المفجّع البصري... شاعر البصرة وأديبها

إن كان قيلَ لي المفجّع نبزاً   ***   فلعمري أنا المفجّع هماً

هذا البيت للشاعر المفجّع يعطي صورة واضحة لحالته النفسية والاجتماعية، فهو يعيش حالة مستديمة من التفجّع بينما لا يدرك من (ينبّز) هذا اللقب عليه، الحالة التي كان يعيشها، فحياة شاعر أهل البيت (عليهم السلام) المفجّع البصري هي عبارة عن رحلة شاقة مع الألم والمعاناة وشأنه شأن الكثيرين من شعراء أهل البيت في وقوفهم إلى جانب الحق وتصدّيهم للسلطات الجائرة حتى اختتمت حياته بالشهادة، لكن الذي ميّز هذا الشاعر هو الغبن الذي لاقاه في حياته وبعد مماته فقد سلبته يد الكتاب والمؤرخين والمحرّفين حتى لقبه الذي صنعه بولائه وعقيدته فحاولوا تحريفه.

يقول عنه الشيخ الأميني: (أوحدي من رجالات العلم والحديث، وواسطة العقد بين أئمة اللغة والأدب، وبيت القصيد في صياغة القريض، ومن المعدودين من أصحابنا الإمامية، مدحوه بحسن العقيدة، وسلامة المذهب، وسداد الرأي، وكان كل جنوحه إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد أكثر في شعره من الثناء عليهم، والتفجع لما انتابهم من المصائب والفوادح، فلم يزل على ذلك حتى لقبه مناوئوه المتنابزون بالألقاب بـ (المفجع) وإليه يوعز بقوله:

إن يكن قيل لي: المفجع نبزاً   ***   فلعمري أنا المفجع هما

ثم صار لقباً له حتى عند أوليائه لذلك السبب المذكور). (1)  

المفجوع

لم يكن (المفجّع) مفجّعاً لتفجّعه على أهل البيت وما جرى عليهم من المآسي فقط، بل كان (المفجوع) أيضاً، وأول من فُجع به، أدبه الذي تشير المصادر إلى أنه كان أدباً قلّ نظيره في تاريخ الأدب العربي، أما ما أُبرِز منه فقد تم على يد مجموعة من العلماء الأعلام المتأخرين الذين سبروا غور الكتب ليتحفوا المكتبة الأدبية بتراث ثرٍ وأدب نفيس.

يقول الأميني: (ثم أن المصرّح به في معجمي الشعراء والأدباء للمرزباني والحموي، والوافي بالوفيات للصفدي: إن المترجم من المكثرين من الشعر، وذكر ابن النديم أن شعره في مائة ورقة، ويؤكده ما قاله النجاشي والعلامة من أن له شعراً كثيراً في أهل البيت (عليهم السلام)، وهو الذي يعطيه وصفهم له من أنه كان كاتباً شاعراً بصيراً بالغريب كما في (مروج الذهب)، ومن أنه من وجوه أهل اللغة والأدب، وقال أبو محمد ابن بشران: كان شاعر البصرة وأديبها، وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة والمصنفات وشعره مشهور، وكان أبو عبد الله الأكفاني راويته، وكتب لي بخطه من مليح شعره شيئاً كثيراً، وشعره كثير حسن ...). (2)

وإذا كان المفجع بعيداً عن بلاط الخلافة ولم يمدح بشعره سوى من يستحق ذلك، فهو من الطبيعي أن تناله هذه الجفوة من المؤرخين، ولكن السؤال الذي يشغل الأذهان هو: أين ذهب المهتمون بالأدب من طلاب العلم, والغيورون على الأدب ؟ وما السبب في تغافلهم عن أدب رفيع وعَلَم مهم كأدب المفجع وعلمه ؟

أليس من العجيب أن يصفه التاريخ بالمفجّع ويعزو سبب ذلك لـ (تفجعه على أهل البيت عليهم السلام) ولا نرى من شعره في أهل البيت إلّا النزر اليسير ؟

إذن هناك يد أخرى غير يد السلطة العباسية كانت تعبث بهذا الأدب في الظلام، إنها يد العصبية العمياء. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك تركناها خشية الإطالة، ونحيل القارئ العزيز إلى كثير من مصادر الأدب المعتبرة ليطلع عن كثب على تلك الأمثلة، فإذا كان من الشعراء من يقول قطعة في مدح أهل البيت عليهم السلام، فأنك تراها قد أسقطت من ديوانه حتى تُنسى وتضيَّع فكيف بالمفجّع الذي لم يمدح ولم يهجِ إلّا لحبه لأهل البيت وبغضه لأعدائهم.

كان المفجّع كثير النتاج غزيراً بالمؤلفات في فنون العلم والأدب. فهو شاعر البصرة وأديبها. وإيضاحاً للحقيقة نورد بعضاً مما قيل فيه ليستشف القارئ مدى جناية المؤرخين عليه وقياس ما أنتجه مع ما هو موجود.

قال عنه ياقوت الحموي: (وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة والمصنفات). (3)

وقال الثعالبي: (وله مصنفات كثيرة وهو صاحب ابن دريد والقائم مقامه بالبصرة في التأليف والإملاء). (4)

أما بالنسبة إلى شعره فكل ما احتوى ديوانه الذي جمعه وحققه الأستاذ عبد الرسول الغفار هو (285) بيتاً، بينما تثبت الروايات التي جاءت بحقه على أنه كان شاعراً مجيداً مُكثراً وأغلب شعره في أهل البيت (عليهم السلام) والتفجّع على مصائبهم حتى لُقب بالمفجّع، ونقتطع من هذه الروايات نماذج قليلة ليتبين حجم الشعر الكثير الذي ضاع أو بالأحرى أُضيع.

قال القفطي: (وكان - أي المفجع - صحيح المذهب سُمّي بالمفجّع) (5),

وقال المرزباني: (وهو شاعر مُكثر عالم أديب) (6)،

وقال النجاشي: (وله شعر كثير في أهل البيت عليهم السلام) (7)

وقال الحموي: (وشعر أبي عبد الله المفجّع كثير حسن). (8)

ووفقاً لهذه الشهادات من كبار الرواة يتّضح لنا أن شعره قد جُمع في حياته أو بعد مماته بقليل ويؤكد ذلك ابن النديم حيث يقول: (إن شعر المفجع أبو عبد الله البصري يقع نحو مائتي ورقة). (9) ويقدر الأستاذ عبد الرسول الغفار ديوان المفجع بـ (أربعة آلاف بيت) (10) أي بحجم ديوان المتنبي، فأين ذهب...؟!

ونجد بعض الجواب على ذلك عند الأستاذ عبد الرسول الغفار ــ محقق ديوان المفجع ــ حيث يقول: (كان صاحبنا المفجَّع من أولئك القلة الذين عصمهم الله من تأثير الزمان والسلطان، ودفع شاعرنا ضريبة أدبه بخمول ذكره، حتى ضاع شعره. ولو أن المفجع البصري كان يضع أدبه في خدمة السلاطين، يطربهم ويمدحهم، عوض أن يتفجّع على مصائب أهل البيت (عليهم السلام)، كما يوحي بذلك لقبه، أجل، لو كان يساير عصره لكان له شأن غير هذا الشأن، ولحفلت بذكره الكتب والمعاجم) (11).

على كل حال ليس هناك جواب حازم عن هذا السؤال سوى ما أفرزته طبيعة تلك الفترة من الصراع السياسي والمذهبي الذي لعب دوراً كبيراً في إضاعة كثير من التراث الأدبي والفكري إضافة إلى تزييف الحقائق المقررة، وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مطولة.

نُسخ الديوان

ولنعد إلى ما هو موجود في ديوان المفجع، فقد ضمَّ الديوان نُتفاً وقطعاً وقصائد قصيرة (بين البيتين والخمسة عشر بيتاً) إضافة إلى قصيدة (الأشباه) التي تعد من غرر شعر المفجّع وهي بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد عثر المحقق على نسخة من هذه القصيدة مع شرحها بخط الشيخ أحمد نجف علي الأميني التبريزي وتاريخ نسخها سنة (1354هـ) في إيران وقد أهداها إلى العلامة الشيخ محمد السماوي في النجف الأشرف في نفس السنة، وتبلغ القصيدة (160) بيتاً، وهناك ثلاث نسخ أخرى للقصيدة هي: نسخة الشيخ أحمد نجف الذي أهداها للشيخ محمد السماوي، وبدوره أهداها للشيخ أغا بزرك الطهراني، ونسخة الشيخ محمد طاهر السماوي، ونسخة الشيخ محمد علي الأوردبادي، وحتى هذه القصيدة لم تسلم من يد العبث حيث يقول السيد محسن الأمين عنها: إنها تبلغ ثلاثمائة بيت. (12) ومما يؤكد ذلك أن المصادر ذكرتها بأنها كتاب منفرد.

الشاعر والنحوي والكاتب

لقد أنسانا مصير شعر المفجع، عن الحديث حول أحواله وحياته، أو ربما كان ذلك تحاشياً للخوض مع التراجم المتباينة والمتضاربة جداً والتي لم تتعرض إلى أي شيء عنه سوى اسمه ونسبه وولادته، زمانها ومكانها، ونشأته ووفاته وقد أربت هذه التراجم على الخمسين مصدراً وأغلبها تراجم مقتضبة جداً والبعض منها لا يتجاوز اسمه فقط، وخلاصة هذه التراجم هي أن اسمه هو:

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الكاتب النحوي البصري، ولد في البصرة في زمن الدولة العباسية، أما سنة ولادته فالله وحده يعلم، أما سنة وفاته فقد تأرجحت ما بين الاعوام (320هـ و 329هـ)، غير أن أرجح الأقوال المعتمدة على الحوادث التاريخية هو (327هـ) وهو ما اعتمده الحموي، وكانت وفاته بالبصرة أيضاً.

وقد أشارت الروايات والدلائل التاريخية إلى أن جامع البصرة الكبير كان باكورة حياة المفجع العلمية والأدبية منذ طفولته حيث كانت تعقد الجلسات العلمية وحلقات التدريس، فنهل منها وعايش أوساطها العلمية وكان يغادر البصرة في بعض الأحيان إلى جارتها الأهواز وبعض كورها كما يستشف من خلال شعره.

كان عالماً بأسماء المدن والبلدان والمواضع، مما يدل على أنه كان قد زارها أو مر بها. وكانت البصرة في ذلك الوقت من المدن العلمية الإسلامية الكبيرة حيث ازدهرت بعلومها المختلفة منذ منتصف القرن الثاني وحتى أواخر القرن الرابع وقد برز فيها الأفذاذ من العلماء والفقهاء والأدباء الكبار، وكان المفجّع أبرز من ظهر في تلك الفترة لشمولية ثقافاته المتعددة وأدبه الواسع وعلمه الجم،

أساتذته وتلاميذه

يدلنا على منزلته في الأدب فضله على كثير من العلماء الذين كانت لهم الصدارة في تاريخ الأدب العربي، فقد كان المفجع أستاذاً للعديد من أعلام الأدب العربي الكبار منهم:

1 ــ ابن خالويه: أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه

2 ــ الآمدي: (سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم بن محمد الآمدي التغلبي)

3 ــ الخبز أرزي: (أبو القاسم نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون البصري)

4 ــ الوراق: (أبو الشبل محمود بن الحسن الوراق)

5 ــ ابن لنكك البصري: (أبو الحسن محمد بن محمد بن جعفر البصري)

6 ــ عبد الله بن بشران

7 ـــ الحسن بن سهل الأيذحي.

8 ــ الشهرزوري الحنظلي.

9 ــ أبو نصر الطوسي.

10 ــ علي بن أحمد بن عبدان

11 ــ اللحام.

12 ــ الأكفاني.

13 ــ أبو الحسن السمام.

14 ــ المرزباني وغيرهم

وهؤلاء كلهم قد تضلعوا في اللغة والأدب وكان لهم شأن كبير فيها، أما الذين تتلمذ عليهم المفجع فأبرزهم:

1 ــ ثعلب أبو العباس إمام النحو.

2 ـــ سليمان البغدادي.

3 ــ أبو موى الحامض.

4 ــ الريّاشي وغيرهم من أئمة النحو.

آثاره

وكان المفجع إضافة الى كونه شاعراً مجيداً، فقد عرف بالكاتب وهذا اللقب لا يطلق إلّا على من نبغ في هذا الفن وألمّ بخصائصه، كما كان حافظاً للقرآن الكريم، متدبّراً في آياته بارعاً في علم الحديث وروايته، مطلعاً عن كثب على التاريخ الإسلامي وحوادثه ومعرفته الواسعة بتفاصيله، أما بالنسبة إلى اللغة فقد عرف بتوحّده في هذا المجال وتفرّده بلم شواردها بعد ابن دريد، وخير دليل على ذلك كتابه (الترجمان في معاني الشعر)، حيث تصدّى لشرح ما غمض من الكلمات والأشعار في دواوين العرب القدامى والمحدثين، وقد نقل عنه المرزوقي في شرحه لديوان الحماسة للتبريزي ويشتمل كتاب الترجمان على ثلاثة عشر فصلاً جمع فيها كل فنون الشعر وأغراضه وإيضاح ما التبس منه، قال عنه القفطي: (لم يعمل مثله في معناه). (13)

وإضافة إلى هذا الكتاب أو بالأحرى الموسوعة الأدبية الشاملة، فللمفجع مصنّفات أخرى كثيرة لكن مصير تآليفه لم يكن بأحسن حظاً من مصير شعره فقد كان: (صاحب مصنفات كثيرة وهو صاحب ابن دريد والقائم مقامه بالبصرة في التأليف والاملاء) كما يقول الثعالبي (14)، ومع ذلك لم تذكر له المصادر المتناثرة سوى ستة عشر كتاباً من آثاره القيمة وهي:

1 - كتاب المنقذ من الإيمان. قال عنه الصفدي إنه يشبه كتاب (الملاحن) لابن دريد وهو أجود منه. ينقل عنه السيوطي في شرح المعنى فوائد أدبية.

2 - كتاب قصيدته في أهل البيت (عليهم السلام).

3 - كتاب الترجمان في معاني الشعر. يحتوي على ثلاثة عشر فصلا

4 - كتاب الإعراب.

5 - كتاب أشعار الجواري.

6 - كتاب عرائس المجالس.

7 - كتاب غريب شعر زيد الخليل الطائي.

8 - كتاب أشعار أبي بكر الخوارزمي

9 - كتاب سعادة العرب

10 ــ أخبار الأوائل.

11 ــ أشعار الحراب.

12 ــ الذخائر.

13 ــ سعادة العرب.

14 ــ الشعر ومعانيه.

15 ــ عرائس المجالس.

16 ــ كتاب الهجاء.

العقيدة الناصعة

أما بالنسبة لعقيدة المفجّع فقد كانت ناصعة خالصة بحبه لأهل البيت عليهم السلام وولائه لهم، فقد أثنى عليه النجاشي في الرجال بقوله:

(جليل من وجوه أهل اللغة والأدب والحديث وكان صحيح المذهب حسن الاعتقاد وله شعر في أهل البيت عليهم السلام) (15).

وقال عنه القفطي في: (وكان شاعراً شيعياً وله قصيدة يسميها (الأشباه) يمدح فيها علياً كرم الله وجهه وبنيه) (16).

وقال الصفدي: (وكان شاعراً مفلقاً وشيعياً متحرقاً) (17)

وأخيراً الأميني: (ومن المعدودين من أصحابنا الإمامية مدحوه بحسن العقيدة وسلامة المذهب وسداد الرأي وكان كل جنوحه إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام وقد أكثر في شعره من الثناء عليهم) (18)

تعدد أغراض الشعر

أما بالنسبة إلى أغراض شعر المفجّع فقد توزّع شعره على جميع الأغراض إلا أنه اهتم بغرضي المديح والرثاء اللذان أصبحا ظاهرة بارزة في شعره وتوزّع شعره الباقي على باقي الأغراض كالوصف والغزل والهجاء، والغرض الأخير كان نابعاً من خصومة ملؤها عقيدة الشاعر وتشيّعه لآل البيت (عليهم السلام) كقوله يهجو الفضل بن العباب الجمحي:

أبو خليفة مطـــــويٌّ على خنسٍ   ***   للهاشمييــــــــــــــــــــنَ من سرٍ وإعلانِ

ما زلتُ أعرفُ ما يخفي وأنكره   ***   حتى اصطفى شعرَ (عمرانَ بن حطانِ)

أما أشهر شعره فهو قصيدته (الأشباه) وفيها يمدح أمير المؤمنين (عليه السلام) ويعدد فضائله ومناقبه كما يتطرّق إلى الأحاديث الشريفة بحقه (عليه السلام) وهو يفتتح قصيدته بهجاء من يلومه على حبه لعلي وفي ذلك دلالة موثقة أيضاً على أنه كان محاطاً كشعره بمن يناصبه العداء لحبه هذا، من الذين كانوا سبباً في ضياع شعره وإخفائه.

يقول الشيخ الأميني في الغدير عن هذه القصيدة: (هذه القصيدة من غرر الشعر ونفيسه توجد مقطعة في الكتب، نحن عثرنا عليها مشروحة بذكر الأحاديث المتضمنة لمفاد كل فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام نظمها في بيت أو بيتين أو أكثر يبلغ عدد أبياتها 160 بيتاً) (19)

يقول ياقوت الحموي عن هذه القصيدة: (إن له قصيدة يسميها بالأشباه يمدح فيها علياً). (20) ثم قال: (له قصيدته ذات الأشباه، وسميت بذات الأشباه لقصده فيما ذكره من الخبر عن رسول الله (ص) وهو في محفل من أصحابه: إن تنظروا إلى آدم في علمه، ونوح في همه، وإبراهيم في خلقه، وموسى في مناجاته، وعيسى في سنته، ومحمد في هديه وحلمه، فانظروا إلى هذا المقبل. فتطاول الناس فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام. فأورد المفجع ذلك في قصيدته، وفيها مناقب كثيرة أولها. (21) ثم ذكر منها 18 بيتاً). وقد ورد هذا الحديث في كثير من مصادر الفريقين بألفاظ متعددة ومضمون واحد وقد ذكرها كلها الشيخ الأميني في موسوعته الغدير.

يقول المفجع في مقدمة قصيدته (الأشباه):

أيها اللائمـــــــي لحبي عليّا   ***   قمْ ذميماً إلى الجحيــــمِ خزيّا

أبخيرِ الأنامِ عرضتَ لا زلـــــــــــــــتَ مذوداً عن الهدى مـــزويّا

أشبهُ الأنبيــــاءِ كهلاً وزولا   ***   وفطيــــماً وراضـــعاً وغذيّا

كان في علة كــــــآدم إذ علّـــــــــــــــــمَ شرحَ الأسمــــاءَ والمكنيا

وكنوحٍ نجى من الهلك من سيّــــــــــــــر في الفلكِ إذ علا الجوديا

وعليٌ لما دعـــــــــــاهُ أخوه   ***   سبق الحاضــــرين والبدويا

وهي ملحمة كبرى تعرّض فيها الشاعر إلى كثير من معاجز الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيها:

إن هارون كان يخلفُ موسى   ***   وكذا استخـــــلفَ النبيُّ الوصيا

وكما استضعف القبـــــائل هــــــــــــــارونَ و رامـوا له الحمامَ الوحيا

نصبـــــوا للوصيِّ كي يقتلوه   ***   ولقد كـــــــــــــان ذا محالٍ قويا

وفي يوم الغدير يقول:

إن عهــــــــــدَ النبيِّ في ثقليــــــــــــــــه حجة كنـــتَ عـن سِواها غنيا

نصبَ المرتضى لهمْ في مقامٍ   ***   لم يكن خــــــــــاملاً هناك دنيا

علماً قائمـــــــاً كما صدعَ البـــــــــــــــدرُ تمــــــــــــاماً دجنة أو دجيا

قال: هذا مولى لِمــنْ كنتُ مــــــــــــــــولاه جهاراً يقــــــولها جهوريا

والِ يا رب من يواليهِ وانصــــــــــــــــره وعـادِ الذي يُعادي الوصـيا

إنَّ هذا الدعــــــا لمن يتعدَّى   ***   راعياً فـــــــــي الأنامِ أم مرعيا

لا يبالي أمــــاتَ موتَ يهودٍ   ***   من قلاهُ أو مـــــــاتَ نصرانيا ؟

من رأى وجهه كمن عبد الله   ***   مديم القنــــــــــــــــوت رهبانيا

وفي ختامها يقول:

حازَ إذ قـــاسه إلى سورةِ التـــــــــــــــوحيدِ في فضــــــلِهِ الثناءَ العليا

واذا ارتاش والبتـــــــول ونجـــــــلاه مع المصطفى الكسا الحضرميا

وبهم باهلَ النبيُّ فحــــــازوا   ***   شرفاً يتــــــــــرك الرقابَ حنيا

فعليهم أزكى وأذكـــى صلاة   ***   وســــــــلام يقفو الزكي الذكيا

مات المفجع على حبه لأهل البيت (عليهم السلام) أما سبب وفاته فكانت بسبب خصومة عقائدية بينه وبين أبي يوسف القاضي حيث تعرّض الشاعر في إحدى قصائده التي مدح فيها أهل البيت لسب القاضي فهجاه المفجع وبلغت الخصومة ذروتها مما حدا بالقاضي إلى إرسال بعض أعوانه فقتلوا المفجع شر قتلة.

محمد طاهر الصفار

......................................................................

1 ــ الغدير ج 3 ص ٣٦١

2 ــ نفس المصدر والصفحة

3 ــ معجم الأدباء ج 17 ص 196

4 ــ يتيمة الدهر ج 2 ص 334

5 ــ أنباه الرواة في أنباء النحاة ج 3 ص 289

6 ــ معجم الشعراء ص 43  

7 ــ الرجال ص 264

8 ــ معجم الأدباء: ج 17 ص 202

9 ــ الفهرست ص 193

10 ــ مقدمة تحقيق ديوان المفجع ص 5

11 ــ نفس المصدر ص 7

12 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 285

13 ــ القفطي ــ المحمدون من الشعراء ج 1 ص 23

14 ــ يتيمة الدهر ج 2 ص 362

15 ــ الرجال ص 264

16 ــ أنباه الرواة ج 3 ص 313

17 ــ الوافي بالوفيات ج 1 ص 129

18 ــ الغدير ج 1 ص 336

19 ــ نفس المصدر ص 337

20 ــ معجم الأدباء ج 17 ص 191

21 ــ نفس المصدر ص 200

 

 

 

 

 

المرفقات

: محمد طاهر الصفار