لم تقتصر وظيفة المسجد في أول الإسلام على كونه مقراً للعبادة ومكاناً للتعليم, بل تنوعت وظائفه وتعددت بتعدد مجالات الحياة الإنسانية، والذي يدقق النظر في وظيفة المسجد ورسالته يقف على هذا التعدد والتنوع ويدرك أهميته في حماية عقيدة الأمة الاسلامية وتعزيز وحدتها وتماسكها, إلا أنه يمكن إجمال أبرز هذه الوظائف والتي منها على سبيل المثال لا الحصر " قاعدة لتحقيق الوحدة والتماسك الداخلي بين أفراد الأمة، بالإضافة الى انه وسيلة إعلامية لتثقيف الأمة ونقل الأخبار والمستجدات والتعريف بأحوال المسلمين" وغير ذلك من الوظائف التي يجب أن يقوم بها المسجد والتي دل عليها القرآن الكريم وسيرة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه واله) وصحابته الكرام .
مما لا شك فيه، إن للمسجد دوره الهام والخطير في عملية التربية والإعداد من خلال ما يحتله من مكانة في النفوس, وما يؤديه من رسالة تربوية شاملة, وكذلك من خلال ما يمتلكه من أدوات فعالة, وأجواء روحانية مؤثرة, وما يتيحه من تواصل اجتماعي إيجابي, ولاسيما إذا ما توافرت له الإمكانات البشرية والمادية اللازمة.
ولذلك يعد المسجد في الإسلام من أهم الدعائم التي يقوم عليها في إعداد الفرد وبناء المجتمع عبر تأريخ الإسلام الطويل, ولا يزال المسجد في مقدمة المؤسسات التربوية التي تسهم في عملية البناء والتكوين. إنه بغير المسجد لا يمكن للفرد المسلم أن يتربى روحياً وأخلاقياً واجتماعياً وفكرياً, بالإضافة الى ذلك لا يمكن أن ينصت لصوت الأذان ويستمتع بأداء الصلاة, فضلا عن ذلك لن يتفاعل مع الموعظة التي تهز النفس والوجدان، ولن يعيش أجواء المودة والمحبة والأخوة الصادقة, ولن يقف على أحوال المسلمين ويتعرف على مخططات الأعداء, ولن.. ولن.. ولن[1] .
يمكن القول إن ضعف رسالة المسجد اليوم وانحسار دوره التربوي, واقتصار وظيفته على أداء الصلاة فقط أمر ناتج عن عدد من العوامل والأسباب منها على سبيل المثال لا الحصر :" الجهل برسالة المسجد ودوره التربوي, مما أدى إلى قصره على الصلاة والذكر والموالد وقراءة القرآن، كذلك ضعف التمسك بالإسلام والتقصير في العبادات والانشغال بالدنيا".
وقد نتج عن ضعف المسجد في أداء رسالته, مفارقة روح المسجد بما تحمله من سمو وطهر وبركة لجميع جوانب الحياة, فضعفت التقوى والخشية, وانقطعت رَوَابِطُ الأخوة والمحبة والتكافل, وغاب العدل والأمن والاستقرار, وظهر الجهل والفساد إلى غير ذلك من الآثار[2].
ولكي يعود المسجد إلى سابق عهده ويتمكن من القيام بوظيفته الاجتماعية ودوره التربوي في بناء الأجيال لابد من استيعاب رسالة المسجد القائمة على الشمول والتنوع والسعي لإحيائها، وكذلك توفير الكادر المؤهل القادر على القيام برسالة المسجد من مؤذن وإمام وخطيب وعالم ومدرس تحفيظ ومشرف ومنظف، وإعدادهم بما يتناسب والمهام الموكلة إليهم, وتوفير متطلبات العيش الكريم لهم. وبالإضافة الى إقامة الأنشطة المسجدية المختلفة للارتقاء برواد المسجد تربوياً وفكرياً وجسمياً، وبهذا يمكن أن تبدأ علمية إحياء رسالة المسجد ليعود إلى سابق عهده مؤسسة تربية ومنارة هدى, ولن يتحقق ذلك ما لم تتظافر الجهود الرسمية والشعبية خدمة للدين وحماية للأمة وتربية للأجيال[3].
أما أهم مواصفات المسجد الذي يراد له أداء رسالته الإسلامية والقيام بدوره التربوي في بناء الأمة وإعداد قياداتها فيمكن الإشارة إلى أبرزها : وجود الكادر المؤهل القادر على إحياء رسالة المسجد من مؤذن حسن الصوت ملتزم بمواعيد الأذان، و خطيب جريء مفوه, واسع الثقافة خبير بالواقع وكيفية التعامل معه، علماء قادرون على إقامة الدروس والمحاضرات والإجابة على أسئلة الناس، مدرس لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه للراغبين. بالإضافة الى توفر عدد من المرافق التربوية الضرورية منها على سبيل المثال مكتبة عامة مزودة بالكتب والأشرطة والأفلام المفيدة، وقاعة مطالعة واسعة ومؤثثة، ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم مع توفير المدرس الحافظ المتقن المجيد للأساليب التربوية المختلفة.
اما الأدوار التربوية التي يقوم بها المسجد يهدف إلى تربية الإنسان والارتقاء به وتنمية قدراته منها على سبيل المثال لا الحصر: تنمية القيم الدينية والأخلاقية في النفس الإنسانية من خلال العبادات المختلفة التي يؤديها الإنسان في المسجد من صلاة وذكر وتلاوة للقرآن الكريم. بالإضافة الى تنمية الضمير الداخلي والرقابة الذاتية لدى الفرد من خلال التأكيد على قيم الإخلاص والخشوع وإتقان العبادات. وكذلك تقوية روح الأخوة والمودة والتماسك بين المسلمين من خلال التعارف الدائم والتواصل المستمر والالتقاء اليومي في صلاة الجماعة. وصقل الشخصية الإنسانية ومعالجة ما قد يظهر عليها من آفات النفس مثل الانعزال والتواكل والذاتية والأنانية. فضلا عن تكوين الوعي السياسي وتنميته من خلال الخطب والندوات والدروس والمحاضرات واللقاءات التي تتم في المسجد.
نستنتج من ذلك العمل على أهمية استيعاب رسالة المسجد القائمة على الشمول والسعي لإحيائها والاهتمام بعمارة المساجد شكلاً ومضموناً , وتوفير الكادر المؤهل القادر على القيام برسالة المسجد بعيداً عن الصراعات السياسية والمذهبية والطائفية.
جعفر رمضان
[1] عبد الله قاسم الوشلي ، المسجد وأثره في تربية الأجيال ومؤامرة أعداء الإسلام عليه،(بيروت : مكتبة الرسالة ، 1988)، ص37 - 38.
[2] عبدالله قاسم الوشلي ،المسجد ونشاطه الاجتماعي على مدار التأريخ، (بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، 1990م.)، ص278- 282.
[3] عبد الله قاسم الوشلي ،المسجد وأثره في تربية الأجيال، ص 89 – 90.
اترك تعليق