الفقه السياسي للمنظومة الحركية للإمام زين العابدين (عليه السلام)

 الفقه السياسي للمنظومة الحركية للإمام زين العابدين (عليه السلام)

أ.د.م  حيدر محمد علي السهلاني

-المُقَــدَّمــة

 النزاع السلطوي السياسي في تحديد الخط القيادي للأمة أبرز لدى الأمويين بعد موت معاوية على أن يكون ثابتاً ومتوارثاً في بني أمية، ولهذا سعى يزيد في إثبات  السلطة إليه.

 وكان لا بد من خط معارض لتلك القيادة الفاسدة تقف بوجهه وتعيد الق القيادة الاسلامية الى نصابها والمتمثلة بالإمام الحسين (ع) الذي أوجب الواجب الشرعي تحمل هذا الخط القيادي الملقى على عاتقه انطلاقاً من واجبه الشرعي (( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي لأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ))

وكانت واقعة كربلاء، وبعد شهادة الإمام الحسين (ع) وأصحابه رضوان الله عليهم وتحمل الإمام زين العابدين مسؤولية القيادة اصبحت للناس رؤية واضحة في تحديد القائد الشرعي لمعرفة كل من يتصدى لذلك المنصب من الهاشميين أو الأمويين.

 وقد تحمل الإمام زين العابدين (ع) رسالة الإصلاح عبر منظومة سياسية معقدة يتحكم فيها الطغاة جعلت الإمام زين العابدين يرسم ملامح تلك المنظومة الحركية بوسائل متعددة ومواقف صلبة أثبت فيها جدارة الإمامة الإلهية في قيادة الأمة رغم عصر الطواغيت.

 وقد جاء هذا البحث يكشف عن الفقه السياسي لعصر الإمام (ع) وكيف تعامل مع الوقائع والأحداث في عصره. لذا أنتظم البحث على مبحثين:

المبحث الأول: بيان أن الإمامة حق مستلب من الأمويين ومحاولة الإمام (ع) بيان أحقية أهل البيت (ع) بهذا المنصب سواء كان ذلك البيان عاماً في أثبات الإمامة لأهل البيت (ع) عامة أو خاصة لشخصه الكريم وذلك من خلال كلماته وادعيته ورسائله.

المبحث الثاني: استكشاف للمنظومة الحركية السياسية للإمام في اتجاه التعامل مع طواغيت عصره أو كيفية التعامل سياسياً مع الثورات الداخلية أيام وجوده المبارك مع مداخلات فرعية تستنبط بعض المسائل الفقهية.

المبحث الأول : المنظومة الحركية للإمام زين العابدين في أثبات الإمامة لأهل البيت (ع) عامة وإليه خاصة

المطلب الأول : المنظومة الحركية للإمام زين العابدين في أثبات الإمامة لإهل البيت (ع) عامة

إن الجهاد الفكري والعلمي والذي استطاع الإمام (ع) أن يثبته من خلال منظومة الحركية السياسية عبر نوافذ الدعاء والتفسير والرسائل واللقاءات أوضحت الجانب القيادي المغتصب لأهل البيت (ع) وأحقيتهم بالإمامة بهذا المنصب الإلهي والذي لم يعتنِ به المسلمون واعطائه إلى أهله بدءاً من أول الخلافة بعد رسول الله (ص) وانتهاءً به ما خلا فترة خلافة أمير المؤمنين (ع) وأراد (ع) أثبات تلك الحقيقة على اعتبار أن الإمامة: ((موضوعه لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ))([1]) وبها إقامة قوانين الشرع وحفظ المله وإن هذا الحق مستلب من قبل السلطة الأموية الغاشمة ابتدأً من معاوية إلى نهاية حكام عصره وذلك عبر أدعيته (ع) أو تفاسيره للآيات الكريمة وعبر موارد متعددة منها:

المورد الأول:  أدعيته (ع) الذي أظهرت وأبرزت أحقية أهل البيت (ع) بهذا المنصب الإلهي.

بقوله (ع) كما في دعاء عرفة والمنقول من الصحيفة السجادية: (( رب صلِ على أطايب أهل بيته الذين أخترتهم لأمرك، وعلتهم خزنة علمك، وحفظة دينك، وخلفائك في أرضك، وحججك على عبادك وطهرتهم من الرجس والدنس تطهيرا بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك )).

والملاحظ على كلمات الدعاء أمور:

الأمر الأول: أن الدعاء في يوم عرفة، ويوم عرفة فيه تجتمع الخلائق لأداء الحج الأكبر وهو يوم مشهود والإمام يستبطن ذلك الدعاء حقوق أهل البيت المغتصبة ومنها الإمامة.

الأمر الثاني: التصريح العلني في حكومة الجور المعاصرة لمقامه الكريم بالجعل الإلهي بجعلهم خلفاءك في أرضك على عبادك بعد اختيارك لأمرهم.

الأمر الثالث: إن تلك الصفات صفات إلهية جعليه وعلى الأمة تقبلها لأن صلاح حالهم بها وعندهم الاستعداد لقبولها.

 (( اختياره إياهم للقيام بأمره ودينه في العالم وهداية الخلق إلى سلوك سبيله، وهو يعود إلى أفاضة كمال الرئاسة العامة عليهم بحسب ما وهبت لهم العناية الإلهية من القبول والاستعداد))([2]).

الأمر الرابع: رغم كل الظروف السياسية إلا أنه في ضمن منظومته الفكرية السياسية الجهادية يجهر بهذا الحق الإلهي ولا تأخذه في الله لومة لائم.

قوله (ع) بعد بيان مكانة النبي (ص) ومنزلته بين مكانة أهل بيته.

(( وبعترته صلى الله عليهم الهداة المهديين الذي افترضت طاعتهم وأمرت بمودتهم، وجعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك (صلى الله عليه وآله وسلم) ... وجعلتهم حججاً على خلقك وأمرت بطاعتهم على من رأت))([3]) بمعنى خلقت.

 ويمكن الإفادة من بركات الدعاء بــ

أن من يكون وليا بأمر الله وحجته والمأمورين بمودتهم وطاعتهم لابد أن يكونوا أفضل الخلق أجمعين. إن من يعتدي على أصحاب تلك الحقوق الإلهية يعد غاصباً ومتعدياً لحدود الله والمتعدي ظالم وجزاؤه جهنم.

المورد الثاني:

أدعيته (ع) الذي أظهرت أبتزاز أهل الدنيا ذلك الحق الإلهي والغلبة عليه بأهوائهم الدنية وقهرهم السلطوي الغاشم ويظهر ذلك في دعائه يوم عيد الأضحى ويوم الجمعة.

(( اللهم إن هذا المقام  - امامة صلاة الجمعة والعيدين - لخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها... قد ابتزوها وأنت المقدر لذلك، لا يغالب أمرك ولا يجاوز المحتوم من تدبيرك كيف شئت وأنى شئت ولما أنت أعلم به من غير متهم على خلقك ولإرادتك، حتى عاد صفوتك وخلفائك مغلوبين مقهورين، مبتزين، يرون حكمك مبدلاً، وكتابك منبوذاً، وفرائضك محَّرفة عن جهات أشراعك، وسنة نبيك متروكة  اللهم العن اعدائهم من الاولين والاخرين  ومن رضي بفعالهم واشياعهم واتباعهم ))([4]).

ويحمل الدعاء عدة دلالات:

الدلالة الأولى: اختيار زمان الدعاء وهو يوم الجمعة ويوم عيد الأضحى وهذا اليومان يوم تجمع عظيم للمسلمين احدهما على مستوى البلد والأخرى على مستوى الأمة بين فيه الإمام زين العابدين مظلومية اغتصاب إمامة المسلمين في أداء صلاتي الجمعة والعيد.

الدلالة الثانية :بيان ونداء واضح للامام  (ع ) في المنظومة الحركية لخلفاء الجور وملوك الباطل لاخذهم مقام المصطفين من اهل البيت ( ع )  لمهمة من مهمات الدين وهي امامة واقامة الصلاة وهو مقام عيني مختص باهل البيت او من ينوبهم

الدلالة الثالثة : تصريح علني غلى سلب ذلك الحق من خلفاء الجور وهو تبديل لحكم الله وتحريف للفرائض وعدم اعمال شريعة سيد المرسلسن   

الدلالة الرابعة: أشاره في الدعاء أن إمامة غيرهم باطلة لتعاضد الدعاء بأدلة مؤيدة.

ففي النبوي المشهور المنجبر بعمل الفقهاء: ( أربع إلى الولاة الفي والحدود والصدقات والجمعة )([5]).

وفي آخر: (( أن الجمعة والحكومة لإمام المسلمين ))([6]).

والإمام الخوئي (قده) يرفع توهم بأن الجواز والاختصاص مختص بهم ولكن يمكن إمامة الغير مع الأذن.

(( أننا أيضاً نسلم الاختصاص غير إنا ندعي إمامة الغير إذا كان مستنداً إلى إذنهم في ذلك – ولو على نحو العموم – لم يكن منافياً للاختصاص ))([7]).

الدلالة الخامسة: فيه إشارة إلى استيلاء الخلافة الكبرى والتي هي أعظم من الصلاة كما يشير إلى ذلك المحقق البحراني.

(( احتمال أن يكون المشار إليه إنما هو الخلافة الكبرى لظهور آثارها في هذا اليوم لما فيه من الحكم العظيمة بظهور دولتهم وتمكنهم وأمرهم ونهيهم وهدايتهم العباد وإرشادهم واقتداء الخلق بهم ))([8]).

الدلالة السادسة: مشروعية اللعن لغاصبي الحقوق الالهية بمراى ومسمع من الجماهير المحتشدة لاهل الضلال حكاما واتباعا واشياعا ومن رضي يذلك الى يوم القيامة

 المورد الثالث: لأثبات القيادة السياسية لولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).

 على نحو الخصوص

 بيانه لأصل الإمامة والنص الدال عليها والمتمثلة بالإمام أمير المؤمنين (ع) وذلك من خلال تفسيره لآية السلم وتفسيره لحديث الغدير.

فسر عليه السلام الآية الكريمة ( أدخلوا في السلم كافة ) بقوله

( السلم هو ولاية أمير المؤمنين (ع)([9]) وفي رواية ولده الباقر (آل محمد)([10])

 حيث أن ولاية أمير المؤمنين (ع) والأئمة (ع) من بعده والتي صرح فيها الإمام زين العابدين (ع) هي السلم الحقيقي الذي أمر الله سبحانه الناس بالدخول فيه والاعتراف به وهي سلم في الدنيا والآخرة وبدونها لا تنفع الآخرة عباده من دون ذلك التسليم.

 فقد ورد أن من لم يسلم لولاية أهل البيت (ع) كان نقصاً في إيمانه الحقيقي، وقد يطلق عليه كافراً وإن جرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً.

 وروى في البحار عن آمالي الصدوق بأسناده عن الإمام الباقر (ع) قال: حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله (ص) فقال: (( أيها الناس من أبغضنا أهل البيت، بعثه الله يوم القيامة يهودياً، قال: قلت: يا رسول الله وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم؟ فقال: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ))([11]).

تفسيره (ع) لحديث الغدير المتواتر الذي تم فيه نصب أمير المؤمنين (ع) خليفة للمسلمين وتمت مبايعته (ع) بأمر من رسول الله (ص) والذي قال فيه (ص): (( من كنت مولاه فهذا علي مولاه. اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ))([12]).

فقد أجاب الإمام زين العابدين (ع) عن معنى الحديث عندما وجهوا إليه سؤالاً عن معنى الحديث فقال (ع): (( إن رسول الله (ص) أخبرهم الإمام من بعده ))([13]).

 ج- عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي قال:

دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين (ع) فقلت له: يا بن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله طاعتهم ومودتهم، وأوجب على خلقه الاقتداء بهم بعد رسول الله (ص) فقال لي:

(( يا أبا كنكر، إن أُولي الأمر الذين جعلهم الله أئمة الناس وأوجب عليهم طاعتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم أنتهى الأمر إلينا ))([14]).

والرواية في ذيلها أثبات بالأسماء لجميع الأئمة (ع) حتى ظهور القائم (ع).

دلالة الرواية :

الإمام يثبت من خلال واجبه الشرعي أصل الإمامة وأحقيتها كانت لأمير المؤمنين (ع).

وذلك الأثبات كان لخاصة أصحابه الكابلي وهو أحد حواري الإمام زين العابدين (ع) وأسمه وردان ولقبه كنكر.([15]

إن الإمامة أصل والإمام حجة الله في الأرض، والأرض لا تخلو من حجة فأراد أثبات إمامته (ع) الخاصة وإمامة من يأتي بعده تثبيتاً وتأكيداً للنص المحكي عن رسول الله (ص).

وبسبب الوضع السياسي في عصر الإمام السجاد (ع) واعتزاله الناس خوفاً على مواليه ومحبيه أبرز تواصله الاجتماعي والسياسي من خلال أدعيته التي جاءت بها الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق ومثلما أكد القرآن على رسالة الدعاء بألوان منها طلب العفو والمغفرة والتوسل بالحق سبحانه وألوان أخرى أكدت أدعيته (ع) على مطالب شخصية واجتماعية ومنها سياسية في بيان أحقية أهل البيت (ع) بهذا المنصب من جهة وانحراف الأمة عنهم وأخذ ذلك المنصب منهم غلبة وقهراً.

المطلب الثاني :المنظومة الحركية لأثبات إمامته (ع) خاصة

إذا أردنا أن نقرأ المنظومة الحركية السياسية بعد ثورة الإمام الحسين (ع) في أثبات إمامته (ع) فلا نقرأ منظومة كالمنظومة الحركية الثورية في نهضة الإمام الحسين (ع) بل سلك الإمام طريقا آخر بالدعوة حفاظاً على مبادئ الإسلام وهو طريق الجهاد الفكري.

(( لم يقدر للإمام أن يقود منظمة تعطي ثمارها ولو بعد حين، وليس من المعقول أن يقوم بتضحية انتحارية لا تُوتي أُكلها آيناً أو مستقبلاً، ولقد أكتفى أهل البيت بعامه بما قدمه الإمام الحسين (ع) في نضاله الدموي بتلك التضحيات الضخمة في سبيل الثبات على المبدأ والصلابة في الخطى واتجهوا بالدعوة إلى الله باتجاه آخر يقضي بتحصين المبادئ العليا من الزلل والانحراف ))([16]).

ومع ذلك أستطاع ابن الهواشم أن يعرض بحكومات الجور التي عاصرها بكل صلابة وثقة ولا تأخذه في الله لومة لائم كما سيمر عليك إيها القارئ الكريم في المبحث الثاني وأن يثبت إمامته (ع) بعدة مواقف.

الموقف الأول: خطبته الشهيرة في الشام في البلاط الأموي وفي مسجد دمشق وذلك عندما طلب من يزيد بن معاوية أن يتكلم بكلمات فيهن لله رضا وللجالسين آجر وثواب وبعد معارضة يزيد أولاً وموافقته ثانياً أرتقى ابن رسول الله (ص) وبين من خلال الخطبة النص الكامل والشروط الواجبة لتولي منصب الإمامة وذلك من خلال:-

ما أعطاهم الله من الصفات الحميدة: العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في مكرب المؤمنين.

هذه هي صفات الإمام الواجب توافرها فيه

التفضيل بـ النبي المختار محمد (ص) والصديق، والطيار وأسد الله وسيدة نساء العالمين وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين (ع) وهذه الثلة الطاهرة في قيادة الأمة ولأجلهم خلق الكون كله. بيان صلته بخاتم الأنبياء من خلال صفاته وكراماته التي منحها إليه الباري سبحانه كالإسراء والصلاة بالملائكة ومحاربة المشركين وغيرها. صلته بأمير المؤمنين (ع) من خلال صفاته وكراماته (ع) مبايعة البيعتين والصلاة للقبلتين ومقاتلة الناكثين والقاسطين والمارقين. صلته بالزهراء وأنه ابن سيدة النساء وابن بضعة الرسول كل هذه الصفات لا توجد في شخصية كشخصية الإمام زين العابدين (ع) يستحق غيره أن يكون حاكماً وإماماً للمسلمين وهو طريق مباشر في أثبات إمامته من خلال منظومته الفكرية منطوقا وبطلان حكومة وامامة غيره مفهوما

الموقف الثاني: بيان العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام (عليه السلام) حيث قال (ع): (( نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالي المؤمنين، ونحن أمان أهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، وبنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بأذنه وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ولم تخل الأرض منذ خلق الله الأرض من حجة لله مشهور أو غائبٌ مستور، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله ))([17]).

يلاحظ في النص:

التركيز على أن محور الإمامة فإنه يدور حول الأئمة الأثنى عشر (ع) وفي النص أبراز لمقامه الشريف من حيث الإمامة وأن أهل البيت (ع) لا يقاس بهم أحد. النص يبين محوريته من حيث مكانة أهل البيت (ع) السامية والتي لأجلهم خلق الكون ولكن الساسة الدنيويون لا يعرفون مقامهم (ع) . ختم النص بالتركيز على الإمامة وإنها باقية إلى قيام الساعة لأنها قضية مهمة عليها قيام العباد ومعاشهم.

الموقف الثالث: الطريق غير المباشر لأثبات إمامته (ع)

الإمام يُعرض بالقيادة السياسية لحكومة يزيد بن معاوية على أنها حكومة ظالمة وهي لا تصلح للإمامة والقيادة لأنها ظالمة والقرآن الكريم بقوله: (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ))([18]).

وكيف يصلح للإمامة ( رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة معلن الفسق )([19]).

( رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة )([20]).

الموقف الرابع: استلاب الموقع السياسي للإمام السجاد (ع) وعدم تبرير مواقف الظالمين والمستبدين ممن عاهدوه (ع) من حكماء أو علماء سلطة ابتنت تلك التبريرات على الكذب والغدر والغش وذلك ضمن حواريته مع عباد البصري.

روى الصدوق: أن رجلاً قال لزين العابدين (ع) إنك أثرت الحج على الجهاد والله يقول: (( إن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )) فقال (ع): (( فأقرأ ما بعدها )): (( التائبون العابدون الحامدون السائحون )) إذا رأيت هؤلاء فالجهاد معهم أفضل من الحج))([21]).

وفي رواية الشيخ الطوسي: (( إذا ظهر هؤلاء لم نؤثر على الجهاد شيئاً ))([22]).

دلالة الرواية:

أن الجهاد لابد أن يكون من فيه هذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم وهي صفات الإمام المعصوم وهو أحق بهذا المنصب من غيره فأراد (ع) من خلال جهاده الفكري أبراز جانب إمامته ولو من خلال الروايات المفسرة لآيات أحكام العبادات.

 قال المقداد السيوري: (( إن الجهاد المأمور به هو الجهاد مع الإمام المعصوم لا أي جهاد كان تنبيهاً للسائل على جهله، فإنه ليس له الاعتراض على مثل هذا الرجل العظيم الشأن العالم بشرائط العبادات وأسرار الطاعات ))([23]).

الموقف الخامس: التحذير من التعاون مع الظالمين.

ففي صحيح أبي حمزة الثمالي عن الإمام علي بن الحسين (ع) في حديث طويل قال:((إياكم وصحبة العامين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين، أحذروا من فتنتهم، وتباعدوا من ساحتهم، وأعلموا أن من خالف أولياء الله، ودان بغير دين الله، واستبد بأمره دون أمر ولي الله كان في نارٍ تلتهب، تأكل أبداناً، وقد غابت عنها أرواحها، غلبت عليها شقوتها، فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياءً لوجدوا مُضَضَ حر النار ))([24]).

دلالة الرواية :

   1-  حذر الإمام (ع) على مستوى الظالمين وغيرهم من العمل معهم والدخول في إعانتهم والدعوة إلى مقاطعتهم لأن العمل معهم فيه مخالفة لأمر الله.

   2-  وأي ظالم اعتى من استلاب حق الإمامة، والذي عبر عنهم الإمام (ع) بأنهم موتى في دار الدنيا لا يجدون حر النار والسخط والخذلان، ولو كانوا أحياءً لوجدوا مضض ذلك ([25]).

الموقف السادس: النصوص والمحاكمات على إمامته (ع) حيث يعتبر النص دليلاً على تعيين الإمام، وقد تواترت النصوص على إمامته (ع) منها:

النصوص المصرحة بأسماء الأئمة ومنهم الإمام السجاد (ع) والتي عين رسول الله (ص) الخلفاء من بعده الأثنى عشر.([26]) النصوص المثبتة لإمامة الإمام زين العابدين من قبل أمير المؤمنين (ع)

في وصيته للإمام الحسن وقوله للحسين (ع):

(( إنك القائم بعد أخيك الحسن وإن رسول الله (ص) بأمرك أن تدفع المواريث من بعدك إلى ولدك زين العابدين، فإنه الحجة من بعدك ثم أخذ بيد زين العابدين وكان طفلاً وقال له: أن رسول الله (ص) يأمرك أن توصي بالإمامة من بعدك إلى ولدك محمد الباقر وأقراءه من رسول الله ومني السلام ))([27]).

محاكمة الحجر الأسود في أثبات إمامته على إمامة عمه محمد بن الحنفية

ما ذكره الرواة: (( أنه جرى بينه وبين الإمام نزاع صوري حول الإمامة فاتفقا على المضي إلى الكعبة ليتحاكما عند الحجر الأسود، وهو الذي يكون حاكماً بينهما، وإنما اتفقا

على ذلك لبلورة الرأي العام، وإرجاع القائلين بإمامة محمد إلى الحق ))([28]) وأنطق الله الحجر الأسود من باب الإعجاز، كما أنطق عيسى بن مريم وهو في المهد صبيا بأن الإمام زين العابدين (ع) وهو حجة الله على خلقه، وأمينه على دينه، واستبان بذلك الحق. ([29]).

وأغلب المؤرخون([30]).لايميلون الى هذه الحوارية وذلك :

معرفةتقوى وورع محمد بن الحنفية وادعاء الامامة مع وجود الامام ينافي ذلك الورع والتقوى ماتصدى اليه ابن الحنفية  في بعض الموقف ونسب اليه كما في ثورة المختار هو بمثابة الوكيل الشرعي عن امام زمانه بسبب الوضع السياسي وابتعاد الامام زين العابدين ( ع) عن الساحة السياسية وذلك لاصلاح المنظومة الاسلامية السياسية الاسلامية عن طريق تحرير الفكر وابدال جديب الضمير بفكر حي وواع

وعلى فرض صحة رواية التحكيم في أثبات الإمامة، فلعله أراد محمد بن الحنفية أن يثبت كرامة للإمام زين العابدين في استنطاق الحجر بإمامته ليزيل الشكوك عن بعض النفوس المشككة بإمامته (ع).

المطلب الثالث

مشروعية التصدي للإمامة في منظومة أهل البيت عليه السلام الحركية

الفرع الأول: مشروعية التصدي للإمامة في المنظومة الحركية من قبل الأئمة (ع).

 يثبت الإمام زين العابدين (ع) في منظومته الحركية الفكرية إن منصب القيادة أو الخلافة منصب ( فتنه ) بالنسبة إلى السلطان وإلى الأمة لأن كل منهما له حقوق وواجبات.

واجبات القائد: الأمانة والعدالة والرفق بالرعية وحفظ الأمن وأجراء الحدود وغيرها.

فقد ورد عن النبي (ص) في صفات الحاكم:

قوله (ص): (( ومن ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فأحتجب دون حاجتهم وخلتهم أحتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ))([31]).

وقد أعطى النبي (ص) درساً للحاكمين في حمل تلك الأمانة وإنها طريق القاء النفس للتهلكة لمن لا يقدر إداء

جاء عن أبي ذر (ره) قال: (( قلت يا رسول الله إلا تستعملني. قال: فضرب بيده على على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانه، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذ بحقها وأدى الذي عليه فيها ))([32]).

والنص الذي ذكره (ص) فيها أبعاد متعددة:

البعد الأول: اشتراط القوة في السلطان: سواء كانت القوة للشخصية أو للفهم أو للنفس يضبط بها الحاكم أن السلطة الممنوحة إليه ليست استبداد بقدر ما هي معالجة لحالات الأمة للتعرف على أحوال احوالها ووضع الحلول الناجحة لمشاكل مجتمعه بما أوتي من قوة على أداء التكليف.

البعد الثاني: اشتراط الأمانة في السلطان: احاطة أخرى لصفات الحاكم الأخلاقية يستطيع من خلالها اعطاء الحقوق والمساواة بين الرعية من خلال حزمه وعدم استخدام العاطفة أو المحسوبية أو المحاباة أو بما يملكه من صفات نفسية.

ولهذا المستحوذ على هذا المنصب من دون حق شرعي سواء كان بالاستيلاء والغصب أو بالانتخاب اللامشروع أو العهد المغصوب يعد القاء التهلكة.

قوله الامام زين العابدين (ع) في حقوق السلطان:

(( وحق السلطان أن تعلم إنك جعلت له فتنه، وإنه مبتلى فيك بما جعله الله عز وجل له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقي بيداك إلى التهلكة وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء ))

سؤال: هل يجب على الأئمة في حكومات الجور التصدي لأخذ هذا المنصب الإلهي ؟ أم القعود عنه حتى يأتي الله بأمره ؟

والجواب عنه:

إن أخذ الحق والذي عبر عنه الإمام زين العابدين بالنسبة اليه فتنه بالنسبة إلى الحاكم والعباد لابد فيه من شروط تتوافر في الرعية:

الشرط الأول: وجود الأعوان والأنصار المخلصين ويدل على ذلك:-

كما جاء في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن النبي (ص) في حديث طويل يقول فيه لعلي بن أبي طالب (ع):

(( يا أخي ستبقى من بعدي وستلقى من قريش شدة ومن تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعواناً فجاهدوهم وقاتل من خالفك بمن وافقك، وإن لم تجد أعواناً فأصبر وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة ))([33]).

قول أمير المؤمنين (ع) في خطبته الشقشقية التي ألقاها بعد مقتل عثمان وتوليه السلطة.

     (( لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها ...))([34]).

الشريف المرتضى يبين الحكم الشرعي لهذا الشرط:

(( فمعناه أن الفرض تعيين ويوجب مع وجود من انتصر به على رفع المنكر ومنع الباطل، واعتذار إلى من لا علم من القعود في أول الأمر، والنهوض في حرب الجمل وما بعدها، لفقد النصار أولاً وحضورهم ثانياً ))([35]).

لأن الإمام يكشف أذا توافرت شرائط الإمامة فالواجب الشرعي يحتم عليه القيام بالتكليف الملقى عليه.

(( يجب عليه – أي الإمام – القيام بأمور المسلمين ولا يجوز له القعود عنها إلا فيما إذا كان معذوراً عنه، والعذر عبارة عن عدم وجود المعين والناصر له، فإذا أرتفع العذر عنه، فلابد له من القيام لإصلاح أمور الأمة وسوقهم إلى الهدى فلعله (ع) أشار بقوله هذا – بوجود النصر – إلى علة قعوده عن الأمر في طول المدة مع كونه متصفاً بشرائطها من أول المر بعد الرسول (ص) وسببه هو عدم وجود الناصر له (ع) )) ([36]).

والظروف نفسها توافرت مع الإمام الحسين (ع) مع قلة الناصرالعقائدي دون الكثرة غير الصادقة التي بُلي بها الإمام الحسن (ع) وعلى آثر غياب الناصر الحقيقي وقع الصلح.

الشرط الثاني: عدم الاعتراض على أوامر ونواهي السلطات بما يوجب السخط.

وهذا ما أشار إليه الإمام زين العابدين (ع).

(( ... وإن عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقي بيداك إلى التهلكة وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء )).

الشرط الثالث: التنازل من الغاصبين لمنصب الخلافة إلى الإمام أن يكون التنازل عن إيمان وصدق لا عن مخادعه.

وهذا ما تجسد في ولاية العهد للإمام الرضا (ع) في زمن المأمون العباسي عندما أجبره على ولاية العهد وإلا ضرب عنقه.

فقال (ع): (( قد نهاني الله عز وجل أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فأفعل ما بدالك فأنا أقبل على أن لا أولي أحداً ولا أعزل أحداً ولا أنقص رسماً ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيداً فرضي بذلك، وجعله ولي عهده على كراهة منه عليه السلام))([37]).

(( اللهم إنك قد نهيتني عن الألقاء بيدي إلى التهلكة وقد أكرهت واضطررت كما أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لم أقبل ولاية عهده وقد أكرهت واضطررت كما أضطر يوسف ودانيال عليهما السلام إذ قيل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه، اللهم لا عهد إلا عهدك، ولا ولاية إلا من قبلك، فوفقني لإقامة دينك وإحياء سنة نبيك فإنك أنت المولى والنصير ونعم المولى ونعم النصير ))([38]).

الفرع الثاني: مشروعية التصدي للإمامة في المنظومة الحركية من قبل الإمام زين العابدين (ع).

هل يجب على الإمام (ع) أخذ المنصب القيادي أو أدارة الحكم أو ما يسمى اليوم بالسلطة التنفيذية أو غيرها من المسميات.

الجواب: أنه يجب على الإمام أخذ هذا المنصب (الإمامة) لأنه حق إلهي وليس بشري والنزاع العقائدي قائم من يوم السقيفة إلى يومنا هذا حول حقيقة أمير المؤمنين (ع) وولده بمنصب الخلافة دون غيره لوجود النص الدال على ذلك.

ولكن هل الظروف السياسية بوجود الناصر قد تحققت في عهد الإمام زين العابدين (ع) لتسنم السلطة ووجوب السعي عليه إليها؟ أم لم تتحقق

والإجابة عن ذلك: إن الشرط المتمم بعد الإمامة الإلهية المتمثلة به (ع) وهو وجود الناصر غير حاصل وذلك من خلال:

ما قاله الإمام الصادق (ع) عن تلك المرحلة وهي بعد مقتل الحسين (ع) وعدم تصدي الإمام زين العابدين (ع) للحركة السياسية مباشرة وذلك لعدم وجود الناصر، بل لتفرق الناس والاعراض عنه حسب الرواية المنقولة عن الصفار عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن جميل عن أبي عبد الله (ع) قال: (( أرتد الناس بعد الحسين (ع) إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي([39])، ويحيى بن أم الطويل([40])، وجبير بن مطعم([41]

الناس لحقوا وكثروا، وكان يحيى بن ام الطويل يدخل مسجد رسول الله (ص) ويقول: كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ))([42]).

وكان منشأ البأس والردة.

(( أنهم وجدوا الآمال تبددت بقتل القائد، وسبي أهله، وظهور ضعف الحق وقلة أنصاره هذا من جهة، ومن جهة أخرى ملأ الرعب قلوبهم لما وجدوا الدولة على هذه القوة والجرأة والقسوة فكيف يمكن التصدي لها، والإمام بمثل هذا الموقع من الضعف، فليس التقرب منه إلا مؤدياً إلى الاتهام والمحاسبة ولذلك ابتعد الناس عن الإمام (ع) ))([43]).

وهذا الارتداد نفسه الذي وقع بعد رسول الله (ص) لأصحابه بعدم جعل أمير المؤمنين خليفة لرسول الله (ص)  مع وجود النص والذي قال عنه الإمام الباقر (ع)

(( أرتد الناس بعد رسول الله إلا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذر والمقداد ))

وهذا الارتداد ليس المراد منه الارتداد الحقيقي الموجب للكفر والقتل والنجاسة وغيرها من الأحكام.

( بل الارتداد هنا هو نكث عهد الولاية، ونوع رجوع عن مشي الرسول الأعظم وعدم رعاية وصاياه، ولو كان المراد منه الارتداد الاصطلاحي لكان الإمام (ع) – بعد أن تقلد القدرة وتسلط على الأمور – أن يضع فيهم السيف ويبيدهم ويقتلهم من أولهم إلى آخرهم خصوصاً بلحاظ أن توبة المرتد الفطري لا تمنع قتله ولا ترفعه بل يقتل وإن تاب ))([44]).

انحراف أهل مكة والمدينة عن أهل البيت (ع) وكانوا مشهورين بالولاء والنصرة لغيرهم.

 فقد روي عن الإمام السجاد (ع) قوله: (( ما بمكة والمدينة ثلاثون رجلاً يحبنا ))([45]).

ولهذا البعض أسبابه التي بذلت الدولة الأموية الغالي والنفيس لإطفاء ذكر أهل البيت (ع) وخصوصاً ما بذله معاوية أتجاه أمير المؤمنين (ع) من أبراء الذمة عن كل من يتحدث عن فضائل الإمام علي (ع) وأهل بيته (ع).

وإذا أردت الاطلاع عن الجنود التي وجههم معاوية لإشاعة البغض في نفوس الناس على علي (ع) أوالذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم وهي أسوء أنواع العاقبة فأن كتب التاريخ والسيرة مشحونة  ببغض الرواة من فقهاء الكوفة وأهل الحجاز وغيرهم لأهل البيت (ع) ([46]).

وللبيان ما اعده فقهاء المدينة والذين يعتبرون – أي الفقهاء – هم الأعلام والمدرسة السيارة في تثقيف الناس ووعيهم والترويج للعداء لأهل البيت (ع) على نحو المثال لا الحصر.

الزهري عن محمد بن شبيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير قد جلسا فتذكرا علياً فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين (ع) فجاء حتى وقف عليهما

فقال: (( أما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك وأما أنت يا زهري فلو كنت أنا وأنت بمكة لاريتك كن([47]) أبيك ))([48]).

ولكن مع عدم وجود الناصر لم نجد الأئمة (ع) يقعدون عن  أداء الرسالة وذلك من خلال قنوات عدة  كما في القنوات التي أفاض فيها الإمام زين العابدين (ع) من خلال جهاده الفكري فأنهم يفيضون بما فيه بناء الإنسان وتحصينه والسير به الى الكمال المنشود.

 (( إن أسلوب الإمساك بالسلطة له أشكال وألوان مختلفة وإذا كانوا عليهم السلام يفتقرون لوجود الناصر في قناه ما، كانوا لا يفرطون في قنوات أخرى بل أن أئمة أهل البيت (ع) هم ساسة السياسة كانوا بناة حضارة، فهناك حكومة سياسية لبناء قدرة سياسية وهناك حكومة لبناء التشريع والدستور ))([49]).

فالأئمة حكام حضارة أتسمت سياستهم كسياسة الأنبياء والمرسلين في بث ما يقوم الحياة سواء كان في أزمانهم أو الأزمان اللاحقة بعكس حكام السياسة الذين اقتصروا بحاكميتهم على مدة حكمهم.

 

المبحث الثاني

المنظومة الحركية السياسية للإمام زين العابدين (ع) اتجاه حكام عصره والثورات الداخلية

المطلب الأول

المنظومة الحركية السياسية للإمام زين العابدين (ع) اتجاه حكام عصره

بعد واقعة الطف الأليمة هل كانت مواقف الإمام السجاد السياسية مواقف أعتمد فيها على الجانب الدفاعي والعمل بالتقية اتجاه حكام بني امية - بحسب المبنى الفقهي -  لما تعرض له الإمام من ظلم وحيف أم كان للإمام (ع) الموقف السلبي الهجومي ومحاربة السلطة ؟

والإجابة عن هذا التساؤل لابد من القول والانتصار إلى الجواب الثاني دون الأول: لأن الإمام لم يعمل بالتقية بعد واقعة الطف للأسباب الآتية:

أولا: عمل الإمام (ع) بالتقية يمنع القيام بالحجة على الناس، وعمله بالتقية يوجب الاعتراف بالسلطة الغاشمة المتمثلة بيزيد وعبد الملك ومروان وغيرهم.

ثانياُ: العمل بالتقية في بعض الأحكام التي لو تجاهر بها أصحاب الأئمة لتعرضوا إلى السجن أو القتل من قبل الحكام  دون الإمام (ع) ولهذا عمل الإمام بالتقية ليس لنفسه بل لشيعته.

ثالثا: التقية ليس بواجب بل جائزة أو يجب على خلافها

(( إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام وجهاد في سبيله، فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس ))([50]).

فالتقية ليس سرا من الاسرار او لغاية الهدم والتخريب بل العمل بها اوعدمه له ضاطة نظرة الامام الى الاسلام

(( إن التقية التي لا يمكن أن تحصل من الإمام هي التي توجب ضياع معالم الدين، وعدم تمامية الحجة على الخلق، ولكن الأمر في تقية الإمام ليس كذلك، فإن ما يحتاج فيه إلى الخلق هو تلك الأحكام التي لو تجاهر الشيعة بها لتعرضوا للخطر من قبل الحكام الذين يرون أن ترويجها يضعف حكمهم وسلطانهم أو يظهر جهلهم ...))([51]).ولهذا كانت موطن عدم العمل بها عند الامام ع واضحة وذلك من خلال موقفه اتجاه طواغيت عصره

المنظومة الحركية اتجاه يزيد بن معاوية

عمل الإمام (ع) بواجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اتجاه افعال يزيد وخصوصاً بعد واقعة الطف وذلك من خلال:

فضح الخلافة الأموية المتمثلة بالحاكم الأموي يزيد وذلك عندما أذن له يزيد أن يصعد أعواد المنبر بعد المعارضة له لأنه أعرف بما يقول (ع) فتكلم بكلمات فيها رضاً لله وأجر وثواب للجالسين والتي تضمنت التعريف بنسبه الطاهر وفضائل أهل البيت (ع) النبي (ص) و أمير المؤمنين وفاطمة وعمه الطيار إلى أن يصل إلى أخر فقرة من فقرات خطبته (ع) بعد أن أذن المؤذن وقال أشهد أن محمداً رسول الله (ص) التفت (ع) من فوق المنبر إلى يزيد فقال (( محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟: فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته ؟ ))([52]).

والمستفاد من الخطبة أمور:

الأمر الأول: فضح بها (ع) يزيد بن معاوية وفضيحة آل سفيان وكان يعلم يزيد بذلك حين قال: (( لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ))([53]).

وأي عمل هجومي أعظم من فضيحة آل سيفان في عقود دارهم وهو في ذروة النصر.

الأمر الثاني: الموقف لبطولي والذي يميله عليه الواجب الشرعي في ذكر الكلمات ( كفرت) و (كذبت) والتي هي منافية لمبدأ التقية. والتي أزال الأقنعة بها عن سياسة الأمويين وعلى رأسهم أميرهم الضال.

الأمر الثالث: الرسالة التي حملها الإمام وأبداها من خلال خطبته (ع) أمام يزيد وطواغيه فوت الفرصة عليهم في قتله بعد التعريف بنسبة للأمويين الذين كانوا يجهلون الإمام (ع) بل كانوا يعرفون أن الحركة الأموية كانت ضد ثله من الخوارج، لأن الإمام خشي على نفسه من القتل من عتاه الأمويين فبدأ هجومه الاستنكاري عليهم.

في حكومة عبد الملك بن مروان

بالرغم أن عبد الملك بن مروان كانت له مواقف إيجابية مع الإمام زين العابدين في بادئ حكمه وذلك بعد إجارة عائلة مروان في بيت الإمام زين العابدين (ع) خلال وقعة الحرة سنة(62ه ) ألا أن الإمام لم يعط الشرعية لحكومته، وسرعان ما تناسى مروان معروف الإمام (ع) ومع ذلك وقف الإمام مواقف صلبه من تلك الحكومة الجائرة وذلك ضمن مواقف:

الموقف الأول: طواف عبد الملك بالبيت الحرام المتزامن مع طواف الإمام (ع)

فقد روي: إن عبد الملك كان يطوف بالبيت وعلي بن الحسين (ع) يطوف أمامه ولا يلتفت إليه. فقال عبد الملك من الذي يطوف بين أيدينا ؟ ولا يلتفت إلينا ؟

فقيل له: هذا علي بن الحسين

فجلس مكانه، وقال: ردوه إليَّ، فردوه، فقال له: يا علي بن الحسين إني لست قتل أبيك، فما يمنعك من السير إليَّ.

فقال (ع): ( إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه، وأفسد أبي عليه أخرته فإن أحببت أن تكون فكن )([54]).

تحدي الإمــام يتبلور :

عدم السير إلى الطاغية عبد الملك هو بحد ذاته عدم الاعتراف بدولته. التهديد المبطن من قبل عبد الملك (إني لست قاتل أبيك) وجواب الإمام عليه بما حاصله أن النتيجة واحدة وإذا كان لك غاية في قتلي بأنه صلاح دنياك وفساد أخرتك كما هو شأن قاتل أبي. الكشف عن شخصية الإمام الشجاعة ومحاولة البعض إظهارها على أنه ضعيف الشخصية الانطوائي الانعزالي الغارق في بحر العبادة والدعاة والاعراض عن مواجهة الطغاة.

الموقف الثاني: امتناع الامام زين العابدين ع هبه سيف رسول الله (ص)  إلى عبد الملك بن مروان عندما علم مروان أن السيف مع الإمام زين العابدين (ع)

وتتجلى في هذا الموقف امتناعه عن إعطاء أرث رسول الله (ص) وتشدد الموقف بين الإمام (ع) وعبد الملك وأدى بالإمام أن يحمل وهو مثقل بالحديد ومقيد بالأصفاد من المدينة إلى الشام.

والإمام (ع) بهذا الموقف يجسد مشروعية العمل الإلهي بواجبه الشرعي بعدم إعطاء مواريث الأنبياء إلا لمن هو خليفة الله في الأرض، وإبراز الوجه الآخر للخلافة المغتصبة. وهذا هو أظهر أشكال النضال السياسي([55]).

في حكومة هشام بن عبد الملك

لم تتغير مواقف الإمام السياسية من طغاة بني أمية فبعد هلاك مروان وتولي هشام بن عبد الملك كانت للإمام زين العابدين (ع) مواقف عدة جسد فيها (ع) عدم مشروعية حكمه وإن حكومة حكمه غصبيه ومن تلك المواقف تنحي الناس وانفراجهم سماطين لما اراد الإمام (ع) في طوافه أن ينال الحجر الأسود وبينما لم يستطع هشام الوصول إلى ما وصل إليه الإمام (ع) وعندما سأل من هذا أجابه الفرزدق بالقصيدة المعروفة:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته               والبيت يعرفه والحل والحر

هذا الموقف يجسد النضال السياسي للإمام وذلك من خلال أمور :

الأمر الأول: الرأي العام الطبيعي متفاعل مع روح النبوة والإمامة الحقه المتجسدة في الإمام (ع)، عكسه مع حكومة الجور المتمثلة بهشام.

الأمر الثاني: سجن الأمويين لشاعرهم وهو بمثابة أهانه لنظام الحاكم وأحقية الإمام (ع) بهذا المنصب.

الأمر الثالث: مشروعية المعارضة ودعمها من قبل الإمام (ع) ضد النظام الحاكم وذلك من خلال أتصال الإمام(ع) بالفرزدق في سجنه واعطاءه شيئاً رمزياً من الهدايا.

حكومة عمر بن عبد العزيز

لم يمنح الإمام (ع) الشرعية لحكومة عمر بن عبد العزيز رغم الإصلاحات التي قام بها من رفع السب عن أمير المؤمنين (ع) والدعوة إلى رفع منع تدوين الحديث وهذه تصرفات تنطلي على عوام الناس على أنه عادل ولو كان الأمر كما هو لنشر علوم أهل البيت (ع) ولكنها الدنيا وحلاوتها

ومع ذلك تصدى الإمام زين العابدين (ع) من تلك الحكومة وذلك من خلال تفسير قوله تعالى والذي نقله الإمام الصادق في معنى الآية الشريفة بجواب الإمام زين العابدين (ع).

(( هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ))([56]).

قال: (( أهم بنو أمية، ويوشك أن لا يحسَّ منهم أحد ولا يخشى ... ما أسرعه أسمعتُ علي بن الحسين (ع) يقول: أنه قد رأى أسبابه ))([57]).

وجواب الإمام (ع) فيه عدة دلالات:

الدلالة الأولى: تصديه البطولي لحكومة الأمويين الجائرة.

الدلالة الثانية: بشارته (ع) بانقراض دولة بني أمية، والبشارة أحدى الدلالات على مقاومة ومقارعة ظلم هذه الدولة الباغية.

الدلالة الثالثة: إن سياسة الإمام الحكيمة ورؤيته لتلك الحكومة الجائرة جعلت بمثابة اسباب لزوال تلك الحكومة.

ومن هذا يظهر أن موقف الإمام من ملوك عصره كان (( يتسم بالكراهية والبغض لهم، وذلك لفساد أعمالهم، وسوء سياستهم، وانحرافهم عن الطريق القويم، ولكنه في نفس الوقت كان يأمل عزة الإسلام، وانتصار جيوشه على جيوش الكفر والألحاد لترتفع راية الله عالية خفاقة في الأرض ))([58]).

المطلب الثاني

المنظومة الحركية السياسية للإمام زين العابدين (ع) اتجاه الثورات الداخلية المسلحة في عصره

في المطلب ايضاح الى الثورات المسلحة التي حدثت في عصر الامام (ع) فهل كانت تلك الثورات بأمر من الامام (ع) ام كانت حيادياً وهل هذا الحيادية تعد انحيازاً للأمويين  لعدم اشتراك الامام (ع) بها ام ماذا؟

أولاً: وقعــة الحــرة

وهي المعركة التي وقعت احداثها في حكومة يزيد بن معاوية في سنة 62هـ بقيادة عبد الله بن حنظلة الانصاري بعد ان خلع أهل المدينة المنورة بيعه يزيد وطردهم لعامله فخاف يزيد من انتشار الثورة فارسل جيشاً جراراً بقيادة مسلم بن عقبة وأوصاه بأن يكون السيف هو الحاكم بينه وبين أهل المدينة وان لا يبقي عليهم, وأن ينهب المدينة وقتل الابرياء من الاطفال والشيوخ وهتك الاعراض واخذ البيعة لمن بقي من الناس على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية.([59])

وللثورة أسبابها التاريخية والسياسية والاجتماعية ولكن أهم سبب إنه لم يكن لها غطاء شرعي من قبل الامام زين العابدين (ع) لان الإمام (ع) بعد رحلة السبي ودخوله المدينة المنورة وتعريفهم بما جرى على الحسين (ع) وأصحابه من خلال خطبته التي واجهها اهل المدينة والتي كانت ردة فعلهم اتجاها تعاطفهم مع الإمام وعياله ولم يظهروا انتقامهم واستعدادهم لأخذ الثأر أو تشكيل قيادة عسكرية خاضعة لأوامر الامام (ع).

بل كان من أهم الاسباب الاطلاع المعرفي عن أحوال خليفة المسلمين الأموي : وذلك من خلال:

تعَّرف أهل المدينة على الصفات القبيحة التي كان عليها الحاكم الاموي يزيد ويظهر ذلك من خلال أحد زعماء الثورة عبد الله بن حنظله غسيل الملائكة يقول:

((والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء .. إنه رجل ينكح الامهات والبنات, ويشرب الخمر, ويدع الصلاة, والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً ))([60]).

أو قول المنذر بن الزبير وهو أحد قادة الثورة أيضاً

(( إنه - أي يزيد - قد أجازني بمائة ألف، ولا يمنعني ما منع أبي أن أخبركم خبره, والله إنه ليشرب (الخمر) والله إنه ليسكر حتى يدع الصلاة ))([61]).

 الذي أعطى الأذن لتحرك الثورة ابن الزبير كما يذكر ذلك المسعودي ان حركة أهل المدينة وإخراجهم بني أميه وعامل يزيد من المدينة كان عن أذن ابن الزبير ))([62]). الإعلام السيئ الصيت والذي دعا إليه معاوية في محاربة شيعه علي (ع) ومطاردتهم وابراء الذمة منهم والاستمرار على هذا الاعلام إلى عهد ولده الطاغية يزيد حتى كان يقال عنه رجل يهودي أو نصراني أحب من أن يقول عنه رافضي, أو شيعي هذا الإعلام أثر على أبتعاد عامة الناس عن أهل البيت (ع)

وقد أعلن الإمام زين العابدين (ع)عن هذه الحقيقة عند دخوله مدينة جده رسول الله (ص) بقوله: ((ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا ))([63]).

ويستظهر من هذا الأسباب إن القيادة العسكرية عند دخولها المدينة المنورة وإباحتها وارتكاب الجرائم الفظيعة بها والقاء القبض على الإمام السجاد (ع) وإخلاء سبيله من دون أخذ البيعة منه ليزيد الطاغية وعدم التعرض اليه لأمور:

الاول :علم الحكومة الجائرة بجفاء أهل المدينة للإمام السجاد (ع) وإن تحركهم ليس بدافع منه,

 

على أن عدم مشروعية القيام بالثورة لا يدل على أن ما قام به جيش يزيد مبرر وعمل صحيح, بل على العكس هو نفس التعدي على مدينة رسول الله (ص) والاعتداء على قبره وأهل مدينته هو عمل غير مبرر والويل كل الويل من سفك الدماء وقتل الأبرياء والاعتداء على الحرمات من عذاب الله وعقابه.

(( إن البيعة اذا ما عرضت بشرطها الاستعبادي عن الإمام (ع) فانه سيستمر على نهجه الرافض, وإن معنى الرفض هنا أنه يتضرَّج بدمائه الزكية وهذا يعني دخول صورة من صور النقمة العارمة من الممارسات الأموية القمعية التي سوف تزلزل أعمده الكيان الحاكم))([64]).

ثانياً: حـركـة التوابين

موقف الإمام زين العابدين من حركة التوابين

تعتبر حركة أو ثورة التوابين ردة فعل على نهضة الإمام الحسين (ع) وذلك عندما أظهر أهل الكوفة ندمهم عل عدم نصرة الإمام الحسين (ع) وإنهم اخطأوا بعدم أستيعابهم لنداء (هل من ناصر ينصرنا ) فاعلنوا التوبة وشكلوا تياراً سرياً ظل يعمل طيلة ثلاث سنوات لجمع أكبر عدد من المقاتلين لمحاربة جيش الشام والقضاء على الحكم الأموي وقد تزعم تلك الحركة الثورية عام 65هـ كل من القادة:

سليمان بن صرد الخزاعي. المسيب بن نجبه الغزاري. عبد الله بن سعد بن نفيل الازدي. عبد الله بن والِ التميمي. رفاعه بن شداد البجلي.

وقد دارت المعركة بين التوابين وبين الجيش الأموي بقيادة الحصين بن نمير في عين الوّردة انتهت بالقضاء على ثورة التوابين وقتل قادتهم وأغلب أفراد الحركة.

ولا شك أن تلك الثورة أو الحركة جرت في عهد الإمام زين العابدين (ع) فهل كان الإمام (ع) على علم بها وما هو موقفه الشرعي اتجاهها ؟

الجواب: يمكن إعطاء مشروعية حركة التوابين من جهات عدة:-

اولاً: من جهة صحه الروايات وخصوصا الرواية التي ذكرها ابن نما  من قول الإمام زين العابدين (ع):

(( لو أن عبداً زنجياً تعصب لنا أهل البيت لوجب على الناس موازرته...))3

ثانياً: صحيح لم يرد خاص بالتوابين وحركتهم من حيث الأذن والمشروعية بالإعداد والدفاع ولكن في نفس الوقت لم يرد نص ولو على نحو التقية كما ورد نص قادح في ثورة المختاركما سياتي.

ثالثا: الاستعداد للحركة والذي أستمر لثلاث سنوات من المستبعد عدم معرفة الإمام بنشاطهم وحيث ان الشيعة تجاوبوا مع الحركة. يكشف هذا عن وجود موافقة من قبل الإمام (ع) وإن لم يصل نص على ذلك.([65])

ثالثاً: الهدف الذي سعت إليه الحركة من خلال قياداتها والتفاف الجماهير حولهم كان هو الثأر لدم الإمام الحسين (ع) كاف لأثبات مشروعيتها.([66])

وذلك من خلال صرخه القادة وتحفيز الجماهير على القتال بقولهم ( إنا كتبنا إلى الحسين بن علي فجاء وأخذ يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه، أتخذه الفاسقون غرضاً للنبل، ودرية للرماح حتى أقصروه، وعدوا عليه فسلبوه، الا أنصفو فقد سخط ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله، والله ما أظنه راضياً دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا – تهلكوا – إلا لا تهابوا الموت، فوالله ما هابه أمرؤ قط إلا ذل.

رابعاً: موقف الإمام (ع) من ثورة المختار:

المختار بن أبي عبيدة بن مسعود بن عمير الثقفي المكنى بأبي إسحاق ولد في عام الهجرة، نشأ مقداماً شجاعاً وقتل سنة 67 في حربه مع مصعب بن الزبير. قاد ثورته في الكوفة عام  66 ه  وقتل جميع قتلة الإمام الحسين (ع) فما هو موقف الإمام (ع) اتجاه هذه الثورة وخصوصاً .. وقد وردت بشأنه روايات مادحة وروايات قادمة.

أما من الروايات القادحة المتعلقة بذم الإمام زين العابدين (ع) للمختار ما رواه المسعودي في مروج الذهب:

إن المختار كتب إلى علي بن الحسين السجاد (ع) يريده على أن يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته وأنفد إليه مالاً كثيراً فأبى علي (ع) أن يقبل ذلك منه أو يجيبه عن كتابه وسبه على رؤوس الإشهاد فلما بئس المختار من علي بن الحسين كتب إلى محمد بن الحنفية بمثل ذلك فاشار عليه علي بن الحسين  ان لايجيبه الى شي من ذلك، وإن يتبرأ منه كما فعل هو، فأستشار ابن عباس فقال: لا تفعل لأنك لا تدري ما أنت عليه من ابن الزبير، فسكت عن المختار.([67]).  من الروايات القادحة:

ما رواه الكشي: جبرائيل بن أحمد، عن العبيدي، عن محمد بن عمرو، عن يونس بن يعقوب عن أبي جعفر (ع) قال: كتب المختار بن أبي عبيدة إلى علي بن الحسين عليهما السلام، وبعث إليه بهدايا من العراق، فلما وقفوا على باب علي دخل الآذن يستأذن لهم، فخرج إليهم رسوله فقال: أميطوا عن ومن الروايات المادحـــة:

ما ذكره ابن نما جعفر بن محمد مؤلف كتاب

أجتمع جماعة قالوا لعبد الرحمن بن شريح: إن المختار يريد الخروج بنا للأخذ بالثأر وقد بايعناه ولا نعلم أرسله إلينا محمد بن الحنفية أم لا ؟ فأنهضوا بنا إليه فخبره فإن رخص لنا أتبعناه وإن نهانا تركناه فخرجوا وجاءوا إلى محمد بن الحنفية ( إلى أن قال) فلما سمع محمد بن الحنفية كلامه ( عبد الرحمن بن شريح) وكلام غيره وحمد الله وُنى عليه، وصلى على النبي وقال: أما ما ذكرتم مما خصنا الله فإن الفضل لله يعطيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وأما مصيبتنا في الحسين فذلك في الذكر الحكيم[68]، وأما الطلب في دمائنا قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم علي بن الحسين، فلما دخل ودخلوا عليه أخبرهم خبرهم الذي جاءوا لأجله،

قال: (( يا عم  لو إن عبداً زنجياً تعصب لنا أهل البيت لوجب على الناس موازرته، وقد وليتك هذا فأصنع ما شئت فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون: إذن لنا زين العابدين (ع) ومحمد بن الحنفية ))([69]).

من الروايات المادحة بحق المختار من الإمام زين العابدين (ع):

ما ذكره الكشي: محمد بن مسعود عن علي بن أبي علي، عن خالد بن يزيد عن الحسين بن زيد، عن عمر بن علي بن الحسين: إن علي بن الحسين عليهما السلام: لما أتى برأس عبيد الله بن زياد وراس عمر بن سعد قال: خر ساجداً وقال: (( الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً ))([70]).

