العدالة الاجتماعية في رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام)

الاستاذ الدكتور نسيب محمد حطيط

مقدمـــــــــــة.

لا بد بداية من التنويه بالاختيار الموفّق لعنوان المؤتمر "العدالة الاجتماعية في رسالة الحقوق "لأنه يشكل حلقة متممة  للمؤتمر السابق (التعايش السلمي في رسالة الحقوق ) لأن  العدالة الاجتماعية ركن أساس من اركان "التعيش السلمي" لأن اختلال  ميزان "العدالة الاجتماعية "سيؤدي الى نشوب الاضطرابات والانفجار الاجتماعي واهتزاز السلطة اناة سقوطها بالانقلاب عليها من حركات المعارضة التي تطالب بالمساواة والتوزيع العادل للثروات وتعميم الحقوق والواجبات على الجميع بدون تمييز .

رسالة الحقوق - وثيقة أخلاقية وإنسانية  .

ان رسالة الحقوق لا يمكن التعامل معها على انها تخص المسلمين الشيعة او المسلمين فقط بل هي بمثابة رسالة عامة و ووثيقة أخلاقية –إنسانية  لكل "العالمين" وفق النص القرآني (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) ولا بد من تعميمها ومقارنتها او ربطها بمبادىء حقوق الانسان والهيئات الدولية المختصة  بالعدالة المساواة ومن خلال هذه النافذة يمكننا اشراك الآخرين بثقافتنا العادلة والعالمية والمنفتحة ردا" على التشويه الذي احدثته الجماعات التكفيرية من "داعش" و"النصرة" واخواتها التي تعمل على إظهار الإسلام بأنه دين التوحش والسبي والاغتصاب والقتل وهدم الإرث الحضاري للأمم والتكفير العشوائي للمسلمين ولكل العالم ما عدا اميركا والعدو الإسرائيلي .

تعريف "العدالة الاجتماعية " في القانون الوضعي.

ان مصطلح العدالة الاجتماعية مصطلح مركّبب من كلمتي "العدالة "و" الاجتماعية" ولتبيان وفهم هذا المصطلح لا بد من تعريف كلمتي العدالة والاجتماعية .

تعريف العدالة: العدالة (اسم )– مصدرها ( عَدَلَ) يعني (عَدْل، إنْصاف، حُكم مُتَجرِّد، من دون تَحَيُّز)[1] والأمر المتوسط بين الإفراط و التفريط  والمساواة في إعطاء الحقوق والإلتزام بالواجبات دون تفرقة أو تمييز لأي سبب من الأسباب سواء كان دين أو جنس أو لون والعدل اسم من أسماء الله الحسنى ويشدد الله سبحانه على وجوب العدل فيقول (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى([2] 

تعريف العدالة الاجتماعية في الْفَلْسَفَةِ :

تعنبر العدالة الاجتماعية إِحْدَى الْفَضَائِل الأَرْبَعِ الَّتِي سَلَّمَ بِهَا الْفَلاَسِفَةُ وَهِيَ (الْحِكْمَةُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْعِفَّةُ وَالْعَدَالَةُ).

العدالة الاجتماعية :

 تتعدد تعاريف العدالة الاجتماعية وتتغير عبر التاريخ فهي منظومة أخلاقية إنسانية وفق التكافل الاجتماعي وتكافؤ الفرص عبر نظام اقتصادي واجتماعي يزيل الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع كافة مناحيه، لتوفير معاملة عادلة و حصة تشاركية من خيرات المجتمع وتشكل حقوق الانسان والمساواة   وحرية الفكر والتعبير  وحرية التنقل ، ويعتبر الفيلسوف "جون رولس"[3] (أن العدالة الاجتماعية فكرة فلسفية لا سياسية). ويعتبر حزب الخضر[4] احد اهم المنظمات التي ترفع شعار العدالة الاجتماعية ويطلقون عليها إسم "المساواة العالمية والاجتماعية والعدالة الاقتصادية) Global Equality social and Economic Justice)   )

" وتعد أحد الأركان الأربعة لحزب الخضر Four Pillars of the Green Party.   ويعرّف حزب الخضر الكندي العدالة الاجتماعية بأنها "التوزيع المتساوي للموارد لضمان بأن الجميع لديهم فرص متكافئة للتطور الاجتماعي والشخصي".

لكن رغم التنوع الكبير في مفهوم العدالة الاجتماعية، والتعريفات ، يجمع الكثير من البحوث الأكاديمية، على عدد من العناصر لتحقيق العدالة الاجتماعية أبرزها :

* المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص.

* التوزيع العادل للموارد والأعباء.

* الضمان الاجتماعي.

* توفير السلع العامة.

* العدالة بين الأجيال.

ان العدالة الاجتماعية حق من حقوق الإنسان مهما كان لونه او جنسه او قوميته او معتقده كفلته الشرائع السماوية وخاتمتها الإسلام الذي بشّر به وارسى دعائمها الرسول الأكرم محمّد(ص) والأئمة (ع) وهي ليست عطاء او مكرمة من احد بل حق مفروض ومكتسب لا يجوز لأحد ان يسلبه لأي فرد مهما كان ضعيفا او مستضعفا".

مرجعية وركائز العدالة الاجتماعية.

تنقسم العدالة الاجتماعية من حيث المرجعية الحاكمة والمبادئ والأسس الى نوعين :

 عدالة الهية ثابتة لا تتغير لأنها الأمثل لا تميّز بين "العالمين" واولى مظاهر العدالة الاجتماعية الإلهية ما بشّر به القرآن الكريم (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)[5] حيث عمّم الرحمة لتشمل العالمين ولم يخصّها بالمسلمين او المؤمنين (وما أرسلناك إلا كافّة للناس)[6] (وما أرسلنا رسولا الا بلسان قومه ليبين لهم..)[7] لإحترام الناس خلاف المستعمرين الذين يفرضون لغتهم لمحو الهوية الثقافية للشعوب المستضعفة. عدالة وضعية (بشرية) تتغير وفق نظام الحكم او شخصية الحاكم او العقيدة والقومية الحاكمة ولا يمكن تحديد تعريف واحد للعدالة الاجتماعية الوضعية لا من جهة الثبات ولا من جهة المفهوم.

تعريف العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم:

تعتمد العدالة الاجتماعية في القرآن على المبادئ التالية:

المعاملة بالمثل المعاقبة بالمثل مع التشجيع على العفو ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ)[8]    التعامل بالمساواة وعدم التمييز بين الخلق. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ،إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) وجعل منظومة التقرب الى الله والتكريم الإلهي بيد المخلوق وفق معادلة التقوى والطاعة لله والخوف من معصيته أي ترك الحرية المطلقة للإنسان بخياراته السلوكية نحو الله سبحانه. عدم الإكراه . لقد ترك الله الخيار في عبادة الانسان له وفق خيار الانسان وعدم الإكراه في المعتقد (لا إكراه في الدين) – مع قدرة الله على الزامه – (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) مع الكرم والرفق الإلهي في ارشاد المخلوق الى الطريقين الايمان والكفر ودون تحميل الانسان عبء البحث عنهما حيث يقول تعالى (انّا هديناه النجدين فإما شاكرا واما كفورا ) حصر العقاب بالفاعل.(ولا تزر وازرة وزر أخرى)مما يعني عدم تحميل مسؤولية لغير الفاعل ومعاقبة اقربائه وعائلته او عشيرته وبالتالي تسقيط منظومة (الثأر) المعتمدة في مجتمعنا الإسلامي قبول التوبة والاستغفار بما يمثلان من قمة في العدالة الاجتماعية الإلهية فبمجرد الاستغفار الأصيل والتوبة النصوح حتى لو قاربت الروح حبل الوريد قبل الموت لقبلها الله سبحانه ثم اتبعها بالشفاعة يوم الحساب للرسو الاكرم(ص) والأئمة (ع) ثم الشهداء والصديقون والصالحون وتختتم بالشفاعة الإلهية العامة حتى يكاد "ابليس" ان يمد عنقه حتى ينال بعضا" منها.

أنواع العدالة الاجتماعية في رسالة الحقوق :

تشمل كل ما يتعلّق بأحوال الانسان لتبقيه جزء فاعلا" غير مشلول او معزول ومنبوذ في بيئته الاجتماعية على المستويات السياسية والمعيشية والثقافية وكل مرتكزات التي يقوم عليها المجتمع الإنساني وفق الرؤية الإلهية القرآنية والسنة النبوية الشريفة ومساهمات الأئمة (ع) وتنقسم الى اربع مستويات وفق التالي:

- عدالة اجتماعية تتمثل بحق طرف واحد ولا تحتاج الى طرفين وهي العدالة بين الله سبحانه وتعالى وبين المخلوق حيث يكون لله جل وعلا الحق عليك ولا حق لك عليه فهو الذي خلقك واعطاك كل شيء ولم تعطه أي شيء مقابل ،فالعدالة تقتضي بأن تعطيه حقّه بأن تعبده لا تشرك به شيئا"( أما حق االله الأكبر فإنك تعبده، لا تشرك به شيئاً).

-  عدالة اجتماعية بين طرفين بشروط الهيّة (حق أهل الذمة) او ثلاثية الاطراف.

الاختلاف في الدين والعقيدة لا يمنعان وجوب العدالة لا يسلب المخالف لعقيدتك من استفادته من العدالة الاجتماعية الحاكمة  ولكن بشروط الهية وردت في القرآن الكريم (وَأمّــــــــــــــــــــــا حَقُّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَالحُكْمُ فِيهِـــــمْ أَنْ تَقبَلَ مِنْهُمْ مَا قَبِلَ اللهُ، وَتَفِي بمَا جَعَلَ اللهُ لَهُمْ مِنْ ذِمَّتِهِ وَعَهْدِهِ وَتكِلُهُمْ إلَيهِ فِيمَا طَلبُوا مِنْ أَنْفُسِهِــــــــــــــمْ وَأُجْبرُِوا عَلَيْهِ وَتحْكُمَ فِيهِمْ بمَـــــــــــــــــا حَكَمَ الله بهِ عَلَى نفْسِكَ فِيمَا جَرَى بَيْنَكَ [وَبيْنَهمْ] مِنْ مُعَامَلَةٍ) لقد تم تحديد مبادئ العدالة الاجتماعية بين المسلم واهل الذمة انه بين طرفين بشريين لكنها خاضعة لشروط الهية ونبوية لا تسمح بالاجتهاد فيها لأن الذمي المعتقد برسالة سماوية انزلها الله سبحانه ولو خالف بعض معتنقيها بعض المبادئ منها او تم تحريف بعض مفاهيمه فالحساب متعلّق بالله سبحانه وهو يقبل او يرفض عملهم ولا شأن لك بمحاسبة الآخرين في دينهم بل عليك واجب ارشادهم ودعوتهم الى الإسلام ولذا ورد في النص المتعلّق باهل الذمة ( بما قبل الله منهم -بما جعل الله لهم – بماحكَم الله..) .

عدالة اجتماعية بين طرفين :وهي العدالة الاجتماعية العامة بين الناس على اختلاف طبقاتهم واجناسهم ومواقعهم الاجتماعية والسلطوية وعلاقاتهم الخاصة والعامة وبين الفرد ونفسه . عدالة اجتماعية ذاتية (بين الفرد ونفسه).وهذا ما يتعلّق بالإنسان ونفسه وروحه واعضاء بدنه وحواسه التي بالمعطى الظاهري يتملكها وله حق الإمرة والعمل بها لكن في الجوهر فإنه مؤتمن عليها ولا يحق التصرف والعمل بواسطتها الا وفق الشروط والمبادئ الإلهية الحاكمة في منظومة الطاعة والعبادة ومكارم الأخلاق .

ان رسالة الحقوق للإمام السجّاد(ع) لم تنص مباشرة بالمصطلح الصريح على (العدالة الاجتماعية) واسسها ومرتكزاتها ومبادئها ،بل اذابت مكنوناتها في الحقوق التي ذكرها الامام السجاد مستلهما من النص القرآني  (العالمين) و(الناس ) ومن النص النبوي الشريف (لا فضل لعربي على اعجمي...الا بالتقوى) ولذا فقد ارتكزت العدالة الاجتماعية في رسالة الحقوق على المبادئ التالية :

العدالة الاجتماعية نتاج تكامل القناعة والسلوك والعقيدة الإسلامية وتربية ذاتية ومكتسبة يمكن ان تكون عملا الزاميا يفرضه ولي الأمر على القضاة والمجتمع الإسلامي وعدم تحويله لعمل انتقائي أو مصلحي". العدالة الاجتماعية تمثل عملا" عباديا" وهي من مرتكزات المنظومة الأخلاقية الإسلامية وقد جاء في الحديث النبوي (انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[9] العدالة الإجتماعية على مستويين الهي (ديني) ودنيوي  (ذاتي وعام) اما الذاتي ان تتعاطى بعدل مع نفسك الكلّية والجزئية من أعضاء جسدك (اليد والرجل والعين واللسان..) وخارجي مع (الاسرة والرحم والعدو والصديق وبقية الشرائح الاجتماعية) العدالة لا تكون باتجاه واحد بل بالاتجاهين فمن يطلب حقه عليه ان يعطي الآخرين حقوقهم.

ان العدالة الاجتماعية التي تكتنزها رسالة الحقوق  تتفرد عن غيرها من المفاهيم المتعلقة بالعدالة الاجتماعية انها تعتبر ان لكل مخلوق حقوقا" تجاه الآخرين بالتلازم على اعترافه بأن للآخرين حقوقا" عليه الا في  أمر واحد يتعلق بالله سبحانه فله الحق الأكبر على الانسان ولا حقوق للمخلوق عليه وانما واجبات تبدأ بالشكر والحمد والعبادة وعدم الإنكار لرحمته وفضله على الناس اما بقية المخلوقين فإن منظومة الحقوق متبادلة بالاتجاهين حيث تتحقق العدالة بينهما بشراكتهما في صناعتها بالتنازل والتعويض او التبادل في الحقوق حتى لا تتعرّض العدالة الاجتماعية بينهما للاختراق والخدش ولا تحتاج عملية تحقيق العدالة في رسالة الحقوق الى قوة قاهرة لتثبيتها واحقاقها بل تتولّد العدالة نتيجة قناعة واعتقاد الطرفين بوجوبها وثواب تحقيقها طاعة لله سبحانه وتنفيذا" لأحكامه ولا تحتاج الى قاض وشرطي وحاكم يفرضها بل تتولد بسعي الطرفين اليها بطواعية واستحباب طلبا للثواب والأجر وهي تتميز أيضا بأنها ثابتة لا تتغير وفق الزمان والمكان والسلطة الحاكمة –المفترض-  ان تكون (إسلامية ) وبالتالي تشكل عدالة اجتماعية )معولمة( ثابتة لا تتغير وفق الزمان والمكان او السلطة الحاكمة ويمكن ان تتغير بالمصطلحات وفق العصر الذي تعيش فيه او تتوسع بمحاورها وفق الأمور المستجدة من ناحية التطور والحقوق التي لم تكن موضع ابتلاء او شكاوى(مثال الملكية الفكرية وحقوق النشر –المياه الإقليمية – ترسيم الحدود وغيرها الكثير من المستحدث في امور الحياة لكن مع ثابت لا يتغير هو المفهوم وجوهر بناء الحقوق ويترك للشارع التفصيل بالجزئيات والتفاصيل واستنباط احكامها من بطون الحقوق الإلهية التي نصّت عليها رسالة الحقوق وذلك مقابل عدالة اجتماعية متعددة التعريفات والشمولية والاستثناءات في القوانين الوضعية الرأسمالية او الاشتراكية او العنصرية او الاستعمارية (العدالة الاجتماعية الوطنية او الإقليمية او الدولية)،مع ان العدالة الاجتماعية الاسلامية قد تم اختراقها خلافا" للنص الإلهي والنبوي ،حيث قام البعض بتقسيم المسلمين بين المسلمين الموالي والمسلمين العرب  القرآني (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ  [10](والنص النبوي (إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى [11](وتم تقسيم المسلمين الشيعة "المؤمنين" الى طبقتين (السادة)[12] و( العامة) واعطي احد الطرفين-السادة-  بعض الامتيازات وهو الخمسبعيدا عن الشروط  المفترض وضعها للتمييز بين السادة العاملين والمؤمنين وبين السادة بالولادة فقط وضرورة التشدد بشروط الاستفادة من أموال الخمس حتى لا تكون مزاجية او انتقائية او مواصفات امام البلدو او أي عالم دين يستلم الخمس والأموال الشرعية ،بالإضافة شيوع عدم امتهان رجال الدين لأي عمل لتأمين مقومات معيشتهم(حتى التأليف او الكتابة او الوعظ والتثقيف الذي عليه واجب القيام به مقابل استفادته من الخمس والأموال الشرعية) مع ان رسول الله (ص) والامام علي(ع) كانا يعملان في البساتين والنخيل ونقل الماء دون ان يكون لهم خدم للمساعدة  وقد سبق اليهود وبمنطق ديني _محرّف) بنسف العدالة الاجتماعية بين الناس على مدى الزمان والمكان عندما اطلقوا على الشعب اليهودي (شعب الله المختار ) وان جميع الخلق قد خلقوا من اجل خدمتهم كحيوانات بنسخة ادمية تكريما لليهود حتى لا يتقززوا من منظره . يعتقدون أن (الغوييم) [13]مِن نُطف الحيوانات، كما جاء في تلمود أورشليم(إن النطفة المخلوق منها باقي الشعوب الخارجين عن الديانة اليهودية هي نطفة حصان).مع ان  الرسالة الدينية الإلهيّة هي أول من نادت بالعدالة الواقعية، الا ان التحريفات التي اجريت قسراً على بعضها انتهك اقدس مفاهيمها الاجتماعية.

