الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 14/ذو الحجة/1440هـ الموافق 16 /8/ 2019م :

ايها الاخوة والاخوات موضوعنا في الخطبة الثانية (العمل الوظيفي بين الاستحقاقات الشرعية والوطنية والاخلاقية وبين واقع الحال)

مقصودنا بالعمل الوظيفي ليس هو العمل الذي يُكلّف بهِ الموظّف سواء أكان طبيباً او مهندساً او معلماً او غير ذلك هذا جزء مهم والعمل الوظيفي الذي نذكره يشمل بالأساس هؤلاء المكلّفون بأعمال وظيفية او أي شخص مكلّف بعمل لخدمة سواء أكان موظفاً او لهُ حِرفة ومهنة أي يشمل الجميع وليس مقصودنا من خلال هذه المبادئ وما يتعلق بمنافاتها والتي سنذكرها في هذه الخطبة قد يتصور البعض انها محصورة وضيقة بالموظفين فقط بل هي تشملهم أولا ً وتشمل أي انسان مكلّف بأداء مهمة وخدمة ووظيفة للباقين سواء أكان فلاحاً او نجاراً او سائقاً او صاحب مهنة وان لم يكن موظفاً في دوائر الدولة ولكن المعني بهِم اساساً الاخوة الموظفون بمختلف اعمالهم ووظائفهم..

لاشك ان العمل من ضرورات الحياة المعيشية ومبدأ الوصول الى الكمالات الانسانية والمراتب التي تليق بالانسان والعمل اساس للتطور والازدهار والكمال والعزّة التي ينشدها الانسان..

لذلك قلّما نجد آية من آيات القرآن الكريم إلاّ قرنت العمل بالإيمان لهذه المهمات التي ذكرناها..

وموضوعنا هو العمل الوظيفي على وجه الخصوص لما يشكله من دور حساس في تلبية احتياجات عموم المجتمع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والصحية والتعليمية وما يحققه من موقعية وكرامة واحترام للفرد والمجتمع داخلياً وخارجياً.

ما هي مبادئ صلاح العمل وكمالهِ وكيف نحقق هذه الغايات التي نرجوها جميعاً؟

هذه المبادئ التي سنذكرها هي للإنسان المتدين الذي يؤمن بالله تعالى وهي مبادئ موجودة بعضها حتى في المجتمعات التي لا تؤمن بِدين، وسنبين السبب في ذلك لذلك هي مبادئ عامة للجميع لا تقتصر على الانسان المؤمن حتى الشخص الذي لا يصلي ولا يصوم من اجل ان نحقق هذه الغايات او بعضها لابد من ملاحظة هذه المبادئ والتقيد بها من اجل الوصول الى هذه الاهداف التي ذكرناها..

المبدأ الاول : محبوبية العمل عند الانسان

هذه المحبوبية ما هو منشأها؟ وكيف نجعل العمل محبوباً عندنا؟

هذا يرتبط بقضية مهمة اخواني ونحن نتكلم مع المتدينين وغير المتدينين، اذا الانسان اعتبر العمل مبدأ من مبادئ الحياة الدينية والايمانية واعتبره لهُ قيمة عليا في حياتهِ وحياة مجتمعه وتعامل معهُ على انه مبدأ من مبادئ الحياة وله قيمة عليا وغاية سامية في حياته، تارة الانسان مؤمن يعتبر العمل له قيمة اسلامية وله قيمة دينية عُليا كما ذُكر في الآيات القرانية والاحاديث الشريفة..، وتارة انسان يعتبرهُ مبدأ وطني لهُ قيمة وطنية ولهُ قيمة تتعلق بشعبه ووطنه فيعتبر العمل مبدأ وطني ولهُ قيمة وطنية عُليا..، وتارة انسان يعتبر العمل قيمة اخلاقية عُليا..

تارة نتعامل مع العمل هكذا، وتارة نتعامل معهُ بمبدأ مادي يحقق لي اهداف مادية ضيقة تتعلق بالجوانب المادية البحة من حياتي وتتعلق بتحقيق احتياجاتي الذاتية سواء كنت شخص او كيان او حزب او جهة معينة.. ولا اعتبره مبدأ من مبادئ الايمان ولا مبدأ وطني ولا مبدأ اخلاقي حينئذ سيكون حبّي للعمل بمقدار ما يحقق لي من نتائج مادية..