وإن المختار أرسل إلى علي بن الحسين صلوات الله عليه بعشرين ألف دينار فقبلها وبنى بها دار عقيل بن أبي طالب ودارهم التي هدمت.([71])

 وللتحقيق في الروايات المتعارضة بحق المختار يمكن الرجوع إلى سيد الفقهاء الإمام الخوئي (قده) والذي عالج تلك الروايات في معجمه وأظهر مشروعية ثورة المختار من خلال وجهة الإمام زين العابدين ومصححاً للروايات المادحة وأما الروايات القادحة فتحمل على([72]).

ضعف إسناد الروايات الذامة إمكانية حمل الروايات الذامة على الصحة ولكن صادرة بعنوان التقية كالروايات الصادرة والذامة بحق الراوي زرارة. إن عمل المختار وطلبه للثأر الحسيني وما قام به الاقتصاص من قتل الإمام الحسين (ع) لاشك أن هذا العمل مرضياً عند الله وإذا كان مرضي فهو مرضي عند أوليائه أيضاً. الشواهد التاريخية التي تثبت النية الخالصة للمختار لأهل البيت (ع) ولاءً وتضحية وذلك من خلال مبايعته للأمام الحسين (ع) عند دخول مسلم (ع) الكوفة وإيواءه في بيته، موقفه الصاعد اتجاه عبيد الله بن زياد في البقاء على الولاء الحسيني، وموقفه الحذر من ثورة المختار والقبول المشروط بالولاية على العراق للاقتصاص من قتلة الإمام الحسين (ع). النصوص الصادرة من أهل البيت (ع) والمادحة لأفعال المختار كالنص الصادر من الإمام الباقر والإمام الصادق (ع) بأنه بنى دورهم وأنعش إيتامهم وأدخل الفرح والسرور على بيوتهم بقتلهم قتلهم الإمام الحسين (ع) ([73]) فضلاً عن نصوص غير الأئمة 

هذه النصوص الصحيحة لابد أن تكون في عرض واحد وموافق لمشروعية ثورة المختار في حياة الإمام زين العابدين (ع) لأن المواقف لابد للأئمة أن تكون موحدة فلا تكون مرضيه عند أحدهم دون الآخر.

انضمام الشخصية الولائية لحركه المختار أمثال إبراهيم بن مالك الأشتر وغيره وهم زعماء الدين الذين أبوا الانضمام إلى حركة المختار إلا بعد التأكد من الأذن الشرعي للثورة من قبل الإمام زين العابدين (ع). _________________________________________________________________

([1]) الماوردي: الأحكام السلطانية، ص 5 .

([2]) المدني: علي خان، رياض السالكين في شرح صحيفة الساجدين (ع) : 372.

([3]) الإمام زين العابدين : الصحيفة السجادية: 344.

([4]) الإمام زين العابدين: الصحيفة السجادية  .

([5]) دعائم الإسلام .

([6]) الأشعثيات والجعفريات: ص 42.

([7]) الخوئي: كتاب الصلاة :ج/1 : 52.

([8]) الحدائق الناضرة: ج/1 : 443.

([9]) تفسير البرهان: ج/1: 129.

([10]) المصدر نفسه: ج/1 : 208

([11]) المجلسي: البحار، ج/27 : 218.

([12])

([13]) معاني الأخبار: ج/1، 530 حديث: 6.

([14]) الطبرسي: الأحتياج، ج/2، 50 أحتجاجات الإمام علي بن الحسين (ع)

([15]) ظ: القمي ، عباس : الكنى والألقاب ، ج/1 : 60.

([16]) الصغير: محمد حسين، الإمام زين العابدين: القائد الداعي، الإنسان، ص 38 .

([17]) الصدوق: آمالي الصدوق : 112.

([18]) سورة هود : الآية 113.

([19]) المجلسي: بحار الأنوار، ج/4 : 325، باب : 37، حديث : 2 .

([20]) اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، ج/2 : 250 .

([21]) الفقيه: ج/2 : 219 .

([22]) التهذيب: ج/6 : 134.

([23]) كنز العرفان: في فقه القرآن، ج/1 : 348.

([24]) الحر العاملي: الوسائل، ج/11، 502، حديث : 3 .

([25]) ظ: المجلسي، مرآة العقول، ج/4 : 353 .

([26]) ظ: الطوسي: الغيبة، 105.

([27]) الكليني: الكافي، ج/1، 297، حديث : 1 .

([28]) معجم الدعوات: 197 .

([29]) ظ: أثبات الوصية، 119 .

([30]) القرشي: باقر، موسوي، سيرة أهل البيت (ع) الإمام زين العابدين، ج/2،127 .  

([31])          كنز العمال، ج/6 : 35 حديث : 14739 .

([32]) مسلم: صحيح مسلم، ج/3 : 1457 كتاب الإمارة، باب : 4، حديث : 1825.

([33]) الصدوق: كمال الدين واتمام النعمة، 264 .

([34]) عبده: محمد، شرح نهج البلاغة، خطبة 33 .

([35]) الشريف الرضي: رسائل الشريف الرضي، ج/2 : 113.

([36]) التقوى: محمد تقي، مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة، ج/3 : 463.

([37]) عيون أخبار الرضا: ج/2 :139 .

([38]) الصدوق: عيون أخبار الرضا، ج/1 : 29.

([39]) يقول العلامة المجلسي: كان هؤلاء الأصحاب من خواص الأئمة (ع) وكانوا لا يعملون بالتقية بأذن من الأئمة لأن للتقية حدود  إنما تجب ابقاءً للدين وأهله أما مع الضلالة الموجبة لمحو الدين فلا تقية وإن أوجب القتل .

ظ: المجلسي: مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، ج/11 : 98 .

([40])

([41])

([42])

([43]) الجلالي: محمد رضا، جهاد الإمام السجاد زين العابدين (ع) : 73 .

([44]) الكلبيكاني: نتائج الأفكار، ج/1، 196 .

([45]) المجلسي: بحار الأنوار، ج/46 : 143 .

([46]) ظ: الثقفي : إبراهيم بن محمد، الغارات، ج/2 : 559-583.

([47]) أي بيت أبيك .

([48]) الثقفي: الغارات ، ج/2، 578 .

([49]) السند: محمد، أسس النظام السياسي عند الإمامية، 360 .

([50]) المظفر: عقائد الإمامية

([51]) العاملي: جعفر مرتضى، ميزان الحق شبهات وردود، ج/3، سؤال رقم (111) المركز الإسلامي للدراسات الطبعة الأولى، 2010م

([52]) الخوارزمي: مقتل الحسين : 69 ؟

([53]) المصدر نفسه.

([54]) المجلسي: بحار الأنوار، ج/26 : 120 .

([55]) ظ: الجلالي: محمد رضا، جهاد الإمام السجاد زين العابدين (ع) : 212 .

([56]) سورة مريم : الآية (98) .

([57]) ابن شهر أشوب: مناقب آل أبي طالب، ج/3، 276 .

([58]) القرشي: باقر شريف، ج/6، 327 .

([59]) ابن كثير: البداية والنهاية، ج/1 ، 206 .

([60]) سيد أعلام النبلاء، ج/3 : 324 .

([61])              تاريخ الأمم والملوك: ج/4 : 368 .

([62]) المسعودي: مروج الذهب، ج/3 : 78 .

([63]) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج/4 : 104 .

([64]) المجمع العالمي لأهل البيت، أعلام الهداية، الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، ص 77 .

([65]) القزويني: لطيف، رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ : 150.

([66]) المصدر نفسه.      (3) ([66]) ابن نما الحلي: جعفر، ذوب النضار : 97

([67]) ظ: المسعودي: مروج الذهب .

([68]) إشارة للآيتين 21 و 29 سورة الحديد، والآية 4 من سورة الجمعة .

([69]) ابن نما الحلي: جعفر، ذوب النضار : 97 .

([70]) الكشي: رجال الكشي ، 127، حديث 203 ؛ والبحار: ج/45، 244، حديث : 13 .

([71])

([72]) الخوئي: معجم رجال الحديث، ج/19 : 108

([73]) ظ: الكشي: رجال الكشي: 127 .

المرفقات