ا.د. سيروان عبد الزهرة الجنابي
إذا كان التعبير القرآني يمثلُ لغة السماء المعجزة التي تدانى العقلُ البشري دونها ولـَمْلَمَ نفسَهُ مُتخاذلاً ومُقرِّاً بفقدان قدرته على أنْ يأتيَ بمثلها البتة؛ فإنَّ هذا يقتضي أنْ يكونَ ذلك التعبيري قد صيغ بأرفع الأساليب وأرقى الصياغات التي تؤهِّلُهُ ليكون منطق الإعجاز الأمثل على مرِّ الدهور ومختلف الأزمنة والأوقات؛ وبناءًَ عليه يمكن التأسيس بأنَّ هذا المنطق السماوي لا يمكنُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ أنْ يندَّ عن سمة الإعجاز أو يخرج عن مسار الإبداعي الكلامي المرسوم له براعةً من السماء؛ وإلا لأمكن القول بأنَّه ثمة إمكان أنْ يعتريه التناقضُ في نصوصه أو يدخل إلى نطاق إبطال إثبات الدلالة التي يقرُّها في موضع منه أو يمكن أنْ يلجَ إلى مسار إقرار مضمون نقضه في موضع آخر.
ولما كان هذا كلُّه لا يجري على كتاب الله المعجز وَجَبَ - والحال هذه- القول بأنَّ أيةَ تناقضٍ في فهم الدلالة القرآنية أو أيَّ مسارٍ تتداخلُ فيه الدلالاتٌ النصيةٌ تبايناً أو تتشابكٌ تنافراً إنما مردُّهُ إلى فهم المتلقي وعدم قدرته على إدراك المراد الحقيقي أو المعنى الأحق من النص المعجزة الذي يحسبُ بأنَّه موضع التباين أو الاختلاف أو الخلاف أحياناً؛ ذلك بانَّ التعبير القرآني لا تقعُ فيه أيةُ سمةٍ لمثل هذه النظائر البتة، لأنَّه معجز بلفظة ومعناه، ولما كانت اللغة العالية اجلي وجوه إعجازه وجب – من هنا- الإقرار بعدم وقوع أي إشكال مضموني فيه؛ ولكن لما كان فهم النص السماوي فهماً بشرياً؛ وكان من جنس طبيعة البشر الوقوع في الخطأ، ظُنَّ من هنا بأنَّ ثمة إشكالات يمكن أن تجري في النص الكريم.
وفي حقيقة الأمر أنَّ ذلكَ الإشكالَ عائدٌ إلى عقلِ الـمُشكِل لا إلى النص المظنون فيه الإشكال حيث لا إشكال في النص البتة؛ من هنا كان حرياً بأنْ ينبري من هو مُكلَّف ببيان الكتاب الكريم ليصحح المسار الفهمي لتلك النصوص القرآنية ويُعيدَ الدلالة إلى نصابها والمعنى إلى مساره الأصل لئلا يندَّ الفهمُ إلى ابعد من ذلك؛ فيُدخلَ المفسرَ أو فاهمَ النصِّ في نطاق التَّعدِّي على مضمون النص أو التَّعدِّي على ثوابت النص أحياناً أخرى.
ولما كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم الـمُكلَّفين ببيان النص المعجز امتداداً لتكليف جدهم الأعظم الرسول الكريم (صلوات الله عليه وعلى آله)([1])، وذلك تحديداً في قوله تعالى {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([2])، وقوله أيضاًَ {وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}([3]) ؛ من هنا تحتمَ عليهم بيانُ الدلالةِ الأصحِ للنصِّ وتعديلُ الفهمِ غيرِ السديدِ له؛ ذلك بأنَّ المفسرَ قد يشطُّ بعيداً فينأى في بيانه لمضمون نصٍّ قرآنيٍّ ما؛ ما يُفضي إلى أن ينتهي إلى معنى لا يبتغيه النص أو قد يتقاطع هذا المعنى مع مضامين نصوص قرآنية أخرى قد وردت في مواطن متباينة من التعبير المقدس؛ ومن اجل الحد من تنامي هذه التصورات كلها سعى الأئمة (عليهم السلام) سعياً جاداً وواقعياً وفعالاً لإنهاء هذه المسارات غير السديدة؛ فكان لهم (عليهم السلام) بذلك الأثر الأكبر في تصحيح هذه الاتجاهات التفسيرية المغلوطة وإعطاء البديل المضموني عنها؛ ولما كان للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) جملة من هذه الإسهامات الفاعلة في حل أزمة الاشكالات التفسيرية للنص القرآني تأسس هذا الجهد البحثي على قراءة تلك الإسهامات قراءة علمية واعية، وعليه كانت تلك القراءة مؤسسةً على فرضيتين:
الأولى: رصد المروية التفسيرية التي أسهم بها الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) في حل الاشكالات الواقعة في حيز بيان النص القرآني، والعمل على قراءة تلك المروية قراءةً مُعمَّقَةً وبحيثية تحليلية مُفصَّلَة للوقوف على إبداعات الإمام في توجيهه النص إلى فهم السديد دون زلل أو خلل البتة.
الثانية: التقصِّي عن المنطلقات التفسيرية التي وظَّفها الإمام في إزاحة هذه الإشكالات عن النص الكريم وصولاً به إلى الدلالة المثلى له، إذ إنَّ رواية الإمام التي منحت المعنى الصحيح للنص لابدَّ من أنْ تكونَ مؤسسةً على منطلقات تفسيرية خاصة في فهم ذلك النص؛ لذا كان من الواجب التعرُّف إلى هذه المنطلقات لأنها تعد المسار الأصح على وجه الإطلاق لفهم النص القرآني عموماً تجنباً من الوقوع في الخطأ.
المبحث الأول: الاشكال التفسيري في دلالة {ذَا الْقُرْبى}:
لقد وقعَ الاختلافُ بين المفسرين والمشتغلين في نطاق بيان الدلالة القرآنية في تحديد مدلول {ذَا الْقُرْبى} من قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}([4])؛ إذ ذهبَ غيرُ مُفسِّرٍ إلى أنَّ لفظة {ذَا الْقُرْبى} تدلُّ على القرابة مُطلقاً وأنَّ إيتاء حقهم هو صلة رحمهم([5])؛ يقولُ الشوكاني ((والمراد بذي القربى ذو القرابة وحقهم هو صلة الرحم التي أمرَ الله بها وكرر التوصية فيها)) ([6]) فضلاً عن البر، وحسن المعاشرة([7])؛ وذهب آخرُ إلى ((أنَّ المراد بما يؤتى ذوي القرابة من الحق: هو تعهدهم بالمال))([8])؛ على حين قرَّرَ ثالثٌ معنى الحق بقوله: ((وألحق هنا ما يتعين له من صلة الرحم، وسد الخلة، والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه))([9])؛ بهذا نفهمُ أنَّ المراد بلفظ {ذَا الْقُرْبى} في الآية الكريمة هُم قَرابة الإنسانِ عموماً؛ وهذا ما اتفق عليه أكثر علماء التفسير القرآني وكما يرى البغوي([10]).
والظاهرُ أنَّ هؤلاء العلماء قد حملوا لفظة {ذَا الْقُرْبى} في الآية الكريمة على سبيل دلالة العموم لعدم وجود ما يخصصها في النص الكريم الذي وردت فيه فلا قرينة معينة أو إشارة محددة تُشخَّصُ بها لفظة {ذَا الْقُرْبى} في سياق الآية؛ بل لا يوجد في السياق الخطابي ملمحٌ إلى أن المبتغى من {ذَا الْقُرْبى} هم غير قرابة الإنسان عموماً، وعليه تبقى اللفظةُ على عمومها المضموني لتَشملَ كلَّ ذوي قرابة للإنسان من دون تحديد البتة.
غير أنَّنا إذا كنا نؤمنُ بأنَّ السُّنةَ مخصصةٌ للنص القرآني وأنَّ الرسول مكلف ببيان النص بتخصيص عمومه وتقييد مطلقه وتفصيل مجمله فإنَّه يمكنُ القولُ بأنَّ مرويات الأئمة (عليهم السلام) تجري في المجرى التكليفي نفسه تباعاً بوصفهم الامتداد الامثل للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه فإنَّ كل ما يصدرُ عنهم يعدُّ مكملاً لسنة الرسول الأكرم بحكم طبيعة الامتداد الشرعي لهم نسبةً إلى الرسول الأعظم.
ومن هنا يمكن القول بأنَّ الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قد أدلى بمضمون لفظة {ذَا الْقُرْبى} من قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} فأخرج اللفظة من حيز القول بأنَّها دالة على أية قرابة للإنسان عموماً من دون تحديد أو تخصيص إلى القول بتخصيصها وتحديدها تشخيصاً؛ ذلك بأنَّ الإمام (عليه السلام) لم يرتضِ هذا البيان الدلالي لهذه اللفظة؛ وتأسيساً عليه حدد المبتغى منها تعييناً بقوله إنَّ المراد من لفظة {ذَا الْقُرْبى} هم آل البيت (عليهم السلام) فهم القُربى المعنية بإيصال حقها من الناس وجوباً؛ وسند ذلك هي مقولته (عليه السلام) فيما نقل عنه من ((أنَّه قال لرجل من أهل الشام: أما قرأت كتاب الله عز وجل؟ قال: نعم...، فقال: أما قرأت هذه الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}([11])؟ قال: نعم، قال علي (عليه السلام): فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أنْ يؤتيهم حقهم، فقال الشامي: إنكم لأنتم هم؟ فقال علي (عليه السلام): نعم))([12]).
بهذا ندركُ بأنَّ المعني من {ذَا الْقُرْبى} ليس قرابة الرجل عموماً؛ بل هم قرابة الرسول الأكرم تحديداً وهُم آل بيته تشخيصاً؛ لأنَّ إشارة الإمام (عليه السلام) للرجل بأنَّه نحن ذوي القربى؛ تدلُّ دلالةًَ جليةً على أنَّ المعني من الآية هُم آل الرسول لا غير؛ من هنا كان كلام الإمام تخصيصاً لعموم لفظة {ذَا الْقُرْبى}.
ويبدو أنَّ سند الذين قالوا بأنَّ المراد هم قرابة الإنسان عموماً أنَّهم نظروا إلى لفظة {ذَا الْقُرْبى} بناءً على منطوق آية إعطاء ذي القربى شيئاً من الإرث على سبيل الهبة وهي قوله تعالى {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً}([13])؛ فحسبوا أنَّ {ذَا الْقُرْبى} في قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} يجري دلالياً على مجرى مضمون {أُولُوا الْقُرْبى} في قوله تعالى {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً} لذا قالوا على سبيل الاطمئنان بأنَّ {ذَا الْقُرْبى} هم القرابة عموماً؛ لأنَّ {أُولُوا الْقُرْبى} في قوله تعالى {وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى} تدل على القرابة عموماً وأنَّه يُعطَى إليهم شيءٌ من المال الموروث على سبيل الاستحباب من قبل الورثة، ولعل ورود لفظة {الْمَساكِينُ} في كلتا الآيتين عزز هذا المنظور التفسيري لديهم لذا قالوا بعموم لفظة {ذَا الْقُرْبى} بناءً على عموم لفظة {أُولُوا الْقُرْبى}.
غير أنَّ الناظر في الآيتين يجد أنَّ بينهما فرقاً في الصياغة الخطابية ما يُفضي إلى إيجاد فرق في الدلالة الناتجة عن كلِّ صياغة منهما؛ ذلك بأنَّ {أُولُوا الْقُرْبى} في آية الإرث تباينُ {ذَا الْقُرْبى} في آية إيتاء الحق لهم، ويكمن ذلك التباين في أنَّ إعطاء شيءٍ من المال الموروث لأولوي القربى في آية الإرث لا يعدُّ واجباً؛ بل هو شيء مُستَحَب لأنَّ المال الموروث ليس حقاً لأولوي القربى؛ بل هو حقٌ لأولياء المتوفى (المورث) ودليل ذلك هي صياغة الآية الكريمة؛ ذلك بأنَّه لما قال سبحانه {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى} دَّل بذلك على أن القسمة ليست من حقهم ولو كانت من حقهم لقال: (وَإِذَا حَضَرَ أُولُو الْقُرْبَى قِسْمَتَهم)، فلما لم تكن القسمة لهم من باب الاحقية قال سبحانه (القسمة) باستعماله (الـ) دون الاضافة، و(الـ) في لفظة (القسمة) هنا تدل على العهد أي القسمة التي فرضها الله سبحانه على وفق تقسيمه الحقوق للمستحقين فحسب.
أما باستعمال الإضافة فيما لو قال سبحانه (قسمتهم)؛ فإنهَّا – أي الاضافة- ستدل على أن القسمة لـ {أُولُو الْقُرْبَى} هي حق ثابت لهم وليست منحة تُعطَى لهم تفضلاً؛ وهذا يوصِلُ إلى القول بأنَّ لهم إرثاً شرعياً خاصاً بهم من السماء والحقيقية هي بخلاف ذلك تماماً، فلما لم تقع الاضافة لم تكن القسمة حقاً لهم أبداً.
على حين أنَّ قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} ينطوي على دليل يثبت بأنَّ الحق المذكور في الآية الكريمة هو واجب الأداء حتمي الإيتاء لا محالة؛ لأنه حقٌّ طبيعيٌّ لذي القربى وليس هبةً لهم كما هي الحال لأولي لقربى في آية الإرث؛ وسند ذلك خطابياً هو أن إضافة لفظة (حق) إلى الضمير (الهاء) يدل على أن هذا الحق حتمي الإعطاء لهم لأنه حقهم الأصل الذي يجب أن يأخذوه من الناس([14]).
فثمة فارقٌ بين قولك: (أعطِ العامل أجره) وقولك: (أعطِ العامل أجراً)، فالعبارة الأولى تفرض عليك أن تعطي العامل الأجر الذي يستحقه بدلالة (الهاء) المضافة العائدة على العامل أي بمعنى اعطه ما يستحقه من اجر، أما العبارة الثانية فلا يوجد ثمة فرض محدد يقيدك بإعطاء اجر العامل بما يستحقه لأن النكرة تدل على الشيوع والإبهام فأي اجر تعطه للعامل هو كافٍ له حتى وإن كان دون استحقاقه.
وبناءً على هذا يثبتُ لدينا بأنَّ قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} تدل على وجوب إعطاء أجر معين ومحدد للقربى وما ذلك الأجر إلا المودة لهم والصلة إليهم، ولما كان الحق محدداً وجب أنْ يكونَ الـمُعطَى إليه الحق محدداً كذلك؛ إذ لا يجوز إعطاء الحق المحدد من دون معرفة مَنْ الذي يُعطَى له ذلك الحق تحديداً.
من هنا نقول بأنَّ المراد من {ذَا الْقُرْبى} هُم آل الرسول تشخيصاً لا غير؛ بناءً على مقولة الإمام علي بن الحسين (عليهم السلام)؛ بل إنَّ من المفسرين مَنْ توغَّلَ في مسألة تحديد لفظة {حَقَّهُ} بناءً على وجود الضمير المتصل بلفظة (حق) فحَدَّدَ طبيعة الحق ومن أولئك الطباطبائي؛ اذ يقولُ ما نصُّهُ: ((وإضافة الحق إلى الضمير تدلُّ على أنَّ لذي القربى حقاً ثابتاً، والخطاب للنبي {صلى الله عليه وآله وسلم}، فظاهرُ الآية بما تحتف به من القرائن أنَّ المراد بها الخمس والتكليف للنبي {صلى الله عليه وآله وسلم} ويتبعه غيره ممن كُلِّفَ بالخمس، والقرابة على أي حال قرابة النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} كما في آية الخمس))([15]).
