على الطفوفِ فطفْ بها وانعَ ابنَ فاطمةٍ وعـــــقدَ جمانِها
لــــــــــــــم أنسَه وبنيهِ يومَ تحوطهمْ أرجاسُ حربٍ من بنـــي سفيانِها
فانصاعَ يخــــترقُ الصفوفَ بصارمٍ ما انفكَّ يقطرُ من دمـــا فرسانِها
بطلٌ يكرُّ عليهــــــــــــــــمُ بضراغمٍ ترتاعُ منها الأسْدُ يـــــومَ طعانِها
آسادُ حربٍ في الكــــــــريهةِ لمْ تجدْ عوناً سوى الهنديِّ مِـــن أعوانِها
ويريهمُ بـالسمهريةِ إن ســـــــــــــطا طعناً يشيبُ المردَ مـــــن شبانِها
حتى إذا شــــــــــــاءَ الألهُ بأن يُرى ملقىً بمهمهةٍ على كثبـــــــــــانِها
فهوى على وجـــــــهِ الصعيدِ مُعفَّراً تجري عليهِ الخيلُ في ميدانِـــــها
صادي الحشاشةِ لا يبــــــــــلُّ غليله أفديهِ من صــادي الحشا ظمـآنِها
وحشُ الفلا تبكيهِ في فلــــــــــــواتِها وحمائمُ الأغصانِ في أغصــانِها
للّهِ يومُكَ يا ابنَ بنــــــــــــــتِ محمدٍ ماجتْ له الأفلاكُ في سكّــــــانِها
مَن مبلغٌ عليــــــــــــــا نزارَ وهاشمٍ وبني الفواطمَ من بني عدنانِــــها
إِنَّ الحسينَ وصحبَه أيـــــدي العدى حملتْ رؤوسَهمُ على خــرصانِها
تخذتْ قراها الخيــــــلُ مركضةً لها تعدو عواديها على جثــــــــمانِها
وجنتْ على سبطِ النبــــيِّ وأظهرتْ من حقدِها ما أضمرتْ بجَـــنانِها
تباً لها من عصبةٍ أمـــــــــــــــــويةٍ نقضُ المواثقِ لمْ يزلْ مِن شــانِها
نقضتْ عهودَ المصطفى ببنيـــهِ في يومٍ تمادى الغيُّ في خذلانِـــــــها
لهفي لزينبَ وهيَ تندبُ ندبَـــــــــها ودموعُـــــــــها تنهلُّ من أجفانِها
ترنو إلـــــــــــى السجَّادِ وهوَ مكبَّلٌ فيــــــزيـدُها شجواً على أشجانِها
قطعوا بها قفرَ الفــــــــــــلاةِ بضلَّعٍ تكبو مــــــن الإعياءِ في وخدانِها
هيماءَ صالية الهجيرِ مِــــــن الظما تهوى سبــــاعُ الطيرِ في وديانِها
وإليكــــــــــــــــــمُ آلَ النبيِّ خريدةً بكمُ يضــــوعُ المسكُ مـن أردانِها
غرَّاءَ مِن دررِ الدمــــــــوعِ مُنـظّمٍ برثــــائكـــــمْ منثورَ عـقدِ جُمانِها
أهديتها لكمُ وحسبيَ منــــــــــــــكمُ غرفٌ مُشيَّدةٌ بخــــــــــــلدِ جنانِها (18)
..................................................................................
1 ــ أدب الطّف جزء 8 ص 165 ــ 166
2 ــ مقدمة الفوائد الرجالية للسيد محمد مهدي بحر العلوم بتحقيق وتعليق السيدين محمد صادق، وحسين بحر العلوم ج ١ ص ١٤٢ / شعراء الغري ج 1 ص 117
3 ــ أعيان الشيعة ج ٢ ص ١٣٠
4 ــ الطليعة ج 1 ص 1
5 ــ شعراء الغري ج 1 ص 115 / أعيان الشيعة ج 2 ص 130 / مقدمة الفوائد الرجالية ج ١ص ١٤٠
6 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 7 ص 140
7 ــ نقل قوله السيد جواد شبر، أدب الطف ج 8 ص 163 / الأستاذ علي الخاقاني، شعراء الغري ج 1 ص 118 / مقدمة الفوائد الرجالية ج ١ ص ١٤٠ عن كتاب حلي الزمن العاطل فيمن أدركته من الأفاضل للأصفهاني
8 ــ مقدمة الفوائد الرجالية ج ١ ص ١٤٠ عن العقد المفصل في قبيلة المجد المؤثل للسيد حيدر الحلي
9 ــ تعليقته علي ديوان السيد جعفر الحلي ص 440
10 ــ معارف الرجال ج 1 ص 32
11 ــ الفوائد الرجالية ج ١ ص ١٤٢
12 ــ أدب الطّف جزء 8 ص 162 ــ 163
13 ــ نفس المصدر ص 164 ــ 165
14 ــ نفس المصدر ص 165 ــ 166
15 ــ نفس المصدر ص 165 ــ 167
16 ــ الطليعة ج 1 ص 4 / الأدباء من آل أبي طالب للسيد مهدي رجائي الموسوي ج 1 ص15
17 ــ الأدباء من آل أبي طالب ج 1 ص 13
18 ــ الأدباء من آل أبي طالب ص 16 ــ 17
كما ترجم له:
محمد مهدي البصير / نهضة العراق الأدبية في القرن التاسع عشر ص 138
أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 ص 15
محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 212
اترك تعليق