إن العدالة الاجتماعية في رسالة الحقوق المنبثقة من العدالة الإلهية والنبوية والامامية، تتوزع على عدة مستويات (الشخصية – والعائلية - والبيئة المحيطة والاعداء والأصدقاء..) بضوابط وتوصيفات لم تلحظها المنظومات وقوانين العدالة الاجتماعية الوضعية وفق التالي.

القوة لا تحجب وجوب العدالة بين القوي والضعيف.

ان التاريخ يتحدث عن ان القوة تصادر العدالة وفي بعض الأحيان واغلبها تسن القوانين الجائرة والمتوحشة والظالمة لحماية سلطتها لتفرضها قانونا" للعدالة الاجتماعية فتقتل وتسجن وتغتصب وتنفي وتحاصر مواطنيها بحجة انهم خالفوا قوانينها الجائرة التي تسميها الدستور او القانون الجنائي او نظام المحاكم حيث توظّف قوتها في اعدام العدالة الاجتماعية وتعبر ان العدالة هي كل امر يبقيها في السلطة والحكم دون اقلاق او اعتراض من احد فتصبح العدالة الاجتماعية وليدة القوة الغاشمة ويصبح الضعيف ضحية العدالة الغاشمة بينما في الإسلام لا تمنح القوة والسلطة صاحبها حق التغلب واستباحة حقوق الآخرين وفي حادثة رسول الله (ص) قبيل وفاته وطلبه من المسلمين في المدينة استيفاء حقهم من منه اذا كان موجودا وكشفه عن بطنه ليضرب بالسوط الذي أصاب به احد الناس وعن غير قصد .!

وحادثة مثول الامام علي امام القاضي بمواجهة اليهودي ورفضه ان يناديه القاضي بكنيته واليهودي باسمه تحقيقا للعدالة بينهما حتى لا يبدو التمايز في الموقع الاجتماعي حافزا لإصدار حكم مشكوك بنزاهته ..وفقا" لما قاله الامام علي لحد عماله("وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ")[14] وفي قول آخر ("لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع)

من هذه المنظومة الإلهية والنبوية والامامية نرى ان رسالة الحقوق تورد حق الولي على الجارية وحق الجارية على الولي وحق الوالد على ولده وحق الولد على والده وحق السائس على رعيته وحق الرعية على سائسها وبقية الحقوق المذكورة ترسيخا لقاعدة ان العدالة الاجتماعية تحفظ حقوق الطرفين المختلفين والمتقابلين حتى تسمى "عدالة اجتماعية" وبمجرد سقوط احد الطرفين من المعادلة سقط مصطلح العدالة الاجتماعية والتوازن مثل كفتي الميزان ،فالميزان يسقط اسمه "كمصطلح" ووظيفته "كآلة وزن" تنصف الطرفين البائع والشاري اذا تم اتلاف او تخريب احد كفتيه وميزان العدالة الاجتماعية ينتفي وظيفته بمجر الغاء احد طرفيه المتقابلين .

 

الغنى والفقر لا يعطلان مبادئ العدالة. الاختلاف في الدين والعقيدة لا يمنعان وجوب العدالة. العدالة ان تحفظ حقوق الآخرين ان لم يكونوا قادرين على حمايتها او تحصيلها وكانت لك القدرة الآنية على سلبها.

العدالة الاجتماعية وفق رسالة الحقوق تدعو للعدالة الاجتماعية المنبثقة من النص القرآني والنبوي والأمامي (ونبعه الأساس الامام علي في نهج البلاغة) حيث ورد في خطبة الغدير على لسان النبي الأكرم (ص) ( فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاكُمْ وَإلهُكُم ، ثُمَّ مِنْ دُونِهِ رَسُولُهُ وَنَبِيُّهُ الْمُخاطِبُ لَكُمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَلِيٌّ وَلِيُّكُمْ وَإمامُكُمْ بِأَمْرِ اللهِ رَبِّكُمْ، ثُمَّ الاْمامَةُ في ذُرِّيَّتي مِنْ وُلْدِهِ إلى يَوْم تَلْقَوْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وبالتالي فإن الحقوق التي ذكرها الامام السجاد ليست وجهة نظر او عظة رسالية –اجتماعية بقدر انها حديث مستولد من القرآن والسنة النبوية الشريفة ولها مقام قداسة التسلسل الإلهي والتي تبشر الناس بالثواب الأخروي وتتوعدهم بالعقاب الأخروي والدنيوي خلاف العدالة الوضعية التي يمسك  بناصيتها ملك او امير او زعيم او تنظيم او حزب حاكم، لذا تبعث الإطمئنان للناس المظلومين باستعادة حقوقهم وعقاب ظالميهم ونرى ان تأسيس العدالة مع النفس فقد اطلقها الامام علي(ع) في كتابه لابنه الإمام الحسن عليه السلام: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً"..وذلك بالنهي عن ظلم نفسك بأن تجبرها على ان تكون عبد احد من الخلق بعدما خلقك الله حرّا" وجعلك عبدا" له وهو يحرّم الشراكة معه بالعبودية لأنها تفتح الشراكة بالقرار (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا )[15]

العدالة مع النفس بحفظ "حق الحياة".

لقد بدأت رسالة الحقوق العدالة الاجتماعية بحفظ النفس وحقّها في الحياة واعضائها بعدم الانتحار والقتل الطوعي بشكل غير مباشر وعميق يحتاج الى النفاذ اليها من الآيات القرآنية والسنة النبوية الشريفة كمن يستخرج اللؤلؤ من أعماق البحر ويستخرجها من المحار والأصداف  وذلك من خلال الحق الأول وهو "حق الله" حيث ورد في الرسالة (أما حق االله الأكبر فإنك تعبده، لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما..) والحق الأول هو حق العبادة لله سبحانه وهو الهدف الأساس للخلق وفق ما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾[16] 

إن العبادة في الإسلام هي الخضوع والخشوع لله تعالى، وتعظيم الله، والإنصياع لكلّ ما يحبه الله من قول، أو فعل، أو عمل ظاهر وغير ظاهر، والعبادة في الإسلام ليست مجرّد حركات وطقوس يقوم بها الناس، فإنها منهج للحياة الإنسانية كافة، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[17]   وتبدأ العدالة الاجتماعية من نقطة أساسية  هي البقاء على الحياة التي هي بأمر الله سبحانه وعدم الاعتداء عليها (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  )[18] و (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[19] وعدم ظلمها والجنوح نحو (الانتحار) (القتل الاختياري والطوعي)لتتمكن من إعطاء الحقوق لأصحابها على مستوى النفس وجوارحها وحواسها واطرافها واجزائها  . 

ان قتل النفس (الانتحار) فقد اعتبره بعض الفلاسفة أمثال (زرادشت – ونيتشه – ومونتكيو وفولتير – وسارتر). من مفردات الحرية الشخصية  فقال  (نيتشه) "مت في الوقت المناسب هكذا قال (زرادشت) وأنا أنصح لك مثل موتي الموت الإرادي الذي يأتي لأنني أريده" الذي كان يريد أن يكون حرا للموت, وحرا بالموت .)[20] أما في الحضارة الإغريقية ، فقد كان اليونانيون القدماء يقطعون يد المنتحر رمزا لعقابه , أما عندما ينتحر الشخص المدني فللدولة حق مصادرة أملاكه لتسديد ما عليه من ضرائب.

اما في الديانة المسيحية _ فعقوبة المنتحر المسيحي حظر مراسيم الدفن الكنائسية بما يشابه العقوبة

اما في الديانة الإسلامية فقد جاء في القرآن الكريم (ولا تقتلوا أنفسكم إن االله كان بكم رحيما )[21] لم يقم رسول الله(ص) الصلاة على المنتحر وقال (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ومن يحتسي سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن قتل نفسه فحديدته في يده يجيء بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ([22] .

حق اهل ملّتك عليك عامّة.

وَأمّــــــــــا حَقُّ أَهْلِ مِلَّتِكَ عَامَّةً فَإضْـــــــــــمَارُ السَّلامَةِ وَنشْرِ جَنَــــــــــــــــاحِ الرَّحْمَةِ وَالرِّفْقِ بمُسِيئِهــــــــــــــــــــِمْ وَتأَلُّفُهُمْ وَاسْتِصْلاحُهُمْ وَشُكْرُ مُحْسِنِهِمْ إلَى نفْسِهِ وَإلَيْكَ، فَإنَّ إحْسَانهُ إلَى نفْسِهِ إحْسَانهُ إلَيكَ إذا كَفَّ عَنْكَ أَذاهُ وَكَفَاكَ مَئونتَهُ وَحَبَسَ عَنكَ نفْسَهُ فَعَمِّهِمْ جَمِيعًا بدَعْوَتِكَ وَانصُرْهُمْ جَمِيعـاً بنُصْرَتِكَ وَأَنزَلتَهُمْ جَمِيعـــــــــــــــاً مِنْكَ مَنَـــــــــــازِلَهُمْ، كَبيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَالِـــــــــــدِ وَصَغِيرَهُم بمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَوْسَـــــــــــــطَهُمْ بمَنْزِلَةِ الأَخِ. فَمَـنْ أَتـــــــــــــــاكَ تَعَاهَدْتَه بلُطْفٍ وَرَحْمَةٍ. وَصِلْ أَخَاكَ بمَا يَجِبُ لِلأَخِ عَلَى أَخِيهِ.

اضمار السلامة. الرحمة. استصلاحهم انصرهم جميعا" كَبيرَهُمْ بمَنْزِلَةِ الْوَالِـــــــــــدِ وَصَغِيرَهُم بمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ وَأَوْسَـــــــــــــطَهُمْ بمَنْزِلَةِ الأَخِ . 

 ان العدالة الاجتماعية بين اهل الملّة تتحقق عبر (المؤاخاة والاستصلاح والرحمة وتأسيس العائلة الكبرى) التي لا جشع او طمع فيها ولا غدر او محاولات السيطرة او العقوق ان هذا النص الارشادي مستولد من النص القرآني (انما المؤمنون اخوة) ومن النص النبوي (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتراحمهم  كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر) ويشرحه الامام السجاد بشكل أوضح ويرشد المسلم للتعامل مع الجماعة بأنهم اسرته الثانية فالاكبر بمنزلة  (والد) والمتوسط(اخ)والصغير(ولد ) واذا تصرف كل مسلم بهذه الروحية وسلك من هذا المسلك من اضمار السلامة للآخرين والرحمة لهم والنصرة والاستصلاح في علاقة تبادلية بين كل فرد او جماعة تتحقق العدالة الاجتماعية المثالية على المستوى الاقتصادي والتكافل والتكامل الاجتماعي والتعايش السلمي وانعدام العقوق الاجتماعي وتعميم اعمال الاستصلاح الاجتماعي وهنا لا بد من لفت الانتباه الى استعمال كلمة (الاستصلاح" وليس "الإصلاح " للدلالة على ان الناس تملك الفطرة السليمة والصالحة وانها تحتاج لتطهيرها من الشوائب والادران السلوكية وسوء الأخلاق والغشاوة على عقولها او الضبابية في رؤية الحق وانتشالها من البيئة السيئة التي تعيش فيها

العدالة الاجتماعية مع الفقراء والمحتاجين .

ان المحور الاقتصادي محور أساسي من محاور العدالة الاجتماعية وفق النظام التشاركي والتكافل الاجتماعي ويتعلق بتوزيع الثروة وحماية الامن الاجتماعي للمواطنين سواء في سن الشيخوخة او في سن الشباب الذين يعانون البطالة ومن منطلق (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[23]...وكذلك في رسالة الامام علي  لمالك الأشتر حيث يوصيه بالعناية بالفقراء وكفالتهم وعدم تركهم لقدرهم كواجب ديني واخلاقي حيث يقول لمالك الأشتر النخعي لما ولاّه على مصر(وَاحْفَظْ للهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ- الفقراء-  وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَـلاَّتِ صَوَافِي الإسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد، فإِنَّ لِـلأقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِـلأَدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ; فَـلاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لأحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَ) فيكمل الامام السجاد هذه المسيرة الداعية للعدالة من باب (الصدقة)[24] كعطاء للذات وحساب توفير ووديعة في الآخرة والصدقة[25] على من يستحق بشرط حفظ ماء وجه المتصدَّق عليه واحترامه وعدم تسفهيه واذلاله امام  الناس عبر عدم الاشهار والاعلان والتباهي بما اعطيته وتصدقت به  ولا تمننه على ذلك او تستغله وتأخذ منه مقابل ذلك أي شيء معنوي او مادي مهما كان نوعه فالعدالة تقضي ان تأخذ من الله سبحانه وتعالى الثواب لأنك انفقت في سبيله وبالتالي لا تأخذ ممن اعطيته لأنه غير معني ان يرد اليك بدلا عن ذلك سوى الشكر لله سبحانه والدعاء لك بالتوفيق وحفظ الدين.

 

العدالة الإجتماعية بين الجيران.

قال الله في كتابه الكريم ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وقل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، ان الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن)[26] وأوصى رسول الله (ص) بالجار حتى الجار السابع وفي قوانين البناء الوضعية هناك قيود للبناء المتجاور او الملاصق من ناحية وجوب عدم تقابل المداخل البيوت وعدم انفتاح انكشاف الدار وباحته (الحوش ) على الجيران سواء بالمباشر او عبر الفتحات وارتفاعها عن أرضية الغرف بما يسمى قانونا في التنظيم المدني "وقوع النظر" وبالعنوان العام "الأمان البصري"  بعنوان الخصوصية  وذلك من ضمن منظومة أخلاقية وانسانية .اما في رسالة الحقوق فإن منظومة الأمان البصري والحواسّي بين الجيران                   

(حق الجار)[27] أوسع من المنظومة الوضعية من ناحية العناصر او ن ناحية المراقبة والحوافز ففي القانون الوضعي فإن الحافز للالتزام العقوبة المادية من غرامة او سجن او هدم او اغلاق والمراقبة والحكم خارجية من قبل الشرطة او العابرين او الجيران والحاكم قاض بشري اما في المنظومة السجّادية المستولدة من النص الإلهي والنبوي والامامي فهي تنفيذ لأمر الهي وطاعة لله سبحانه بما يترتب عليه من ثواب آخروي في حالة الطاعة وعقاب اخروي  في حال المعصية مع عدم انتفاء العقوبة الدنيوية المادية وفق احكام فقه العمران في الإسلام

حيث يقول الامام السجاد (لا تَتَّبعْ لَهُ عَوْرَةً ولا تَبحَثْ لَهُ عَنْ سَوْءَ[ةٍ] لِتَعْرِفَهَــــــــــا..)واتباع العورة يكون بالنظر او السماع عبر النوافذ والفتحات والابواب (لا تَسْــتَمِعْ عَلَيهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَـــمُ)والسماع عبر استراق السمع لاحاديث والاصوات التي تجري في الدار وهذا اعتداء على الجار وظلم له ولأسراره بما يقع في دائرة "التجسس" وخرق فاضح للعدالة بعدم التدخل في شؤون الآخرين واختراق بما يعرف (حرم الدار) وبالتالي فإن الدوافع دينية والرقابة ذاتية طوعية دون تدخل مباشر من الآخرين وفارق كبير من ناحية الالتزام والتطبيق للمنظومة القيمية بعدم ظلم الجار بالإعتداء على الخصوصية بين المنظومة الوضعية وبين المنظومة الأخلاقية السجّادية واذا ما التزم كل جار نحو جيرانه وبكل الاتجاهات الأربع ،بالعفة والستر وغض البصر وصم الآذان عن أصوات الجيران عبر معادلة "التبادلية " والعمل بالمثل والاحترام المتبادل لسيطرة "عدالة حفظ وستر العورات " في الحي وبشكل متسلسل للتجمع البشري سواء في البناية الواحدة او الحي او القرية .

 الاستنتاجات

من خلال هذا البحث استخلاص بعض الاستنتاجات واقتراح بعض التوصيات وفق ما يلي.

التأكيد على ان مرجعية واسس العدالة الاجتماعية هي العدالة والأحكام الإلهية ثبات وعالمية توصيات رسالة الحقوق وعدم المزاجية والانتقائية في احكام العدالة مقابل التغيّر والتعدد في مرجعيات العادالة الاجتماعية الوضعية . العدالة الاجتماعية بين الناس عملية تبادلية وتكافلية بين الطرفين المتخاصمين او المشتركان في القضية الواحدة . العدالة الاجتماعية سلوك أخلاقي – انساني وعمل عبادي من دائرة الامر بالمعروف والطاعة الإلهية .

التوصيات.

تلقيح برامج التعليم العراقية خصوصا" بمبادىء رسالة الحقوق في مادة التربية المدني وعلى المستوى الجامعي في اختصاصي الحقوق والعلوم السياية وغيرها . ان تضاف الى قوانين المحاكم المدنية والدينية وكذلك هيئات التأديب والرقابة على كل المستويات. توجيه طلاب الدكتوراة لتكون محاور اطروحاتهم وفق العناوين التي يطرحها المؤتمر بالإضافة الى عناوين أخرى . رفعها الى هيئات حقوق الانسان العالمية والأمم المتحدة لإدراج مضامينها في اتفاقيات ودساتير العدالة الاجتماعية. ____________________________________________________________________________________________________________________________

 

[1]  - قاموس معجم المعاني الجامع .

[2]  - سورة المائدة-آية رقم 8.

[3]  - (جون رولس( John Rawls  -   كان)  (2002-1921فيلسوفً إنكليزي  أخلاقي "وسياسي"  من أهم مؤلفاته:نظرية العدالة A Theory of Justice -قانون الجماعات البشرية The Law of Peoples- العدالة كإنصاف Justice as Fairness

[4]  - تدعو أحزاب الخضر لسياسية إيكولوجية من أجل الحفاظ على البيئة ، كما أنها تدعوا للعدالة الإجتماعية، المساواة   بين الأجناس، إحترام التعددية الثقافية، حل المشاكل بالحوار والإبتعاد عن العنف ، الديموقراطية التشاركية والعلمانية  من أجل إحترام جميع المعتقدات والأفكار، إزالة الفوارق الإجتماعية وتحقيق دولة الرفاه لجميع المواطنين.

[5]  - سورة الأنبياء – آية رقم107.

[6]  - سورة سبأ- آية رقم 28.

[7]   -سورة إبراهيم-آية رقم4.

[8]  - سورة النحل – آية رقم 126  .

[9]  - صحيح البخاري – مسند أحمد.

[10]   -  سورة الحجرات – آية رقم 13.

[11]  -   ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٤ - الصفحة ٣٦٢٩  , مستدرك الوسائل: ١٢ / 89 / 13598.

[12]  - السادة صفة يطلق على بعض الشيعة من الذكور والإناث الذين ينتسبون الى رسول الله (ص) بالنسب الرحمي عبر الأجيال بما يسمى شجرة العائلة ويخصون انفسهم بما يعرف سهم السادة من "الخمس" وينقسمون الى سادة (حسنيون ) و (سادة حسينيون )ويلبسون العمامة السوداء كرجال دين وبينما يلبس رجال الدين من العامة (كما يصنفون المسلمين غيرهم) بالعمامة البيضاء وينادون بعضهم بلقب "سيد" وكذلك العامة سواء كان المنادى طفلا او رجلا" وسواء كان متدينا" او غير متدين ..!!

[13]  - يعتقد اليهود أنَّهم وحدهم الشعب المعتبَر عند الله، وأنَّ جميع الشعوب شعوبٌ لا قيمة لها أبداً عنده سبحانه، بل هي شعوب تافهة، منحطَّة، لا تحمل أية فضيلة، لا تتساوى مع اليهود أبداً، وإنما خُلقت من أجل خدمتهم وقضاء مصالحهم، لذلك يُطلقون عليها اسم (غُوييم) أو(أغيار)، استخفافاً بها واحتقاراً لها!!ولفظ (غُوييم) جَمْع مُفْرده (غُوي)، استعمل للدِّلالة على الحيوانات المتجمّعة في قطيع، أو الطيور والحشرات والهوامّ التي تتحرك في أسراب، ثم انتقل للدِّلالة على الكثير المختلط من الناس، ثم إلى سَفِلتهم وأشرارهم. ويستخدمها اليهود لتوصيف جميع الناس من غير اليهود، وتوسَّع مدلول "الغوييم"، فأضافوا إلى الكلمة معنى القذارة المادية والروحية والكفر، فأصبحت كلمة (غُوي) عندهم سُبَّة!!

