فنون العمارة الإسلامية الأثر والتأثر..

إن العمارة الإسلامية رائعة بكل مفرداتها وخصائصها الجمالية وعبقرية مبدعيها سواء أكانوا حكاماً أم مهندسين أم معماريين أم بنائين لذلك كان لابد إن يكون لهذه العمارة اثر كبير في العمائر المختلفة على مر العصور كما هو الحال في بعض مناطق الحدود المتاخمة للغرب مثل وسط اسبانيا ، حيث نجد أن العمارة الإسلامية - وليس مجرد الوحدات الزخرفية - ذات اثر بعيد في العمائر المسيحية واليهودية خلال العصر الإسلامي في الأندلس وبعده .

فقد أثرت الفنون الإسلامية منذ العصور الوسطى في الفنون الغربية وانتقلت الأساليب المعمارية والزخرفية ومعظم أساليب الفنون التطبيقية الأخرى إلى بلاد الغرب وكان ذلك بفضل عدة عوامل هيأتها الظروف الملائمة لهذا الانتقال وكان من أول هذه العوامل هو الحضارة العربية الإسلامية التي قامت في الأندلس، حيث نقل العرب تراثهم الحضاري والاسلامي إلى هناك ليُشع بالفضل الأكبر على دول أوربا في مختلف المجالات العلمية والأدبية والفنية ومنه إلى أنحاء الغرب الاخرى، ليظهر تأثير الفن الإسلامي في بلاد الغرب في مظاهر فنية عديدة كان من أبرزها في العمارة والزخرفة .

وقد اقتبس الاوربيون من العرب الشيء الكثير في مجال العمارة الاسلامية من خلال الحروب الصليبية فتأثروا بالحصون وأساليب بنائها الدفاعية من سوريا ومصر ويتجلى ذلك في الأبراج والممرات الداخلية الملتوية  شاع استخدامها في قصورهم المدنية والعسكرية والكنائس، فيلاحظ المتتبع لهذا المجال ان النورمانديين في جزيرة صقلية على سبيل المثال قد اقاموا عمائرهم متأثرين بالعمارة العربية الإسلامية بأعمدتها وأقواسها ومقرنصاتها و زخارفها الرائعة، فضلاً عما نراه  في جنوب ايطاليا من تأثيرات عربية كأبراج النواقيس في عصر النهضة التي كانت مقتبسة من أسلوب المآذن المغربية، وقد أعجب الايطاليون ايضاً بظاهرة معمارية جميله شاعت في مصر في عهد المماليك وهي تبادل طبقات أفقية من أحجار قاتمة اللون مع أخرى زاهية استخدموها في الواجهات الرخامية المخططة التي شيدت في برج بيزا المائل والكنائس الفرنسية وبعض ابنية مدينة جنوا، واستخدم ايضاً في جنوب فرنسا تقنية العقود المفصصة والمفصصة الملونة والزخارف المشتقة من الكتابات العربية والزخارف المظفورة والمساند الخشبية ، كما استخدمت في بولندا المقرنصات والارابسك ووريقات الشجر ذات الفصوص الثلاثة حيث تظهر جميعا في كنيسة مدينة لوفوف التي يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الرابع عشر للميلاد، وفي انكلترا اقتبسوا الارابسك وكانت زخارفه ترسم بشكل بارز في عمائرهم والتي يظهر من خلالها تأثير الشرق المباشر على الغرب في المجالات الفنية والعمارية.

أما عملية التأثر فتظهر جلية بالعمارة القديمة على العمارة الحديثة في صور مختلفة ، فنجدها تلامس  موضوعات معينة من العمارة الإسلامية دون غيرها كما في حالات اقتباس الكتابات الزخرفية أو تقليد أشكالها القديمة، وهذا أمر شائع في كافة نواحي العالم الإسلامي .. والحق يذكر في هذا الموطن.. اذ ان العمارة الإسلامية الأولى لم تجد مناصا من التأثر بالعمارة القائمة في بلاد الشام وشمالها والتي تعود بأصولها وطبيعتها الفنية الى الحضارة البيزنطينية والحضارة الساسانية في الاصل ، وهنا اصبح لزاماً علينا الوقوف عند نقطة مهمة وهي .. ان فنون الحضارة البيزنطية والحضارة الساسانية قد تأثرتا بالفن الإغريقي الكلاسيكي.. إلاّ أن هذا الفنون وبالخصوص البيزنطي مدين للفنون الاسيوية بتصميم وبناء القبة والمخطط الإشعاعي المفصص الذي يستعمل في الكنائس، ولكن تأثير الفن الرافديني يتضح عليه أكثر وبشكل أكبر، فلم يكن الفن الساساني إلا تجديدا لتقاليد الفن الفارسي القديم وهو فن رافديني في جذوره وملامحه ، والفن البيزنطيني هو فن شرقي محض فالفن البيزنطيني مدين للشرق اكثر مما يدين لبلاد الإغريق، وليس من قبيل المصادفة المحضة أن يكون المعماريان اللذان شيدا الكنيسة القديمة ( صوفيا .. ايسيدور وانتيموس) هما من مواليد الضفة الآسيوية وكان على القسطنطينية أن تشع على العالم المسيحي كله  بفن العمارة الإمبراطوري الرائع.

ومن الجدير بالذكر ان غالبية مدن الامبراطورية البيزنطية وكثير من دول العالم المتاخمة لها كانت قبل القرن السادس بزمن غير قليل قد اغنيت بما أتى به الشرق، فالعمارة البيزنطينية التي كانت ضعيفة الاهتمام بجمال المواد كانت كثيرة الاستعمال للآجر المألوف عند البنائين في المنطقة العربية، وكانت ترى في الزخرفة ووظيفتها انها كسوة كاملة للسطوح ومعطفا يستر هيكلاً متواضعا من الآجر، ومع أنَّ الفنون البيزنطينية يتعد عند البعض وريثة لفنون الرومان ، إلاّ أن الطابع المحلي الأصيل فيه بدا في التخلي النهائي عن المقياس الموحد في الطرز المعمارية المستخدمة لديهم قبل التأثر والتأثير بالحضارة العربية الاسلامية، فقد عمد الفنان البيزنطي الى الابتعاد عن تمثيل الاشكال الحية المزينة للقصور ومداخلها واستعاض عن ذلك بفنون اتضح فيها تذوق الترف في الزخرفة وتجميل الابنية والاعمدة بالأساليب العربية الاسلامية كالفسيفساء والرخام الذي غطى واجهات الأبنية ودواخلها متأثرا بفنون العمارة الاسلامية التي كانت ولازالت تمثل وحدة العقيدة الاسلامية على مر العصور واختلاف الامكنة، فهي نوع متفرد من الفنون وصالح لكل زمان ومكان ولا يرتبط بموقع جغرافي محدد وهي ليست لقوم دون سواهم، حيث تمثل أغلب مقوماتها المحافظة على أسس الاخلاق السامية لحياة المجتمعات في كافة شؤونها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجمالية.

الصورة لمسجد ( دربنت جوماDerbent Juma  ) و هو من أجمل المساجد في روسيا، و قد تم بناءه عام 743 هـ، على يد الأمير كاجار السلجوقي، وهو من منائر اشعاع العلوم الإسلامية في المنطقة، و يتميز بتنوع احجام واشكال مآذنه وقبابه الآجرية الشبه بيضاء.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

 

المرفقات