ايقونة الحزن ..

يعد الفن الوسيلة الأكثر أهمية في التعبير عن أفكار و مشاعر الإنسان وتحديد موقفه إزاء العالم ومنذ الِقدَم.. فقد كان لتعدد اتجاهات الصراع الفكري أثراً بالغاً في تنوع أساليب التعبير لدى الفنانين، إذ ابتعد العمل الفني عن حدود الصورة المحاكاتية والتعبير عن سياقات الحقبة وسعى لمشاكسة تلك السياقات في محاولة لتأسيس أنساق جديدة تقابل السائد والمألوف من خلال أمكانية الصورة التخيلية على التعبير وتحفيز المتلقي وجدانياً واثراءه جماليا وتعمق وعيه بنفسه وخبرته بالواقع.. وهذا ما يتجلى بوضوح في تجربة الفنان رضا بدر السماء حين تعرضه في اغلب لوحاته الفنية الى تمثيل الروايات المختصة بنقل مظلومية اهل بيت النبوة سلام الله عليهم .

 

اللوحة من انجاز فنان المينياتور الاستاذ رضا بدر السماء، الذي شغف بالرسم و التصوير منذ صغره حتى التجأ للاحتراف فيما بعد.. وله العديد من المعارض الشخصية والعامة داخل و خارج بلاده  .

 

التكوين الفني اعلاه يدفع بالمشاهد نحو قراءة عناصره المجتمعة قراءة خاصة يتجه من خلالها الى التحليل والتعليل وغور أعماق بعيدة تختفي وراء تشكُّل بنية المركّب الفني السطحية وتشكِّل مرتكزات المضمون الاكثر اهمية، وهو أمر يرتبط ارتباطا وثيقاً بثقافة المتلقي بموضوعة العمل وادراك الرموز الداخلية الممثلة التي استخدمها الفنان وتجسيدها بهيئة صور مرئية معبرة ومؤثرة .

 

تأثر بدر السماء كما هو حال رواد الفن الفارسي الى حد الولع بأسلوب رسوم المنمنمات القديمة، فهو كغيره من مبدعي الرسوم المصغرة اكدوا بمواضيعهم التي تعتبر كنوع من التعبيرية في الرسم على المواضيع التاريخية والأدبية والعلمية.. والتي يعود الفضل فيها الى عكس صورة المجتمع الإسلامي وثقافته، بما يوحي بالكثير من القراءات ومن ضمنها الاحداث الدينية وطرز العمارة والخط والزخرفة وغيرها من المعالجات الفنية المتعارف عليها.

 

سعى الفنان جاهداً خلال مسيرته الفنية الى تصوير وتزويق المواضع والمناسبات الدينية بأسلوب والوان مميزة مستثمرا معطيات الموروث المتماهي مع خبراته ودربته الفنية المتأثرة بالأساليب الفنية الحديثة.. لينتج فنا تطوريا من المنمنمات الاسلامية الذي استخدم فيما سبق  كوسيلة مساعدة لإيضاح وفهم النصوص الادبية في الكتب، كما هي السير والمقامات كمقامات الحريري وبعض الكتب الطبية والشعرية .

 

اللوحة اعلاه ومجاوراتها من سلسلة لوحات مثل بها بدر السماء باب منزل النورين سلام الله عليهما قبل وبعد حرقها على يد المارقين.. وقد بادر الفنان في هذه المجموعة من اللوحات و كما هو متبع في فن المنمنمات الى ترجمة حيّة ومتحركة لهذا الحادث الجلل، وكان ذلك من خلال دقته المتناهية في رسم تفاصيل اللوحة فضلا عن ، اسلوبه المميز في استخدام الالوان التي نميزها من انسيابية الالوان وتمازجها فيما بينها بتدرجات مختلفة ومتناسقة في نفس الوقت، فقد استخدم مجموعة من الالوان الحارة والباردة واكد في رسمته على اللونين الازرق والاخضر وبدرجات متفاوتة كسمة للمقدس، وعلى اللون الاحمر لإبراز السنة اللهب التي اضرمت في الباب، مما جعل اللوحة تنطق بما فيها ليستحضر قارئها المتأمل لها يوم حرق باب فاطمة وما كان فيه من احداث واوامر الهية.. بدءاً من حرق الباب الى كسر ضلع بنت رسول الله .

 

ان الفنان في هذه اللوحة ومثيلاتها وعبر معالجاته البنائية ذات المنحى التعبيري الرمزي، إنما يستدرج المشاهد المتأمل لها لتأكيد مبدأ حرية التعبير المباشر عن الحالة الذاتية بواسطة الألوان والأشكال المتناثرة بدراية على سطح اللوحة على شكل مجاميع دائرية.. مما أعطى العمل فرصة التحرر من سيطرة المنطق العقلي وتنظيماته السياقية، لتكون المحصلة أشكال توزعت بتلقائية مرتجلة تبعث الحزن في نفس المتلقي لما حل ببنت رسول الله.. من خلال تحفيز نظام الادراك لديه عن طريق التعابير والرموز التي استخدمها الفنان والتي تفتح الابواب أمام تأملات المشاهد وتخيلاته ليقترب من  المعنى الروحي لهذه اللوحات بوصف المتلقي جزء من العمل لا يكتمل إلاّ بحضوره .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات