سعى الانسان بصورة حثيثة وبكل ما أوتي من دوافع واستعدادات لتحويل انفعالاته الوجدانية ومدركاته الحسية الى اشكال مرئية.. من خلال كل ما أبدعه على امتداد تأريخه الفكري والحضاري، مستعيناً على ذلك بتظافر طاقات الذهن في بلورة الصورة التخيلية المبتغاة وفق آليات الخيال والتخييل من جهة، وتطور الامكانيات الفنية التقنية التي أتاحت المجال للتعامل مع مختلف المواد والخامات الفنية من جهة اخرى، والتي أستطاع من خلالها أن ينجز ويبدع فنونه وابداعاته المختلفة.
اللوحة من ابداع الفنان التشكيلي حسن روح الامين، نفذها الفنان تجسيداً للحظة وداع بضعة رسول الله السيدة الزهراء سلام الله عليها قبل نقل جثمانها الطاهر في جوف الليل ليوارى الثرى.. وهي جزء من مجموعة لوحات فنية ابصرت النور في معرض شخصي للفنان تحت عنوان "الحق مع علي" ، وقد نفذت احداث اللوحة بريشته الولائية ومخيلته الواسعة.. التي لطالما ابدع من خلالها في تصوير مشاهد من حياة اهل البيت عليهم السلام، وكما هو معتاد لدى الفنان فقد استخدم تقنية الزيت على القماش بتنفيذها وبأسلوب واقعي، معتمدا في طرح فكرة العمل للمتلقي على مخيلته الواسعة وملكته الفنية العالية وذاته المتوسمة بحب آل البيت الاطهار سلام الله عليهم.
لقد جسد روح الامين احداث اللوحة وشخوصها اقتراباً من المرجعية التاريخية لحادثة استشهاد الزهراء عليها السلام الواردة في المرويات حينما قام امير المؤمنين عليه السلام ومعه أسماء والحسن والحسين عليهما السلام، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم بعد ادراج الزهراء سلام الله عليها في أكفانها ليلقوا النظرة الأخيرة عليها قبل ان توارى الثرى في جوف الليل وتنفيذ وصيتها بأن يُوارِي جثمانها الطاهر في غَلس اللَّيل وأن لا يُشَيِّعُها أحد ممن ظَلمُوهَا.. و أن يعفي موضع قبرها ..
استطاع حسن روح الامين ان يتحكم بهذه الرائعة الفنية من خلال شخوص اللوحة وتجسيد الحادث الجلل الذي تمثله، فقد عني بالألوان وتحكم بها بحنكة ودراية فنية عاليتين، و شرع باستخدام الالوان الداكنة وبدرجات متفاوتة من الازرق والأخضر والبني وخليط من الابيض والاصفر لتمييز زمان ومكان اللوحة، حيث سعى لاستحضار اغلب مفرداته للتوسيم المكاني للحادثة، فالمشهد إقرار واضح للحظة الانتهاء من تكفين السيدة الزهراء عليها السلام وهي علامات لازمة في استكمال المحاكاة الواقعية للحادثة المراد تمثيلها، وقد عمد ايضاً الى اللجوء الى الاسلوب الانطباعي في الرسم من جانب آخر لتلعب الانطباعية دورها كأساس للتعبير واختيار الزمن واتاحة الفرصة والحرية الكاملة للألوان والخطوط للنطق بمشهد جمالي حاضن للعنصر الأساسي للوحة وهو الحزن المطبق على اجواء اللوحة والذي حرص الرسام لنقله الى المتلقي بإخلاص.
تم تشييد التكوين الفني اعلاه وفق مستوى شكلي وآخر دلالي، اما الشكلي فقد اجتهد الفنان من خلاله الى أن يكون تكويناً فنياً مفتوحاً حاضناً لكل العلاقات اللونية والخطية والتنظيمية من خلال إنتاج أشكال تقترب من فكرة الموضوع الأساسية- استشهاد السيدة الزهراء سلام لله عليها -، اما المستوى الدلالي فقد جاء به الفنان من خلال إرساله لمجموعة من العلامات المدركة جمعياً في الذهن – مقاربة العناصر المكونة للوحة مع المرويات -، والتي يستدل من خلالها إلى الشخصيات المشبه لها في اللوحة بغض النظر عن ملامح الاشكال او البحث في عملية التطابق الحرفي مع المرويات.. وهنا يبدو جلياً للمشاهد المتابع ان روح الامين قد انطلق في هذه الرائعة الفنية – كما هو معتاد في اسلوبه الفني - من منطلق ان أدوات التعبير الأساسية المتمثلة بالخطوط والالوان، لا يمكن لها أن تبني شكلاً دون الرجوع إلى مرجعياته التاريخية والعقائدية وبالخصوص في مثل هذه المواضيع، وهي بالتأكيد سمة اختصت بها الرسوم المعبرة عن مظلومية اهل بيت النبوة الاطهار عليهم السلام.. ولذلك حاول الرسام أن يمثل الجمال الطبيعي في أشكاله بعيداً عن تشخيص الملامح، وكان كل ما في اللوحة من شخوص وعناصر يمثل عنصراً سيادياً بحد ذاته، فكل له دوره وموضوعه المنفرد، فالفنان قد بدأ العملية التنظيمية والتنسيقية في بناء شكل النعش - الذي عُد المركز السيادي الرئيسي المؤثر والرابط للمراكز السيادية وعناصر اللوحة الاخرى- بطريقة نحتية حولت فرشاة الرسام إلى أزميل نحت يصوغ من خلاله طيات قماش غطاء النعش الابيض وهيئات شخوص اللوحة الاخرى المتوازنة الكتل وبدقة عالية.
اعظم الله لنا ولكم الاجر بحلول ذكرى الفاجعة الفاطمية الأليمة والمصيبة العـَظيمة بشهادة سيدة النساء فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليهما الصلاة والسلام .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق