لا يخفى على أحد ما لدراسة التاريخ من أهمية في حياة الفرد والمجتمع لأن التاريخ يكشف تجارب كثيرة مرت بها الأجيال، خصوصاً إذا ما ارتبطت دراسة التاريخ بأشخاص كان لهم دورٌ كبيرٌ في تلك التجارب. وجاء بحثنا الموسوم (الحسين بن روح النوبختي دراسة في سيرته ودوره الديني)، ليبحث في سيرة أحد الصالحين الذين خلّدهم التاريخ وملأ صفحاته بمواقفهم وأدوارهم المتعددة في خدمة الإسلام.
وقُسِّم البحث على مبحثين: الأول: بحث في سيرته، اسمه، ولقبه، ومكانته الاجتماعية، ووفاته ومرقده. والثاني: بحث في دوره الديني وتجلى ذلك من خلال سفارته ودوره في مواجهة مدعي السفارة، ودوره في الرواية عن المعصوم (عليه السلام)، ودوره في كسب قلوب مخالفيه في العقيدة، ليؤدي دوره الديني بشكل أوسع.
تمهيد:
أسرة النوبختي ودورها في الحضارة الإسلامية:أسرة آل النوبختي من الأسر البغدادية العريقة والتي انتقلت بداية فترة الحكم العباسي من بلاد فارس إلى بغداد حيث مقر الخلافة العباسية، كان أفراد هذه العائلة من المقربين إلى حكام البلاط العباسي لما يمتلكونه من رصيد علمي في التنجيم والإدارة والأدب أهّلهم لأن يحظوا بهذه المكانة عند الحكام آنذاك، فقد ذكرت كتب التاريخ أن نوبخت جدّ هذه الأسرة عاش في عصر المنصور العباسي سنة (١٣٦- ١٥٨هـ) والذي كان يهتم بعلم التنجيم كثيراً فاستقطب المنجّمين وكان من بينهم نوبخت الذي كان قبل ذلك يعتنق المجوسية[1].
ولعل كلمة نوبخت في الفارسية تعني الحظ الجديد[2] وجاء بعده ابنه أبو سهل بن نوبخت ليجلس مجلس أبيه في صحبة المنصور لأنه أيضاً من المنجّمين وجاء بعده ولده وأيضاً اشتهر بالتنجيم، ولم يقتصر دور أسرة آل النوبختي على نوع واحد من العلوم، بل إن لهم دوراً في الكثير من العلوم والفنون نجمل الكلام طلباً للاختصار في أهم ما اشتهرت به هذه الأسرة وكان لها دور بارز فيه وهي كما يلي:
١- التنجيم:
وهذا العلم هو أشهر ما تميزت به الأسرة وخصوصاً في عهد نوبخت وابنه أبي سهل[3] وبعض أبناء أبي سهل كهارون بن أبي سهل، وأبي العباس الفضل بن سهل[4] ومن أهم من صنّف في هذا العلم هو أبو سهل بن نوبخت، فقد صنف النهمطان في المواليد وكتاب الفال النجومي[5] وغيرها.
٢- علم الكلام:
واشتهرت هذه الأسرة بعلم الكلام من خلال المصنفات التي كتبها بعض أفرادها في هذا العلم، ومن خلال المناظرات التي قاموا بها ضد خصومهم، فقد اهتدى الكثير من أحفاد أبي سهل إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فأول كتاب في الملل والنحل ألّفه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي[6] وأسماه (فِرَق الشيعة) وكتب الكثير من الكتب الكلامية غيره[7].
وكان لأبي إسماعيل بن علي الدور البارز في هذا المجال، ففضلاً عن تصانيفه الكثيرة في علم الكلام لديه مناظرات مع المعتزلة ومع مدّعي السفارة كالحسين بن منصور الحلاج[8] ولهم ردود على بعض الفرق كالواقفية[9] والغلاة[10] والمجسّمة[11] ومن أقدم الكتب الكلامية للشيعة كتاب الياقوت لأبي إسحاق إبراهيم النوبختي، وقد وصل إلينا هذا الكتاب في ضمن الشرح الذي كتبه عليه العلامة الحسن بن المطهر الحلي (ت ٧٢٦هـ) بعنوان أنوار الملكوت في شرح الياقوت، وسبقه إلى شرحه ابن أبي الحديد المعتزلي ولكن لم يصل إلينا[12].
٣- الأدب ورواية الشعر:
وبرز في هذا المجال إسماعيل بن أبي سهل وبعض إخوته ومحمد بن روح وأبو الحسين بن علي وأبو أيوب سليمان، فقد كان إسماعيل من الأدباء الذين عاشوا في بلاط المأمون وكان أبو أيوب سليمان من عداد الشعراء المقّلين، ونقل ابن النديم أن ديوانه يبلغ خمسين ورقة [13] وكانت لأبي سهل إسماعيل بن علي مراسلات في الشعر وكان من رواة الشعر[14].
٤- رواية الحديث وصحبة الأئمة (عليهم السلام):
كان الكثير من أحفاد أبي سهل النوبختي من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) ورووا عنهم الحديث ولعل أبرزهم الحسين بن روح النوبختي الذي تُوِّجَ بمهمة النيابة الخاصة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وسوف نفصل الكلام في خصوص سيرته ودوره الديني، ومنهم أيضاً أبو الحسن بن موسى بن كبرياء وأبو سهل إسماعيل بن علي فقد عاصر أبو سهل إسماعيل بن علي الإمام الهادي (عليه السلام) والإمام العسكري (عليه السلام) والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وكان من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) وعاش الحسن بن موسى بن كبرياء في زمن الغيبة الصغرى وكان إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) وروى بعض الأحاديث عن الأئمة (عليهم السلام).
هذا، ولهذه الأسرة دور كبير في الترجمة والإدارة وغيرهما تركنا الكلام عنه للاختصار. المبحث الأول: سيرته:
اسمه وكنيته ولقبه ونسبه:هو الحسين بن روح بن أبي بحر ويكنى بـ(أبي القاسم) ويلقب بالنوبختي[15] والروحي[16] والقمي[17].
فهو ينسب إلى أسرة آل النوبختي وإن كان البعض يشك في هذا النسب كالذهبي الذي يقول في ترجمته: (أبو القاسم القيني أو القسي. وكذا صورته في (تاريخ يحيى بن أبي علي الغساني)، وخطه معلق سقيم)[18] كما ورد في رجال الكشي وقد ثبت له لقب القمي، لأن الكثير من الأشخاص يلقّبون بمحل سكناهم لا بنسبهم كما نقول الناصري والنجفي والكربلائي.... الخ.
ولعله كان من سكان قم هو أو آباؤه لذا لُقّب بالقمي، والبعض يرى أن علاقة الحسين بن روح بالنوبختيين من جهة الأم لا من جهة الأب إذ لم يلحظ اسم أبيه روح أو جده أبي بحر في فهرس أعضاء الأسرة النوبختية[19]. ولكن هناك الكثير من الأدلة تثبت انتسابه لهذه الأسرة ومن تلك الأدلة:
١- عامة الكتب الرجالية وكتب الحديث ذكرته بلقب النوبختي.
٢- مكان دفنه فهو مدفون بالمقبرة الخاصة بالنوبختيين.
٣- كانت له علاقات مع أفراد هذه الأسرة الذين عاصرهم كأبي سهل إسماعيل بن علي وأبي عبد الله الحسين بن علي، وكان عدد من بني نوبخت يعدّونه من محارمهم.
٤- وعدم ورود اسم أبيه أو جده في فهرست أعضاء الأسرة النوبختية لا يدل على عدم انتساب الحسين بن روح لهذه الأسرة[20].
حياته (رحمه الله):لم تذكر الكتب الرجالية وكتب التراجم والطبقات تاريخ ولادة الحسين بن روح النوبختي، ولكن ما نقل إلينا أنه ولد في بغداد وسكن داراً صغيراً في محلة النوبختية ببغداد[21] وكانت حياته حافلة بالعطاء العلمي والعملي، فقد كان قبل سفارته من المقربين إلى السفير الثاني وعمل كاتباً عنده ووكيلاً عنه في إدارة أمواله وأملاكه[22] تسلّم السفارة عام (٣٠٥هـ) وبقى في السفارة مدة إحدى وعشرين سنة إلى أن توفي عام (٣٢٦هـ) ولُقّب بالباب بعد تسلّمه للسفارة في فترة ساءت الأوضاع بسبب هجوم القرامطة[23] على بغداد وحدوث حالات السلب والنهب واُتُّهم الوزير آل فرات وابنه بالتآمر مع القرامطة فأخذ الوزير الجديد يطارد أسرة آل فرات ومن له علاقة معهم، وكان الحسين بن روح قد أُتهم بأنه يكاتب القرامطة[24] فاضطر للتخفّي فترة، فأوكل الأمر فيها إلى الشلمغاني قبل أن ينحرف[25].
وذكر عباس إقبال: أن سبب سجن الحسين بن روح هو بسبب أموال الحقوق التي كان يعطيها الشيعة للحسين بن روح وطالبه الديوان بها فلم يستجب لهم[26] لأنها ليست أمواله ولا يحق للدولة أن تأخذها، فقبض على الحسين بن روح وأودع في السجن لمدة خمسة أعوام من (٣١٢-٣١٧هـ) وأُطلق سراحه بعد أن خُلع المقتدر وحاول الوشاة الإيقاع بالحسين بن روح مرة أخرى عندما أُعيد المقتدر للخلافة، فقال لهم: دعوه فبدعوته جرى علينا ما جرى[27].
وبعد أن تولى الراضي الخلافة حاول الوشاة أيضاً الإيقاع بالحسين بن روح ولكن كانت مساعيهم تذهب أدراج الرياح[28]وخصوصاً في فترة وزارة ابن مقلة الذي كان يدين للحسين بن روح بجميل صنعه معه عندما سعى له عند الوزير ابن رائق الذي صادر أموال ابن مقلة وأرجع له جميع أمواله المصادرة[29].
ولم يكن تخفّي الحسين بن روح وحبسه مانعاً عن الاتصال بشيعته، فقد كان يقوم بمهامه وإن كان ذلك صعباً عليه ويعرضه لخطر السلطة آنذاك.
ابتُلي في حياته بالكثير ممن ادّعى السفارة وأصحاب العقائد الفاسدة كالشلمغاني وابن الحلّاج وكان له دور كبير في تزييفهم وفضح أكاذيبهم وبيان حقيقتهم إلى الناس.
مكانته العلمية والاجتماعية:كان الحسين بن روح فقيهاً، مفتياً، بليغاً، فصيحاً، وافر الحرمة كثير الجلالة، ذا عقل وكياسة[30] وكانت له مكانة اجتماعية كبيرة وكان قاضي القضاة وبعض الوزراء يزورونه في بيته وكانت علاقته بالبلاط الحاكم قوية في زمن وزارة آل فرات ووزارة ابن مقلة.
فقد روى الذهبي عن علي بن محمد الأيادي عن أبيه، قال: (شاهدته يوماً وقد دخل عليه أبو عمر القاضي، فقال له أبو القاسم: صواب الرأي عند المشغف عبرة عند المتورط، فلا يفعل القاضي ما عزم عليه.
فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال: من أين لك هذا؟ قال له: إن كنت قلت لك ما عرفته، فمسألتي من أين لي فضول، وإن كنت لم تعرفه، فقد ظفرت بي.
فقبض أبو عمر على يديه وقال: لا، بل والله أؤخرك ليومي ولغدي.
فلما خرج أبو عمر قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجاً قط يلقى البرهان بنفاق مثل هذا، لقد كاشفته بما لم أكاشف به أمثاله أبداً.
ولم يزل أبو القاسم على مثل هذه الحال مدة وافر الحرمة إلى أن ولي الوزارة حامد بن العباس، فجرت له معه خطوب يطول شرحها)[31].
وحادثة المقتدر التي رواها الصفدي في الوافي بالوفيات المتقدمة الذكر[32]، تدل على معرفة المقتدر بصلاح واستقامة الحسين بن روح.
وكان محل احترام عند العامة والخاصة، ولعل كياسته وأسلوبه هي من فرضت احترامه على الجميع، فكان له أسلوبه الخاص في التعامل مع المخالفين مستخدماً التقية، فكان لا يُعرّف بمذهبه عند العامة، وكان عندما يذكر الصحابة يثني عليهم، كل ذلك تقية لكسب قلوب العامة ولدفع خطر السلطة المناوئة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
وكان لنفوذ عائلته في الحكومة وتسلّمهم مناصب مهمة فيها العامل المساعد الذي من خلاله سعى لقضاء الكثير من حاجات المؤمنين، فقد كان للحسين بن روح صلة قرابة مع الحسين بن علي النوبختي كاتب الوزير ابن رائق والذي طلب منه مساعدة ابن مقلة في استرجاع أمواله التي صادرها الوزير ابن رائق وكان سبباً في إرجاع أمواله كلها[33].
أقوال الأئمة (عليهم السلام) والعلماء فيه:لم يُروَ عن الأئمة (عليهم السلام) أحاديثُ في الحسين بن روح مثلما روي في حق السفير الأول والثاني من روايات المدح والثناء، فلم يرد مدحه إلّا على لسان الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) بالتوقيع الذي خرج على يد السفير الثاني.
فالحسين بن روح لم يكن كبير السن في عهد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولم يُروَ أن له صحبة معه ولا مع أبيه الهادي (عليه السلام)، وجاء في التوقيع الذي صدر من الناحية المقدسة في حق الحسين بن روح النوبختي: "نعرفه عرّفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق، وقفنا على كتابه وثقتنا بما هو عليه وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه، زاد الله في إحسانه إليه إنه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً"[34].
وأمّا ما ورد من ثناء بحقه على لسان علماء الشيعة وكبار رجالها فهو كثير، ومن ذلك ما روي عن الشيخ الجليل أبي سهل النوبختي (رحمه الله) عندما سأله بعضهم: كيف صار هذا الأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟ فقال: (هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقي الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة (على مكانه) لَعَلِّي كنت أدلّ على مكانه، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقُرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه)[35].
وهذه الرواية تكشف مكانة الحسين بن روح ومدى قوة إيمانه وإخلاصه، وهذا الذي ذكره أبو سهل خير دليل على اختيار الحسين بن روح دون غيره ودليل على أن الإخلاص وتحمّل الأمانة شرط مهم في السفارة. وهناك الكثير من الأقوال بحقه لم نذكرها طلباً للاختصار.
وفاته ومرقده:توفي الحسين بن روح النوبختي في شعبان (٣٢٦هـ) عن عمر قضاه في خدمة الإسلام والمذهب وعانى من أجل ذلك ما عانى من تشريد وسجن حتى أدّى ما كُلّف به من مهمةٍ عظيمة لا ينالها إلّا من له استعداد على تحمل هذه الأمانة الثقيلة والشرف الكبير حيث قام بتأديتها بأفضل ما يكون.
دُفن بمحلة النوبختية في مقبرة النوبختيين، نقل الطوسي في الغيبة بسنده (أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك (رضي الله عنه))[36]. وقبره اليوم في سوق تجاري في الشورجة وعليه قبة خضراء اللون، يتوافد عليه الزائرون في كل يوم ليتبركوا بزيارته ويقرأون له الفاتحة ويطلبون من الله حوائجهم.
المبحث الثاني: دوره الديني:
كان للحسين بن روح النوبختي دورٌ دينيٍ كبيرٌ وخصوصاً في فترة سفارته التي تحمّل فيها أعباء السفارة وتعرض للكثير من الضغوطات من قبل السلطة والتي دعته للاختفاء ومن ثم السجن، ومع ذلك كله فلم يغفل دوره كسفير ونائب عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فكان في تلك الظروف يمارس دوره من خلال الاتصال بالشيعة مباشرةً أو عن طريق وكيل عنه ويفضح زيف المدّعين للسفارة وينقل التوقيعات الشريفة إلى عامة الشيعة فقام بمهامه خير قيام، ورغم قيامه بمهام السفارة التي هي بحدّ ذاتها مهمة دينية عظيمة إلّا أننا نجده يمارس أدواراً دينية لها علاقة بالحفاظ على السفارة من الأخطار والحفاظ على الخط الديني من الانحراف، فسلك مسلك التقية والذي من خلاله حافظ على السفارة وقرّبه من البلاط وجعل له مكانة عند العامة والخاصة، وسنتحدث عن ذلك بشكل أكثر تفصيل إن شاء الله تعالى.
دوره في النيابة الخاصة والسفارة عن الإمام (عجّل الله فرجه):لم يكن الحسين بن روح النوبختي المرشح البارز لشغل هذا المنصب رغم جلالة قدره إلّا أنه تم اختياره من بين عشرة من الشخصيات التي كان بعضها أكثر قرباً منه، ففيهم أبو سهل النوبختي وجعفر بن متيل.
روى الشيخ الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول: (كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري (رضي الله عنه) له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس وأبو القاسم بن روح (رضي الله عنه) فيهم، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح حتّى إنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لما لم يكن له تلك الخصوصية، فلما كان وقت مضي أبي جعفر (رضي الله عنه) وقع الاختيار عليه وكانت الوصية إليه)[37].
ولم يكن للحسين بن روح تاريخ حافل بإطراء وثوثيق المعصومين (عليهم السلام) كما كان للسفيرين اللذين سبقاه[38]؛ لذا توجب على السفير الثاني أبي جعفر العمري (رحمه الله) ترسيخ فكرة سفارة الحسين بن روح (رحمه الله) عند عوام وخواص الشيعة قبل وفاته وتمثّل ذلك بعدة أساليب:
جعله السفير عن الإمام (عجّل الله فرجه) في حياته وتقريبه منه، وكان أول تكليف للحسين بن روح (رحمه الله) بالسفارة قبل وفاة السفير الثاني بأكثر من سنتين [39].
أمر السفير الثاني الشيعة في حياته وخلال فترة تسلّم الحسين بن روح (رحمه الله) السفارة ولو بشكل غير رسمي بإعطاء أموال الحقوق للحسين بن روح (رحمه الله) حتى يمهّد لسفارته.
روى الصدوق والطوسي بسندهما قالا: (حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: كنت أحمل الأموال التي تجعل في باب الوقف إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) فيقبضها مني، فحملت إليه يوماً شيئاً من الأموال في آخر أيامه قبل موته بسنتين أو ثلاث سنين فأمرني بتسليمه إلى أبي القاسم الروحي (رضي الله عنه) وكنت أطالبه بالقبوض فشكا ذلك إلى أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) فأمرني أن لا أطالبه بالقبض، وقال: كلُّ ما وصل إلى أبي القاسم وصل إليّ، قال: فكنت أحمل بعد ذلك الأموال إليه ولا أطالبه بالقبوض)[40].
قام بترسيخ تلك الفكرة بشكل عملي عند خواص الشيعة وأعيانهم في المجلس الذي جمعهم قبل وفاة السفير الثاني بأيام حين أخذ بيد الحسين بن روح وأجلسه بقربه وأوصى له بالسفارة.
روى الطوسي بسنده عن جعفر بن أحمد بن متيل قال: (لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) الوفاةُ كنت جالساً عند رأسه أسأله وأحدّثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه. فالتفت إليّ ثم قال: أُمِرْتُ أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحوّلت إلى عند رجليه)[41]. وإنّ ما قام به ذكاء خادم السفير الثاني من تسليم ما أوصاه سيده بتسليمها إلى السفير الثالث ما هو إلّا أسلوب من أساليب ترسيخ فكرة السفارة للحسين بن روح عند الشيعة.
روى ابن طاووس في مهج الدعوات بسنده أنه: (لما مضى سيدنا الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه) وأرضاه وزاده علواً فيما أولاه وفرغ من أمره جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر زاد الله توفيقه للناس في بقية نهار يومه في دار الماضي (رضي الله عنه) فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض، مَدْرجاً وعكّازاً وحُقّة خشب مدهونة فأخذ العكاز فجعلها في حجره على فخذيه وأخذ المدرج بيمينه وألحقه بشماله فقال الورثة: في هذا المدرج ذكر ودائع، فنشره فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمة من آل محمد (عليهم السلام)...)[42]. تقريبه إليه وجعله وكيلاً عنه ينظر في أملاكه ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة[43].
كان لتوقيع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي خرج على يد السفير الثاني وكان فيه دعاء من الإمام (عجّل الله فرجه) للحسين بن روح بالغ الأثر في علو مكانة الحسين بن روح عند عوام الشيعة وخواصهم[44].
ويذكر السيد محمد صادق الصدر أن في إيكال السفارة للحسين بن روح دون غيره مصلحتين إذ يقول: (في إيكال السفارة إليه، مصلحتان مزدوجتان أولاهما: وصول هذا المنصب إلى الشخص المخلص إخلاصاً بحيث لو كان المهدي (عجّل الله فرجه) تحت ذيله وقرض بالمقاريض، لما كشف الذيل عنه. كما سمعنا في حقه، وقد سبق أن قلنا إن مهمة السفارة إنما تستدعي هذه الدرجة من الإخلاص لأهميتها وخطر شأنها، ولا تستدعي العمق الكبير في الثقافة الإسلامية، أو سبق التاريخ مع الأئمة (عليهم السلام)، فإنها إنما تعني بشكل مباشر نقل الرسائل من المهدي (عجّل الله فرجه) وإليه، وتطبيق تعاليمه... وهذا يكفي فيه ما كان عليه أبو القاسم بن روح، من الإخلاص والثقافة الإسلامية.
المصلحة الثانية: غلق الشبهة التي تصدر من المرجفين، من أنه إنما أوكل الأمر إلى ابن روح، باعتبار كونه أخص أصحاب أبي جعفر العمري، وألصقهم به... فإنه لم يكن بأخصهم ولا بألصقهم. وإن كان من بعض أخصائه في الجملة.
بل كانت الأذهان بعيدة عنه وكان احتمال الإيكال إليه ضعيفاً عند الواعين والمستبصرين بشؤون المجتمع من أصحابه، حتى احتاج أبو جعفر لأجل ترسيخ فكرة الإيكال إليه وإيضاحها، إلى تكرار الإعلان عن ذلك، وتقديمه على ساعة موته بسنوات)[45].
وبعد رحيل السفير الثاني استلم الحسين بن روح المهمة بشكل مستقل وكان ذلك في عام (٣٠٥هـ) في عهد وزارة آل فرات في زمن المقتدر العباسي حتى عام (٣٢٦هـ) الذي توفي فيه فأوكل أمر السفارة للسفير الرابع محمد بن علي السمري بأمر من الإمام (عجّل الله فرجه) فكانت مدة سفارة الحسين بن روح (٢١سنة).
والبعض يضيف لها سنتين أو ثلاث وهي الفترة التي كان فيها سفيراً في حياة السفير الثاني، وإلى هذا ذهب السيد محمد صادق الصدر إذ يقول: (فإن استطعنا أن نضيف العامين أو الثلاث، التي أمر فيها أبو جعفر العمري قبل موته بتسليم الأموال إليه، ونصّ عليه بالوكالة، وتصورنا أن السفارة حينئذٍ كانت مسندة إلى شخصين دفعة واحدة... فتكون مدة سفارته ثلاثة وعشرين عاماً، أو أكثر)[46].
دوره في مواجهة مدّعي السفارة:ابتلى الحسين بن روح خلال فترة سفارته بمدّعي السفارة والألوهية والعقائد المنحرفة التي ظهرت على أيدي المدعين كالبابية والحلولية والضد والتناسخ وغيرها.
ومن أبرز هؤلاء المدعين هو الشلمغاني، والحسين بن منصور الحلاج[47]، وأبو بكر البغدادي[48] وسوف نستعرض فيما يلي حياة وعقائد بعضهم.
الشلمغاني:هو أبو جعفر محمد بن علي الملقب بالشلمغاني نسبةً إلى قرية في نواحي واسط وتسمى شلمغان ويلقب أيضاً بابن العزاقر. وكان الشلمغاني قبل انحرافه من وجهاء الشيعة وأعيانهم وكانت له العديد من الكتب والتي ملأت بيوت الشيعة، ذكرها النجاشي في رجاله منها: كتاب التكليف، ورسالة إلى ابن همام، وكتاب ماهية العصمة، كتاب الزاهر بالحجج العقلية، كتاب المباهلة، كتاب الأوصياء، كتاب المعارف، كتاب الإيضاح، كتاب فضل النطق على الصمت... إلخ[49].
وكان ممن لم يعترض على سفارة الحسين بن روح في بادئ الأمر، وكان وكيلاً عن الحسين بن روح (رحمه الله) في فترة غيابه فمضى بمكانة كبيرة عند الشيعة، ولكنه استغلّ غياب الحسين بن روح لينشر أفكاره وعقائده المنحرفة، ومن أهم تلك العقائد:
١- التناسخ والحلول: فقد ادّعى في بادئ الأمر أن روح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلّت في محمد بن عثمان وروح الإمام علي (عليه السلام) حلّت في الحسين بن روح وروح فاطمة الزهراء (عليها السلام) حلّت في أم كلثوم بنت محمد بن عثمان ثم ادّعى حلول الألوهية فيه وكان يقول: هذا سر عظيم لا يتحمّله إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه [50].
٢- كان يعتقد بحمل الضد: وهو إظهار فضيلة للولي في مقابل الطعن فيه بضدها[51].
٣- يعتقد العزاقرية بترك الصلاة والصيام والغُسل ولا يتناكحون بعقد على سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يبيحون الفروج، ولا إشكال عندهم في نكاح المحارم ونساء الأصدقاء والأولاد[52].
كان الشلمغاني من المقربين لابن الوزير المحسن بن أبي الحسن بن فرات وبعد مقتل الوزير أبي الحسن وابنه الحسين استوزر أبو القاسم الخاقاني، وفي هذه الفترة هرب الشلمغاني إلى الموصل بعد أن طلبه الوزير الخاقاني وبقى سنين هناك[53]، وبعدها رجع إلى بغداد وادّعى الألوهية، فقبض عليه الوزير ابن مقله في شوال سنة اثنين وعشرون وثلاثمائة وقتله في آخر ذي القعدة من السنة نفسها. وكان للحسين بن روح دور كبير في كشف زيف دعوى الشلمغاني، من خلال عدة أساليب:
لمّا بلغ الحسين بن روح (رحمه الله) انحرافه عن طريق أم كلثوم بنت محمد بن عثمان التي أخبرتها أم أبي جعفر بن بسطام بما قاله الشلغماني في حقها من حلول روح الزهراء (عليها السلام) في جسدها وروح أمير المؤمنين (عليه السلام) في جسد الحسين بن روح وروح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جسد محمد بن عثمان، كتب الحسين بن روح إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه ومن تابعه على القول، وأقام على تولّيه وكان يوهم بني بسطام بأن المقصود من اللعن هو البعد عن النار والعذاب وكان يشير إليه بأن هذا الأمر سر لا يتحمّله إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه الإيمان[54]، وكانت له مكانة عند بني بسطام حتى أن الكثير منهم اعتقدوا بما يعتقد.
كان لتوقيع صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) الأثر البالغ في بيان حقيقة الشلمغاني ومدى انحرافه، وخرج التوقيع على يد الحسين بن روح وهو في السجن عام (٣١٢هـ) وأخذه أبو علي بن همام ووزّعه على الشيوخ والأعيان في مختلف الأمصار[55].
ونص التوقيع الذي نقله الطوسي في الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج واللفظ للثاني هو: "عرِّف - أطال الله بقاك! وعرّفك الله الخير كله وختم به عملك - من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأن (محمد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجّل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله وادّعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.
وإنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته) منه، ولعنّاه، عليه لعائن الله تترى، في الظاهر منا والباطن، في السر والجهر، وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على توليه[56] بعده. أعلمهم تولاك الله! إننا في التوقّي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه، من: (السريعي، والنميري، والهلالي، والبلالي) وغيرهم. وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل"[57]. كتب الحسين بن روح إلى شيوخ وأعيان الشيعة بلعنه والبراءة منه[58].
كتب الشلمغاني للحسين بن روح يسأله أن يباهله فردّ عليه الحسين بن روح بما جعل من ذلك قرينة إضافية على انحرافه، روى الطوسي في الغيبة بسنده عن أبي علي بن همام وقال: "أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله وقال: أنا صاحب الرجل وقد أُمِرْتُ بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني، فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله عنه) في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقتل وصلب وأخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة"[59].
الحلاج:وهو الحسين بن منصور الحلاج أبو مغيث نشأ في محافظة واسط [60]ظهرت دعوته سنة (٢٩٩هـ) وكان في بداية أمره يزعم أنه رسول الإمام الغائب (عجّل الله فرجه) ووكيله وبابه، وقد ورد اسمه مع مدّعي البابية[61] ثم ادّعى الحلول والمعجزة ثم الربوبية[62]، مارس الحيل والزندقة لتضليل الناس بأساليب تشبه الشعوذة والسحر[63]، قال عنه ابن النديم: (وكان رجلاً محتالاً مشعبذاً، يتعاطى مذاهب الصوفية، ويتحلّى ألفاظهم، ويدّعي كل علم، وكان صفراً من ذلك. وكان يعرف شيئاً من صناعة الكيمياء. وكان جاهلاً مقداماً متدهوراً جسوراً على السلاطين مرتكباً للعظائم، يروم إقلاب الدول، ويدّعي عند أصحابه الإلهية، ويقول بالحلول، ويظهر مذاهب الشيعة للملوك، ومذاهب الصوفية للعامة. وفى تضاعيف ذلك يدّعي أن الإلهية قد حلّت فيه، وأنه هو هو، تعالى الله جل وتقدس عما يقول هؤلاء علواً كبيراً)[64].
قام بنشر دعوته في قم وبغداد والأهواز، وفي كل مكان يحلّ به يكون له فيه أتباع وكذلك يكون له مناوئين يردون عليه حججه فقد لُعن في قم وطرد منها على يد علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبي الشيخ الصدوق، روى الطوسي في الغيبة قال: (أخبرني جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم، وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله، قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي (رضي الله عنه) خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل -وأظن أنه قال إنه ابن عمته أو ابن عمه–: فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته وضحكوا منه وهزؤا به، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه.
قال: فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له، ولم يعرفه أبي، فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار، أقبل على بعض من كان حاضراً، فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه، فأقبل عليه وقال له: تسأل عني وأنا حاضر؟ فقال له أبي: أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك، فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها؟ فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً. ثم قال: يا غلام برجله وبقفاه، فخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثم قال له: أتدّعي المعجزات عليك لعنة الله؟ أو كما قال فأخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم)[65].
وفي بغداد هزم على يد أبي سهل النوبختي عندما أفحمه ودفع حجته عندما أراد كسب أبي سهل وأتباعه إليه فراسله مدّعياً أنه وكيل الإمام (عجّل الله فرجه) فوقع السحر على الساحر عندما جعل منه أحدوثة للسخرية مبيناً زيف دعواه، (فأرسل إليه أبو سهل (رضي الله عنه) يقول له: إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن [ويبغضني إليهن] وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلّا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤونته، وتجعل لحيتي سوداء، فإني طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداعٍ إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يردّ إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً، وصيّره أبو سهل (رضي الله عنه) أحدوثة وضحكة ويُطنَّز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه)[66].
وفي حادثه أخرى عندما كان يحرِّك يده لقوم فينثر منها الدراهم وكان في القوم أبو سهل فطلب منه درهما ًمكتوباً عليها اسمه واسم أبيه فعجز عن ذلك[67] وطُرد من الأهواز بعد أن قام المتكلم المعتزلي المعروف أبو علي الجبائي بكشف حيلته[68].
هذا الانحراف في العقائد وادِّعائه الكفر جعل عند العلماء مبرراً كافياً لتكفيره وهدر دمه وممن كفّره أبو بكر محمد بن داوود إمام الظاهرية في سنة(٢٩٧هـ)[69]. فأودع في السجن لمدة ثمان سنوات، وكان ذلك بأمر من الوزير علي بن عيسى سنة (٣٠١هـ) وقتل بأمر من المقتدر العباسي سنة (٣٠٩هـ) وقبل مقتله صُلب على الجسر ببغداد وقُطعت أطرافه الأربعة ثم حُزّ رأسه وأُحرقت جثته ورُميتْ في نهر دجلة[70]، وأُرسل رأسُه إلى خراسان لأن له فيها أتباعاً[71]، وقد ادّعى أتباعه أنّه لم يعدم وإنما أُعدم شبيه له[72].
دوره في الرواية عن المعصوم (عليه السلام):أولاً: التوقيعات التي خرجت على يده:
خرجت على يد الحسين بن روح (رحمه الله) العديد من التوقيعات من أهمها: التوقيع الذي صدر بلعن الشلمغاني والذي تقدم ذكر نصه. والتوقيع الصادر لأبي غالب الرازي والذي سأل الإمام (عجّل الله فرجه) الدعاء له في أمرٍ أهمه فخرج التوقيع بذكر ما همّه، وإصلاح أمره مع أنه لم يخبر أحداً بما همّه[73].
ما رواه الطوسي بسنده عن عبد الله بن سورة القمي يقول: (سمعت سروراً -وكان رجلاً عابداً مجتهداً لقيته بالأهواز غير أني نسيت نسبه- يقول: كنت أخرس لا أتكلم، فحملني أبي وعمي في صباي، وسني إذ ذاك ثلاثة عشر أو أربعة عشر إلى الشيخ أبي القاسم بن روح (رضي الله عنه)، فسألاه أن يسأل الحضرة أن يفتح الله لساني. فذكر الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح أنكم أُمرتم بالخروج إلى الحائر. وقال سرور: فخرجنا أنا وأبي وعمي إلى الحائر فاغتسلنا وزرنا، قال: فصاح بي أبي وعمي: يا سرور فقلت بلسان فصيح: لبيك، فقال لي: ويحك تكلّمت؟! فقلت: نعم)[74].
التوقيع الذي خرج لمحمد بن الفضل الموصلي والذي كان من الشيعة لكنه يشك بنيابة السفير الثالث ويرى أن الأموال تؤخذ بغير حق فجاء به الحسين بن علي الوجناء النصيبي الذي كان صديقاً للموصلي إلى بغداد ولإثبات أحقية الحسين بن روح كتب الموصلي كتاباً بلا مداد والكتابة لا يراها أحد ثم جاءه الجواب على ما كتب، فوقع على الحسين بن روح يرجو منه العذر عما بدر منه[75].
ما رواه الصدوق قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) قال: (سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (رضي الله عنه) بعد موت محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه) أن أسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أن يدعو الله (عزّ وجل) أن يرزقه ولداً ذكراً قال: فسألته فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين وأنه سيولد له ولد مبارك ينفع [الله] به وبعده أولاد.
قال أبو جعفر محمد بن علي الأسود (رضي الله عنه) وسألته في أمر نفسي أن يدعو الله لي أن يرزقني ولداً ذكراً فلم يجبني إليه وقال: ليس إلى هذا سبيل، قال: فولد لعلي بن الحسين (رضي الله عنه) محمد بن علي وبعده أولاد، ولم يولد لي شيء)[76].
ما رواه الطوسي بسنده عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال: (حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة على الحاج، وهي سنة (تناثر) الكواكب أن والدي (رضي الله عنه) كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) يستأذن في الخروج إلى الحج. فخرج في الجواب: لا تخرج في هذه السنة، فأعاد فقال: هو نذر واجب أفيجوز لي القعود عنه؟ فخرج الجواب: إن كان لابد فكن في القافلة الأخيرة، فكان في القافلة الأخيرة فسلِم بنفسه وقُتل من تقدَّمه في القوافل الأُخر)[77].
التوقيع الخارج لأبي العباس الخجندي والذي سأل الإمام (عجّل الله فرجه) الكفّ عن الطلب فخرج التوقيع: "من بحث فقد طلب ومن طلب فقد دل ومن دل فقد أشاط ومن أشاط فقد أشرك"[78].
ثانياً: ما ظهر من معجزات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على يده:
عرَّف السيد الخوئي المعجزة بـ(أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره، شاهداً على صدق دعواه)[79]. وفي ضوء هذا التعريف لا يورد إشكال على نسبة المعجزة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فإن الإمامة منصب إلهي، وقد ورد في الروايات عدة معجزات للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) التي ظهرت على يد الحسين بن روح (رحمه الله) منها:
١- حادثه الحسن الصيرفي: روى الطوسي بسنده قال: (سمعت محمد بن الحسن الصيرفي الدورقي المقيم بأرض بلخ يقول: أردت الخروج إلى الحج وكان معي مال بعضه ذهب وبعضه فضة، فجعلت ما كان معي من الذهب سبائك وما كان معي من الفضة نقراً وكان قد دفع ذلك المال إليَّ لأسلمه من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره) قال: فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه رمل، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني وغاضت في الرمل وأنا لا أعلم قال: فلما دخلت همدان ميزت تلك لسبائك والنقر مرة أخرى اهتماماً مني بحفظها ففقدت منها سبيكة وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل -أو قال: ثلاثة وتسعون مثقالاً- قال: فسبكت مكانها من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك، فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح (قدس سره) وسلمت إليه ما كان معي من السبائك والنقر، فمدّ يده من بين [تلك] السبائك إلى السبيكة التي كنت سبكتها من مالي بدلاً مما ضاع مني فرمى بها إليّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا وسبيكتنا ضيّعتها بسرخس حيث ضربْتَ خيمتك في الرمل فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت واطلب السبيكة هناك تحت الرمل فإنك ستجدها وستعود إلى ههنا فلا تراني.
قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت، فوجدت السبيكة تحت الرمل وقد نبت عليها الحشيش، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي، فلما كان بعد ذلك حججتُ ومعي السبيكة دخلت مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) مضى، ولقيت أبا الحسن علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) فسلّمت السبيكة إليه)[80].
٢- حادثة علي بن الحسين بن موسى بن بابويه عندما أستأذن الإمام (عجّل الله فرجه) في الخروج للحج وتقدم ذكرها في التوقيعات.
٣- ما رواه الطوسي بسنده قال: (ووجدت في أصل عتيق كتب بالأهواز في المحرم سنة سبع عشرة وثلاثمائة: أبو عبد الله، قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد (بن عمر) بن علي بن أبي طالب الجرجاني قال: كنت بمدينة قم فجرى بين إخواننا كلام في أمر رجل أنكر ولده، فانفذوا رجلاً إلى الشيخ صانه الله.
وكنت حاضراً عنده (أيده الله) فدفع إليه الكتاب فلم يقرأه وأمره أن يذهب إلى أبي عبد الله البزوفري (أعزه الله) ليجيب عن الكتاب فصار إليه وأنا حاضر، فقال [له] أبو عبد الله: الولد ولده وواقعها في يوم كذا وكذا في موضع كذا وكذا فقل له: فيجعل اسمه محمداً فرجع الرسول إلى البلد وعرفهم ووضح عندهم القول وولد الولد وسمي محمداً)[81].
٤- العقيقي وحادثة الضيعة، روى الصدوق بسنده أنه قال: (قدم أبو الحسن علي بن أحمد بن علي العقيقي ببغداد في سنة ثمان وتسعين ومائتين إلى علي بن عيسى بن الجراح وهو يومئذٍ وزير في أمر ضيعة له، فسأله فقال له: إن أهل بيتك في هذا البلد كثير فإن ذهبنا نعطي كلما سألونا طال ذلك -أو كما قال- فقال له العقيقي: فإني أسأل من في يده قضاء حاجتي، فقال له علي بن عيسى: من هو؟ فقال: الله (عزّ وجل)، وخرج مغضباً، قال: فخرجت وأنا أقول: في الله عزاء من كل هالك، ودرك من كل مصيبة.
قال: فانصرفت فجاءني الرسول من عند الحسين بن روح (رضي الله عنه) وأرضاه فشكوت إليه فذهب من عندي فأبلغه فجاءني الرسول بمائة درهم عدداً ووزناً ومنديل وشيء من حنوط وأكفان، وقال لي: مولاك يقرئك السلام ويقول لك: إذا أهمك أمر أو غم فامسح بهذا المنديل وجهك، فإن هذا منديل مولاك (عليه السلام)، وخذ هذه الدراهم وهذا الحنوط وهذه الأكفان وستقضى حاجتك في ليلتك هذه، وإذا قدمت إلى مصر يموت محمد بن إسماعيل من قبلك بعشرة أيام، ثم تموت بعده فيكون هذا كفنك وهذا حنوطك وهذا جهازك.
قال: فأخذت ذلك وحفظته وانصرف الرسول وإذا أنا بالمشاعل على بابي والباب يدقّ، فقلت لغلامي (خير): يا خير؟ انظر أي شيء هو ذا؟ فقال خير: هذا غلام حميد بن محمد الكاتب ابن عم الوزير فأدخله إليّ فقال لي: قد طلبك الوزير ويقول لك مولاي حميد: اركب إليّ، قال: فركبت (وخبت الشوارع والدروب) وجئت إلى شارع الرزازين فإذا بحميد قاعد ينتظرني، فلما رآني أخذ بيدي وركبنا فدخلنا على الوزير، فقال لي الوزير: يا شيخ قد قضى الله حاجتك واعتذر إليّ ودفع إلي الكتب مكتوبة مختومة قد فرغ منها، قال: فأخذت ذلك وخرجت)[82].
٥- ولادة الشيخ الصدوق بدعاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وتقدم ذكرها في التوقيعات.
٦- حادثه محمد بن الفضل الموصلي والتي تقدم ذكرها في توقيعات الإمام (عجّل الله فرجه).
ثالثاً: ما رواه من زيارات وأدعية:
روي عن الحسين بن روح (رحمه الله) بعض الزيارات والأدعية منها: زيارة المشاهد الشريفة في رجب والتي تبدأ بـ"الحمد لله الذي أشهدنا مشهد أوليائه في رجب..." [83] . دعاء التوسل بالإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام) والذي يبتدأ بـ"اللهم إني أسئلك بالمولدين في رجب..."[84].
دوره في كسب ودّ مخالفيه:كان الحسين بن روح (رحمه الله) محل احترام وتقدير عند العامة والخاصة وحتى من قبل كبار رجال الدولة وخصوصاً في عهد وزارة بني فرات وابن مقلة.
والسبب في ذلك يعود إلى التزامه بمسلك التقية لكسب قلوبهم ولحفظ مصالحه الدينية والدنيوية، ولعل هذا المسلك كان بتوجيه من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتقية عقيدة قرآنية أصّلت لها العديد من النصوص الشرعية كقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ﴾ (النحل: ١٠٦). وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً﴾ (آل عمران: ٢٨) وقال تعالى: ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ﴾ (غافر: ٢٨). وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "التقية ديني ودين أجدادي ومن لا تقية له لا دين له" [85].
وتجب في موارد وتحرم في موارد أخرى ليس محلها هنا ويمكن أن تراجع في مظانها. وليست التقية خاصة بالشيعة غاية الأمر أن الشيعة تعرضوا للظلم والاضطهاد على مر الزمان وتعاقب الحكومات فتوجب عليهم أن يتقوا من أعدائهم حفظاً لأرواحهم وأموالهم، ولما كان الحسين بن روح سفير الإمام (عجّل الله فرجه) والسلطات تراقب تحركات خواص الشيعة وأعيانهم لكشف علاقتهم بالإمام (عجّل الله فرجه) توجّب عليه أن يمارس التقية لدفع الشبهات عنه وعدم إعطاء أي مبرر للوشاية به عند الحكام فهو لم يصرّح بمذهبه، ولم يسيء إلى أي مذهب أو شخصية، الأمر الذي جعل له مكانة عند كبار رجال الدولة والحكام ويمكن تتبع دوره في كسب ود أعدائه بما يلي:
روى الطوسي عن أبي نصر هبة الله أنه قال: (وحدثني أبو أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال: قال لي: إني كنت أنا وإخوتي ندخل إلى أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) نعامله، قال: وكانوا باعة، ونحن مثلاً عشرة تسعة نلعنه وواحد يشكّك، فنخرج من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلى الله بمحبته وواحد واقف، لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه وما لم نروه، فنكتبه لحسنه عنه (رضي الله عنه)[86].
وروى أيضاً عن أبي نصر هبة الله بن محمد قال: (حدثني أبو الحسن بن كبرياء النوبختي قال: بلغ الشيخ أبا القاسم (رضي الله عنه) أن بواباً كان له على الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر بطرده وصرفه عن خدمته، فبقي مدة طويلة يسأل في أمره فلا والله ما ردّه إلى خدمته، وأخذه بعض الأهل فشغّله معه كل ذلك للتقية)[87].
روى أبو نصر هبة الله بن محمد، قال: (حدثني أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن أبي الطيب قال: ما رأيت من هو أعقل من الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، ولعهدي به يوماً في دار ابن يسار، وكان له محل عند السيد والمقتدر عظيم، وكانت العامة أيضاً تعظمه، وكان أبو القاسم يحضر تقية وخوفاً. وعهدي به وقد تناظر اثنان، فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم عمر ثم علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر، فزاد الكلام بينهما.
فقال أبو القاسم (رضي الله عنه): الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم بعده عثمان ذو النورين ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث على ذلك، وهو الصحيح عندنا، فبقي من حضر المجلس متعجباً من هذا القول، وكان العامة الحضور يرفعونه على رؤوسهم وكثر الدعاء له والطعن على من يرميه بالرفض.
فوقع عليّ الضحك فلم أزل أتصبّر وأمنع نفسي وأدسُّ كمي في فمي، فخشيت أن أفتضح، فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي، فلما حصلت في منزلي فإذا بالباب يطرق، فخرجت مبادراً فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) راكباً بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلى داره.
فقال لي: يا أبا عبد الله أيّدك الله لم ضحكت؟ فأردت أن تهتف بي كأنّ الذي قلته عندك ليس بحق؟ فقلت: كذاك هو عندي. فقال لي: اتق الله أيها الشيخ فإني لا أجعلك في حل، تستعظم هذا القول مني، فقلت: يا سيدي رجل يرى بأنه صاحب الإمام (عجّل الله فرجه) ووكيله يقول ذلك القول لا يتعجب منه و[لا] يضحك من قوله هذا؟ فقال لي: وحياتك لئن عدت لأهجرنّك وودّعني وانصرف)[88].
وفي ذلك تورية تنطلي على الكثيرين فإذا دققنا النظر في الرواية نجد أنه كلامه يحتمل معنيين معنى قريباً وهو تقديم غير الإمام علي (عليه السلام) عليه وهذا المعنى لا يريده الشيخ ومعنى بعيداً وهو تقديم الإمام علي (عليه السلام) لأنه نص على أنه الوصي بقوله: ثم علي الوصي.
الخاتمة:وفي الختام تحصل البحث على عدة نتائج:
لا شك في انتساب الحسين بن روح إلى أسرة آل النوبختي فهناك الكثير من القرائن تشير إلى ذلك.
كان وزراء السلطة العباسية متغيري المواقف اتجاه أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فبعضهم يشدّد النكير ويكيل التهم، وبعضهم يتعامل معهم بشيء من الإيجابية وهذا ما لاحظناه في حياة الحسين بن روح فتارة يُقرّب، وتارة يُتّهم ويُطارد ويسجن.
لم يكن الحسين بن روح من البارزين جداً لتسلّم منصب السفارة بعد السفير الثاني وإن كان مقرباً عنده، الأمر الذي جعل السفير الثاني يمارس مجموعة من الأساليب لترسيخ فكرة السفارة بن روح عند عوام الشيعة وخواصهم.
كثر مدّعوا السفارة في عهد الحسين بن روح مما تطلّب منه جهداً كبيراً للوقوف بوجههم حتى أسفر ذلك عن اندحارهم وخلاص الشيعة منهم.
تميّز الحسين بن روح بسلوكه مسلك التقية، والذي جعل منه غطاءً لممارسة دوره الديني والقيام بمهام السفارة، فحظي بمكانه مرموقة عند العامة والخاصة وكان محل احترام من قبل جميع المسلمين.
المصادر:١- الاحتجاج بي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان، ١٩٦٦، دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف.
٢- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت٤٦٠هـ)، تصحيح وتعليق ميرداماد الاسترابادي، تحقيق: مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ١٤٠٤.
٣- الأعلام، خير الدين الزركلي (١٤١٠هـ)، ط٥، ١٩٨٠م، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان.
٤- إقبال الأعمال، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، ط١، ١٤١٤هـ، مكتب الإعلام الإسلامي.
٥- آل نوبخت، عباس اقبال الآشتياني، نقله الى العربية: علي هاشم الأسدي، مؤسسة الطباعة والنشر التابعة للعتبة الرضوية المقدسة، ط١، ١٤٢٥هـ، ١٣٨٣ش.
٦- الإمام المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية، جواد علي، ترجمه عن الألمانية: د. أبو العيد دودو، منشورات الجمل، ط٢، ٢٠٠٧م.
٧- أوائل المقالات، محمد بن محمد بن النعمان المفيد (ت ٤١٣هـ)، تحقيق: إبراهيم الأنصاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، ط٢، ١٤١٤هـ، ١٩٩٣م.
٨- البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت٧٧٤هـ)، تحقيق علي شيري، ١٤٠٨هـ، دار إحياء التراث العربي.
٩- البيان في تفسير القرآن، أبو القاسم الخوئي، ط٤، ١٩٧٥م، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
١٠- تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت٧٤٨هـ)، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، ط٢، ١٤٠٩هـ، دار الكتاب العربي، بيروت.
١١- تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن علي (ت:٤٦٣)، تحقيق: دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط١، ١٩٩٧م، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.
١٢- تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم علي بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر(ت٥٧١هـ)، دراسة وتحقيق علي شيري، ١٤١٥هـ، دار الفكر للطباعة والنشر.
١٣- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي (ت ٥٧٣ هـ)، حقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) / بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، ط١، مؤسسة الإمام المهدي - قم المقدسة.
١٤- سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت٧٤٨هـ)، تحقيق شعيب الارناؤوط، ط٩، ١٤١٣هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان.
١٥- الشيعة وفنون الإسلام، حسن الصدر، مكتبة أهل البيت (عليهم السلام) الالكترونية - الإصدار الثاني.
١٦- صلة تاريخ الطبري، عريب بن سعد القرطبي (ت٣٦٩هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت.
١٧- الغيبة، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت٤٦٠هـ)، منشورات شركة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان، ط١، ١٤٣١هـ - ٢٠١٠م.
١٨- فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي (ت٤٥٠هـ)، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط٥، ١٤١٦هـ.
١٩- الكامل في التاريخ، عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم (ابن الأثير) (ت ٦٣٠هـ)، دار صادر للطباعة والنشر - دار بيروت للطباعة والنشر، ١٣٨٦هـ - ١٩٦٦م.
٢٠- كتاب الفهرست للنديم، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب المعروف بالوراق (ت ٤٣٨هـ)، تحقيق: رضا - تجديد.
٢١- كمال الدين، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق (ت ٣٨١هـ)، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ١٤٠٥هـ - ١٣٦٣ش.
٢٢- المصباح (جنة الأمان الوافية وجنة الإيمان الباقية)، إبراهيم الكفعمي (ت ٩٠٥هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، ط٣، ١٤٠٣هـ -١٩٨٣م.
٢٣- مصباح المتهجد، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت٤٦٠هـ)، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان، ط١، ١٤١١هـ - ١٩٩١م.
٢٤- مهج الدعوات ومنهج العبادات، أبن طاووس(ت٦٦٤هـ)، كتابخانة سنائي.
٢٥- موجز دائرة معارف الغيبة، مركز الابحاث التخصصية في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
٢٦- موسوعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، السيد محمد صادق الصدر، مؤسسة طليعة النور للطباعة والنشر، ط١، ١٤٢٥هـ.
٢٧- الوافي بالوفيات، الصفدي (ت٧٦٤هـ)، تحقيق أحمد الارناؤوط وأحمد تركي، ١٤٢٠هـ/٢٠٠٠م، دار إحياء التراث.
بقلم ساجد صباح ميّس العسكري
[1] ينظر تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ١٠/ ٥٦، وينظر تاريخ دمشق، ابن عساكر: ٣٢/٣٠٤.
[2] آل نوبخت، عباس اقبال اشتياني: ٢٣.
[3] أبو سهل بن نوبخت غير أبي سهل الذي عاصر الحسين بن روح، نوّهنا لذلك لأنه سوف يكثر ذكر أبي سهل عند الحديث عن الحسين بن روح.
[4] ينظر آل نوبخت: ٢٥، ٣٠، ٣٨.
[5] الفهرست، ابن النديم البغدادي: ٣٣٣.
[6] الشيعة وفنون الإسلام، حسن الصدر، ٨٠.
[7] آل نوبخت: ١٤٥ وما بعدها.
[8] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٥٥.
[9] ينظر رجال النجاشي: ٣٢.
[10] ينظر الفهرست، ابن النديم: ٢٢٥.
[11] ينظر رجال النجاشي: ٣٢.
[12] ينظر آل نوبخت: ١٩٩- ٢٠٠.
[13] الفهرست، ابن النديم: ١٩٢.
[14] ينظر آل نوبخت: ١٣١، ١٣٢.
[15] الغيبة للطوسي: ٢٣٦.
[16] المصدر السابق: ٢٣٥.
[17] رجال الكشي، الطوسي: ٢/ ٨٣١.
[18] تاريخ الإسلام، الذهبي: ٢٤/ ١٩٠.
[19] ينظر آل نوبخت: ٢٤٩- ٢٥٠.
[20] الإمام المنتظر: جواد علي: ١٣٢.
[21] المصدر السابق: ١٣٣.
[22] الغيبة للطوسي: ٢٣٦.
[23] القرامطة هم فرقة من الإسماعيلية تقول بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السلام).
[24] تاريخ الإسلام: ٢٤/ ١٩١.
[25] الغيبة للطوسي: ٢١٨.
[26] آل نوبخت: ٢٥٣.
[27] الوافي بالوفيات، الصفدي: ١٢ / ٢٢٧.
[28] ينظر آل نوبخت: ٢٥٦.
[29] ينظر المصدر السابق: ٢٥٥.
[30] الغيبة للطوسي: ٢٣٤.
[31] سير أعلام النبلاء، الذهبي: ١٦ / ٢٢٣.
[32] ينظر الوافي بالوفيات، الصفدي: ١٢ / ٢٢٧.
[33] ينظر آل نوبخت: ٢٥٥.
[34] الغيبة للطوسي: ٢٣٧.
[35] الغيبة للطوسي: ٢٤٨.
[36] الغيبة للطوسي: ٢٤٥.
[37] الغيبة للطوسي: ٢٣٤.
[38] ينظر موسوعة الإمام المهدي، محمد محمد صادق الصدر: ١/٤٠٨
[39] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٣٥، ينظر موسوعة الإمام المهدي:١/٤١٠.
[40] كمال الدين للصدوق: ٥٠١، الغيبة للطوسي: ٢٣٥.
[41] الغيبة للطوسي: ٢٣٥.
[42] مهج الدعوات، ابن طاووس: ٤٦.
[43]ينظر موسوعة الإمام المهدي:١/٤٠٦
[44] ذكرنا نص التوقيع فيما سبق من البحث عند الكلام عن مكانته وأقوال الأئمة فيه.
[45] موسوعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ١/ ٤٠٩.
[46]موسوعة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): ١/ ٤١٠.
[47] كانت بداية انحرافه في زمن سفارة محمد بن عثمان وسبب انحرافه لامتناعه تسليم الأموال التي عنده إلى السفير الثاني (ينظر موجز دائرة معارف الغيبة: ٢٥).
[48] هو محمد بن أحمد البغدادي وهو أبن أخ الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وكان ممن ادّعى السفارة الكاذبة وكانت مهمة السفير الثالث صدّ هذه الدعاوي (ينظر موجز دائرة معارف الغيبة: ٨)
[49] رجال النجاشي: ٣٧٨.
[50] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٥٦، ينظر موسوعة الإمام المهدي:١/٥١٤.
[51] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٥٨.
[52] آل نوبخت، عباس إقبال أشتيان.
[53] آل نوبخت، عباس إقبال الأشتياني: ٢٥٩.
[54] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٥٧.
[55] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٦٠.
[56] البحار: ج٥١، ص٣٧٧، وفي الاحتجاج للطبرسي: ٢/٢٩٠
[57] البحار: ج٥١، ص٣٧٧، وفي الاحتجاج للطبرسي: ٢/٢٩٠.
[58] ينظر الغيبة للطوسي: ٢٥٧.
[59]الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي:٣/١١٢٢.
[60] الأعلام، الزركلي:٦ / ٢٧٣.
[61] ينظر الغيبة، الطوسي: ٢٥٤.
[62] ينظر آل نوبخت: ١٤٠ ١٤١.
[63] تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ٨ / ١٢٠ وما بعدها.
[64] الفهرست، ابن النديم: ٢٤١.
[65] الغيبة للطوسي: ٢٥٤- ٢٥٥.
[66] الغيبة للطوسي: ٢٥٥.
[67] صلة تاريخ الطبري، عريب بن سعد القرطبي: ٦٤.
[68] ينظر تاريخ بغداد: ٨/١٢٢.
[69] ينظر البداية والنهاية، ابن كثير: ١١/ ١٥٩.
[70] ينظر البداية والنهاية، ابن كثير: ١١/ ١٦٣.
[71] الكامل في التاريخ، ابن الأثير: ٨ / ١٢٩.
[72] المصدر السابق.
[73] الغيبة للطوسي: ١٩٦- ١٩٧.
[74] المصدر السابق: ٢٠١.
[75] الغيبة للطوسي: ٢٠٤- ٢٠٥.
[76] كمال الدين للصدوق: ٥٠٢.
[77] الغيبة للطوسي: ٢٠٨.
[78] المصدر السابق.
[79] البيان، السيد الخوئي: ٣٥.
[80] كمال الدين للصدوق: ٥١٦- ٥١٧.
[81] الغيبة للطوسي: ١٩٩- ٢٠٠.
[82] كمال الدين للصدوق: ٥٠٥.
[83] ينظر مصباح المتهجد، الطوسي: ٨٢١، إقبال الأعمال، ابن طاووس: ٣ / ١٨٣.
[84] ينظر المصباح، الكفعمي: ٥٣٠.
[85] أوائل المقالات:٢١٦.
[86] الغيبة للطوسي: ٢٤٥.
[87] الغيبة للطوسي: ٢٤٥.
[88] الغيبة للطوسي: ٢٤٤-٢٤٥.
اترك تعليق