تقنية الرسم المائي..

عُرف الرسم والتلوين منذ أن خط إنسان العصور الحجرية رسومه البدائية على جدران الكهوف بالألوان.. حيث اكتشف الصبغات والمساحيق البسيطة المتكونة من عناصر الطبيعة المحيطة به، فمزجها بمواد اخرى مثل شحوم الحيوانات والماء بغية  تحويلها من طبيعتها الجافة إلى طبيعة سائلة سهلة الاستخدام في تدوين بعض من تفاصيل حياته اليومية من فرح وسعادة وخوف وامان.. ومنها اكتسبت تلك الالوان قوامها فأما ان تكون الوان مائية القوام او الوان زيتية .

تطور استخدام الالوان بتطور الفكر الانساني حتى اصبح لها حضورها الخاص في حياة الانسان واصبحت تحمل مداليل مختلفة باختلاف استخدامها ومكان وجودها.. فبعد العصور البدائية للإنسان ، استخدم المصريون القدماء الألوان بأنواعها في تلوين الرسوم على مقابرهم وعلى أوراق البردي، وانتشرت منه الى فنون الغرب والشرق القديم وكان تركيز الالوان في رسومهم على الالوان المائية القوام حتى وصلوا بها الى مراحل عالية من الإبهار الفني والتقني.

تتركب الألوان المائية من صبغة ملونة ممتزجة بالصمغ العربي عادة.. ويكون وسيطها الماء أثناء تركيبها او عند استعمالها على السطوح، وفي هذه الحالة تكون الصبغة ذات طبيعة شفافة رائعة ، أما إذا امتزجت ببعض المواد المعتمة فإنها تفقد الجزء الاكبر من شفافيتها، والألوان المائية أبسط كثيراً فى تركيبها وصناعتها من الحبر وإن كان الحبر هو الأكثر استعمالا في فنون الرسم منذ القدم خاصة لو تتبعنا الرسوم التحضيرية العديدة لعباقرة الفنون التشكيلية.. ويعمل بها من خلال عدة تقنيات كلها تتطلب قدراً عاليا من الاحتراف والخبرة مع مهارة وحساسية من قبل الفنان وغالبا ما تأتي النتائج موحية بالرقة والشفافية .

وعلى مر العصور اللاحقة للعصور البدائية في الفن  تواجدت العديد من الأعمال الفنية المنفذة بتلك المادة، منها العصور الوسطى الأوربية مروراً بعصر النهضة وما تلاه والتي شهدت رواجاً في استخدامها.. حتى حل القرن الثامن عشر الميلادي على دول أوربا ومعه تطور كبير في استخدام الألوان المائية حيث أفرد لها مساحة أكبر من الخصوصية والأهمية وتلاه في ذلك القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا مع استمرار التطور الكبير في مجال صناعة الورق والألوان.

لقد عرف التصوير المائي بالمفهوم الحديث منذ عام1400م وقد استعمل اول الامر في المانيا على يد احد المصورين ومن ثم  استعمل الرسامون الهولنديون التصوير المائي في حوالي عام 1600م وفي منتصف القرن الثامن عشر استعمله المصورون الانكليز في تصوير بعض النماذج الفنبة المميزة.

اما استخدام هذه التقنية في الشرق فقد شاع استخدامها بتنفيذ الاعمال الفنية على اسطح متنوعة مثل سطوح العاج والجلد الرقيق الذي كان يرسم او يكتب عليه ،فضلاً عن الحرير والزجاج وغيرها التي تحضر لذلك من (الجبس )او الواح الخشب المحضرة بطبقة من الابيض المصنوع من زلال البيض ليغطي السطح والمسام ويجعل منه مادة تصلح لرسم الالوان المائية ،كما هو الحال حالياً في معالجة الاسطح التي يراد الرسم فوقها بالألوان المائية.. وذلك بدهن السطح بشمع البيض مادته الاساسية مأخوذة من زلال البيض مع استخدام مادة الكليسرين لتأخير وقت جفاف الالوان حين وضعه بكمية بسيطة في الماء اللازم للتصوير وخاصة في اللوحات الكبيرة.. لتبقى الى زمن طويل طرية ورطبة.. اما اضافة الكحول النقي للماء فأنه يقلل من زمن جفاف اللوحة،  ويمكن ايضاً الرسم بهذه الالوان على الزجاج بعد ان تمزج بمادتي الكليسرين والصمغ العربي .

 و قد استخدم الورق بأفضل انواعه وخصوصاً المضغوط منه ضغطا جيدا كي لا يتشرب بالماء، والذي يتنوع ايضا حسب ملمس السطح فقد يكون ناعما وقد يكون خشنا محببا وذلك حسب احساس الفنان وطريقة التعبير والاسلوب الذي يتماشى مع رسمته.. فالورق الناعم للأعمال الدقيقة اما الخشن للأعمال التي تتطلب لمسات سريعة وكبيرة وتأثير القاء الحركة اما المتوسط الخشونة فيصلح عادة للمناظر الطبيعية ليظهر عمق الفراغ .

ان الالوان المائية من الناحية الفنية او التقنية تعطي بسرعة تلك التأثيرات الزاهية الناضجة الخيالية، ولها حيوية تأثيرية سريعة ومعظم مصوري الالوان المائية  يوضحون اعمالهم بالتعبير الفني التلقائي بدوناللجوء الى اي خدع فنية، وذلك بالإيحاء التأثيري من الرؤيا السريعة من الطبيعة .

 

*اللوحة من ابداع الفنان العراقي الرائد عبد القادر الرسام وهي مرسومة بتقنية الالوان المائية على الورق .. موضحاً فيها مقطعاً من ضفاف نهر دجلة في بغداد .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات