(اَللّهُمَّ لا تَخْذُلني فيهِ لِتَعَرُّضِ مَعصِيَتِكَ، وَلا تَضرِبني بِسِياطِ نَقِمَتِكَ، وَزَحْزِحني فيهِ مِن موُجِبات سَخَطِكَ بِمَنِّكَ وَاَياديكَ يا مُنتَهى رَغْبَةِ الرّاغِبينَ)
الخذلان
هو التخلي عن النصرة والإعانة، وهما يكونان في حالة الصراع مع طرف آخر، نعم إنها معركة الهداية والضلال معركة النفس التي وجدت مع الإنسان منذ خلقه الله عز وجل، قال تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف-١٧٨]، فإما فائز منتصر بالطاعة وإما خاسر مخذول بالمعصية، فيجب على الإنسان الاستعداد لخوض تلك المعركة، فلم يستثنى منها أحد على الإطلاق، كلٌ بحسب مستواه ومعرفته وقربه سيكون حجم المعركة لديه، فكلما زادت معرفته وقربه زاد حجم وقوة المعركة، فكان الأنبياء والأولياء هم أشد الناس خوضاً لها، فلذا أصبحوا هم أفضل وأكمل المخلوقات الأمثل فالأمثل.
ولكن ينبغي على المؤمن أن يلتفت إلى أن هنالك شهر في كل سنة يخفف جيش الضلال من هجمته، وهو شهر رمضان المبارك، فقد روى الميرزا النوري رحمه الله في مستدركه عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول: (إن شهر رمضان، تفتح فيه أبواب الجنة الثمانية، وتغلق فيه أبواب النار السبعة، ويصفد فيه كل شيطان مريد، وينادي مناد كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر امسك)[مستدرك الوسائل ج7 ص436]، فمردة الشياطين الذين يقودون الهجمات على نفس الإنسان والتسويس لها بفعل المعاصي وترك الطاعة قد صفدوا ومنعوا من الهجمات في هذا الشهر الفضيل، ففي شهر رمضان سيتبين قوة نفس الإنسان، وإلى أي جهة تميل؟ هل ترغب وتبحث عن الهداية؟ أم تتردى وتتعرض للضلال والمعاصي؟!.
وقد ورد عن الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه (إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وقصر آخرون فخابوا)[بحار الأنوار ج75 ص110]، فهنا ستبان حقيقة قوة نفس الإنسان في هذا الشهر، وهل كانت الشياطين هي العامل الأكبر في وقوع الإنسان في المعاصي أم نفسه الإمارة بالسوء؟! وهل سيفوز بمرضاة الله عز وجل أم يقصر فيخيب؟! فعليه النظر في نفسه.
وهنالك عوامل تساعد الإنسان على تقوية جانب الطاعة في نفسه، وتقييد جانب المعصية كذلك، فمن الأمور التي تقوي جانب الطاعة في نفسه هي التواضع والتسامح وحسن الخلق وأداء الصلاة وبر الوالدين وغيرها من الأمور التي ذكرتها كتب الاخلاق.
بعض آثار الطاعة
بعض آثار الطاعة التي وردت في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في غرر الحكم:
(أطع من فوقك يطعك من دونك) فهذا بيان للأثر التكويني على أن الطاعة تعود فائدتها لنفس الإنسان، وليس في مجال الخالق والمخلوق فقط، فالرواية هنا مطلقة، من أطاع من فوقه أطاعه من دونه، كسلسلة المسؤولين في العمل. (طوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه) نتيجة طاعة أهل الهدايا هي الوصول إلى الجنة. (أجدر الناس برحمة الله أقومهم بالطاعة) خصوصية المطيعين في نيل رحمة الله الخاصة. (الطاعة تطفئ غضب الرب) فالعبد يغفل أحياناً ويصدر منه ذنب يوجب غضب الباري، فإذا قوي عنده جانب الطاعة سيطفئ الأثر الوضعي للذنب الذي صدر منه. (طاعة الله مفتاح كل سداد، وصلاح كل فساد) أكثرنا يسير في حياته اليومية وهو جاهل بما قد يصيبه، وأيضاً جاهل بنتائج أعماله، فبالطاعة سيطمأن إلى أن الله عز وجل سيتكفل بتسديد أعماله وأفعاله في حياته اليومية حتى وإن حصل فساد فيها فهو من يتكفل بصلاحه.
(وَلا تَضرِبني بِسِياطِ نَقِمَتِكَ)
للتعرض للمعاصي آثار ونتائج قد تُردي العبد في مهاوي الضياع، وإن من أشد العقوبات على جسم الإنسان هي أن يضرب بالسوط، وهو أداة كانت تصنع من الجلد تستعمل لضرب بعض الحيوانات أو لمعاقبة العبيد أو للتأديب، فالمهم أنها أداة للضرب، وتكون وقعتها شديدة الألم على جسم الإنسان، فلذا استعملت هنا لبيان شدة العقوبة التي ستنزل على الإنسان في حال تعرضه للمعاصي وإنه ضعيف على تحملها.
بعض آثار المعاصي
من جملة آثار المعاصي التي تصدر من العبد هي:
تعجيل البلاء والعذاب، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام : (مجاهرة الله بالمعاصي تعجل النقم)[غرر الحكم] هنالك فرق بين أن يقترف العبد ذنب بينه وبين نفسه، وبين أن يقترفه أما الملأ معلناً جهره بفعل بمخالفة أوامر الله عز وجل، فهنا ستعجل به العقوبة بما يتناسب مع جرأته على الله عز وجل. المعاصي تسود القلب وتقسيه وتفسده، جاء عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "ما من عبدٍ إلا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خيرٍ أبداً، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ وما من شيء أفسد للقلب من الخطيئة "، [الكافي، ج2 ص273] فمن آثار. الذنوب تقصر من عمر الإنسان، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (مَن يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال)[ حار الأنوار، ج80 ص22]،. الذنب يسلب النعم، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (ما أنعم الله على عبد نعمةً فسلبها إيّاه حتّى يذنب ذنباً يستحقّ بذلك السلب)[ بحار الانوار ج73 ص 339]. الذنوب تنسي العلم، جاء عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله أنّه قال: (اتقوا الذنوب فإنّها ممحقة للخيرات، إنّ العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه...)[ بحار الأنوار ج70 ص377].
(وَزَحْزِحني فيهِ مِن موُجِبات سَخَطِكَ بِمَنِّكَ وَاَياديكَ)
هنالك فرق بين العقوبة التأديبية وعقوبة الغضب، فعقوبة السوط عادة تكون عقوبة تأديبية أما عقوبة الغضب فقد تهلك من وجبت عليه، قال تعالى : (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ)[الفتح – 6]، فنتيجة غضب الله عز وجل هي الطرد من رحمته وعذاب جهنم، فينبغي على المؤمن التعرض والتوسل إلى الله عز وجل بأن يلطف به ولا يجعله في دائرة الغضب الآلهي، ويبعده بمنه ورحمته.
فالخلاصة:
أن الإنسان في حالة معركة دائمة في نفسه بين الطاعة والمعصية، فلذا عليه أن يطلب من الله عز وجل أن لا يترك نصرته في قبال المعاصي والذنوب، وأن لا يكون أسير نفسه الإمارة بالسوء وشهواته. أن شهر رمضان المبارك هو ميزان لمعرفة قوة الإيمان والطاعة لدى الإنسان، وأن نفسه إلى أي صوب تميل. أن للطاعة مساعدات وآثار كما هي كذلك في المعصية. أن العقوبة على قسمين: تأديبية وأخرى غضبية، والأخيرة هي الخسران المبين.
(يا مُنتَهى رَغْبَةِ الرّاغِبينَ)
إبراهيم السنجري
مؤسسة الإمام الحسين عليه السلام للإعلام الرقمي
اترك تعليق