أ.م. اسعد فاضل منديل
تعتبر رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) من أهم الوثائق القانونية الحية التي تضمنت قواعد أخلاقية واجتماعية وقانونية مهمة ساعدت الانسان في تنظيم حياته العامة بمختلف الجوانب الدينية والدنيوية , وقد اسست هذه الرسالة مناهج ونظم جديدة في اصدار القوانين وأحكام التشريع مع امكانية تعديلها تبعا لتغير وتطور الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها المجتمعات البشرية. كما اشارت هذه الرسالة بصورة جلية الى سلطة القضاء وحقوق الخصوم وكيفية تنظيم العلاقة بين المدعي والمدعى عليه.
والمتمعن بدراسة هذه الرسالة يصل الى حقيقة واضحة مفادها ان الامام زين العابدين (عليه السلام) اراد بمضامين هذه الرسالة الدعوة الى اصلاح المجتمع الاسلامي من الظلم والفساد وانتهاك وتدمير لحرمات الله وحرمات رسول الله (صلى الله عليه واله)وأهل بيته الأطهار .ونعتقد من اهم مرتكزات هذا الاصلاح وأسسه هو تعزيز استقلال القضاء وتحقيق ضمانات ذلك الاستقلال لان القاضي بالمنظور الإسلامي والقانوني هو من يتولى الفصل بالمنازعات الناشئة بين الأشخاص ويحمي حقوق الإفراد الخاصة والعامة من انتهاكات السلطات الأخرى "التشريعية أو التنفيذية"فالقاضي اليوم يعتبر صمام أمان للمحافظة على حقوق وحريات الإفراد.
ونظرا لأهمية رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) فقد أصبحت محط اهتمام ودراسة الكثير من الفقهاء والعلماء والباحثين فقد ارتأينا ان نتناول في ثنايا هذا البحث المتواضع دراسة موضوع في غاية الأهمية وهو "حق الخصومة في فكر السجاد" دراسة قانونية مقارنة بالمضامين والمفاهيم القانونية التي تضمنتها رسالة الحقوق وذلك من خلال تقسيم البحث إلى ثلاث مطالب ندرس بالأول مبدأ استقلال القضاء وفق المنظور الإسلامي ونتناول بالثاني مبدأ استقلال القضاء وفق المنظور القانوني ونتعرض بالثالث إلى حقوق الخصوم في فكر السجاد وفق مضامين رسالة الحقوق وأخيرا اختتمنا البحث بخاتمة تضمنت اهم النتائج والمقترحات التي توصلنا اليها من خلال الدراسة والبحث.
المطلب الأول
مبدأ استقلال القضاء وفق المنظور الإسلامي
يعتبر القضاء بالإسلام ولاية جلية القدر وعظيمة الشأن دل على تشريفه وتعظيمه ما ورد في القران الكريم وفي السنة النبوية وإجماع المسلمين, وكان القاضي بالإسلام يتمتع باستقلاله عن السلطة التنفيذية وعن كل الأمور التي تمس هذا الاستقلال سواء من السلطان او ذو النفوذ او الأقرباء[1]. واول من تولى القضاء بالإسلام هو الرسول محمد (ص) والخلفاء الراشدين من بعده الا أنه بعد أتساع الدولة الإسلامية وترامي أطرافها أصبح الخليفة هو الذي يعين القاضي بعد التأكد من كفاءته وصلاحيته للقضاء سواء اعتمد في ذلك على علمه الشخصي ام عن طريق اهل العلم.[2] وقد سجل تاريخ الدولة الإسلامية أنصح الصفحات المليئة بالوقائع الدالة على استواء الحاكم بالرعية في الخضوع لكلمة الحق والقضاء وخير دليل على ذلك هو الواقعة التي ذكر فيها أن امرأه من أشراف قريش من بني مخزوم قد سرقت فضاقت قريش من تصرفها هذا وأرسلت اسامة بن زيد الى الرسول محمد (ص) ليتوسط لها فقال الرسول (ص) لأسامة أتشفع في حد من حدود الله ثم قام في الناس خطيباً وقال (انما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )[3]. ويعتبر الامام علي (عليه السلام) هو اول من اسس للمظالم ديوان حيث من اقواله المأثورة (لن نقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي)[4].
ورد المظالم هو نظام رقابي اسلامي يقوم على اساس انصاف المتظلمين من سطوة العمال والولاة فهو (قود المتظلمين الى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة)[5].
وديوان المظالم قضاء متخصص بالمنازعات التي تثور بين الافراد والادارة وظهر اول مرة مندمج مع القضاء في عصر الرسول محمد(صلى الله عليه واله) والخلفاء الراشدين الثلاثة من بعده الى انها انفصلت عنه في مجلس خاص في عهد الامام علي (عليه السلام) وبعده استقرت وتطورت لتشمل الاشراف على الاوقاف العامة الخيرية كالمساجد والأوقاف التي أسست لمصلحة الفقراء ورد الأموال المنقولة والعقارية المغتصبة من الحكام الى ملاكها الشرعيين ومراقبة المكلفين بجباية ايرادات الدولة الاسلامية .
وقد ترجمت هذه الدواوين مبادئ الشريعة السمحاء الى الواقع العملي والتي ذمت الظلم وكررت الوعيد فيه وحثت على العدل . حيث يروئ ان الامام علي ابن ابي طالب (عليه السلام) قد ضاع سيفه ورآه مع يهودي من يهود المدينة الذي ادعى بملكية السيف فقاضاه الامام وبما انه لم يتمكن من أقامة البينة حكم القاضي بالسيف الى اليهودي فعجب الأخير بما حدث وكيف وقف هو والخليفة على قدم المساواة امام القضاء الذي لم يأبه بإدعاء الخليفة دون بينة فأعترف ان السيف للأمام ودخل الاسلام [6].
ولعل زبدة القول أن الشريعة الاسلامية نظمت أحكام القضاء بقسيمة العادي والاداري تنظيم قانوني حصيف ضمن حياد القاضي واستقلاله عن الحاكم والرعية فكانت احكام القضاء الاسلامي في غاية العدالة والإنصاف والدليل على ذلك ان الدولة الاسلامية في تلك الفترة شهدت تطور كبير واتساع لرقعتها الجغرافية بحيث عمت ارجاء المعمورة.
المطلب الثاني
مبدأ استقلال القضاء وفق المنظور القانوني
يقصد بالنظام القضائي هو ذلك النظام الذي يختص بسلطة الفصل بالمنازعات التي تثار بين الأفراد أو بين الأفراد و الدولة بحكم نوعين من التصرفات الأول حينما تتصرف بصفتها صاحبة السيادة والسلطان والنوع الثاني حينما تتصرف بصفتها شخصاً عادي,وقد أناط الدستور العراقي لسنة 2005 بالسلطة القضائية مهمة الفصل في المنازعات بين الأشخاص وبسلطة أقامة وتحريك دعوى الحق العام والفصل في هذه الدعوى وتنفيذ الاحكام المدنية والجزائية[7].
ومن الشائع بالفقه القانوني ان وظيفة القاضي هي حماية الحقوق وليس إنشاؤها وأن الاصل في الحكم القضائي ان يكون كاشفاً للحقوق غير منشئ لها.في حين بالواقع ان وظيفة القاضي هي أقامة العدل في نزاع بين طرفين بحيث يقوم القاضي بتوزيع العدل بين المتخاصمين لا بحسب مفهومه الشخصي لفكرة العدل بل بحسب ما حدده القانون لهذه الفكرة من تطبيقات مختلفة تتمثل في الحقوق والالتزامات التي منحها للأفراد أو فرضها عليهم[8] والنظام القضائي في المجتمعات الحديثة اليوم يتأثر بالأنظمة السياسية التي خضع لها.فتعدد الجهات القضائية والقوانين المتعلقة بالتنظيم القضائي بصورة عامة ادى الى اختلاف المبادئ والأسس العامة التي يستند عليها التنظيم القضائي في الدول الحديثة بما يضمن وظيفة القضاة التي تنظم حسن قيام القضاة بوظيفتهم دون ان يتأثروا بالظروف والملابسات التي قد تثير الشك لدى الخصوم في انحياز القاضي لصالح احد المتنازعين[9].
وكان القاضي العراقي مرجعاً لحسم جميع المنازعات المدنية والتجارية والشرعية والإدارية الا أن بعد الاحتلال البريطاني أصدرت سلطة الاحتلال بيان المحاكم لسنة 1917 اعادت فيه تأسيس المحاكم الشرعية. وجعلت وظائفها ابتداء مقتصرة على قضايا الاحوال الشخصية المتعلقة باهل السنة من المسلمين. أما الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية للجعفرية من المسلمين كانت تدخل ضمن اختصاص المحاكم المدنية وقضائها بموجب المواد (16-17) من بيان تأسيس المحاكم لسنة 1917 والمادة (18) من نظام المحاكم رقم (4) لسنة 1918 وذلك بان تحيلها الى عالم روحاني وعلى الاخير ان يتخذ قرارا على ضوء الاحكام الشرعية الخاصة بالطائفة التي ينتمي اليها وعلى العرف الجاري حينها وفق الحادثة[10].
وعينت الحكومة فيما بعد نوابا جعفريين يمارسون هذه المهمة وينظرون في قضاياهم الشخصية الا أن الحكم الصادر يجب لاكتسابه صفة التنفيذ ان يصادق من قبل الحاكم المدني التابعين له . ويكون هذا الحكم الأخير قابلاً للتمييز لدى محكمة التمييز . واستمر العمل على هذه الطريقة حتى سنة 1923 حيث شرع قانون المحاكم الشرعية والذي اجاز تولي القضاء الشرعي من قاضي سني او جعفري كما جعل مكتب التمييز الشرعي مؤلفاً من غرفتين سنية و جعفرية[11]
وباستقلال القضاء الشرعي عام 1923 عن القضاء المدني اصبح النظام القضائي في العراق هو نظام القضاء المتخصص أي لكل قضاء اختصاصه الاصيل من الدعاوي القضائية ولكن بقي النظام القضائي العراقي ضمن انظمة القضاء الموحد الذي تختص فيه المحاكم القضائية العادية بنظر المنازعات العادية والادارية على حد سواء وبنفس القواعد والاجراءات وكان المتولي لإدارة القضاء العادي مجلس تنفيذي يسمى بمجلس العدل يترأسه وزير العدل والذي يتولى ادارة وتنظيم شؤون القضاة والمحاكم القضائية وهذا يعني ان من يتولى ادارة شؤون القضاء العادي هو احد اعضاء السلطة التنفيذية مما يدل بوضوح لاشك فيه ان تبعية القضاء بصورة غير مباشرة تكون للسلطة التنفيذية.
ولكن بعد عام 1989 تحول النظام القضاء العراقي من نظام القضاء الموحد الى نظام القضاء المزدوج حيث انشئ الى جانب القضاء العادي قضاءً ادارياً من خلال تأسيس محكمة القضاء الاداري بموجب قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة رقم 106 لسنة 1989 والتي الحقت بمجلس شورى الدولة المشكل بموجب القانون رقم 65 لسنة 1979 وتبعية المجلس الاخير لوزارة العدل. وهذا يعني ان القضاء الاداري بالعراق ولد محيض الجناح لا يستطيع التحليق عالياً في اجواء العادلة لكونه ولد مكبلاً ولازال بقيود عدم الاستقلال والتبعية الى السلطة التنفيذية وبالذات وزارة العدل.
والسلطة القضائية في البلد لم تكن قبل عام 2003 تتمتع بالاستقلال التام حيث كانت جهاز تابع للسلطة التنفيذية أي تابع الى وزارة العدل في ظل دستور 16 تموز لعام 1970 الملغي .الا انه بصدور قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية في 8/4/2004 حدثت نقله نوعية على صعيد استقلال القضاء حيث انتشلته من تبعية السلطة التنفيذية بتحويله سلطة مستقلة قائمة بذاتها تقف في مصاف السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال اعادة العمل بمجلس القضاء الاعلى فضلاً عن تأسيس المحكمة الاتحادية العليا[12].
اضافة الى ذلك ولغرض تعزيز مبدأ استقلال القضاء العراقي فقد نص المشرع في قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 على بعض الجرائم المخلة بسير العدالة بالمادتين (233) و (234) وفرض عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنة واحدة وبالغرامة المالية او بإحدى هاتين العقوبتين على كل موظف او مكلف بخدمة عامة توسط لدى قاضي او محكمة لصالح احد الخصوم او اضراراً به كما يعاقب القاضي الذي يقبل هذا التأثير واصدر حكمه بمقتضى ذلك بعقوبة الحبس والغرامة او بإحدى هاتين العقوبتين.
ولعل زبدة ما تقدم يتضح ان القضاء العادي نال استقلاله القانوني بعد عام 2005 واصبح سلطة ثالثة توازي السلطتين التشريعية والتنفيذية حيث وفر الدستور العراقي والتشريعات النافذة الضمانات الدستورية والقانونية لهذا الاستقلال الا انها لم تكن كافية وبحاجة الى المزيد لنضمن الاستقلال الحقيقي للقضاء العراقي.
اما القضاء الاداري منذ تأسيسه عام 1989 والى الوقت الحاضر ما يزال تابع للسلطة التنفيذية ولم ينل استقلاله القانوني الكامل على الرغم من نص المشرع العراقي بالدستور النافذ على تشكيل مجلس الدولة الذي ينبغي ان يتبع له القضاء الاداري لتنتهي تبعيته لوزارة العدل الا ان هذا المجلس لم ير النور لحد الان على الرغم من مرور اثنى عشر عاماً على نفاذ نصوص الدستور العراقي.
المطلب الثالث
حقوق الخصوم وفق مضامين رسالة الحقوق
الواضح ان مسلك اهل البيت (عليهم السلام) والطريقة التي كانوا يتعاملون بها مع شرائح المجتمع المختلفة كانت على اساس ايمان واخلاص وانسانية ذلك المجتمع وليس على اساس معايير واعتبارات اخرى مثل كثرة المال او علو المنصب والمقام او قوة القبيلة والعشيرة[13] وكثيراً ماتحدث امير المؤمنين عن الطبقة السفلى او الفقيرة وهذه الطبقة تشكل القسم الاكبر من المجتمع في كل زمان ومكان ولهذا جعل كل تلك الطبقات لحماية ومساعدة هذه الطبقة حتى تنهض مماهي فيه وتنعم بالعادلة والاجتماعية والسياسية والثقافية. وكما معلوم ان الخصومة هي امر غير مرغوب فيه لذاته لانها تبعث الحقد وتشجع البغضاء لذا فقد ذمها الشارع المقدس في محكم كتابة العزيز بقوله (ولاتنازعوا فتفشلوا)[14]وروي عن الامام علي (عليه السلام) انه كان يكره الخصومة وكان يوكل اخيه وكيلاً فيها[15]([16]) وبالوقت الحاضر اصبحت المنازعات كثيرة ومعقدة بحث اختلف الاشخاص عما كانوا عليه من حسن النية اذ اصبحوا مبدعين في استخدام الحيل والمماطلة في طمس الحقائق بدلاً من الاقرار والاعتراف بما هو حق وعادل . لذا سوف نحاول في هذا المبحث التطرق الى التنظيم القضائي وبيان حقوق الخصوم التي اشار اليها الامام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة من خلال تقسيم هذا المطلب الى قسمين :
القسم الاول : حقوق المدعي على المدعى عليه:
المدعي هو كل شخص يدعي بحق ، اما في الاصطلاح الفقهي يقصد بالمدعي هو الخصم الذي يبدأ اولاً في اجراءات اقامة الدعوى القضائية[17]. وهو صاحب الحق او المركز القانوني المعتدى عليه[18] ، ولان المدعي هو صاحب الحق المدعى به لذا فان هذه الصفة تكون مطلوبة في حتى تقبل منه الخصومة . وقد شدد الامام السجاد (عليه السلام) على ضرورة ان يحترم الخصم المدعى عليه حقوق خصمه المدعي باعتبار ان الخصوم غالباً ما يتجاهلون هذه الحقوق على الرغم مما تمتاز به من المزايا الحسنة التي تتفق مع مبادئ الشريعة الاسلامية الغراء [19] ، ويفرق الامام السجاد (ع) في حقوق المدعي بين حالتين حالة كونه محقاً في دعواه من عدمه وكما يلي:
اولاً:- المدعي محق بدعواه ضد المدعى عليه: في هذه الحالة يجب على المدعى عليه الاقرار بحقوق المدعي وان يشهد بها على نفسه وان انكر المدعى عليه ذلك يعد انكاره قرينه على قلة المروءة والانصاف وفساد الاخلاق فيخسر نفسه في الحياة الدنيا لعدم اطمئنان الناس اليه علاوة على العقاب الاخروي من جبار السماوات والارض لغصبه حق الغير دون وجه حق[20].
ثانياً:- المدعي كاذب بدعواه ضد المدعى عليه:في هذه الحالة يكون المدعي ناكراً للواقع وحقيقة الامر وعلى المدعى عليه ان يلتزم بالواجبات الاتية:-
ان يرئف المدعى عليه بالمدعي ويكون ذلك بالرفق به وعدم استخدام العنف بالكلام معه لان الخصم في بعض الاحيان قد يكون مظلوماً في دعوى معينة الا انه يتصرف مع خصمه بطريقة تجعله ظالم فالشريعة الاسلامية تقر للإنسان بكرامته وحرمته ولا يجوز استخدام العنف ضده بل يجب على المدعى عليه ان يذكر المدعي بالله العظيم وان استخدام الرفق والرحمة مع المدعي الكاذب قد يؤدي الى مراجعة نفسه في الغالب ويقر بحق المدعى عليه فتسود المحبة والمودة والرحمة بين اطراف الدعوى بدلاً من الحقد وكراهية كل منهما للأخر. عدم مقابلة المدعى عليه للمدعي بالمثل:- على المدعى عليه الا يعامل المدعي بالمثل أي لا يواجهه بالباطل والفحشاء لان هذا يعتبر تعدياً من المدعى عليه وهذا قد يؤدي الى تأزم الخصومة بين الطرفين بل يجب على المدعى عليه ان يكون متزناً وان يحكم عقله ويلتزم بالرحمة والسماحة التي اقرتها مبادئ الشريعة الاسلامية[21] .القسم الثاني : حق الخصم المدعى عليه على المدعي:-
المدعى عليه هو الخصم الذي تقام عليه الدعوى القضائية ابتداءً والذي يحق له ان يدفعه بالدفوع او الدعوى المتقابلة. وباعتبار الخصومة بالشريعة الاسلامية تعد من الامور غير المرغوب فيها ، فقد بين الامام السجاد (عليه السلام) واجبات مهمة يجب على المدعي القيام بها ، وفرق في هذا الشأن بين المدعي صاحب الحق في دعواه والمدعي الكاذب الذي ليس له الحق باتجاه المدعى عليه [22] وكالاتي :-
اولاً:- المدعي المحق بدعواه تجاه المدعي عليه:- اذا كان المدعي محق بدعواه فهنالك واجبات تقع عليه وهي:-
على المدعي اختصار دعوته والغاء الزيادة والتفصيل فيها أي يتجنب الاطالة بالجدل الفارغ انما عليه ان يجمل مقاولته حسب تعبير الامام (عليه السلام) والمجاملة تعني الاعتدال وعد التفريط في الطلب والمقاولة تعني المحاكمة. معاملة المدعى عليه بالرأفة والرحمة كلما استطاع ذلك لان الخصومة ستكون تحت رعاية الباري عز وجل ومحفوفة بكرمه.ثانياً:- المدعي كاذباً في دعواه :- في هذه الحالة يجب على المدعي ان يتوب الى الله ويترك المطالبة ويحاسب نفسه لأنه حتى لو كسب هذه الدعوى فانه لا يكون قوياً بهذا الادعاء بل يكون صغيراً اتجاه نفسه وامام الغير. هذا وان الامام السجاد (عليه السلام) لم يتطرق لحقوق ذوي الدعوى الباطلة لان هؤلاء لا حقوق لهم باعتبار تعمده للدعوى الباطلة وظلمه للمدعى عليه لا يتلائم مع اداء حقوقه في اظهار الحق ودحض الباطل[23]
خلاصة ما تقدم:
يتضح ان الامام السجاد (عليه السلام) نظم في رسالة الحقوق العلاقة بين المدعي والمدعى عليه وحدد حقوق كل منهما وبين ان الخصومة بذاتها امر غير مرغوب فيه بالشريعة الاسلامية لأنها تورث الحقد والبغضاء.
الخاتمة:-
حري بنا بعد ان وصلنا الى نهاية هذا البحث المتواضع الذي سلطنا فيه الضوء على جانب مهم من جوانب عملية الاصلاح وهو اثر استقلال القضاء في عملية الاصلاح ان نشير الى جملة من النتائج التي توصلنا اليها من خلال الدراسة معززة بالتوصيات اللازمة للمعالجة مستقبلا من قبل المشرع العراقي.
اولا:النتائج:-
من اهم النتائج التي توصلنا اليها في ثنايا البحث هي:
ان الشريعة الاسلامية الغراء عرفت مبدا استقلال القضاء عن بقية السلطات الاخرى وبرزت فكرة تقيد القضاة المسلمون بأحكام الشريعة الغراء من خلال ما صرحت به الآيات الكريمة في عدة موارد كما في قوله تعالى (.....وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) وقوله تعالى (ومن لم يحكم بما انل الله فأولئك هم الظالمون). عرفت الشريعة الاسلامية منذ وقت مبكر القضاء الاداري المتخصص بالمنازعات الادارية وذلك من خلال تأسيس ديوان المظالم وهو قضاء متخصص بالمنازعات التي تثور بين الافراد والإدارة. ان مضامين رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) تعد دعوة حقيقية الى اصلاح المجتمع الانساني بصورة عامة والمجتمع الاسلامي بصورة خاصة من كل مظاهر الظلم والفساد والعبث بالحقوق العامة والخاصة. حرص الدستور والتشريعات العراقية النافذة على اقرار الضمانات القانونية التي تكفل حقوق الخصوم في الدعوى القضائية إلا إن هذه الضمانات لوحدها غير كافية لضمان حق الخصومة. ان للقضاء المستقل اثر كبير ودور فعال في حماية حق الخصومة لان الحامي للحقوق الافراد والحارس على تطبيق نصوص الدستور والمراقب حسن تنفيذ القوانين وملائمتها للدستور وهذا يعني انه لايمكن القيام بإصلاح حقيقي بدون قضاء مستقل استقلالا حقيقيا.ثانيا:المقترحات:
نقترح على المشرع العراقي تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بما يضمن حقوق المتهم في مرحلة التحقيق القضائي والمحاكمة القضائية. نقترح على اللجنة القانونية في مجلس النواب بالتعاون مع مجلس القضاء الاعلى اعداد مشروع قانون لاستحداث معهد القضاء الاداري اسوة بمعهد القضاء العالي يختص هذا المعهد بتدريب وتأهيل القضاة الاداريين لغرض زجهم بمحاكم القضاء الاداري نقترح على المشرع العراقي تفعيل ماجاء بالمادة (101)من الدستور النافذ وتشكيل مجلس الدولة المستقل ليتولى مهمة القضاء الاداري بعيدا عن تبعية وزارة العدل وتعديل قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979 المعدل بالقانون رقم 106 لسنة 1989 وفك ارتباط محكمة القضاء الاداري من مجلس شورى الدولة والحاقها بمجلس الدولة المستقل. نقترح تدريس مضامين ومبادئ رسالة الحقوق للأمام السجاد في كليات القانون والحقوق في البلد لكي نضمن تطبيق مبادئ وضمانات حقوق الخصوم في المستقبل.الهوامش
[1]أنظر:- د. عباس العبودي -شرح احكام المرافعات المدنية - ط1 ــ مكتبة المنصوري ــ بغداد - ص 50
[2]أنظر:- د. اياد عبد الجبار الملوكي – قانون المرافعات المدنية – مكتبة القانون – بغداد - 2007
[3]د. غازي فيصل مهدي- محاضرات بعنوان (مبدأ المشروعية) في مادة القضاء الاداري – القيت على طلبة كلية الحقوق- جامعة النهرين المرحلة الثالثة للعام الدراسي (2002-2003) غير مطبوعة
[4]د. حسن ابراهيم وعلي ابراهيم حسن – النظم الاسلامية – ط1 – مكتبة النهضة الاسلامية – 1999 – ص 353
[5]د. غازي فيصل ود. عدنان عاجل – القضاء الاداري – ط2 – مؤسسة النبراس، النجف ، 2013 – ص 117.
[6]أنظر:- د. عدنان عاجل عبيد – اثر استقلال القضاء عن الحكومة في دولة القانون – ط1 – مؤسسة النبراس – النجف الاشرف – 2008 – ص 41
[7]أنظر: حازم محمد الشرعة-التقاضي الالكتروني والمحاكم الالكترونية-ط1-دار الثقافة للنشر والتوزيع –عمان-2010-ص17
[8]أنظر: د. سمير تناغو- الالتزام القضائي-ط1-مكتبة الوفاء القانونية-الاسكندرية – 2014-ص9 .
[9]أنظر:عباس العبودي-مصدر سابق- ص41.
[10]أنظر: عبد الرحمن العلام-شرح قانون المرافعات المدنية-ج1-ط1-العائلي لصناعة الكتاب-القاهرة-2009-ص401
[11]انظر عبد الرحمن العلام – مصدر سابق – ص401.
[12]انظر : د. عدنان عاجل عبيد – القانون الدستوري – مؤسسة النبراس للطباعة والتوزيع - النجف الاشرف – 2010 – ص 274
[13]انظر : فايز علي شكر – الرعية في عهد الإمام علي (ع) لمالك الاشتر – مقال منشور على الموقع الالكتروني www.haydarya.com
[14]انظر: سورة الأنفال الاية رقم (46)
[15]انظر : الإمام ابو بكر البيهيقي – السنن الكبرى – ط1 – ج6 – بيروت – بلا سنة طبع – ص 81.
[17] انظر : عبد الرحمن العلام ، مصدر سابق ، ج1 ، ص 53 .
[18] د. عباس العبودي ، مصدر سابق ، ص 230 .
[19] انظر : د. عباس العبودي ، تأملات قانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، بحث منشور في مجلة رسالة الحقوق العلمية ، المجلد الاول ، العدد الاول ، 2009 ، ص 12 .
[20]انظر : د. عباس العبودي ، تأملات قانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، مصدر سابق ، ص 12
[21]انظر : د. عباس العبودي ، تأملات قانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، مصدر سابق ، ص 13
[22] انظر : د. عباس العبودي ، تأملات قانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، مصدر سابق ، ص 13
[23]انظر : د. عباس العبودي ، تأملات قانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، مصدر سابق ، ص 14
المصادر المتبعة بالبحث
اولاً/ القران الكريم.
ثانياً/ الكتب القانونية:-
عباس العبودي -شرح احكام المرافعات المدنية - ط1 ــ مكتبة المنصوري ــ بغداد . اياد عبد الجبار الملوكي – قانون المرافعات المدنية – مكتبة القانون – بغداد - 2007 حسن ابراهيم وعلي ابراهيم حسن – النظم الاسلامية – ط1 – مكتبة النهضة الاسلامية – 1999 . غازي فيصل ود. عدنان عاجل – القضاء الاداري – ط2 – مؤسسة النبراس ، النجف ، 2013 . عدنان عاجل عبيد – اثر استقلال القضاء عن الحكومة في دولة القانون – ط1 – مؤسسة النبراس – النجف الاشرف – 2008 . حازم محمد الشرعة-التقاضي الالكتروني والمحاكم الالكترونية-ط1-دار الثقافة للنشر والتوزيع –عمان-2010. أنظر: د. سمير تناغو- الالتزام القضائي- ط1- مكتبة الوفاء القانونية - الاسكندرية – 2014 . أنظر: عبد الرحمن العلام-شرح قانون المرافعات المدنية-ج1-ط1-العائلي لصناعة الكتاب-القاهرة-2009. عدنان عاجل عبيد – القانون الدستوري – مؤسسة النبراس للطباعة والتوزيع - النجف الاشرف – 2010 . الامام ابو بكر البيهيقي – السنن الكبرى – ط1 – ج6 – بيروت – بلا سنة طبع .ثالثاً/ البحوث والدراسات:-
عباس العبودي ، تأملات قانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) ، بحث منشور في مجلة رسالة الحقوق العلمية ، المجلد الاول ، العدد الاول ، 2009. غازي فيصل مهدي- محاضرات بعنوان (مبدأ المشروعية) في مادة القضاء الاداري – القيت على طلبة كلية الحقوق- جامعة النهرين المرحلة الثالثة للعام الدراسي (2002-2003) غير مطبوعةرابعاً/ مواقع الالكترونية:-
فايز علي شكر – الرعيه في عهد الامام علي (ع) لمالك الاشتر – مقال منشور على الموقع الالكتروني www.haydarya.com
Conclusion:-
The principle of the independence of the judiciary is one of the important legal principles on which the legal state is based, since the independent judiciary plays an effective role in the protection of rights and freedoms and contributes significantly to the reform of government institutions and prevents them from deviating from their objectives. The Islamic Shari'a has ensured the principle of the independence of the judiciary and confirmed its organization Imam Al-Sajjad in the letter of rights which expressed in its contents following the independence of the judiciary in the reform process.
اترك تعليق