الخط الجميل يزيد الحق وضوحًاً..

الخط الجميل يزيد الحق وضوحًاً.. من هذه المقولة التي وردت عن لسان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام انطلق العرب نحو الاهتمام بالخط العربي واعطاءه الاولوية والعناية الخاصة عن باقي الفنون الاخرى وخصوصاً عند تدوينهم القران الكريم ..

لقد اكتسب الخط العربي الجمالية الخالصة من خلال صفة القدسية التي اتصف بها من خلال استخدامه لتدوين القران الكريم وتدوين  العلوم الاخرى، مما جعل الخطاط المسلم يسير وفق نهج التجويد والتحسين والذي بدوره يجسد مفهوم الإتقان وجماليته في الخط العربي كون ان الجمال يمثل المبدأ الأساس الذي يتحقق من خلاله الإتقان والإجادة وفيه كماله التام اللائق به .

كان الخطاطون الأوائل و المعاصرون يكرسون ويبذلون كل إمكانيتاهم الخطية وجهودهم في التمرين المتواصل لكتابة الحروف وتجويدها عن طريق الرقع الخطية التي تحمل أهمية كبيرة عند الخطاطين من الناحية الفنية و التدوينية.. وقد كانت من الابداعات المثيرة للدهشة في مجال الخط وبالخصوص حينما ظهر ما اصطلح تسميته بخط المشق والمتميز بمد الحروف والاشارة إلى ما يكتبه الخطاط لتلاميذه المتدربين بين يديه من أجل تبيان بداية تشكيل الحروف وزوايا مساقطها وبنائها، وقد جرت العادة أن يجرب التلاميذ كتابة المشق باستخدام خطوط الثلث والنسخ ومن خطوط اخرى كخط النستعليق اوالتعليق الجلي، وهذه الخطوط السهلة تعتبر مقدمة لممارسة أنواع أصعب من المشق باستخدام خطوط أخرى كالكوفي والديواني والمغربي وغيرها من الخطوط العربية الرائعة .

الرقعة الخطية اعلاه جاءت تجسيداً لجزء من مقولة للأمام علي عليه السلام في الخط العربي وقوامها ( الخط مخفي في تعليم الأستاذ وقوامه في كثرة المشق ودوامه على دين الاسلام ... )، فضلاً عن الصلاة على سيد الخلق وآله.. وقد نفذت المخطوطة بقلم ومداد الخطاط محمد شفيق في تركيا بمزيج من خطي الثلث والنسخ.

تندرج هذه المخطوطة بما يمكن ان يسمى بـالأنموذج الخطي حيث يستهدف الخطاط المتمرس انجاز رقعة لغرض الاحتذاء بها من قبل المتدربين على فن الخط العربي ومحاولة الاستفادة من قواعدها ومحاكاتها.. خاصة وان نصها قد جاء ليجسد هذا الهدف من جهة كثرة المشق والتمرين خاصة بعد استكمال التمرين على الألف باء في خطي الثلث والنسخ ومن الملاحظ ان هذه الرقعة أعدت لغرض الاطلاع والتجويد الخطي معا كبعد وظيفي للمخطوطة .

وقد اعتمد الخطاط الاتجاه المستوي لكتابة النص بخط النسخ.. وذلك لتحقيق الوضوح والمقروئية انسجاما مع غايتها الوظيفية الآنفة الذكر ،فضلا عن تحقيق الانسجام بين اتجاهي خطي الثلث والنسخ مما أضفى صفة جمالية للرقعة، ويعد هذا الخيار واحد من الخيارات المهمة لخط النسخ والأكثر اعتمادا لدى الخطاطين في الرقع الخطية .

اما التناسب بين مساحات النصوص فقد حققه الفنان بدقة متناهية، من خلال اعتماده التقسيم الثلاثي لكلا الخطين وحسب استيعاب المساحات للنص.. اذ خصصت المساحتان الاولى والثالثة وهما الأكبر استطالة لخط الثلث لكبر حروفه فيما خصصت المساحة الوسطية لكتابة خط النسخ، اما التناسب بين قياس قلمي النسخ والثلث فقد تحقق من خلال التزامه بالنسبة المفضلة والمقدرة (3:1) وغالبا ما تعتمد هذه النسبة في كتابة خطي النسخ والثلث.

وقد أظهرت هذه الرقعة الخطية المهارة الخطية التي  اشتهر بها الخطاط محمد شفيق  من خلال ضبطه ورسمه الحروف، فضلا عن حفاظه على انتظام الحروف والكلمات واستقرارها على السطر ولكلا الخطين مما أعطى التكوين الخطي بعده الانموذجي ، بالإضافة الى  التوازن التي اتسمت به المخطوطة من خلال التوزيع المتكافئ للمساحات الخطية و التوازن المتحقق من خلال اعتماد قياس قلمي الثلث والنسخ كل حسب نوعه.

اما خبرة الخطاط ودرايته في المعالجات اللونية لهذه الرقعة فقد اعتمد فيها على المداد الأسود لكتابة النصوص لتحقيق الوضوح ، فضلا عن استخدامه للألوان المتناغمة في رسم الزخارف الجانبية التي اقتضى استخدامها لصغر مساحة خط النسخ مما أسهم ذلك بإضفاء صفة جمالية واضحة للرقعة الخطية.. وقد تحقق بذلك توازن جمالي في تمام التكوين الخطي وبشكل مبهر للمتلقي او المتعلم .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات