اللوحة اعلاه جزء من سلسلة الروائع الفنية الحسينية المميزة للفنان حسن روح الامين .. وقد انجزت بأسلوب واقعي وبحرفية عالية ونفذت بتقنية الزيت على قماش الكانفاس باحتراف ووضوح عاليين، وبرزت فيها العديد من المتناقضات في الشخصيات و الاجواء وبارتباطات تاريخية وروحانية مختلفة ليظهر شخصيات العمل وفقاً لما ورد في الروايات التي تذكر راس الامام الحسين عليه السلام ورحلته الطويلة وهو محمولاً على الرماح انطلاقاً من رمضاء كربلاء حتى رجوعه اليها في العشرين من صفر الحرام .. ومنها ما حدث في أحد الأديرة النصرانية حين نزول قافلة السبايا وهم في طريقهم الى الشام.
عالج روح الامين في هذه الرسمة مشهدا مؤلما يثير شجون المتلقين واحاسيسهم، فمن المعروف ان استشهاد الامام الحسين عليه السلام وماحل برأسه الشريف وعياله من بعده قد حرك ضمير الإنسانية اجمع دون تحديد، حيث شاع صدى ثورته وتضحياته بالغالي والنفيس شتى بقاع الارض، فتناقلتها الثقافات وتناولتها باختلاف لغاتها ودياناتها إسلامية كانت او غير اسلامية، فمنهم من نقلها بشعره والاخر بقوله وتمثيله ومنهم من رسم مؤرخا تلك الاحداث التي ادمت القلوب ببنية جمالية خاصة.. مستلهما مضامين افكارها من مرويات الطف التاريخية، ليزداد من خلالها تعلق الناس بها ومن ثم ديمومة تداوليتها كعلامات متناقلة عبر الاجيال المتلاحقة وترسخ العقيدة لأتباع أهل بيت النبوة الاطهار سلام الله عليهم.
عمد الرسام اثناء تنفيذه للرسمة على تمثيل فكرة اللوحة بمركزين اساسيين شكلا العلامة الدالة لمعنى الحدث المعالج وأحداثه الواردة عبر الروايات والمتخيلة من قبل الفنان، فقد نفذ العمل بإنشاء مفتوح يستحضر البنية المكانية الواقعية للدير وهذا واضح في عمق اللوحة وشكل الجدار والزي الذي اكتسى به الراهب، مما أستدعى الرسام لاستحضار البنية اللونية التي تختص بجغرافيتها وتمثلاتها من شكل العمود الرخامي الى طراز البناء المتبع، فأقام تدرجا لونيا ما بين الغامق والفاتح وحسب الضوء المنبثق من راس الامام الحسين الذي يمثل مركز العمل الفني في يسار اللوحة بالنسبة للمشاهد ، حيث اختار روح الامين أن يضع نقطة الارتكاز الرئيسية في يسار مقدمة اللوحة القريبة من المشاهد والمتمثلة بصندوق خشبي موضوع فيه راس الامام الحسين المنير للظلمة، وجعل منه عنصر شد يربط ما بين عناصر اللوحة الاخرى، فضلا عن اقترابه من واقعية المكان باستحضاره العلامة المكانية الرابطة للحدث وهي الدير حيث عمد على تحديده بالصليب المثبت على الجدار مستثمرا الظل والضوء ليعطي أحساس بملمسه الحجري .
حرص حسن على الذهاب بالمتلقي الى الحدث المعني انفا ويتركه يسبح في فضاءات اللوحة متنقلاً بين عناصرها، عن طريق دقته في بنائه للفضاء المفتوح ، فقد عمد الفنان الى استخدام الوان البني والاصفر والاسود وبكثرة وبدرجات متفاوتة الحدة في تمثلات الجدران والملابس وحتى ضوء السماء الداخل من الشباك.. ليوائم بذلك الحالة النفسية للمشاهد المتعرض للوحة لتلقي موضوعة العمل الفني روحيا موضحا علاقته بذات الفنان نفسه، وقد شكلت الوان اخرى حيزا مهما في اظهار الجو العام للوحة كالأحمر وبعض الأخضر مما حدا بتلك البنية اللونية المتماسكة الى خلق مناخ موحد لفكرة العمل بشكل عام، ولا يخفى على المتأمل للوحة براعة الفنان في بناء الرموز العقائدية من حيث هيئة شخصيات اللوحة ومراعات قدسيتها وبالخصوص هيئة الرأس الشريف النورانية، حيث لم يترك الفنان مخيلة المتلقي تجوب الافاق بعشوائية بل تركه بانفعال آخر ومأساة اخرى من مأسي معركة الطف التي لطالما ابكت العيون وادمت القلوب الحرة و تفتت منها الاكباد حزنا وألما .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق