انتشرت الشعائر الحسينية في العديد من المدن التركية وخاصة على الساحل الغربي من بحر قزوين وقد وصلت هذه الشعائر إلى قمة تطوّرها وازدهارها في النصف الثاني من القرن التاسع عشرـ أما في الأناضول فقد بقيت الشعائر الحسينية مقتصرة على المداح والقصخان الذين ينشدون المراثي على الإمام الحسين (عليه السلام).
وإلى جانب هاتين الشعيرتين فهناك مراسيم أخرى يتم التعبير بموجبها عن الحزن والأسى على مأساة الحسين وهي على شكل حوارات ومراثٍ وضرب على الصدور، وفي عام (1877) أقيمت في أسطنبول مراسيم عاشورائية ضخمة تضمّنت الضرب بالسلاسل والتطبير وغيرها، وتقام في عدد من المدن التركية وبصورة خاصة في حارة الشيعة بأسطنبول قراءة قصة مؤلمة من قصص واقعة الطف من قبل (النوحخان) ثم يأخذون بعد ذلك بالضرب بأيديهم على الجانب الأيسر من صدورهم وهم يرددون حسين.. مظلوم
وفي العاشر من محرم عام (1886) أقيمت مواكب الشيعة في جامع يوسف باشا الذي أعطي إلى الشيعة كجامع خاص بهم خلال الاحتلال الروسي لتركيا ويقوم ملا فضولي بقراءة عزاء من كتاب المراثي المعروفة بـ (حديقة الشهداء) حيث يجتمع بعض الرجال والشباب ويقيمون التعزية باللطم على الصدور.
وقد مُنعت جميع هذه الشعائر في عهد مصطفى كمال أتاتورك عام (1926) وكانت مجموعات من الشيعة تنتشر في قرى أراليك وتوزلكا وأغدير فهاجرت أغلبية تلك القرى إلى إيران والعراق ما بين الأعوام (1934 ـــ 1950).
أما في الأناضول فإن الشعائر الحسينية تختلف عن باقي المدن التركية حيث ينتشر أتباع الطريقة البكداشية الذين يؤدون مراسيم العزاء على الإمام الحسين (ع) ببكاء صامت وليس بالنواح والعويل كما أنهم يعبرون عن حزنهم ومواساتهم للإمام الحسين بالصيام والزهد والتقشف فلا يأكلون ولا يشربون يوم عاشوراء من مطلع الشمس إلى غروبها وكذلك في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم من كل عام ويعتبر الصيام عندهم من أهم وأكثر وسائل التعبير عن الحزن والأسى.
وفي مناطق أخرى يصوم البكتاشيون إثني عشر يوماً حيث يُخصص كل يوم لإمام من الأئمة الإثني عشر ولا يقيم الأتراك الأناضوليون مسارح شعبية لتمثيل واقعة الطف غير أن لديهم نصوصاً تاريخية وشعرية كثيرة حول مأساة الامام الحسين في كربلاء تتضمن كتب المقاتل التي تصف واقعة الطف وكتب الأشعار والمراثي التي تُقرأ أو تُنشد في شهر محرم من كل عام ومن أشهر كتب المقاتل عندهم كتاب (سعدي مداح) الذي يحتوي على عشر قصص تتحدث عن عشر وقائع من معركة الطف.
أما أشهر شعراء المراثي الحسينية في الأناضول فهم روحي بغدادي وملا عزت وشيخ مشتاق مصطفى ولبيب محمد الذي كتب تسع مجلدات في رثاء الحسين وعثمان شمس الذي ألف كتابه مرثية سيد الشهداء ومعلم فيضي صاحب كتاب ماتم نامة. وإضافة إلى هؤلاء الشعراء فهناك شاعرتان مشهورتان في الأناضول هما ليلى خانم وشريفة خانم ولهما ديوانان يحتويان على مراثي الحسين واهل بيته.
محمد طاهر الصفار
اترك تعليق