[14]  - نهج البلاغة --اب الرسائل، رقم 46.  

[15]  - سورة النساء_آية رقم 48

[16]  - سورة الذاريات – الآيات رقم 56و57و58.

[17]  - سورة الأنعام- الآيتين 62و63.

[18]  - سورة المائدة _ آية رقم 87.

[19]  - سورة الشورة – آية رقم 40.

[20] - ليون متبارد – الانتحار والأخلاق – ترجمة عادل العوا – دار دمشق ط 1 ص 29.

[21]  - سورة النساء – آيوو رقم 30.

[22]  - صحيح البخاري– باب شرب السم والدواء وبما يخاف منه,ج5 - ص2179

[23]  - سورة الذاريات – اآية رقم 19.

[24]  - وَأَمَّا حَقُّ الصَّدَقَةِ فَأَنْ تَعْلَمَ أنَّها ذُخرُكَ عِنْدَ رَبكَ وَوَديعَتُكَ الَّتِي لا تَحْتَاجُ إلَى الإشْهَادِ، فَإذا عَلِمْتَ ذَلِك كُنْتَ بمَا اسْتَودَعْتَهُ سِرًّا أَوْثقَ بمَا اسْتَوْدَعْتَهُ عَلانِيَةً، وَكُنْتَ جَدِيرًا أَنْ تَكونَ أَسْرَرْتَ إلَيْهِ أَمْرًا أَعْلَنْتَهُ، وَكَانَ الأَمْرُ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ فِيهَا سِرًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ تَسْتَظْهِرْ عَلَيْهِ فِيمَا اسْتَوْدَعْتَهُ مِنْهَا بإشْهَادِ الأَسْمَاعِ وَالأَبْصَارِ عَلَيْهِ بهَا كَأنَّهَا أَوْثقُ فِي نَفْسِكَ لا كَأنَّكَ لا تثِقُ بهِ فِي تَأْديَةِ وَديعَتِكَ إلَيْكَ، ثُمَّ لَمْ تَمْتَنَّ بهَا عَلَى أَحَدٍ لأَنّهَا لَكَ فَإذا امْتَنَنْتَ بهَا لَمْ تَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ بهَا مِثْلَ تَهْـجِينِ حَالِكَ مِنْهَا إلَى مَنْ مَنَنْتَ بهَا عَلَيْهِ لأَنَّ فِي ذلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنّكَ لَمْ تُرِدْ نفْسَكَ بهَـا، وَلَوْ أَرَدْتَ نفْسَكَ بهَا لَمْ تَمْتَنَّ بهَا عَلَى أَحَدٍوَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.

[25]  - الصدقة فعل عبادي مستحب وواجب(الزكاة) ويتعلّق بالأموال التي ينفقها المسلم في سبيل الله تعالى وطلبا للثواب ودرء للبلاء ضمن شروط اكتساب المال الحلال وفق الحكم القرآني (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة التوبة- آية رقم 2.) 

[26]  - سورة النور-آية رقم 30 . 

[27]  - حق الجار.وَأمّــا حَقُّ الجَارِ فَحِفْظُهُ غَائِبًا وَكَرَامَتُهُ شَاهِدًا ونُصْرَتُهُ وَمَعُونتُهُ فِي الحَـالَينِ جَمِيعــاً[27]لا تَتَّبعْ لَهُ عَوْرَةً ولا تَبحَثْ لَهُ عَنْ سَوْءَ[ةٍ] لِتَعْرِفَهَــــــــــا، فَإنْ عَرَفْتَهَــــــا مِنْهُ عَنْ غَيْرِ إرَادَةٍ مِنْكَ وَلا تَكَلُّفٍ كُنْتَ لِمَــــا عَلِمْتَ حِصْنـــاً حَصِينـــاً وَسِتْرًا سَــــــــــــتِيرًا، لَوْ بَحَثتِ الأَسِنَّةُ عَنْهُ ضَمِيرًا لَمْ تَتَّصِلْ إلَيْه لانطِوَائِهِ عَلَيهِ. لا تَسْــتَمِعْ عَلَيهِ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَـــمُ. لا تُسَلِّمْهُ عِنْدَ شَـــــــــــديدَةٍ، ولا تَحْسُدْهُ عِنْـــــــــــدَ نِعْمَةٍ. تُقِيلُ عَثْرَتهُ وتَغْفِرْ زَلَّتَـــــــــهُولا تَدَّخِرْ حِلْمَكَ عَنْهُ إذَا جَهِلَ عَلَيْــــــــــــــــــكَ، ولا تَخرُجْ أَنْ تَكُونَ سُلَّمًا لَهُ. تَرُدُّ عَنهُ لِسَانَ الشَّتِيمَةِ، وَتُبْطِلُ فِيهِ كَيْدَ حَـــــــــــامِلِ النَّصِيحَةِ، وَتُعَــــــاشِرَهُ  مُعَاشَرَةً كَرِيمَةً. وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا باللهِ.

 

المرفقات