غير أَّننا نحسبُ أنَّ لفظة {ذَا الْقُرْبى} وإنْ كانت محددةً في الآية الكريمة بناءً على المنطق التفسيري الذي أدلى به الإمامُ السجادُ إلا أنَّنا لا يمكنُ تحديدُ الحق الذي يُعطَى إلى آل البيت بمسألة الخمس فحسب؛ فالتقييد بالإضافة في قوله {حَقَّهُ} والتي تثبتُ بأنَّ ثمة حقاً معيناً يجب أنْ يُعطَى لهم لا يوجب بالضرورة تحديد ذلك الحق عياناً وحصراً بـ (الخمس)؛ بل توحي مسألة التقييد بالإضافة بأنَّ لهم حقاً وأنَّ هذا الحق له جملةٌ من الوجود منها ما هو معنوي عقيدي ومنها ما هو مادي جُهدي؛ وعليه فإنَّ مسألة حصر الحق بناءً على إضافة الضمير بالخمس فحسب؛ يُعَدُّ تخصيصاً من غير مخصص وترجيحاً من غير مرجِّح؛ لذا يحسب الباحث بأنَّ الخمس يعد أحد تلك الحقوق لا غير.
وبناءً عليه يرى الباحث بأنَّ المراد من إضافة الضمير للحق بأنَّ ثمة حقاً واجب الأداء لآل الرسول الأكرم وأنَّ هذا الحق له جملةُ وجوهٍ، وأنَّ إضافة الضمير أفادَ معنى وجوب إعطائهم الحق الذي يستحقونه تحديداً وتقييماً دون أنْ يفيدَ تحديد مصداق ذلك الحق تعييناً؛ لأنَّ القولَ بأنَّ الإضافة قد أفادَتْ الاستحقاق أولى بكثير من القول بأنها قد أفادتْ تحديد الحق تعييناً؛ ذلك بأنَّ لآل البيت جملةً من الحقوق على الناس منها أخلاقية ومنها عقائدية ومنها مادية وغيرها، وعليه لا سبيل إلى تحديد الحق بناءً على الإضافة ولكن يمكنُ القولُ بأنَّ يجب إيفاء الحق كاملةً - بناءً على الإضافة- على وفق حتمية الاستحقاق أصالةً.
ويبدو أنَّ من المفسرين من استشعرَ هذا المعنى فقال ما نصه: ((والظاهر أنَّ {الحق} هنا مجمل وأن {ذَا الْقُرْبَى} عام في ذي القرابة فيرجع في تعيين الحق وفي تخصيص ذي القرابة إلى السنة))([16])؛ فأما {ذَا الْقُرْبَى} فقد حدَّدتها السنةُ بمقولة الإمام السجاد (عليه السلام)؛ وأما (الحق) فقد كشفت عن مداراته ومصاديقه السُّنةُ في موضع كثيرة منها([17]).
والدليلُ على أنَّ مسألة إيتاء الحق في قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} لا يتعلق بالخمس فحسب هو استشهاد الإمام (عليه السلام) بأنهم ذوي القربى بآية الخمس بعد استشهاده بآية إيتاء الحق الأولى ولو كان مناط الأمر واحداً لاكتفى الإمامُ بالاستشهاد بإحدى الآيتين فحسب ليثبتَ بأنَّهم ذوي القربى؛ إذ قال الإمام للشامي ما نصه: ((أما قرأت كتاب الله عز وجل؟ قال: نعم...، فقال: أما قرأت هذه الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}([18])؟ قال: نعم، قال علي (عليه السلام): فنحن أولئك الذين أمر الله نبيه أنْ يؤتيهم حقهم، فقال الشامي: إنكم لأنتم هم؟ فقال علي (عليه السلام): نعم، فهل قرأت هذه الآية {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى}([19])؟ فقال له الشامي: بلى، فقال علي (عليه السلام): فنحن ذو القربى، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقاً خاصة دون المسلمين؟ فقال: لا))([20])؛ بهذا نفهم بأنَّ دلالة الحق في الآية الأولى من قوله {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} هي أوسع نطاقاً من دلالة الحق المحددة في آية الخمس من قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى} وإلا لما استشهد الإمام بكلتا الآيتين؛ ذلك بأنَّ استشهاده بالآيتين الواحدة تلو الأخرى لدليلٌ جليٌّ على أن الآيتين تتباينان في تحديد دلالة الحق، فثمة حقٌّ ماديٌّ محدد في آية الخمس؛ على حين ليس ثمة تحديد لدلالة (الحق) في آية الإسراء فمضمونه ههنا مطلقٌ في كل حق يستحقونه (عليهم السلام) بغض النظر عن طبيعته ومقداره وكيفيته؛ فهُم يستحقونه وعلى الموالي لهم أن يؤتيهم إياه بكلِّ وجوهه يقيناً وقناعةً دون تردد أو تأخير.
والأظهر لدينا بأنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد عوَّل على منهج تفسير القرآن بالقرآن في بيانه لدلالة لفظة {ذَا الْقُرْبى}؛ إذ اعتمد على وحدة السياق القرآني في بيانه التفسيري لهذه المفردة ؛ ذلك بأنَّ هذه المفردة قد وردت ثلاث آيات قرآنية وكانت سياقات تلك الآيات جميعها دالة على أهل البيت (عليه السلام) تحديداً دون غيرهم([21])؛ وهي قوله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى}([22]) وقوله أيضاً {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}([23]) ثم قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}، ولما كانت هذه اللفظة دالة على أهل البيت (عليهم السلام) في موضع آية المودة وآية الخمس بلا نقاش؛ دلَّ هذا التلازم الدلالي للفظة على أنها دالة أيضاً على أهل البيت (عليهم السلام) في قوله تعالى {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} بناءً على أنَّ كل المواطن التي وردت فيها تيك اللفظة كانت تنص على وجود حق يجب الإيفاء به لمستحقيه فلما كانت المودة حقاً لأهل البيت وكان الخمس وجابَ العطاء لهم حقاً؛ فهمنا من هنا بأنَّ لفظة {ذا القربى} في آية إيتاء الحق وجوباً من سورة الاسراء هي دالة على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تحديداً لا محالة؛ وعليه فأنَّ ((القربى: فاطمة وزوجها وأولادها))([24]) لا غير.
وبهذا يتضح لدينا بأنَّ الإمام علي بن الحسين -كأنَّه- قد عمد الى وحدة المضمون السياقي التي وردت فيها هذه المفردة - والذي ينص على وجوب اعطاء الحق لمستحقيه حتماً- فمنحَ تلك المفردة دلالتها الحقَّ بناءً على هذا المنطق البياني لها؛ فأحالها من نطاق العموم على ميدان التخصيص المراد لها أصالةً من السماء([25]).
المبحث الثاني: الاشكال التفسيري في توجيه الخطاب لغير صاحب الفعل:
لقد وقعَ الترددُ وشاعَتْ الحيرةُ بين الناس في مسألة توجيه الخطاب لليهود الذين كانوا في عهد الرسول الأكرم وتحميلهم وزر آبائهم على الرغم من أنهم لم يفعلوا ما فعل باؤهم وذلك في قوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ * فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}([26]) حيث نلحظ أن النص قد وجَّهَ الخطابَ إلى اليهود الذين كانوا في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله سبحانه {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} فالضمير في الفعل {عَلِمْتُمُ} هو ضميرُ الـمُخاطَب في وقت نزول النص الكريم؛ وتأسيساً عليه سمة الخطاب هذه نجد أنَّ النص قد حمَّلَهُم مسؤولية الاعتداء في يوم السبت([27])؛ على الرغم من أنَّ اليهود الذين كانوا في زمن الرسول لم يعتدوا في يوم السبت وإنما الحديث كان عن أسلافهم فكيف يجوزُ توجيه الخطاب لهم بأنهم اعتدوا في يوم السبت في الوقت الذي هُم فيه لم يعتدوا قط.
والظاهرُ أنَّ هذا التساؤل قد أدخلَ أصحابَهُ في حيرة ما دعا إلى أنْ يسألوا الإمام السجاد (عليه السلام) عن داعي توجيه الخطاب لليهود وإدانتهم بالفعل وهُم لم يفعلوا ذلك الفعل مُطلقاً؛ فقال الإمام (عليه السلام): ((أما إنَّ هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أنْ يعصمَهم من ذلك لعصمهم، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزَّ وجلَّ أنْ يعصمَهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم، ولكن الله تعالى لم يلهمهم ذلك، ولم يوفِّقهم له فجرَتْ معلوماتُ اللهِ تعالى فيهم على ما كان سطره في اللوح المحفوظ ... قالَ له بعضُ من في مجلسه: يا ابن رسول الله كيف يعاقبُ اللهُ ويوبِّخُ هؤلاء الإخلافَ على قبائح أتى بها سلافُهُم؟ وهو يقولُ عزَّ وجلَّ: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}([28])، فقال زينُ العابدين (عليه السلام): إنَّ القرآن نزلَ بلغة العرب، فهو يخاطبُ فيه أهلَ اللسانِ بلغتِهم، يقولُ الرجل التميمي: قد أغارَ قومُهُ على بلد وقتلوا من فيه: أغَرتُم على بلد كذا وقَتلتُم كذا، ويقولُ العربي أيضاً: نحنُ فعلنا ببني فلان، ونحنُ سبينا آل فلان ونحن خرَّبنا بلد كذا، لا يريدُ أنَّهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل وأولئك بالافتخار أنَّ قومَهم فعلوا كذا، وقول الله تعالى في هذه الآيات إنما هو توبيخٌ لأسلافهم، وتوبيخُ العذل على هؤلاء الموجودين؛ لأنَّ ذلك هو اللغة التي بها أنزلَ القرآنَ، فلأنَّ هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أنْ يُقالَ: أنتم فعلتُم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم))([29]).
من قراءة مقولة الإمام (عليه السلام) نلحظُ أنَّ الإمام قد فك التشابك الفِهمي الذي وقعَ فيه السائلون؛ ذلك بأنَّهم حسبوا أنَّ توجيه الخطاب إلى اليهود المعاصرين للنص القرآني ليس في مورده؛ لأنَّ أولئك المعاصرين ليسوا هُم مَنْ اعتدى في يوم السبت حتّى يُساغَ توجيه الخطاب لهم؛ وعليه فهو تأنيبٌ وتوبيخٌ ليس في محله لأنه موجَّهٌ لـِمَنْ هو لم يفعل القبيح، على حين أن الإمام قد كشفَ لنا داعي توجيه الخطاب لليهود المعاصرين لنزول النص الكريم بمنطق مقنع وتسديد وجواب شافٍ؛ والظاهر أن الإمام قد بنى توجيهه الدلالي لوجه الخطاب لهم على جملة منطلقات هي:
1-إنَّ توجيه الخطاب إلى مَنْ هو مُحتَسَبٌ على قومٍ معيينٍ يعدُّ سائغاً في نطاق تداول الخطاب العربي عموماً، فإذا ما فعلَ التميميون فعلاً شنيعاً ورأى رجلٌ من الناس شخصاً من التميميين وأراد أنْ يُخاطبَهُ فإنَّ ذلك الشخصُ الذي هو من التميميين حتى إنْ لم يكن قد اشترك مع قومه التميميين في ذلك الفعل فإنَّه من السائغ بمكان؛ بل من الجائز أن يُقولَ له الرجلُ: فعلتُم كذا واقترفتُم كذا؛ ذلك بأنَّ الشخص الموجَّهُ له الكلام (الـمُخاطَب) من جنس التميميين فهو واحدٌ منهم ومنتميٌّ لهم بالمحصلة؛ من هنا ساغَ أنْ يُخاطِب النصُّ اليهود المعاصرين بما فعل أسلافُهُم من قبل لأنهم منهم.
2-إنَّ النص القرآني كثيراً ما يُخاطِبُ جهة معينة ويريدُ في حقيقة الأمر جهة أخرى؛ فعلى سبيل المثال قد يرد الخطاب القرآني على صيغة العموم ويرادُ منه الخصوص كقوله تعالى {لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ}([30]) فالخطاب عام للناس جميعاً على حين المراد هو الرسول الأكرم فحسب لأنَّه هو مَنْ أٌنزِلَ عليه القرآن تحديداً وتشخيصاً لا غير([31])، والدليل على ذلك قوله تعالى في موضع آخر من كتابه العزيز {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([32]) وقوله كذلك {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ}([33]).
وقد يُصاغُ الخطاب على هيئة الخاص ويرادُ منه العام كقوله تعالى {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً}([34]) فنجد أنَّ الخطاب خاص للرسول على حين أن المبتغى منه غيره؛ فـ ((الخطاب له والمراد المؤمنون؛ لأنَّه (صلى الله عليه وسلم) كان تقياً وحاشاه من طاعة الكافرين والمنافقين([35])؛ والدليل على ذلك قوله في سياق الآية {وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً}([36])))([37])؛ فهذا دليل صريح على أنَّ المبتغى من الخطاب هم المؤمنون عامة وليس الرسول خاصة كما هو ظاهر الخطاب.
وقد يرد الخطاب لفئتين معاً والمراد احدهما وإنما يساق الخطاب على سبيل التثنية من باب التغليب؛ يقول القرطبيُّ: - في بيانه لداعي نسبة فعل النسيان إلى موسى وفتاه في قوله تعالى {فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً}([38])- ((إنما كان النسيان من الفتى وحده؛ فقيل: المعنى؛ نسيَ أنْ يُعْلِمَ موسى بما رأى من حاله فنسب النسيان إليهما للصحبة، كقوله تعالى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ}([39]) وإنما يخرج من الملح، وقوله{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}([40])، وإنما الرُّسُلُ من الأنس لا من الجن))([41])، بهذا نجد ان الخطاب العربي في النص القرآني له من الإمكان بمكان ما يدعو إلى أنْ يرد بصياغات متباينة وهيئآت متغايرة ويُرادُ من تلك الصيغة أو هذه الهيئة غير ظاهرها؛ بل يَقصَدُ منه أمرٌ آخر؛ وعليه فإنَّ هذا الاستعمال اللغوي في النص القرآني ليس بِدعاً في العربية وصياغاتها؛ بل هو من صلب العربية وتعبيراته عموماً، وعليه فإنَّ استشهاد الإمام (عليه السلام) بأنَّ توجيه الخطاب للشخص المنتمي إلى فئة معينة وإنْ لم يكن قد فعل ما فعل قومه يعدُّ سائغاً ولا غبار عليه البتة؛ فهو من وجوه التفنن في الخطاب ومن جنس بلاغة التعبير فيه عامة.