أما اذا اعتبرته مبدأ الهي ومبدأ ايماني وديني واحببته لأن الله تعالى يُحبه والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبه والائمة والصالحون يحبون هذا العمل حينئذ اتعامل معهُ على انه مبدأ له غايات سامية فاندفع باخلاص واُتم هذا العمل واقدّم هذا العمل بمختلف خصوصياته وبمختلف الجوانب التي تحقق الغاية المرجوة وهو خدمة الناس والوصول الى الاهداف الاخرى..

اما اذا تعاملت معهُ -وهو عند الكثير- على انهُ كلما هذا العمل اعطاني جوانب مادية شخصية حينئذ لا يتوفر لي الدافع القوي لكي اُخلص واُتم واتقن واقدم كل ما لدي من طاقات في سبيل ان انجز هذه الخدمة، لا يكون العمل عندي محبوباً بهذه المنزلة..

لذلك علينا اخواني جميعاً موظفين وغير الموظفين ان نجعل العمل وننظر اليه هذه النظرة المبدأية الذي لهُ قيمة عليا..

لاحظوا بعض الدول لا تؤمن بِدين ولكنها تقدمت وازدهرت وارتقت ولها موقع كبير عند الشعوب الاخرى لماذا؟! دققوا في هؤلاء الذين يعملون في مختلف العمل موظفين وغيرهم تجد ان العمل يمثل مبدأً وطنياً لهم ومبدأً اخلاقياً لهم وهم لا يؤمنون بدين اصلاً!! فهو يقول هذا العمل اخدم بهِ شعبي واخدم بهِ وطني وارتقي بعزة وكرامة وموقعية وطني وشعبي لدى الدول والامم الاخرى حيث ينظرون الى العمل كمبدأ لهُ قيمة عليا ووطنية سامية لا ينظر اليه على انه لديه مردود مادي فقط وشخصي لذلك تقدموا وازدهروا واصبح العمل محبوباً لديهم بهذا الاطار وهذا المنظار..

لذلك اخواني اذا اردتم ان تكون لديكم مبادئ لصلاح العمل وانجازه كما يحبه الله تعالى ويحبه النبي واله الاطهار او كما يحبه شعبكم ووطنكم لابد ان يكون لدينا نظرة مبدأية قيمية عُليا فيكون محبوباً لدينا.

 

المبدأ الثاني: الاخلاص في العمل

لماذا اختار الله تعالى محمد بن عبدالله سيد الانبياء والرُسل؟ ولماذا اختار الله تعالى فلانا نبياً او وصياً للامة الفلانية..؟

اول صفة هو الاخلاص لله تعالى في الايمان والعمل، تارة انسان يكون مخلص لله تعالى حينما يربط عمله بالله تعالى، وتارة انسان مُخلص لوطنه وشعبه..

لذلك اخواني اذا اردنا الاستثمار الامثل نطاق موظفين اطباء مهندسين موظفين نحن جميعاً اذا اردنا ان نستثمر افضل استثمار لطاقاتنا العقلية والجسدية وامكاناتنا وحياتنا وعمرنا واوقاتنا كل شيء لدينا اذا اردنا الاستثمار الامثل لهذه الطاقات والقدرات والاستثمار الامثل للحياة واردنا الوصول الى افضل النتائج لابد ان يكون لدينا اخلاص في عملنا لله تعالى ولا نطلب في عملنا ونحن بيّنا في الخطبة الاولى لا يتأثر عملي وخدمتي وعطائي لا يتأثر سواء نلت مبالغ مالية او منصب او مكسب او جاه او منزلة او مدح او ثناء او لم أنل شيئاً من ذلك.. لا يتأثر عملي وعطائي للآخرين.. فهذا هو الاخلاص..

او نلت أذى من خدمتي لا اتراجع الى الوراء فهذا هو الاخلاص الحقيقي في اداء العمل والوظيفة لكل انسان..

المبدأ الثالث : اخلاقيات العمل

ما هو معنى اخلاقيات العمل؟

عندما انا موظف واقدم خدمة او انا صاحب مهنة انما اريد ان اخدم انساناً لا اخدم جماد، انا طبيب اخدم مريض انسان، معلم اخدم طالب انسان، موظف اخدم مراجع انسان.. فأنا لا اخدم جمادات لذلك حينما اقدم هذه الخدمة عليَّ ان اقدم هذه الخدمة باخلاقيات الانسان الراقي..

لا انظر الى عملي كإنتاج الماكنة الجامدة بل انا انسان وامامي انسان اُريد ان اخدمه واوظّف طاقاتي وامكاناتي لخدمة الانسان لذلك لابد ان تكون لديَّ اخلاقيات المهنة التي تناسب طبيعة المهنة.. طبيب يُعالج انساناً مريضاً لينقذ حياتهُ ويخفف آلامه عليهِ ان يوظّف هذه العلمية الطبية ويؤطرها باخلاقيات الانسان، المعلم يريد ان يعلّم طالباً انساناً عليهِ ان يقدّم علمه باخلاقيات المعلم الانسان، الموظف يتعامل مع مراجعه ويريد ان يخدمه باخلاقيات الانسان..

لذلك لكل مهنة اخلاقيات لابد ان نؤطّر حتى نصل الى النتائج، من دون هذه الاخلاقيات لا ينفع ولابد ان تكون لكل مهنة اخلاقياتها الخاصة بها..

المبدأ الرابع : العمل امانة اؤتمن عليها الانسان

أي خدمة وأي وظيفة نقوم بها انما هو تكليف بأمر واجب او مستحب او أداء مهمة الاستخلاف في الارض..

التفتوا اخواني (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72) – الاحزاب-.

ما هي الامانة التي عُرضت على السموات والارض والجبال؟ هذا التكليف بالعمل، الله تعالى قال ايها الانسان جعلتك خليفة في الارض، انما هذا الاستخلاف يبتدأ بالإيمان والعمل هذه امانة كلفّتك بها وليس تشريف لك، نعم، ان اديّت هذه الامانة على وجهها وصلاحها صار تشريفاً لك..

لذلك على الانسان هنا اذا اراد ان يأتي بهذه الخدمة وهذه الوظيفة تامة متقنة تصل الى المرتبة التي نحقق منها الغاية لابد ان يعتبر ان هذه الوظيفة مهما بلغت وهذا المنصب وهذا الموقع الذي يعمل فيه انما هو تكليف بأن يؤدي هذه المهمة، مُكلّف بها امّا من الله تعالى او من وطنهِ وشعبه..

التفتوا اخواني لو اؤمن بالله تعالى فالله تعالى كلفّني، لو انا انسان وطني وانسان اعمل حقاً من اجل شعبي هذا شعبي حينما يكون هؤلاء الناس اختاروا فلان كي يكون في الموقع والمنصب الفلاني معنى اختيارهم يعني جعلنا هذا الموقع والمنصب وهذه الوظيفة امانة في عنقك وتكليفاً كلفناك بهِ لا تشريفاً منّا لك، حينئذ ستؤدى هذا العمل وهذه الخدمة على افضل وجه..

المبدأ الخامس : التقيّد بالحقوق والواجبات

لدينا في العمل عامل وعمل ورب العمل، الكون كلهُ قائم ونظامه وصلاح هذا الكون قائم على مسألة الحقوق والواجبات عطاءٌ وإعطاء، لابد ان يكون لكلّ عمل نظام حقوق وواجبات تتعلق بجميع الاطراف..

من حق الانسان يُطالب بحقوقه ولكن ليس من الصحيح ومن الخطأ الفاحش والكبير ان يركزّ الانسان على حقوقهِ فقط دون ان ينظر الى الواجبات المكلّف بإزاء هذه الحقوق..

انت ايها الموظّف ايها العامل في أي موقع لكَ هذه الحقوق ولك هذا المال ولك هذا المنصب هذه حقوق مُقابلها واجبات بقدرِ هذه الحقوق..

المطلوب ان تكون هناك قوانين وتشريعات تُنظّم ما هو مقدار وما هو مقدار الواجبات، ولكن علينا في نفس الوقت ان ننظر نحن بعين الانصاف وأداء الامانة المُكلفين بها انه ُ في مقابل هذه الحقوق ان نؤدّي مقدار الواجبات بإزاء تمام الحقوق التي لي، لا ان انظر بعينين الى الحقوق وانظر بعين واحدة الى الواجبات فافرّط في الواجبات ولكنني لا افرّط في الحقوق..

لذلك لابد اخواني حتى هذا العمل الوظيفي نصل بهِ الى الغاية التي نبتغيها راحتنا ورقائنا وتقدمنا وتحقيق هذه المطالب الحياتية لنا لابد ان يكون هناك توازن بين الحقوق والواجبات ونراعي هذا التوازن بين الحقوق والواجبات..

هذه مبادئ خمس لابد من ملاحظتها..

ما هي مُفسدات العمل والتي تُخرّب العمل وتفسده.. ان شاء الله نبينه في الخطبة القادمة..

ايضاً مُقابل هذه الامور التي ذكرناها هُناك مُفسدات لهذا العمل والذي ادّى الى تأخرنا وان نكون في هذا الحال ان شاء الله نذكرهُ في الخطبة القادمة..

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

حيدر عدنان

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات