الحرب النفسية ضد النبي الاكرم "صلى الله عليه واله" التحريض والاشاعات انموذجا

احتل سلاح الحرب النفسي  مكانة الصدارة بين أسلحة الحروب المستخدمة آنذاك كونه يستهدف معنويات، وقد عمل أعداء الإسلام من قريش والمنافقين واليهود، على استخدامها خلال تصديهم للنبي الاكرم "صلى الله عليه واله" ومحاولة التأثير سلبًا على أتباعه ولقد تبنوا الحرب النفسية والتي هدفت الى المس المباشر بالروح المعنوية للنبي الاكرم "صلى الله عليه واله"، والمس بدائرته الشخصية بصورة خاصة لإشغاله بنفسه، وصولًا إلى المس بالدائرة التنظيمية للمسلمين بصورة عامة، واستعانوا بالحرب النفسية التكتيكية كما استخدموا الاشاعة.

 أذ عمدت قريش على تصعيد حربها ضد النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله"، حيث استخدمت كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، فاستعانت بالحرب النفسية مستهدفة بها النبي الاكرم ، في محاولة منها تشويه صورته والطعن في شخصيته، ومن هذه المحاولات ما فعله الوليد بن المغيرة عندما أشار على قريش أن تكون على رأي واحد لمواجهة القبائل أَثناء موسم الحج فبعد اختلافهم وعجزهم على تشخيص حالة النبي الاكرم؛ حيث انهم جميعاً اتفقوا على أَن يقولوا إنه كذاب ومجنون وساحر يفرق بين المرء وأبيه وأخيه وزوجه، وبين المرء وعشيرته، فجعلوا يمرون على القبائل المنتشرة في جزيرة العربية يحذرونهم منه، ويقولون لهم إنه ساحر ومجنون وكذاب([1]) .

وقد تعرض النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" لحملة من التكذيب والاستهزاء في حرب نفسية قذرة قادها نفر من قادة قريش كان من أبرزهم الوليد بن المغيرة و ابو سفيان وابو جهل، وقد ذُكر أن نفرا من قريش تداول تسفيه النبي محمد لأحلامهم، وعاب دينهم، وتفريق جماعتهم، وسب آلهتهم، فبينما هم كذلك مر عليهم النبي الاكرم "صلى الله عليه واله" طائفًا بالبيت فغمزوه بالقول فظهر ذلك واضحًا في وجه النبي محمد([2]).

 يبدو ان استشعار الحالة الصعبة التي كانت تعيشها قريش، حيث انها وقفت عاجزة عن مقارعة الفكر بالفكر، واذ انها لم تستطع منع الناس من الدخول في الإسلام، مما استدعى من قادة قريش التوافق على القيام بحرب نفسية على النبي الاكرم، مما استدعى من قادة قريش التوافق على القيام بحرب نفسية على النبي الاكرم، واثارة الإشاعات والتشهير به، ولعل اتهام قادة قريش لرسول الله محمد "صلى الله عليه واله" بالسحر لتوصيف حالة لم يقدروا على فهمها؛ كان الهدف واضحاً من خلال ذلك هو التشكيك برسول الله في محاولة لنزع المصداقية عنه لتفرض على القبائل حذراً وضغوطاً بعدم الاستماع له([3]) .  من جهة أخرى يظهر حجم شراسة الحرب النفسية على رسول الاسلام من خلال لَمزه أثناء مروره بقريش وخلال طوافه بالكعبة، وذلك للضغط النفسي ولزعزعة ثقته بنفسه أمام الناس، يقول تعالى ﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾([4]) يبدو ان الله اراد ان يثبت قدم المسلمين في ظل هذه التصرفات والنظرات والهمز واللمز، حيث يعود منبعها الى شدة عدواتهم للإسلام. كما تعزز الآية ثقة المسلمين بأنفسهم وتبين لهم أن المراد من هذه الحرب إنما هو الحقد والحسد. 

كما عمدت قريش إلى ملاحقة النبي الاكرم أينما حل وذهبَ، ورافق هذه الملاحقات شن الحرب النفسية ضده، وعملوا على التشهير به واتهامه بالكذب والسحر، في محاولة من قريش لصد الناس عنه. ويبدو ان الحرب النفسية والإشاعات نجحت نوعًا ما في التأثير على بعض القبائل في عدم التعاطي بجدية مع دعوة النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله"، مما شكل عبئًا إضافيًا وتَطَلَّب جهدًا مضاعفًا للتصدي لهذه المحاولات([5]) .

وهناك ثمة مسألة جديرة بالمناقشة، وهي أن اتهام قريش لنبي الاكرم "صلى الله عليه واله" بالكذب كان الهدف من ذلك هو المس بشخصه الكريم، والطعن في مصداقيته، لتشكيك الناس به، وذلك لقطع الطريق عنه لمحادثة القبائل ولمنع الناس من الاستجابة له، ويمكن القول تفسيرا  لذلك أن قريشًا بقيت مستمرة في عنادها للحق مقتفية آثار الطغاة الظلمة من السابقين الأولين([6])، ويبدو مما تقدم خطورة خطة الحرب النفسية الاستراتيجية التي اعتمدتها قريش، وتمرير هذه الخطة كان يتصدر الحرب النفسية ضد رسول الله أقرب المقربين إليه حتى تُقنِّع المسلمين .

من الحروب النفسية التي عملت قريش على استغلالها هي حادثة الاسراء ، لما أخبر النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله" قريشاً أنه أسري به الليلة  إلى البيت المقدس فكذبته، ولم تصدقه، فعملت قريش على استغلال الحادثة للضغط النفسي على المسلمين واثارة الإشاعات، يمكن القول أن قريشًا تحاول استغلال كل حادثة للتعريض برسول الله "صلى الله عليه واله" وزعزعة الثقة بينه وبين المسلمين، فجاءت حادثة الاسراء إلى بيت المقدس لتسجل حالة فتنة عصيبة بحق المسلمين، وتمكنت قريش من استغلالها أسوأ استغلال من خلال المس بمصداقية  النبي الاكرم محمد؛ لأن حادثة الاسراء غير منطقية بأية مقاييس مادية في ذلك الزمان.

ويتضح مما سبق أن رسول الله "صلى الله عليه واله" قد تعرض هو وأهله والمسلمين لحرب نفسية رهيبة شنها مثلث الحقد الأسود من قبل قريش والمنافقين واليهود، في محاولة منهم للطعن بشخصه الكريم تمهيدًا لإبعاد الناس عنه وتنفيرهم من الإسلام.

جعفر رمضان عبد

 

([1] ) محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، السيرة النبوية ، تحقيق أحمد فريد المزيدي،(بيروت: دار الكتب العلمية، 2004)، ج2، ص131-132.

([2] ) محمد بن جرير الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،(بيروت: مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، د.ت(، ج1، ص548.

([3]) نهاد يوسف، الأمن العسكري في السنة النبوية، رسالة ماجستير،غزة: الجامعة الاسلامية، 2007 م، ص 25.

([4] ) سورة القلم : الآية 51.

([5] ) أبراهيم علي  محمد، الاستخبارات في دولة المدينة المنورة،) الرياض،1999)، ص59.

([6] ) فهمي النجار ، الحرب النفسية )أضواء إسلامية(،) دار الفضيلة ،2005)، ص87.

المرفقات