3- إنَّ ثمة منطلقاً اعتقادياً قد بنى عليه الإمام ُكلامَهُ في إجازة توجيه تهمة الاعتداء لليهود المعاصرين للنص القرآني بقوله تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} وهو أن هؤلاء المعاصرين قد رضوا بما فعل أسلافهم وعليه فهو داخلون في نطاق الاعتداء إيماناً لا أداءً؛ وعليه ساغَ هذا الرضا منهم لفعل أسلافهم والموافقة على ما اقترفوه أن يوجَّه الكلام لهم مباشرةً، فكأنَّهم هُم الذين اعتدوا في السبت بداعي رضاهم بتلك الفعلة الشنيعة؛ إذ يقول الإمام ما نصه تصريحاً: ((وقول الله تعالى في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين؛ لان ذلك هو اللغة التي بها أنزل القرآن، فلأنَّ هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون ذلك لهم، فجاز أنْ يُقالَ: أنتم فعلتُم، أي إذ رضيتم بقبيح فعلهم))؛ وبهذا فقد أدان النص القرآني المعاصرين وأشار إلى أنهم راضون بما فعله الأسلاف من قبلهم؛ وعليه فهُم وأسلافهُم يُعدَّون مُعتدينَ؛ فأولئك بالفعل وهؤلاء بالرضا على ذلك الفعل، فكأنَّ في توجيه النص القرآني الخطاب إلى اليهود المعاصرين صراحةً إدانةً للمعاصرين - من وجه خفي- بأنَّهم راضون بالفعل الشنيع لـمَنْ هُم قبلهم؛ لذا اشتركوا معهم في الاعتداء بالمحصلة.
والظاهر أنَّ الإمام في تعليله هذا قد عوَّلَ على مقولة جده الرسول الأكرم؛ إذ يقول {صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله}: ((مَنْ أحبَّ قوماً حشر معهم))([42])، ونقل في الأثر أيضاً أنَّه ((جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؛ فقال: يا رسول الله؛ كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): المرء مع من أحبَّ))([43]).
بهذا يثبت بأنَّ الإمام قد بنى حلَّه للاختلاف الواقع في داعي توجيه الخطاب لليهود المعاصرين للنص الكريم على منطقيات غاية في الروعة وعلى منطلقات غاية في الإقناع والرضى والتسليم.
المبحث الثالث: الاشكال التفسيري في توجيه طلب يوسف (عليه السلام) السجن:
لقد وقع الخلاف في مسألة طلب يوسف (عيه السلام) السجن في قوله تعالى تحديداً ((قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ * قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ * فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ))([44]) إذ نجد أن طلب يوسف في قوله {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} محل استغراب وموضع تأمُُّل؛ ذلك بأن ثمة تساؤلاً حتمي الورود في هذا الموضوع وهو أنه ((كيف قال يوسف {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} ولا يجوز أنْ يُرادَ السجن الذي هو المكان، وإنْ عَنِيَ به السجن الذي هو المصدر فإنَّ السجنَ معصيةٌ، كما أنَّ ما دعونه إليه معصية، فلا يجوز أنْ يريده))([45])؛ ذلك بأنَّه ((لو لم يقل: السجن أحب إلي لم يبتل بالسجن، والأوْلى بالمرء أن يسأل الله العافية))([46])، فكان المفترض أن يقول (العافية أحب إلي مما يدعونني إليه)([47])، وإذا كان هذا الطلب ليس في محله وأنَّه قد أنزلَ على نفسه البلاء فإنَّ هذا يدعو إلى القول بعدم عصمة يوسف (عليه السلام) لأنه لم يكن حكيماً فيما اختاره من سبيل للتخلص من ملاحقة المعصية له؛ بل يمكنُ القول من وجه آخر أن يوسف كان كاذبً في طلبه السجن لأنه ليس من عاقل يطلب السجن وهو صادقٌ في مطلبه هذا قط.
نقول إن هذا الإشكال التساؤلي أو هذا التساؤل الإشكالي -الذي يكمن في كيفية طلب يوسف السجن وهو بلاءٌ من جهة وأنَّ يوسف غير راغب به صِدقاً من جهة أخرى- قد أزالَهُ الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) بقوله: ((إن النسوة لما خرجن من عندها([48])، أرسلت كل واحدة منهن إلى يوسف سراً من صاحبته، تسأله الزيارة))([49])، فعند التأمل في كلام الإمام هذا نجد أن نص الإمام -ههنا- يشيرُ الى دلالة توحي بأنَّهن أردن أن يدعونه إلى أنفسِهِنَّ كما فعلت زليخا؛ إذ ((استأذَنَّ امرأة العزيز بأن تخلو كل واحدة منهن به، وتدعوه إلى ما أرادته منه إلى طاعتها؛ فلما خلون به، دعته كلُّ واحدة منهن إلى نفسها، فلذلك قال: {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}))([50])؛ بهذا نفهمُ من مقولةِ الإمامِ الداعيَ الذي دعا يوسف لأنْ يطلب السجن إلى نفسه؛ ذلك بأنَّ يوسف حينما فضَّلَ السجنَ وطلبه إلى نفسه لم يكن من رغبةٍ منه في ذلك السجن قط ولم يكن كاذباً في مطلبه هذا مطلقاً؛ ولم يرد أبداً أنْ يلقي نفسه في البلاء محبةً؛ بل وجدَ يوسفُ نفسَهُ مخيراً بين أمرين قاسيين؛ لذا آثر اختيار أمر السجن القاسي على أنْ لا يقترف جريمة الزنا التي تغضب الله تعالى عليه ويخرج بفعلها من نطاق عصمته ومن حيز حكمته؛ فـإنما جاز أن يقول السجن أحب إلي من ذلك، - في الوقت الذي كان فيه لا يحب ما يدعونه إليه، وبالمقابل كان لايريد السجن ولايرغب فيه أيضاً([51])-؛ لأنَّه كان مختاراً إلى الأوفق نجاةً من غيره فكأنَّ معنى كلامه ((إني لو كنت مما أريد لكانت إرادتي لهذا أشد، وقيل معناه: ان السجن أسهل علي مما يدعونني إليه))([52])؛ وتأسيساً عليه فهو ((لم يرد المحبة التي هي الإرادة))([53]) وإنما كان مضطراً إلى ذلك لا مختاراً اختياراً حقيقياً؛ ذلك بأنَّ افعل التفضيل في قوله {أحبَّ} لم تكن تحمل دلالة التفضيل الحقيقية؛ فلا تعني أنَّه كان يفضِّلُ نفسَهُ بين أمرين وان هذين الأمرين كانا يشتركان في صفة واحدة ومن ثم اختار احدهما دون الآخر؛ فليس المعنى بهذا التصور ولا الكيفية بهذا المضمون مطلقاً؛ بل إن افعل التفضيل {أحبُّ} ههنا قد خرجَتْ من وظيفتها الدالة على التفضيل إلى الدلالة على الاختيار الجبري بين أمرين لا يشتركان في صفة واحدة فدعوتهن إليه للزنا لا تشترك مع دخوله السجن في صفة واحدة فلكلٍّ موردُهُ؛ يقولُ المرتضى: ((قد تستعمل هذه اللفظة في مثل هذا الموضع وإنْ لم يكن في معناها اشتراك على الحقيقة ألا ترى أنَّ مَنْ خُيِّرَ بين ما يُحِبُهُ وما يكرهُهُ جائزٌ أنْ يقولَ: (هذا أحبُّ إلى من هذا) وإنْ لم يجز مبتدئاً أن يقول من غير أن يُخيَّرَ: (هذا أحبُّ إلى من هذا)؛ إذا كان لا يحبُّ أحدَهما جملةً؛ وإنما سوَّغَ ذلك على أحد الوجهين دون الآخر من حيث كان الـمُخيَّرُ بين الشيئين لا يُخيَّرُ بينهما إلا وهُما مُرادانِ له ومما يصحُّ أنْ يريدَهُما فموضوع التخيير يقتضي ذلك وإنْ حصل فيما ليس هذه صورته والمجيب على هذا متى قال: (كذا أحبُّ إلى من كذا) مجيباً على ما يقتضيه موضوع التخيير وإنْ لم يكن الأمران على الحقيقة يشتركان في تناول محبته))([54])؛ ذلك بـ ((أنَّ المحبة متعلقة في ظاهر الكلام بما لا يصح على الحقيقة أنْ يكون محبوباً مُراداً؛ لأن السجن إنما هو الجسم والأجسام لا يجوز أنْ يريدَها وإنما يريد الفعل فيها والمتعلق بها، والسجن نفسه ليس بطاعة ولا معصية وإنما الأفعال فيه قد تكون طاعات ومعاصي بحسب الوجوه التي يقع عليها؛ فإدخال القوم يوسف (عليه السلام) الحبس أو إكراههم له على دخوله معصيةٌ منهم، وكونه فيه وصبره على ملازمته والمشاق التي تناله باستيطانه كان طاعةً منه وقربةً، وقد علمنا أنَّ ظالماً لو أكرَهَ مؤمناً على ملازمة لبعض المواضع وترك التصرف في غيره لكان فعلُ الـمُكْرَهِ حسناً وإنْ كان فعلُ الـمَكروهِ قبيحاً))([55]).
وعليه فإنَّ اختيار يوسف السجن كان من باب الاختيار الإجباري لا الاختياري قط؛ إذ قد يخرجُ الـمُفضَّل من نطاق حقيقة التفضيل على غيره لدى المتكلم، فلا يكونُ تفضيلُ الـمُفضَّلِ – الشيء الـمُختار- نابعاً من حقيقةِ قصدٍ لدى المستعمل؛ بل هو راجعٌ إلى حيز الضرورة والأمر الذي لابدَّ منه، وعليه تكونُ المشاركةُ بين الـمُتفاضلينِ تقديراً ((كقولهم في البغيضين: (هذا أحسنُ من هذا)، وفي الشريرين: (هذا خيرٌ من هذا)، وفي الصعبين: (هذا أهونُ من هذا)، وفي القبيحين: (هذا أحسنُ من هذا... وتأويل ذلك: (هذا أقلُّ بغضاً) و(أقلُّ شراً) و(أهونُ صعوبةً) و(أقلُّ قبحاً) ))([56]) وبهذا يكونُ التفضيلُ اضطرارياً لا وجدانياً، وتأسيساً عليه فإنَّ ورود هذا النمط من التفضيل في النص الكريم متجسِّداً في لفظة {أحَبُّ} من مقولة يوسف {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} يفسرُ لنا أن اختيار يوسف (عليه السلام) لم يكن مبنياً على أساس الكذب ذلك بأنه اختارَ اختياراً إجبارياً بسبب ما أملَتْهُ عليه صعوبةُ الموقفِ؛ فهو إما أنْ يرتكبَ معصيةً تغضبُ اللهَ تعالى وإما أن يُعانيَ ألمَ السجنِ ولكن يبقى نقياً من دون أنْ تشوبَهُ شائبةُ اجتراجِ الذنبِ قط؛ بهذا اضطر إلى الأخيار من باب أنَّه إنْ كان ولابدَّ من الاختيار فإنِّي اختار السجن فهو أولى لي من المعصية التي يدعونني إليها ولن اقترفها قط؛ وبهذا نلحظ أنَّ مقولة الإمام السجاد هي التي أشارت بفعل القراءة المتعمقة لها إلى أنَّ يوسف إنما كان مُضطراً في تفضيله السجن لأنَّه كان مُخيَّراً بين المعصية والسجن؛ فآثر السجن لا لمحبته منه إليه ولا لكونه راغباً إليه على سبيل الكذب؛ بل اختاره لخلاصه من المعصية فكلُّ ألمٍ يمكنُ أنْ يحتملَهُ وكلُّ همٍّ يمكنُ أنْ يصبرَ عليه مُحتسباً دون أنْ يلجَ إلى نطاق الخطأ أو يدخلَ إلى عالم الخطيئة مُطلقاً؛ وعليه فإنَّ اختياره كان نابعاً من نزاهته وطهارته وعصمته الحاكمة على تصرفاته وسلوكه واختياراته حكمةً.
الخـاتمة
من التأمُّلِ وإعادة النظر في المقولات التفسيرية للإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) استطاع الباحث أنْ يصل إلى مجموعة من الثمرات العلمية والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:
1- وجد الباحث أنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) لم يكن ليُصدِرَ قراءةً بيانيةً لنص قرآني ما لم يكن قد اعتمدَ على منطق إقناعي لترسيخ المضمون الدلالي الذي انتجه لذلك النص؛ فعلى الرغم من أنَّ الإمام مُسدَّداً في قراءته التفسيرية للنص المعجز فإنَّه كان يسندُ بيانه التفسيري بدليل ويشفعه بمنطقٍ يُوصِلُ المتلقي إلى التسليم والرِّضى التام بتلك الدلالة؛ وهذا يدلُّ على أنَّ الإمام كان يُراعي المتلقي في بيانه التفسيري من جهة ويوجِّهُ قارئ النصِّ دلالياً من جهة أخرى إلى أنَّ الدلالة التفسيرية لا يمكن لها أنْ تُستَنْطَقَ على سبيل الرؤية الذاتية للمُفسِّر ما لم يكن ثمة دليلٌ يتكيء عليه ذلك المفسر حتى يوصِلَ المتلقي إلى الإقرار بصحة ذلك التفسير حتى وإنْ علا ذلك المفسر قَدماً في نطاق التفسير وسما رفعةً في مجال البيان؛ فإنَّه لابدَّ من أنْ يركنَ إلى دليل يوثِّقُ به الدلالة التفسيرية التي توصَلَ إليها مُطلقاً، فلا تفسيرَ يُقبَلُ من دون دليلٍ البتة.
2- اتضح لدى الباحث بأنَّ الإمام (عليه السلام) كان غالباً ما يُعوِّلُ على مسألة توحُّد السياق القرآني في بيان دلالة للمفردة القرآنية وليس الأمرُ ببعيد مصداقاً عن بيانه التفسيري للفظة {ذَا الْقُرْبى} في آية إيتاء الحق؛ إذ استدلَ الإمامُ بمجموعة من النصوص القرآنية التي تُثبِتُ جميعها بأنَّ {ذَا الْقُرْبى} هم أهل البيت (عليه السلام) دون سواهم؛ فكأنَّه بهذا المسلك كان يعرضُ الآيةَ التي قد وقع التردد في بيان دلالة {ذَا الْقُرْبى} فيها على الآية المحسومة الدلالة في تحديد لفظة {ذَا الْقُرْبى} كحال آية الخمس وآية المودة؛ فعمليةُ عرض المتردد في دلالته على المقطوع فيه دلالةً يُعَدُّ قطعاً بدلالة المتردَّدِ قياساً على الثابت القطعي في غيره من النصوص؛ وعليه فلا يبقى من مناص للمتلقي إلا الإقرار بتلك الدلالة المتردد فيها بناءً على المقطوع بها إقراراً.
3- اكتشف الباحث بأنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) كان يعتمدُ في حلِّهِ لبعض الاشكالات التفسيرية أو الاختلافات الفِهمية للنصوص القرآني على المنطق البلاغي لفن إدارة الخطاب في القرآن الكريم تأسيساً على المراد إبلاغه إلى المتلقي منه تحديداً؛ وذلك جليٌّ في جواب الإمام على مَنْ اعترضَ على اتهام اليهود المعاصرين لنزول النص القرآني بأنهُم مُعتَدونَ في يوم السبت وذلك عن طريق توجيه الخطاب إليهم مباشرةً على الرغم من أنَّ الاعتداء لم يكن منهم؛ بل من أسلافهم، إذ أثبتَ الإمامُ بأنَّ توجيه الخطاب القرآني إليهم – ههنا- إنما هو مبني أصالةً على تحقُّق الغاية الدلالية من صياغة ذلك الخطاب بهذه الكيفية إدارةً؛ ذلك بأنَّ من سنن العرب في بناء خطابها أنْ توجِّهَ الكلام على مَنْ هو مُنتميٌّ إلى مَنْ فعل أمرٍ ما على الرغم من أنَّ ذلك الشخص الـمُخاطَب لم يكن هو مَنْ فعل َذلك الفعل ولكن بفعل الانتماء ذلك الشخص إلى الفاعل يَصحُّ توجيه الخطاب إليه مُباشرةً.
فضلاً عن أنَّ الإمامَ نوَّه إلى وجود ملمح آخر في توجيه الخطاب إلى اليهود المعاصرين دون أسلافهم وهو أنَّ اليهود الموجودين زمن نزول النص كانوا راضينَ على فعل أسلافهم؛ وبهذا كأنَّهم كانوا معهم في فعلتهم قناعةً وتسليماً؛ من هنا ساغَ توجيهُ الخطابِ لهم بياناً لموافقتهم على ذلك الفعل الشنيع من أسلافهم من جهة ولإيضاح موقفهم المخالف لأمر الله تعالى وأحكامه من جهة أخرى؛ وهذا يوحي من طرف آخر إلى استنطاق موقفهم المخالف من الدين الإسلامي وعدم موافقتهم على أحكامه ومعتقداته من جهة ثالثة؛ من هنا كان توجيه الإمام لداعي توجيه الخطاب القرآني إلى اليهود المعاصرين في غاية الروعة؛ بل أنَّه كشف لنا جملةَ أمورٍ لا يلحظُها المتلقي أولَ مرةٍ في قراءته النص من دن تأمُّل أو معاودة نظر وتفكُّر وقد لا يلحظها مُطلقاً لولا مقولة الإمام البيانية في ذلك.
4- وجد الباحث أنَّ الإمام كان يُعوِّلُ أحياناً على منطق عصمة الأنبياء في ردِّهِ للشُّبهات عنهم؛ ذلك بأنَّ ثمة إشارةً توحي في مقولة الإمام عن مضمون طلب النسوة من يوسف ارتكاب المعصية بأنَّ يوسف لم يكن قد فضَّلَ السجنَ على سبيل الكذب أو بناءً على عدم حكمته؛ بل إن طلبه السجن وتفضيله إياه كان مبنياً على حفظه لنفسه من الزلل والنأي بها من الاقتراب من آية معصية مُطلقاً.
من هنا أمكن القول بأنَّ مقولة {قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} من يوسف لم تكن كاذباً ولم تكن صادرةً عن ضعف حكمته منه؛ ذلك بأنَّ التفضيل بـ {أَحَبُّ} لم يكن تفضيلاً حقيقياً؛ بل كان تفضيلاً إجبارياً قهرياً وبمعنى آخر فإنَّ المعنى المراد هو إنْ خيَّروني بين المعصية والسجن فإنَّي سأختار السجن -على الرغم من أنَّ آلامه ومعاناته- على تلك المعصية؛ فتحمُّلُ الألم أقربُ إلى رضى الله تعالى وأنقى للنفس من ارتكاب المعصية؛ وعليه فلا كذب ليوسف ولا قلَّة حكمته لديه؛ بل كان معصوماً حكيماً في فعله واختياراته، وما تفضيلُهُ السجن إجباراً ألا دليلٌ جليٌّ على براءته من المعصية وسند قاطع على عصمته ونزاهته من أيِّ ذنبٍ مُطلقاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم. الإمام العسكري (عليه السلام): التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام) (ت260هـ)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، مطبعة مهر- قم المقدسة، ط1، 14019هـ. البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي :الجامع الصحيح المختصر:تحـقيق: د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق، مط دار ابن كثير، اليمامة – بيروت،ط3، 1407 هـ – 1987م. البروجردي (ت1383هـ): جامع أحاديث الشيعة، المطبعة المهر – قم،1413 - 1371 ش. ابن البطريق (ت600هـ): عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الأبرار، الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، سنة الطبع : جمادي الأولى 1407هـ. البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء: معالم التنزيل المعروف بـ (تفسير البغوي)، د.مط.د.ت. الثعلبي: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري: الكشف والبيان، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور ومراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان - 1422 هـ - 2002م. ابن أبي جمهور الإحسائي (ت880هـ): عوالي اللئالي، تحقيق وتقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، المطبعة سيد الشهداء - قم، ط1، 1403 - 1983م. ابن الحاجب: جمال الدين ابو عمرو عثمان بن عمر (ت646هـ): الكافية في النحو، مطبعة دار الكتب العربية ، بيروت – لبنان، د.ت. الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، مطبعة دار الكتب العلمية – بيروت، ط1 ، 1411 هـ - 1990م. حسين الراضي: سبيل النجاة في تتمة المراجعات، تحقيق وتحقيق وتعليق: حسين الراضي، د.ت، د.مط. أبو حيان الأندلسي: أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف (ت745هـ): البحر المحيط،تحقيق: شيخ عادل احمد وآخرون، مطبعة دار الكتب العلمية،بيروت –لبنان، ط1، 1422هـ - 2001م. الدمشقي: أبو حفص عمر بن علي ابن عادل الحنبلي: اللباب في علوم الكتاب، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان،ط1، 1419 هـ -1998م. الرازي : محمد بن عمر بن الحسين ( ت 606 هـ): التفسير الكبير، مطبعة دار الكتب العلمية – بيروت،1421هـ - 2000م. الزركشي: بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي ( ت 794 هـ): البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة دار المعرفة - بيروت ،ط1 ،1391 هـ الزمخشري: أبو القاسم محمود بن عمر (ت538هـ): الكشاف عن حقائق التنزيل، ضبطه وصححه: عبد الرزاق المهدي، مطبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت، ، ط2 ، 1421 هـ - 2001 م. سيروان عبد الزهرة لجنابي: قراءات لغوية في النص القرآني، دراسة في النقد التفسيري، مطبعة الامير (ع) – النجف الاشرف،ط1، 2016م. السيوطي : جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر ( ت 911 هـ): الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: سعيد المندوب، مطبعة دار الفكر لبنان، ط1، 1416هـ - 1996م. همع الهوامع شرح جمع الجوامع، صححه: السيد محمد بدر الدين النعساني، مط دار المعرفة، بيروت – لبنان، د.ت. الشريف المرتضى (436هـ): الأمالي، تحقيق : تصحيح وتعليق: الشيخ أحمد بن الأمين الشنقيطي، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، ط1، 1325هـ- 1907م. الشوكاني :محمد بن علي بن محمد ( ت1250 هـ): فتح القدير،مطبعة دار ابن كثير- دمشق – بيروت، مطبعة دار الكلم الطيب، دمشق – بيروت، ط1، 1414هـ. الطباطبائي: السيد محمد حسين ( ت 1402 هـ): الميزان، مطبعة جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم ، ط4، 1417هـ. الطبراني: سليمان بن أحمد بن أيوب: المعجم الأوسط، تحقيق : طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين - القاهرة ، 1415هـ. الطبرسي: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت 548هـ): الاحتجاج: تحقيق: تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، مطبعة دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف،1386 - 1966 م الطبرسي: أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن (ت 548هـ): مجمع البيان، مطبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، 1379هـ. الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي ( ت 460 هـ): التبيان في تفسير القرآن،تحقيق : احمد حبيب قصير العاملي، مطبعة قم – مكتبة الإعلام الإسلامي،ط1 ،1379 هـ . عبد الله البحراني (ت11130هـ): العوالم ، الإمام الحسين (ع)، تحقيق : مدرسة الإمام المهدي (ع)، المطبعة : أمير – قم، الناشر : مدرسة الإمام المهدي (عج) بالحوزة العلمية - قم المقدسة، الطبعة: الأولى المحققة، 1407هـ - 1365 ش. عبد الحسين شرف الدين (ت1377هـ): المراجعات، تحقيق : حسين الراضي،ط2، 1402هـ - 1982م. ابن عجيبة: أحمد بن محمد بن المهدي الحسني الإدريسي الشاذلي: البحر المديد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط2، 1423هـ - 2002م. عزيز الله عطاردي: مسند الإمام الرضا (ع)، تحقيق : تجميع وترتيب : الشيخ عزيز الله عطاردي الخبوشاني، المطبعة : مؤسسة طبع ونشر آستان قدس الرضوي، الناشر : المؤتمر العالمي الإمام الرضا (ع)، سنة الطبع : ربيع الآخر 1406هـ. فاضل صالح السامرائي معاني النحو، طبع بمطابع دار الفكر، 1990م. فتح الله الكاشاني (ت988هـ): زبدة التفاسير، تحقيق: مؤسسة المعارف، المطبعة عترت، الناشر مؤسسة المعارف الإسلامية - قم – إيران، ط1، 1423هـ. القرطبي: محمد بن احمد بن أبي بكر (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن المعروف بـ (تفسير القرطبي)، تحقيق: احمد عبد العليم البردوني، مطبعة دار الشعب- القاهرة ، ط2، 1372 هـ. الكليني (ت 329هـ): الكافي، تحقيق : تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري، المطبعة: حيدري، الناشر : دار الكتب الإسلامية – طهران،ط4، 1365ش. المجلسي (ت1111هـ): بحار الأنوار، تحقيق : يحيى العابدي الزنجاني، مؤسسة الوفاء - بيروت – لبنان، ط2، 1403 هـ - 1983م. مسلم: أبو الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري: صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت، د.ت. النحاس: أبو جعفر: معاني القرآن الكريم، تحقيق: محمد علي الصابوني، مطبعة جامعة أم القرى – مكة المكرمة،ط1 ، 1409 هـ.
الهوامش:
([1]) إذ جرى تكليف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بتفسير النص القرآني وحتمية بيان دلالاته في قوله تعالى {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} سورة النحل: 44، وفي قوله كذلك: {كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، سورة البقرة: 151.
([2]) سورة النحل: 43.
([3]) سورة آل عمران: 7، وذلك بناءً على أنَّ دلالة (الواو) في الآية الكريمة عاطفة مشركة في حكم العلم بالكتاب.
([4]) سورة الاسراء:26.
([5]) ينظر: الثعلبي: الكشف والبيان: 6/95، والنحاس: معاني القرآن: 4/144.
([6]) الشوكاني: فح القدير: 3/316.
([7]) ينظر: ابن عجيبة: البحر المديد: 4/123،
([8]) الزمخشري: الكشاف: 2/316.
([9]) ابو حيان الاندلسي: البحر المحيط:6/27.
([10]) ينظر: البغوي: معالم التنزيل: 1/89، و الزمخشري: الكشاف: 2/316، والدمشقي: اللباب في علوم الكتاب: 12/263، وابو حيان الاندلسي: البحر المحيط:6/27، والبقاعي: نظم الدرر: 4/376.
([11]) سورة الاسراء: 26.
([12]) الطبرسي: الاحتجاج: 2/33، وينظر: المجلسي: بحار الانوار: 23/252، والشوكاني: فح القدير: 3/319، والطبرسي: مجمع البيان: 6/243، وعبد الله البحراني: العوالم: 396، وابن ابي جمهور الاحسائي: عوالي اللئالي:2/76، والثعلبي: الكشف والبيان: 6/95.
([13]) سورة النساء: 7.
([14]) ينظر: الطباطبائي: الميزان: 16/185.
([15]) الطباطبائي: الميزان: 16/185، وينظر: ابن البطريق: عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام الابرار:53.
([16]) ابو حيان الاندلسي: البحر المحيط:6/27، وينظر: الرازي: التفسير الكبير: 20/154.
([17]) ينظر: الكافي: الكليني: 2/172، و2/388، و8/128، والمجلسي: بحار الانوار: 27/244 وما بعدها.
([18]) سورة الاسراء: 26.
([19]) سورة الانفال: 41.
([20]) الطبرسي: الاحتجاج: 2/33- 34.
([21]) ينظر: البروجردي: جامع احاديث الشيعة: 1/192، وعبد الحسين شرف الدين: المراجعات: 99.
([22]) سورة الانفال: 41.
([23]) سورة الشورى: 23، وينظر: الطبرسي: الاحتجاج: 2/33-34، والمجلسي: بحار الانوار:23/252.
([24]) حسين الراضي: سبيل النجاة في تتمة المراجعات: 70.
يقول الإمام الرضا (عليه السلام) في دلالة {ذا القربى} – وهو في صدد حديثه عن خصوصيات أهل البيت دون غيرهم-: إنَّ ((قول الله عزَّ وجلَّ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}، خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة)) دون سواهم، عزيز الله عطاردي: مسند الإمام الرضا (ع): 2/117.
([25]) للاستزادة: ينظر: سيروان عبد الزهرة الجنابي: قراءات لغوية في النص القرآني: 39 وما بعدها.
([26]) سورة البقرة: 65- 66.
([27]) أما مضمون الاعتداء في يوم السبت من اليهود فقد فصَّلَه سبحانه بياناً في قوله {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} سورة الاعراف: 163- 166، يقول الشوكاني: ((هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها: أيلة؛ فحرَّمَ اللهُ عليهم الحيتان يوم سبتهم؛ فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها فمكثوا كذلك ما شاء الله، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غياً))، فتح القدير: 2/375، فعاقبهم الله سبحانه بما اعتدوا به في ذلك اليوم ليكونوا عبرةً لغيرهم للانتهاء عن غَيِّهِم.
([28]) سورة الأنعام:164.
([29]) الإمام العسكري (ع): تفسير الإمام العسكري (ع) 271- 272.
([30]) سورة الانبياء:10.
([31]) ينظر: الزركشي: البرهان في علوم القرآن: 2/244، وينظر: السيوطي: الإتقان في علوم القرآن: 2/92.
([32]) سورة الانبياء: 7.
([33]) سورة المائدة: 48.
([34]) سورة الاحزاب: 1.
([35]) ينظر: السيوطي: الإتقان في علوم القرآن: 2/91.
([36]) سورة الاحزاب: 2.
([37]) الزركشي: البرهان في علوم القرآن: 2/242.
([38]) سورة الكهف: 61.
([39]) سورة الرحمن: 22، إنَّما أرادَ القرطبيُّ بقوله: (({يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} وإنما يخرج من الملح))، إنَّ اللؤلؤ والمرجان يخرجان من البحر المالح دون العذب، وسندُ ذلكَ قولُهُ تعالى {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} سورة الرحمن:19- 22.
([40]) سورة الأنعام: 130.
([41]) القرطبي: تفسير القرطبي:11/13.
([42]) الحاكم: المستدرك: 3/18، وينظر: الطبراني: المعجم الأوسط:6/293.
([43]) البخاري: صحيح البخاري: 5/2283، ومسلم: صحيح مسلم: 4/2034.
([44]) سورة يوسف: 32- 34.
([45]) الطبرسي: مجمع البيان: 5/598.
([46]) البغوي: معالم التنزيل: 1/239، وينظر: فتح الله الكاشاني: زبدة التفاسير:3/365.
([47]) ينظر: المجلسي: بحار الانوار: 12/247.
([48]) ويقصد الامام هنا بالضمير (ها) في الظرف (عندها) زليخا امرأة العزيز التي راودت يوسف (عليه السلام).
([49]) الطبرسي: مجمع البيان:5/398، والمجلسي: بحار الانوار:12/276، وفتح الله الكاشاني: زبدة التفاسير:3/365، ينظر: الطباطبائي:الميزان:11/165.
([50]) الطبرسي: مجمع البيان:5/398
([51]) ينظر: الطوسي: التبيان:6/ 134.
([52]) م.ن: 6/134، وينظر: الشريف المرتضى: الامالي: 2/135.
([53]) م.ن: 6/134، وينظر: الشريف المرتضى: الامالي: 2/135.
([54]) الشريف المرتضى: الامالي: 2/134.
([55]) م.ن: 2/134.
([56]) السيوطي: همع الهوامع: 3/98، وينظر: ابن الحاجب: الكافية في النحو: 2/215، وفاضل صالح السامرائي: معاني النحو: 4/683
اترك تعليق