الاستاذة الدكتورة : عهود عبد الواحد العكيلي
المقدِّمة
أَرْسَلَ الله تعالى رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وأنزل إليه الكتاب لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وما الظلمات والنور إلاَّ مصطلحان مجازيان للشر والخير ، ولقد ختم الله تعالى رسالاته السماوية بالإسلام الحنيف وكتبه الإلهية بالقرآن الكريم ، وجعله دستورا للأمة ينهل منه الناس حيث شاءوا ومأدبة يأتونها كلما جاعوا روحيا ونفسيا وعاطفيا .ومن آياته أن خلق عِدْلاً لهذا القرآن مطبِّقا لأحكامه مُظهرا لإعْظَاْمِهِ ، وهم أهل البيت عليهم السلام أهل الفضائل والشِيَم والمناقب والقِيَم ، فَرَضَ الصلاة عليهم على كل مسلم ومسلمة ، وأذهب عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا ، وجعل الصلاح منهجهم ومحاربة الفساد ديدنهم ، فلا يخافون في الله لومة لائم ، وجعل الحق فيهم ومعهم فشعَّ منهم ، لا يتَّبعهم إلا مؤمن ولا يعرض عنهم إلا منافق. وهم ذرية بعضها من بعض في نقاء السريرة ، وقوة الإيمان والتمسك بالقرآن يستقون منه حججهم وينيرون به منهجهم .
؛ولمَّا كان الشر في الأرض كثيراً والإنسان للشيطان وحبائله وإغوائه وتلبيسه أسيراً ، فقد ابتلوا ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ بكثرة الحُسَّاد ومحاربة ذوي الفساد ، فحاولوا إقصاءهم عن مراتبهم التي رتَّبهم الله تعالى فيها ، وجعلوا العراقيلَ في دروبهم والأباطيلَ في خلط الحقائق في أذهان شعوبهم ، وحاولوا النيل منهم تارة بالسَّبِّ واللعن ، وأخرى بالتكفير والطَّعن ، وشنُّوا الحرب عليهم والتنكيل بمتَّبعيهم ، وإغواء ضعاف النفوس من طلاب الدنيا وعبيدها في استسهال البهتان عليهم ، فما كان من أهل البيت عليهم السلام إلاَّ الاجتهاد في بيان منهجهم السوي وجَعْلَ الناس على بيِّنة من أمرهم وعلى محجـَّة بيضاء وإظهار كيد الكائدين وبطلان سبلهم ، وكان لكلٍّ من أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ منهجه الذي يوافق عصره والظروف التي استطاع أن يهيئ لها ويستثمرها بما يظهر صحة منهجه الإصلاحي ، بمقابل خطأ منهج أعدائه .
لقد عمل الإمام الحسن المجتبى بكل ما أوتي من سَعَةٍ وقوة إلى إبراز ذلك وهذا ما ظهر من خلال خُطَبِه ورسائله التي ناظر بها أعداءه أو ردَّ عليهم بما أفحمهم وأبان صِغَرَهم أمام عظمته وفساد منهجهم بمقابل حُسْنِ منهجِهِ ، وقد تجلَّى ذلك في موروثه جُلِّه إن لم يكن كُلَّه ، وقد ظهر أيضا في كلماته القصيرة التي أبانت رأيه في أمورٍ ومعانٍ شتى كشفت عُمْقَ نظراتِهِ إلى بواطن الأمور في مناحي الحياة المتعددة ؛ لذا آثرت استنطاق لغته لِتُفْصِحَ عن سموِّ شخصيته ووجدت أنَّ من المناسب أنْ أدرسَ ذلك من خلال لغة التضاد التي أفاض النقاد المحدثون بالكلام عنها وقصدوا بها : تأصيل استعمال أساليب التضاد من طباق ومقابلة ومفارقة والنظر إليها نظرة أكثر شمولية وعمقا وإعارتها اهتماما أبلغ ، فبحثوا في بيان آثارها العميقة في بنية النص ، فلم تكن عندهم حلية وتزويقا ، بل كانت أساسا في بناء الكثير من النصوص التي أراد مبدعوها التعبير عن مشاعرهم الجياشة ولاسيما في رثاء الأحبة ، أو رثاء المدن أو عند تصوير حوادث جسيمة مرت بهم ، وقد أطلقوا على ذلك ( لغة التضاد ) ، وسيأتي تفصيل ذلك في المبحث الثاني من الفصل الأول
لقد ظهرت هذه اللغة في خطاب الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ سواء في ذلك : السياسي ،أو التعبُّدي عند ذكر خالقه سبحانه وتوحيده وحمده أو ذكر كتابه المبين، أو خطابه الوعظي الإرشادي عند تعامله مع الرعية ، ووسمت البحث بـ ((الخطاب الحسني الشريف ، قراءة استنطاقية لتكامل الشخصية من خلال لغة التضاد البلاغية )) ؛ لأنَّ أساليب التضاد شكَّلت ظاهرة في الخطاب الحسني الشريف ؛ ولتكون بلاغته التي برزت من خلال مواقفه سبيلا لإبراز معالم شخصيته التي استحق بها هذه المكانة العالية التي بوَّأها له الله تعالى إذ جعله من أهل البيت عليهم السلام ، وبوَّأه رسوله الكريم إذ جعله وأخاه الإمام الحسين عليهما سيدي شباب أهل الجنة وإمامين قاما أو قعدا؛ لذلك كانا محطَّ العناية الشديدة لأبيهما أمير المؤمنين وأمهما السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهما ؛ لِيُصْبِحَا كما قُدِّر لهما مثالا يحتذى وإمامين للورى . واقتضى البحث أن يكون في فصلين، كان الفصل الأول عن : بلاغة الإمام الحسن الزكي عليه السلام وملاءمة لغة التضاد لدراستها وجاء في مبحثين : أحدهما : بلاغة الإمام الحسن الزكي عليه السلام ومنابع ثقافته ، والآخر : أضواء على مصطلح التضاد قديما وحديثا وأهمية لغة التضاد .
أما الفصل الثاني فتناولت فيه :ملامح شخصية الإمام من خلال توظيف لغة التضاد وكان في ثلاثة مباحث : تناول المبحث الأول : الإمام المستحق لمرتبة الإمامة من خلال إبراز ثنائية الخير والشر وكان في مطلبين : الأول : التحليل الموضوعي للنصوص الدالة على الإمامة من خلال لغة التضاد ، والآخر : التحليل البلاغي للنصوص الدالة على الإمامة من خلال لغة التضاد . أما المبحث الثاني :فتناول الإمام العابد من خلال ثنائية العبد والرب والكمال والنقص ؛ لأجعل من التضاد سبيلا لإظهار أصالة تعبُّده الذي جاء عن دراية العارف بالله تعالى ، وإبراز عظمة الخالق المستحق للعبادة وقوته بإزاء ضعف المخلوق واحتياجه لمساندة ربه ،وكان في مطلبين: الأول : التحليل الموضوعي للنصوص الدالة على العبادة من خلال لغة التضاد. والآخر :فاختص بالتحليل البلاغي للنصوص الدالة على العبادة من خلال لغة التضاد .
وخصصت المبحث الثالث لـ : الإمام صاحب الخلق الرفيع من خلال ثنائية الحلم والنزق والوعظ واقتراف الذنب؛ لإبراز تعامله مع الرعية، من شدة حِلمه المستند إلى أصالة خلقه ومبلغ علمه أو وعظه لإصلاح خلل نجم عن اقتراف الخطأ ، وكان في مطلبين أيضا :
الأول : التحليل الموضوعي للنصوص الدالة على الحث على حُسْنِ الخلق من خلال لغة التضاد ، أما الآخر فتناول : التحليل البلاغي للنصوص الدالة على الحثَّ على حُسْنِ الخلق من خلال لغة التضاد ، وختمت البحث بخاتمة وتناولت أهم نتائجه ، أتبعته بقائمة لهوامش البحث وأخرى لمصادره وكان أولها القرآن الكريم ، ومصادر توزَّعت ما بين كنوز التراث الأدبية والبلاغية أو ما أبدعه البلاغيون والنقاد المحدثون ، واستقيت أقواله الشريفة من المصادر التي روت تراث أهل البيت عليهم السلام ، كما أفدت من مصادر الحديث الشريف المعتمدة ، عسى أن يوفِّقني الله تعالى لكشف النقاب عن شيء من الدُّرِّ المكنون لهذا التراث الثَّرِّ ، وإبراز جمال التضاد وأثره في إثراء دلالة خطب الإمام الحسن الزكي عليه السلام ورسائله وكلماته القصيرة ، بما يبيِّن دفاع الإمام عن أحقية أهل البيت عليهم السلام ويرفعُ الظلم عن شخصية فريدة عاشت في ظروف عصيبة حاول المغرضون تشويه معالم قوتها ، أو تقويض مسارات تأثيرها ، والتعمية على عمق أصالتها ، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا بفعل نَصْرِ الله لها ، وبفعل ما قدَّمَتْهُ من مواقف وتراث أصيل فأَلْجَمَتْ أعداءَها ـ على كثرتهم وحساسية مراكزهم ـ وكشَفَتْ زيفَ أباطيلِهِم وأسقَطَتْ أقنعتهم ، فمَضَتْ إلى ربها حَمِيْدةً صَاْبِرَةً صَاْمِدَةً شهيدةً ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الفصل الأول : بلاغة الإمام الحسن الزكي عليه السلام وملاءمة لغة التضاد لدراستها :
المبحث الأول : بلاغة الإمام الحسن الزكي عليه السلام ومنابع ثقافته
نشأ الإمام الحسن المُجتبَى ـ عليه السلام ـ في بيت جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي حوى بيت أمير المؤمنين وزوجه السيدة الزهراء بنت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فكان لتلك النشأة أكبر الأثر في منطق الإمام الحسن عليه السلام وقوة شخصيته وسديد حُجَجِه التي أفحمت خصومه فلم يستطيعوا لها دفعا ولا ردَّا إلاَّ بما يظهر صِغَرَهم أمام عظمته وانهزامهم أمام ثباته فاتخذوا سُبُلَ المكر والخداع وسائلَ لإيذائه والتعتيم على شخصيته أو تشويه الحقائق والقراءة المغلوطة للأحداث من خلال التعتيم الإعلامي على تلك الشخصية أو تجنيد مَنْ يؤذيه علنا أو سِرَّا ، فلمَّا لم تنفعهم الوسائل وأعيتهم الحِيل لجأوا إلى اغتياله بالسُّم كما أوردت ذلك الكتب التي ترجمت للأئمة المعصومين وكتب التاريخ (1). إنَّ من يتفحَّص شخصية الإمام الحسن الزكي عليه السلام يجد فيها ما يأتي :(2)
ـ الصفات والمميزات التي امتاز بها الإمام وأخفق حاسدوه في الوصول إليها مثل : نسبه الكريم وحسبه الشريف فهو سبط رسول الله صلىاللهعليه وآله وسلم وسيد شباب أهل الجنة وابن أمير المؤمنين وابن سيدة نساء العالمين ـ عليهما السلام ـ وقد اعترف بذلك الأعداء قبل الأصدقاء .
ـ شبهه الكبير خَلْقاً وخُلُقَاً ومنطقا بجدِّه المصطفى صلىاللهعليه وآله وسلم ومِنْ أظْهَرِ ذلك أدبُهُ الجَمُّ ونباهته وفِطنته وخشيته من الله تعالى وقول الحق فلا تأخذه فيه لومة لائم ، وتواضعه وكرمه وكياسته .
ـ إعداد الرسول الكريم صلىالله عليه وآله وسلم له ولأخيه الإمام الحسين عليهما السلام ; ((لتسلّم مقاليد الحركة النبويّة العظيمة و الهداية الربّانية الخالدة بأمر من الله سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين وكيد الخائنين...))(3) .
ـ منطقه وقوة حجتَّه المتأتِّيان من علمه الذي كانت أهم منابعه :
ــ العلم اللَّدني الإلهي ولا ريبَ في ذلك فالإمام الحسن المجتبى الزكي ثاني أئمة أهل البيت (ع) ، وهم عدل القرآن ، وكان علمهم علماً لدنيَّاً إلهيَّاً ، وقد أورد الجاحظ في ذلك نقلا عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ، عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(( إنَّ أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا ألا وإنَّا من أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا وان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وان لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا معنا راية الحق من تبعنا لحق ومن تأخر عنا غرق ألا وإن بنا ترد دبرة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقكم وبنا فتح وبنا ختم لا بكم )) (4)
ــ العلم المتوارث عن جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه فاطمة الزهراء ولاسيما المعرفة الدقيقة بالقرآن الكريم نستشف ذلك مما ذكره سليم بن قيس الهلالي عند أشارته إلى عناية أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بالقرآن الكريم ومتابعته لكل صغيرة وكبيرة فيه ابتداء من يوم نزول أول آية فيه ومراجعته مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومذاكرته معه كل يوم ومعرفة دقائقه وخفاياه ، فينقل سُلَيْم بن قيس الهلالي قول الإمام علي ـ عليه السلام ـ مجيبا عن سؤال وجِّه له حول تلقُّفه القرآن من رسول الله صلى الله عليه وآله : (( وكنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في كل يوم دَخْلَةً وفي كل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار وقد علم أصحاب رسول الله أنه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، وربما كان ذلك في منزلي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله .... فإذا كان في بيتي لم تقم من عندنا فاطمة ولا احد من ابنيَّ ))(5) ، وهذا يدل على مقدار علم أمير المؤمنين ع والسيدة فاطمة الزهراء ع والحسنين ع بهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فمعلمهم رسول الله الذي لا ينطق الهوى إن هو إلاَّ وحي يوحى علَّمه شديد القوى ، ولا ريب فهم أهل البيت ع وحُقَّ لهم أن يكونوا عدل القرآن كما أشار إلى ذلك رسول الله في حديث الثقلين : ((إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين - وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة والوسطى - فتسبق إحداهما الأخرى ، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا))(6)
أما أهم ما ميَّز خطاب الإمام الحسن عليه السلام فهو الآتي :
أولاـ فصاحة الألفاظ وبلاغة العبارات والدقة في استعمال كل أسلوب في موضعه بحسب ما يقتضي السياق على وفق مقتضى الحال.
ثانياـ كثرة حمد الله وبيان صفاته العظيمة وتفرُّده بالربوبية والرضا بما قَدَّرَه سبحانه وتناول ذلك بتفصيل في خطبه ؛ لتكون مقدمات إقناعية لمن آمن بذلك أن يُسلِّم بأحقية أهل البيت عليهم السلام لما أعطاهم الباري سبحانه من رفعة المكانة والتقديم وبأحقية الإمام الحسن المجتبى بالإمامة امتثالا لأمر الله تعالى وأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وضرورة استخلاف الأجدر والأفضل لقيادة الأمة .
ـ استعمال الحجة والدليلين النقلي والعقلي لإقناع السامعين ولاسيما من القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأقوال المأثورة والأبيات الشعرية السائرة والأمثال العربية .
ـ الإيجاز والتكثيف في خطبه ورسائله وكلماته القصيرة ؛ مما يدل على تمكُّنه من ناصية اللغة ومعرفته الدقيقة بأفانينها ودقَّته في تناول أساليبها . وهذا ما سيظهر جليا في أثناء البحث بمباحثه الثلاثة إن شاء الله تعالى .
المبحث الثاني : أضواء على مصطلح التضاد قديما وحديثا وأهمية لغة التضاد .
: أضواء على مصطلح التضاد قديما وحديثا :
من الموضوعات البديعية المهمة التي تثري الدلالة في النص الأدبي في مستوى السياق ما اصطلح عليه البلاغيون القدماء بـ"الطباق" والتكافؤ، والمقابلة" وكلها تقوم على إبراز المعاني المتضادة.
إنَّ أول من أشار إلى أهميته الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت180هـ) في تعريف (المطابقة) أو (الطباق)، ونقل ذلك ابن المعتز (ت296هـ)( 7) ويرى ثعلب (ت291هـ) في الطباق الذي يسميه "مجاورة الأضداد" أنه "ذكر الشيء مع ما يعدم وجوده" ( 8) وأفرد عبد الله بن المعتز لهذا الفن باباً ترتيبه الثالث سمَّاه المطابقة في كتابه البديع(9) ورأى القاضي الجرجاني (ت392هـ) للمطابقة شعبا خفية قد لا تتميز إلا للنظر الثاقب والذهن اللطيف (10)وأشار ابن وهب الكاتب إلى صحة المقابلة والمشاكلة في المطابقة ضمن ما يرفع من قيمة الشعر الفنية(11) ، وتحدث قدامة بن جعفر (ت327هـ)، عن التكافؤ ويقصد به التقابل جاعلاً إياه من نعوت المعاني (12) ، أما ابن رشيق (ت456هـ) فسمّى التكافؤ (المطابقة)(13) ، وكان ابن أبي الأصبع المصري أكثر توضيحاً للمصطلح حيث عدَّ الطباق المجازي تكافؤاً (14) .
أما (المقابلة) فقال عنها قدامة بن جعفر (ت327هـ): "وهو أن يضع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض والمخالفة، فيأتي بالموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة، أو يشترط شروطاً ويعدد أحوالاً في أحد المعنيين، فيجب أن يأتي في ما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده، وفي ما يخالف بضد ذلك (15) ، و تطرق إليه أبو هلال العسكري (ت395هـ) فقال :"إيراد الكلام ثم مقابلته بمثله في المعنى واللفظ على جهة الموافقة أو المخالفة )) (16) ، غير أن كثرة المصطلحات، والاهتمام بالتفريع الشكلي والتقسيم دون التركيز على الأثر الدلالي لهذا الفن وارتباطه ببنية النص العميقة لا يبرز أهمية التضاد كما أرادها المبدعون ، وهي تشتت ذهن الدارس أو المتلقي حتى يستطيع أن يتبيَّنَ الفروق بينها (17) ، والملاحظ أن مما ورد أنَّ البلاغيين القدماء تذوقوا التضاد وبيَّنوا آثاره الدلالية والنغمية والتصويرية .
أما البلاغيون المحدثون فهم ليسوا على رأي واحد أنما كانوا يمثلون مدارس نقدية مختلفة ولكل طريقته ، فمنهم من تابع القدماء في دراساتهم فكان اتجاههم تقليدياً أو اتباعياً للبلاغيين السابقين مثل أحمد مصطفى المراغي(18) ، و د. أحمد مطلوب(19) ، ود. فضل حسين عباس(20) ، ومنهم من وقف بين التقليديين والمجددين مثل د. محمد عبد المطلب عند دراسته لمصطلحات التضاد مثل مصطلحي التطابق والتقابل اللذين جعلهما في حديثه مصطلحاً واحداً من خلال عطف إحداهما على الآخر (21) ، ومن البلاغيين العرب المحدثين من سلك طرق التجديد من خلال إطلاعه على المناهج النقدية الحديثة والمدارس النقدية الجديدة التي أثّرت في الفكر البلاغي والنقدي العربي، وكان موضوع التضاد من الموضوعات الأساسية التي أنصبّ عليها الاهتمام من المناهج النقدية الحديثة كالبنيوية والشعرية، والأسلوبية، والسيميائية، والقرائية، فالتضاد كان أساساً بنائياً للمنهج البنيوي في تركيزه على الثنائية بشكل عام والثنائية الضدية بشكل خاص وقد مثل ذلك د. كمال أبو ديب في الثنائيات (22) ، ومن خلال الشعرية أكمل د. كمال أبو ديب رأيه في التضاد، كاشفاً أثره في تحقيقها حين يتحدث عن مسافة التوتر (23)
) ، وقصد بلغة التضاد جميع أنواع المغايرة والتمايز بين الأشياء في اللغة والوجود (24)، ثم يوضح رأيه قائلاً: "وإنا إذا أحسنّا اكتناه التضاد وتحديد مختلف أنماطه ومناحي تجليه استطعنا في خاتمة المطاف أن نجعل أنفسنا في مكان هو الأكثر امتيازاً وقدرة على معاينة الشعرية وفهمها من الداخل وكشف أسرارها"( (25) ، ويستمر في بيان أهمية التضاد في حديثه عن أهمية الخلق الشعري، حيث يجعل التضاد هو المنبع الرئيس للفجوة: مسافة التوتر وبالتالي للشعرية (26) ، وقد اعتمد د. محمد مفتاح الثنائية منطلقاً لدراسة السيميائية حيث يقول: "إن هذه النقطة تسلمنا إلى صلب الدراسات البنيوية للمعنى التي اتخذت منطلقاً لها ثنائية الظواهر فزعمت إنها 9اللغة/والكلام، والدال/ المدلول(27) ، أما د. صلاح فضل فيتناول التضاد عند دراسته للأسلوبية ويجعل قيمته الأسلوبية تكمن في نظم العلاقات الذي يقيمه بين العنصرين المتقابلين (28) ، وأشار د. مختار أبو غالي إلى أهمية لغة التضاد عند الحديث عن شمولية المفارقة التي قد تكون في الكلمة الواحدة أو العبارة الواحدة كما تكون بين العبارات والصور المتقابلة (29) ويقصد الأديب من إيرادها غايات اجتماعية وسياسية أو تحقيق دلالات نفسية، وهي الأكثر دوراناً وشيوعاً (30) ، والملاحظ أنَّ النقاد ركَّزوا على الشعر ولم يلتفتوا كثيرا إلى أثر التضاد في النثر الفني كالخطب والرسائل على كثرة وروده فيهما ، وقد وجدت الخطاب الحسني الشريف كثير التضاد؛ لأنَّ في لغة التضاد ما يعبر بشكل مؤثر عما أراد الإمام إيصاله فبرزت هذه اللغة في خطابه بشكل ملفت للنظر في عباراته التي أبرزت صوره المتقابلة فأَدَّت ما أراد إبلاغه والوصول إليه من الإصلاح الاجتماعي والسياسي، أو بيان موقفه من أهم القضايا التي أحاطت بالمجتمع سياسيا واجتماعيا وإبراز ما حاول الأمويون إخفاءه أو تغيير صورته من قراءة الأحداث التاريخية والسياسية المتناقضة أو المتضادة ، وإيضاح ما حاول أعداء الدين إبهامه أو خلط حقائقه بالشبهات فكان التضاد بأساليبه المختلفة وإدخاله في سياقات متعددة أفضل الوسائل لإيصال أفكاره إلى الناس ولإثراء دلالة نصوصه الشريفة .
الفصل الثاني : ملامح شخصية الإمام من خلال توظيف لغة التضاد
المبحث الأول : الإمام المستحق لمرتبة الإمامة من خلال إبراز ثنائية الخير والشر
على الرغم من النَّصِّ على إمامة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي وصفه الله تعالى بقوله الكريم : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ) سورة النجم 3ـ5 ، إلاَّ أن ذلك كان مستندا مع الوحي إلى صفات فريدة تحلَّى بها هذا السبط المبارك ، ومن يقرأ خطابه يدرك أهمية إبرازه جانبَ الخير المتمثِّل فيه ـ عليه السلام ـ وفي آل بيته الكرام ، وقد أُقْصُوْا عن مراتبهم الشريفة التي كان يجب أن تسود بحسب المنطق السليم ـ بمقابل جانب الشر المتمثل في أعدائه غير المستحقين للقيادة الذين استلموا مقاليد الأمور من خلال الترغيب بإغواء الناس الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة بالمغريات الدنيوية ، أو بالترهيب والتنكيل لكل من خالفهم في نهجهم ، أو ناصر أهل البيت عليهم السلام .
؛ لذا برزت عناية الإمام الحسن الزكي بالخطاب السياسي المظهر لاستحقاقه المكانة السياسية والدينية عنايةً كبيرة ؛ نظرا للظروف السياسية الصعبة التي أحاطت به فدخلَ معتركَها ، محاولا إبراز الحقائق التي حاول الأمويون بشكل متكرر خلطها أو قراءتها بصورة مغلوطة وتشويه الصورة الناصعة لقوة شخصية سبط رسول الله صلى الله عليه وآله ، مِنْ رَمْيِهِ بِعدمِ الحِكْمَة ؛ أحيانا وبالضعف أحيانا أخرى ، فجاءت عنايته ـ عليه السلام ـ بذلك الخطاب ؛ لإيضاح الحقائق وتبرير المواقف التي مرَّت به ، ورفع الظلم الذي حاق بأبيه أميرِ المؤمنين من خلال سبِّ الأمويين له على المنابر(31)، عن طريق بيان سبقه في الإسلام وذبِّه عن حياض الدين الحنيف وجهاده المتفرِّد ، وثَبَاتِهِ في كل المعارك مهما كانت شدَّتُها ، وبرز استعمال التضاد في خطاب الإمام الحسن السياسي ، وكانت أهم سياقاته وأساليبه سياق الموازنة بينه وبين خصمه بأسلوب المقابلة وهو التضاد بالجمل ، فقد عمد الإمام الحسن عليه السلام إلى الموازنة بينه وبين خصمه بأسلوب المقارنة : وهو إبراز أوجه التشابه والاختلاف بين موقفين ، أو عبارتين ، أو مفهومين ، أو مثالين ، أو واقعتين ...وله أثره البارز في الإقناع حيث يكون من الضروري الموازنة بين فكرتين أو أكثر ؛ للانتصار لهذه الفكرة أو تلك ، كما أنَّ الموازنة مهمة من جهة حاجة المقارن إلى هذه الآلية ؛ لإبراز أوجه التشابه والاختلاف بينه وبين مخاطبه من حيث القِيَم ، أو الأهداف المشتركة ، وهذا ما ظهر في الموازنة التي عملها الإمام بينه وبين معاوية ، فبرزتْ مِن خلال إيضاح مميزاته الكريمة سلبياتُ خصمه التي يعرفها السامعون ؛ ليتضحَ بذلك عُلوُّ مكانه بمقابلِ دنوِّ مقام مَنْ أضمرَ له العداوةَ والبغضاءَ ؛ وسأورد مثالين قائمين على التضاد ومختلفي جهة الموازنة :
المثال الأول :الذي وازن فيه الإمام الحسن بينه وبين معاوية :
وفيه بروز لانتصار الإمام الحسن لأبيه أمير المؤمنين الإمام علي ـ عليه السلام ـ وهو أحد المواطن الكثيرة التي نال الأمويون فيها منه : فقد (( روى الشعبي أنّ معاوية قدم المدينة فقام خطيباً فنال من علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقام الحسن بن علي عليه السلام فخطبَ فحمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال له : (( إنّه لم يُبعَث نبي إلاّ جعل له وصي من أهل بيته ، ولم يكن نبي إلاّ وله عدوّ من المجرمين ، وإنّ عليّاً عليه السلام كان وصيَّ رسول الله صلى الله عليه وآله من بعدِهِ ، وأنا ابن علي ، وأنت ابن صخر ، وجدّك حرب وجدّي رسول الله صلى الله عليه وآله ، واُمّك هند واُمّي فاطمة ، وجدّتي خديجة وجدّتك نثيلة ، فلعن الله ألأمنا حسباً وأقدمنا كفراً وأخملنا ذكراً وأشدّنا نفاقاً ، فقال عامّة أهل المسجد : آمين ، فنزل معاوية فقطع خطبته ))(32)
المثال الثاني : وهو الذي وازن فيه معاوية بينه وبين الإمام الحسن عليه السلام
حيث يخاطب معاوية الإمام قائلا : (( أنا خير منك يا حسن ، قال ــ الإمام الحسن (ع) ــ : وكيف ذاك يا ابن هند؟ ! ، قال : لأنّ الناس أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك ، قال هيهات هيهات لشرّ ما علوت ، يا ابن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بينَ مُطيع ومُكرَه ، فالطائع لك عاصٍ لله ، والمُكرَه معذورٌ بكتاب الله ، وحاشَ للهِ أن أقول : أنا خيرٌ منكَ فلا خيرَ فيكَ ، ولكنّ اللهَ بَرَّأني منَ الرذائلِ كما بَرَّأك من الفضائلِ))(33)
ـ المطلب الأول : التحليل الموضوعي للنصوص الدالة على الإمامة من خلال لغة التضاد
ـ من خلال التأمُّل في النَّصَّين أجد أنَّ الإمام الحسن عليه السلام في الموضعين لم يكن قاصدا إظهار فضائله لأجل إشهارها فهي معروفة ، إنما لأجل تفنيد إدعاء معاوية بالفضل ـ ولا صحة له ـ ودحضه بالحجج والأدلة وإبراز الصورة الحقيقية التي تخفى على من أضلهم الإعلام الأموي.
ـ أراد الإمام الحسن في النص الأول عن طريق التضاد إبراز حقيقة حاول معاوية طمسها بالنيل من الإمام علي عليه السلام وهي : أنَّ لكل نبي وصياً وهذا الوصي يكون على منواله من الصلاح وحُسْنِ الخلق والتقوى والورع وقوة الدين والمحافظة عليه والاستمرار في السير على هَدْيِهِ وهو يمثل هنا أمير المؤمنين الذي عرفه بذلك الأعداء قبل الأصدقاء ، ونصَّ الرسول على وصايته من بعده بأحاديث ذهبية في صحتها وتواترها ولاسيما حديث المنزلة حين قال في غزوة تبوك : (( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنت ولي كل مؤمن بعدي ))(34) وغدير خم(35) ، وبالمقابل فإنَّ لكل نبي عدو من المجرمين ، وقد صرَّح الإمام الحسن بذلك في قوله ((، وإنّ عليّاً عليه السلام كان وصيَّ رسول الله صلى الله عليه وآله من بعدِهِ )) ليرد على النيل من أبيه مذكرا بحديث المنزلة وخم )) وليذكِّر بأن الطرف الآخر ـ وهو عدو النبي ـ هو مَنْ ينال من الوصي ليلمِّح بذلك إلى معاوية وهذا أبلغ في التأثير من التصريح ، وأكثر لياقة بسبط النبي الذي يترفع عن سبِّ الأعداء أو النص على عداوتهم بالتصريح ، ولكي لا يرد على معاوية بمثل طريقته السبَّابة اللعَّانة غير اللائقة ؛ لأنَّ ذلك ليس من صفات المؤمن ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِطَعَّانٍ وَلَا بِلَعَّانٍ وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ ))(36)
، بل يتحدثُّ السبط بطريقة الأئمة والصالحين التي تُصَرِّح بالفضائل وتترفع عن ذكر الرذائل وتلمِّح لها تلميحا ؛ ولكي ينضح كل إناء بما فيه فالخير لا ينضح إلا خيرا والشر لا ينضح إلاَّ شرا .
ـ استعمل الإمام المقارنة ؛ لأنها أفضل وسيلة لإظهار الأطراف المتضادة ، كما أنَّها من أقوى آليات الحجاج حتى يعلم الناس صفات الجهتين المتحاجتين ويرسموا صورة واضحة لكل منهما من خلال تلك المقارنة .
ـ عندما ذكر الإمام الحسن النص من النبي على وصاية أمير المؤمنين انتسب إليه مباشرة بقوله : ((وأنا ابن علي)) ؛ ليذكر بأنَّ الصلاح فيه وفي أبيه الإمام علي عليه السلام ، وأنَّ معاوية منازع لهما ومغتصب حقَّيهما ، وليوازن هذا الانتساب الذي يمثل الخير كله بانتساب معاوية لأبي سفيان (صخر)الذي جنَّد الأحزاب لحرب رسول الله وشهر الحراب بوجهه بقوله : ((وأنت ابن صخر)) مستعرضا ما في انتساب الإمام الحسن من شرف رفيع وفي انتساب معاوية من خزي وضيع ، علما بأنَّ الإمام اكتفى بذكر الأسماء من الطرفين ؛ ليجعل ما عَلِقَ بأذهان الناس من معرفة حولها حاضرا بما تمثلها تلك الأسماء من جانبي الخير والشر دليلا على استحقاق اللعن لمن كان به جديرا بما كسبت يداه.
ـ جَعَلَ الإمام الحسن عليه السلام الناس المخاطبين طرفا فعَّالاً في خطابه بوصفهم جهةً تحكيميةً متفاعلة ، وصاحبة رأي وليست جهةً مستمعةً وحسب ولا أثر لها في توصيل الفكرة المعروضة ؛ لأن سبَّ معاوية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام والنيل منه كان الناس طرفا استهدفه معاوية لإيصال فكرة السب له وجَعْلِها سُنَّة لكل مَنْ أراد أن يُلقِيَ خُطبة على رؤوس الأشهاد ، فكان من الملائم أَنْ يأخذ الإمام رأي الناس في الجهة المستحقة اللعن بعد أن عرض ما تحمله الجهتان من صفاتٍ وخصالٍ .
ـ أنهى الإمام النص الأول بالدعاء على مستحق اللعن من دون أَنْ يعيِّنه بقوله : ((فلَعَنَ اللهُ ألأمَنَا حسباً وأقدمَنا كفراً وأخملَنا ذِكراً وأشدَّنا نِفاقاً )) ؛ ليجعل أذهان الناس متفكِّرة لا تقبل فكرة اللعن على عِلاَّتها.
ـ بعْدَ أنْ ألقى الإمام هذا الدعاء تلقَّفهُ الناسُ بالتمعُّن في معناه والتفكُّر في دلالته و التأمُّل في بلاغته فتفاعلوا معه في تعيين مستحق اللعن بما هو عليه من صفات سلبية ، ويتبيَّن ذلك مما نقله راوي الخبر بقوله : (( فقال عامّة أهل المسجد : آمين )). فعلى الرغم من أنَّ الكثير من مستمعي الخطبة من مناصري معاوية إلاَّ أنَّ ذكاء الإمام في عدم تحديد اسم المستحق للعن وتوجيه الأنظار للصفات جعل الناس تناصر الحق من دون تحيُّز ؛ لأنَّه دعاء على اللئيم والكافر وخامل الذكر من المنافقين .
ـ لمَّا رأى معاوية ذلك التفاعل وشدَّة تأثير خطبة الإمام الحسن بالجمهور، تيقَّن أنَّ استمراره في خطبته التي تفصح عن مكنون شخصه ولؤم طبعه ليست في صالحه ، بل ستقلب الأمور عليه ، آثَرَ قطْعَها بنزوله من المنبر ، وقد نقل الراوي ذلك بقوله : (( فنزلَ معاويةُ فقطعَ خُطْبَتَهُ )) .
ـ إنَّ الناسَ يعرفون مكانة الإمام الحسن السبط عليه السلام ، وقد عزَّز ذلك أنَّ معاوية قد ذكر ذات يوم ما أورده الإمام الحسن في بيان حسبه الطاهر ونسبه الذي لا يجارى في كلمة ــ في مناسبة غير هذه ــ عَرَّفَ فيها معاويةُ بالإمامَ الحسنَ عليه السلام ، ونقلها ابن عبد ربه الأندلسي : (( قال مُعاوية يوماً لجُلسائه: مَن أكرمُ الناس أباً وأمًا وجداً وجَدةً وعمّاً وعمّةً وخالاً وخالةً ؟ فقالوا: أميرُ المؤمنين أعلم. فأخذ بيد الحسن بن عليّ وقال: هذا، أبوهُ عليُّ بنُ أبي طالب، وأمُّه فاطمةُ بنتُ محمد، وجدّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، و جدَته خديجة، وعمّه جعفر، وعمَّته هالة بنت أبي طالب، وخاله القاسم بن محمد، وخالته زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم ))(37) ومن المعروف أن ما كان يقوله معاوية ينقل ويشهر لِيعلمَهُ الناس وهذا الخبر بالتأكيد من ضمنه.
ـ أما التحليل الموضوعي للنص الثاني : فكانت أبرز معالمه :
ـ رأى الإمام أنَّ معاوية يفخر بما لا فخر فيه مستغربا من استعلائه بما هو شر ليفخرَ على من لا مزيد للفخر عليه في النَّسَبِ والخُلُقِ والحكمة والأدب بقوله عليه السلام: (( هيهات هيهات لشرّ ما علوت )) ؛ لأنَّ معاوية سليل عائلة عرفت بمحاربتها رسول الله وأقرب مناصريه ، وأبرز ذلك من خلال ندائه بلقب أمه في قوله : ( يا ابن آكلة الأكباد ) فهي المحرِّضة على قتل أسد الله وأسد رسوله الحمزة عم رسول الله صلى الله عليه وآله غدرا والتمثيل به في معركة أحد ومحاولة أكل كبده(38)
ـ أشار الإمام إلى أنَّ معاوية يمثِّل الجهة العاصية لله ؛من خلال خطابه لمعاوية بقوله : (( المجتمعون عليك رجلان : بين مُطِيعٍ ومُكرَهٍ ، فالطائعُ لك عاصٍ لله ، والمُكرَه معذورٌ بكتاب الله )) فمن أطاعه عن قناعة فهو عاصٍ لله ؛ لأن معاوية يأمر بالباطل وينهى عن الحق ، والمُكْرَه على طاعة معاوية معذور في كتاب الله لأنه أكره على العصيان ، فالإمام يحيل إلى قوله تعالى:(مَنْ كفرَ بالله مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وقلبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيْمَانِ ) النحل : 106 ، هذا يدل على استحضاره كتاب الله الكريم في حججه في الوقت المناسب.
ـ رأى الإمام أن القَدَرَ الذي يجعل اجتماع الحق والباطل متمثلا بالإمام الحسن الزكي عليه السلام ومعاوية في مكان واحد لا يعني التكافؤ والموازنة فلا قياسَ بينهما نستشفُّ ذلك من نهاية قول الإمام : ((، وحاش لله أن أقول : أنا خير منك فلا خير فيك)) ردا على بدء قول معاوية : (( أنا خير منك يا حسن )) فالإمام يأنف من المقارنة ؛ لأنه يراها مستحيلة بعدم وجود المعيار الذي يجوز به القياس ، وأستشفُّ ذلك من قوله عليه السلام : (( ولكنّ الله برَّأني من الرذائل كما برَّأك من الفضائل )) فبقدر خلو الإمام من الرذائل كان خلو معاوية من الفضائل ، فكان التناسب والتلاحم باديا بربط آخر الكلام في الردِّ بأول مقارنة الخصم النِّدِّ .
المطلب الثاني : التحليل البلاغي للنصوص الدالة على الإمامة من خلال لغة التضاد
أفاد الإمام الحسن عليه السلام من إمكانياته البلاغية المتفرِّدة للرد على خصمه وتغيير نتائج الموقف إلى الضدِّ لصالحه ، وقد تأمَّلت النص الأول كثيرا بعين الناقد المتفحِّص فوجدت ما يأتي :
ـ وجود أنواع الأخبار الثلاثة التي صنَّفها البلاغيون ؛ وذلك بحسب نسبة الشك في أذهان السامعين ، وسأذكرها بحسب ترتيب ورودها في نص الأمام :
ـ أولا : الخبر الإنكاري : وهو الذي يحتوي على أكثر من مؤكد واحد وقد جاء لتعزيز حقيقة وجود وصي لكل نبي فاحتاج التأكيد لإزالة الإنكار الذي قد يعلق بأذهان العديد من السامعين المضَلَّلين بالإعلام المعادي لأهل البيت عليهم السلام ؛ لذلك قال : (( إنّه لم يُبعَث نبي إلاّ جعل له وصي من أهل بيته ، ولم يكن نبي إلاّ وله عدوّ من المجرمين )) فقد أكَّـد بـ ( إنَّ ) و( الحصر بــ ( ما و إلاَّ ) جاعلا ذلك داخلا في نسق التضاد فالنبي له وصي يعاضده وهو من أهل بيته وفي طريقه عدو مجرم يكيد له وهو مخالف لنهج الحق الذي بعث من اجله النبي ودعا الناس إليه ، مبينا أنَّ الوصي هو والده أمير المؤمنين ؛ ليتضح للناس علو مقام الإمام الحسن عليه السلام بإزاء عدوه .
ـ ثانيا : الخبر الطلبي : وهو الذي يحتوي مؤكدا واحدا لإزالة الشك الذي قد يعلق بذهن أحد السامعين ، وقد ورد في هذا النص بقولــه : ((وإنّ عليّاً عليه السلام كان وصي رسول الله صلى الله عليه وآله من بعده )) إذ أكد بـ ( إنَّ )خبر أنَّ وصي الرسول صلى الله عليه وآله من بعده هو الإمام علي عليه السلام الذي عمد معاوية إلى النيل منه في ذلك الموقف مما استدعى توكيد الإمام الحسن عليه السلام على بيان سوء ما بدر من معاوية بما لا يختلف عليه المسلمون بحيث تتضح الجريمة التي ترتكب بحق أبيه .
ـ ثالثا : الخبر الابتدائي : وهو الخبر الخالي من المؤكدات ، الذي لا يشك به أحد ، وقد ذكر فيه الإمام حقائق لا ينكرها سامع شهد ذلك الموقف ، مستفيدا من الموازنة بين شخصيتي الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية ردا على ما بدر من معاوية بالنيل من الإمام علي عليه السلام ولَعْنِه شخصه على الملأ ، حيث قال : ((وأنا ابن علي ، وأنت ابن صخر ، وجدّك حرب وجدّي رسول الله صلى الله عليه وآله ، واُمّك هند واُمّي فاطمة ، وجدّتي خديجة وجدّتك نثيلة ، فلعن الله ألأمنا حسباً وأقدمنا كفراً وأخملنا ذكراً وأشدّنا نفاقاً )) ولم يخالفه السامعون فيما قرره من حقائق معروفة لديهم مقترنة بذكر أسماء الأعلام الإيجابية والسلبية .
ـ استعمل الإمام بعد ذلك أسلوب الدعاء على الأكثر لؤما والأقدم كفرا والأخمل ذكرا والأشد نفاقا من الرجلين ؛ ليوضح أنَّ اللعن يجب أن يكون لمن اتصف بالصفات سالفة الذكر وليس لمن كمل إسلامه ورفع الرسول صلى الله عليه وآله مقامه ؛ ليرد على بدعة معاوية في سب أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ على جلالة قدره ، فكان جواب عامّة أهل المسجد لدعـــائه : ( آمين ) وهو اسم فعل أمر بمعنى ( استجب) يطلقه المبتهلون إلى الله تعالى ولا يكون إلاَّ عن قناعة ، وكان ذلك مؤثرا في الموقف بشكل كبير ودالا على قدرة كبيرة على استثمار وسائل الحجاج الخبرية لدى الإمام الحسن عليه السلام أدت إلى إقناع الجميــع فكانت النتيجة : (( فنزل معاوية فقطع خطبته )).
ـ استعمل الإمام أسلوب الذكر وأحد طرفي المهيمنة الأسلوبية التركيبة ( الحذف والذكر ) فقد ورد في خطاب الإمام ذكر الضمير في الجملة الخبرية : (( وأنا ابن علي ، وأنت ابن صخر)؛ للدلالة على المتكلم وهو الإمام الحسن (أنا ) والمخاطب (معاوية ) على حين عبَّر عمَّن يمُتُّ لهما بصلات القربى بالكلمات في : (جدّك) و(جدّي) ، و(اُمّك) و(اُمّي ) ، و(جدّتي) و(جدّتك) ؛ ليتمكن الناس من استحضار ما يتعلق بهم من خصال حسنة أو سيئة بحسب ما ارتبط دلاليا بكل اسم من هذه الأسماء .
ـ أما التحليل البلاغي للنص الثاني ففقراته كالآتي
ـ غلبة المهيمنات البلاغية التركيبية والمهيمنات السياقية والصوتية على البيانية التي تلاشت في هذه الحادثة ؛ لحاجة الإمام إلى الإقناع الذي يتجلَّى بأبرز مناحيه في التركيب والسياق ، وضعفه في الوسائل البيانية .
ـ أجاب الإمام خبر معاوية (أنا خير منك يا حسن ) باستفهام إنكاري مع ندائه معاوية باسم أمه هند الذي يدَّعي أفضليته على الإمام بما يبيِّن حقد عائلته ومحاربتها الدين ، مستعملا تقنية الحذف في ( وكيف ذاك ) إذ حذف كلمة ( الأمر) فأصلُ الكلام ( وكيف ذاك الأمر؟ ) لتقابل تقنية (الذِّكر) التي أفاد منها عند ذِكره الضمير المنفصل الدال على المتكلم( أنا ) ؛ لإظهار الأهمية ؛ ولجعل طرفي الكلام الاستفهام والنداء مندمجين من خلال حذف ما يمكن تقديره.
ـ أجاب الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ تعليل معاوية مدَّعيا الفضل عليه بإجماع الناس على معاوية وعدم إجماعهم على الإمام الحسن عليه السلام بقول الإمام الذي سأورده كاملا لبيان تلاحم معانيه ، ثم أفصَّله بتجزئته : (( هيهات هيهات لشرّ ما علوت ، يا ابن آكلة الأكباد ، المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومُكرَه ، فالطائع لك عاص لله ، والمُكرَه معذور بكتاب الله ، وحاش لله أن أقول : أنا خير منك فلا خير فيك ، ولكنّ الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل)) ويبرز من خلاله الآتي :
ـ استعمال اسم الفعل الماضي (هيهات ) بمعنى ( بَعُدَ ) لتأكيد معنى بُعْد المفاخرة عن معاوية ؛ في ((هيهات هيهات لشرَّ ما علوتَ )) ،حيث كرر (هيهات ) مرتين ؛ فمعاوية رَكَنَ إلى شرٍّ لا يمكن أن يعلو به أمثالُهُ . فقد فخر بما يمكن أن يتخذه أعداؤه هجاء له.
ـ استعمل الإمام بعد ذلك أسلوب الخبر في قوله : (( المجتمعون عليك رجلان )) ثم تناول أسلوب الإطناب وهو أسلوب إقناعي تركيبي ،جاعلا إياه مفضيا إلى أسلوب الإجمال والتفصيل وهو من أساليب الحجاج التفسيري لإيضاح المبهم في الكلمات المُجمَلَة وقد تناوله البلاغيون القدماء ضمن أساليب البديع ، إذ فصَّل الإمام ما أجمله في كلمة ( رجلان ) بقوله : ((بين مطيع ومُكرَه ، فالطائع لك عاص لله ، والمُكرَه معذور بكتاب الله )) في نسق من المقابلة ؛ ليبيِّن الفئتين المتضادتين اللتين كان الناس عليهما .
ــ استعمال تقنية التعجب في (حاشَ للهِ) ليعضد التعجب السابق في (هيهات هيهات) ؛ ليكون أكثر تأثيرا مع إظهار تقابل المعنيين المُتعجَبِ منهما ؛ لبيان علو مكانة الإمام بمقابل ضعة مكانة معاوية .
ــ بروز أسلوب التكرار من خلال تكرار كلمتي (خير) و(برَّأ) بعد أن جعل (خير) داخلة في نفي التفاضل ونفي جنس الخير عن الخصم في : ((أنا خير منك فلا خيرَ فيك)) ، وبعدها أدخل الفعل ( برَّأ ) في أسلوب تضاد بالمقابلة على اختلاف الضمير الذي أسندت إليه ، في : (( ولكنّ الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل)) فالإمام بريء من الرذائل بمقابل خصمه البريء من الفضائل ؛ ليتضِّح الفرق والتقابل بين الشخصيتين .
ـ برز التقسيم الصوتي في جملتي : (( ولكنّ الله برأني من الرذائل / كما برأك من الفضائل)) الذي ركَّزَ التضاد بين الشخصيتين من خلال التكرار الصوتي المتأتِّي من التكرار اللفظي مرتين في (من) والجناس الاشتقاقي ـ وهو نوع من التكرارـ في ( برَّأني ) ، و (برَّأك) فكلاهما برَّأه الله مِنْ أمرٍ معين فقد برَّأ الله الإمام من الرذائل ؛ لحُبَّهِ تعالى له وتقريبه منه ؛ لما قدَّم من خير وفير وعَمَلِ برٍّ كثير،على حين برَّأ خصمه من الفضائل ؛ بما اقترفت يداه من سوء في الفعل والقول وهذا مصداق لقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) سورة المدثر: 38 .
المبحث الثاني : الإمام العابد من خلال ثنائية الرب والعبد والكمال والنقص
برز عمق تعبُّد الأمام الحسن عليه السلام من خلال ما ذكرته المصادر من شدَّة تبتُّله لله وكثرة صلواته ومناجاته ولا ريبَ في ذلك فهو سبط المصطفى وشبل المرتضى وابن فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليهم أعبد خلق الله ، وهذا ما لا يشكُّ فيه عدو ولا صديق ، ولكني آثرت تناول النصوص التي برز فيها التضاد وهي تبيِّن معرفته الواسعة بالله وصفاته العظيمة ؛ لتتضح عبادته متفردةً متَّسِمَةً بمعرفة توضَّح مبلغ طاعته لله وشدة تعبُّده الذي جاء عن دراية وعلم بالله تعالى ، وقد توضَّح ذلك من خلال خطبه كلها إذ كانت افتتاحياتها أوصافاً لله تعالى وبيانا لاستحقاقه للحمد مع توضيح وحدانيته وتنزُّهِهِ عن الشريك وأزليته وذكر صفاته وقدرته ، كما تتَّضح معرفته بالله عند وصفه الدقيق لعظمة الله تعالى من خلال إجابته لمن طلب منه وصف الله تعالى ؛ لتتضح ثنائية (الرب والعبد ) و( الكمال الإلهي والنقص البشري) فكان احتياج الإنسان للعبادة مطلبا روحيا للوصول إلى السمو البشري من خلال الارتباط بالله وحسن عبادته عن وعي ودراية .
وقد برز تعبُّده أيضا من خلال وصف كتاب الله القرآن الكريم وبيان أهميته ووجوب العمل به وجَعْلِ أحكامه منهج حياة في التعامل ، وليس حفظا لنصوصه من دون عمل وتطبيق ، وكان أسلوب التضاد أساسا قام عليه بناء النصوص لغايات الإحاطة بجوانب الأوصاف التي بيَّنها لله تعالى أو لمن تعامل مع القرآن التزاما أو تركا ، فكانت أساليب التضاد قد أبانَتْ أوساطَ العقودِ في جواهرِ معاني كلماتِ هذا الإمامِ البليغِ . وسأجعلُ الأمثلة نقاطاً بُغية إبرازِ النماذج وكشفِ دُرَرِها المكنونة :
أ ـ ما ورد من وصف لله في افتتاحيات خطبه ، وهي كثيرة جدا سأضرب مثلا واحدا لها ، من ذلك قوله في إحداها بعد مقتل أمير المؤمنين عليه السلام ، حيث رقى المنبر ، فأراد الكلام ولم يستطعْ لشدَّة تألمُّه على أبيه إذ خنقته العبرة ، فقعد ساعة ثم قال : (( الحمد الله الذي كان في أوليته وحدانيا ، وفي أزليته متعظِّما بإلهيته ، متكبرا بكبريائه وجبروته ، ابتدأ ما ابتدع ، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سَبَقَ مما خَلَقَ ، ربنا اللطيف بلطفِ ربوبيته ، وبعلمِ خبرِهِ فَتَقَ ، وبإحْكَامِ قدرته خَلَقَ جميع ما خلق ، فلا مبدِّل لخلقه ، ولا مغيِّر لصُنعِهِ ولا مُعقِّبَ لحُكْمِهِ ، ولا رادَّ لأمرِهِ ، ولا مُستراحَ عن دعوته ، خلَق جميعَ ما خلَقَ ، ولا زوالَ لِمُلْكِهِ ، ولا انقطاعَ لمدَّته ، فوقَ كلِّ شيء علا ، ومِنْ كلِّ شيء دَنَاْ ، فتجلَّى لخلقِهِ من غير أن يكون يُرَى ، وهو بالمنظرِ الأعلى احتجبَ بنورهِ ، وسما في عُلُّوِهِ ، فاستترَ عن خلقِهِ ، وبعَثَ إليهم شهيدا عليهم وبعَثَ فيهم النبيين مُبشِّرينَ ومُنذرينَ ، ليهلكَ منْ هلكَ عن بيِّنة ، ويحيي من حيي عن بيِّنة وليعقلَ العبادُ عن ربِّهم ما جهِلُوه ، فيعرفوهُ بربوبيتهِ بعد ما أنكرُوهُ . والحمد لله الذي أحسنَ الخلافةَ علينا أهلَ البيت ، وعنده نحتسبُ عزانا في خيرِ الآباءِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله ، وعند الله نحتسبُ عزانا في أمير المؤمنين ، ولقد أُصِيْبَ به الشرقُ والغربُ... ))(39)
ب ـ إجابته عن أسئلة عن وصف الله تعالى
لقد نقلت لنا المصادر أخبارا كثيرة تدل على تعبُّده وعرفانه بالله تعالى ومن ذلك سؤال أحد الناس له بما يكشف عن مدى علمه وفلسفته: فقد نُقِل أنَّه : ((جاء رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له: يا ابن رسول الله صف لي ربك حتى كأني أنظر إليه، فأطرقَ الحسن بن علي عليهما السلام مليا، ثم رفع رأسه، فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أولٌ معلوم ولا آخرُ متناهٍ ، ولا قبلٌ مدرَكٌ، ولا بعدٌ محدودٌ، ولا أمدٌ بحتَّى ولا شخصٌ فيتجزأ، ولا اختلافُ صفةٍ فيتناهى فلا تدركُ العقول وأوهامُها، ولا الفِكَرُ وخَطَرَاتُها ، ولا الألبابُ وأذهانُها صفتَه فتقول: متى؟ ولا بدئ مما، ولا ظاهرٌ على ما ، ولا باطنٌ فيما ، ولا تاركٌ فهَلا َّخلقَ الخلقَ فكانَ بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدعَ، و ابتدعَ ما ابتدأ، وفعل ما أرادَ وأرادَ ما استزاد، ذلكم الله رب العالمين. )) (40)
ج ـ وصف القرآن الكريم
وصف الإمام الحسن كتاب الله العزيز بأقوال متعددة منها :(( إن هذا القرآن فيه مصابيح النور ، وشفاء الصدور ، فليجلجال بصره ، وليلجم الصفة قلبه ، فان التفكير حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنيرفي الظلمات بالنور .(41) وقوله في وصف القرآن الكريم أيضا : (( ما بقي في هذه الدنيا بقية غير هذا القرآن ، فاتخذوه إماما يدلكم على هداكم ، وإن أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه ، وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرأه ))(42)
المطلب الأول : التحليل الموضوعي للنصوص الدالة على العبادة من خلال لغة التضاد
إنَّ المتأمل في النصوص الواردة يجد أبرز ما فيه من الناحية الموضوعية ما يأتي :
ـ استعمال أساليب التضاد لترسيخ ثنائية الرب والعبد لتنبثق عنها ثنائية الكمال الإلهي والنقص البشري .
ـ أبرزت النصوص حاجة الناس لمعرفة الله تعالى ؛ ولما كان الأئمة هم أعلم الناس بذلك لذا فقد
جعلوا مقدمات خطبهم أوصافا لله وبيانا لعظمته واستيجابه للعبادة ، ومنهم الإمام الحسن الزكي عليه السلام
ففي النص أـ الذي ورد في بداية خطبته بعد مقتل أمير المؤمنين أجد الآتي :
ـ شدة تدينه وعظيم تعبُّده ، وقد ظهر ذلك من خلال صبره على نزول البلاء والرضا بقضاء الله فلا أحد يبقى ، وكل الخلق إلى انتهاء يتضح ذلك في توحيده الله وبيان أزليته وعظمته وتفرُّده في الخلق، وأوضح أن ما يريده الله لابد حاصل ، ويجب الرضا به مع استمرار الدعاء ،في قوله : ((فلا مبدل لخلقه ، ولا مغير لصنعه ولا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره ، ولا مستراح عن دعوته )).
ـ أوضح صفات الخالق المتقابلة ليتضح صغرنا وزوالنا أمام كبر مقام وديمومة بقائه وضرورة تبليغ أمره عن طريق أناس خلَّص اصطفاهم وطهَّرهم فبعثهم أنبياء مبشرين ومنذرين لئلا تكون للناس حجة بعد الرسل ، فمن اتبعهم فهو في أمان لحسن فعاله ومن خالفهم كان مستحقا للعقاب لسوء ما جنى على نفسه مؤكدا أهمية العقل في العبادة في قوله : (( وبعث إليهم شهيدا عليهم وبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيي من حيي عن بينة وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه ، فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروه ))
ـ إنَّ صبر أهل البيت صبر عظيم على البلاء ، وسيظهر الله أهمية وجودهم فلئن ذهب أمير المؤمنين عليه السلام إلى جوار ربه شهيدا ، فسيحسن الله عليهم الخلافة وهم صابرون محتسبون بوجود من تقرُّ به الأعين وهما سبطا رسول الله الحسن والحسين صلوات الله عليهم جميعا ، وإن كان المصاب جللا : ((والحمد لله الذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت ، وعنده نحتسب عزانا في خير الآباء رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعند الله نحتسب عزانا في أمير المؤمنين ، ولقد أصيب به الشرق والغرب...))
أما النص الثاني (ب) :
ـ فقد ابتدأه الإمام بوصف الله بعد حمده ؛ لبيان استحقاقه تعالى ذلك الحمد فأوصافه العظمى لا تدانى؛ لتفرُّده بالربوبية والصفات المستوجبة لها .
ـ تضمَّن الوصف فلسفة استوجبت ألفاظا دلَّت على تمكُّن وتمعُّن في معرفة الله تعالى في مثل قوله المتضمن ألفاظ التفصيل في : ((ولا أمد بحَتَّى ولا شخص فيتجزأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى ))
ـ من يمعن النظر في النص يجد القدرة والتمكُّــــن في الاستقصاء والتساؤل في قوله : (( فلا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها ، ولا الألباب وأذهانها صفته فتقول: متى؟ ولا بدئ مما، ولا ظاهر على ما ، ولا باطن فيما ، ولا تارك فهَلاَّ )) .وهذا ينمُّ عن علم ومعرفة بكنه الخالق العظيم الذي خص أهل البيت عليهم السلام بذلك ، وقد بينت مقداره في الفصل الأول.
أما النصان اللذان وردا في النقطة (ج) اللذان تناولا القرآن الكريم فقد وجدت فيهما بعد التأمل ما يأتي :
ـ مضى الإمام الحسن على خطى جدِّه المصطفى وأبيه المرتضى في بيان أهمية القرآن الكريم وحث الناس على قراءته وتدبُّر معانيه ، وإبراز أثره في الفرد والمجتمع ؛ لإيضاح ماهيته ؛ مما يجعل الناس أكثر تعلُّقا به .
ففي النص الأول بيان لتأثير القرآن في صقل الشخصيات وتهذيب الأرواح ، وفيه توضيح لأهمية علاجه الروحي فقراءته تجلي الهمِّ والحَزَن عن القلوب ، كما أن فيه فتحا للأذهان وتوجيها للعقول نحو التفكير السليم .
ـ أما في النص الثاني فقد حث الإمام الناس على التمسُّك بالقرآن الكريم فهو أهم ما بقي في هذه الدنيا ، ولابد من جعله دليلا إلى الهدى ، وعلى كل مؤمن الرجوع إلى تعاليمه والعمل بأوامره ونواهيه.
ـ ذكر الإمام مسألة مهمة جدا لابد أن نضعها نصب أعيننا في هذه الدنيا ، وهي أن التدين والعبادة هما بالمعاملة مع الناس مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنَّ الدين عند الله المعاملة)) فالدين الحق بالعمل وليس بالقول أو بحفظ التعاليم ، يتضح ذلك من خلال ذكر الإمام أن العمل بالقرآن أهم من حفظه فالعامل به أحق الناس به ، وأبعدهم من القرآن من حفظه ولم يعمل به .
المطلب الثاني :التحليل البلاغي للنصوص الدالة على العبادة من خلال لغة التضاد
في النص الأول (أ) وجدت الآتي :
ـ لقد سيطرت لغة التضاد على النص بأسلوب المقابلة للتأكيد على وحدانية فـ ((الله كان في أوليته وحدانيا ، وفي أزليته متعظِّما بإلهيته )) فهو الأحد في أوليته وأزليته . كما ظهر التضاد في قوله : ((، فوق كل شيء علا / ومن كل شيء دنا ))
(( فتجلى لخلقه /من غير أن يكون يرى ، وهو بالمنظر الأعلى ))
و ليتم صورة ذلك التجلي الذي ذكره آنفا فقد تقابل مع النص الذي بدا فيه التماثل واضحا في قوله : ( احتجب بنوره ، وسما في علوه ، فاستتر عن خلقه )، ولا يكون التجلي والاحتجاب في وقت واحد مع السمو والعلو إلاَّ له سبحانه وحده لأنَّ ذلك من صفاته الإلهية المتفرِّدة . كما بدا التضاد في نهاية النص في قوله مبينا مقدار مصيبة المجتمع الإسلامي بفقد أمير المؤمنين : ((وعند الله نحتسب عزانا في أمير المؤمنين ، ولقد أصيب به الشرق والغرب )) فالعزاء شديد أحاط بالناس من جهتي ( الشرق والغرب ) للدلالة على اتساع المصيبة فهو أمام المؤمنين الصادقين شرقا وغربا.
ـ إن صفات الخالق العظيمة تستوجب تفرُّده بالعبادة ، وقد أوردها مزدانة بفنون البلاغة الصوتية والسياقية فالصوتية برزت من خلال السجع في فقراتها : ((وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق مما خلق ، ربنا اللطيف بلطف ربوبيته ، وبعلم خبره فتق ، وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق )) فلقد سيطر صوت القاف من خلال تكرار كلمة (الخلق) ومشتقاتها، أو الكلمات الدالة على الابتداء به مثل (فتق) ليعزز صفة التفرُّد في الخلق ، كما ظهر السجع أيضا في ((فلا مبدل لخلقه ، ولا مغير لصنعه ولا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره ، ولا مستراح عن دعوته ، خلق جميع ما خلق ، ولا زوال لملكه ، ولا انقطاع لمدته )) فلقد انتهت الفقرات بالهاء المكسورة لتمثل نبرة الرضا الجميل بما حصل وقد شاب ذلك حزن عميق لفقد أمير المؤمنين ، مع تضمُّنها العودة للحديث عن الخلق وبيان عدم القدرة على تبديله .
ـ ورد في النص اقتباس من القرآن الكريم في (فلا مبدل لخلقه ، ولا مغير لصنعه ولا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره) ، فقد أفاد من الآيات الكريمة لبيان صفات الله تعالى الدالة على مضاء قضائه في خلقه، وهي كالآتي : قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) سورة الروم : 30 وقوله: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ )سورة النمل: 88 ، وقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) سورة الرعد : 41 ، وقوله : ( قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ )سورة هود: 43 ، وقد أخذ منها ما اختصر وكان أقرب لما أراد التعبير عنه من الفِكَر في تلاؤم عجيب لا يتأتى إلاَّ لأمثاله من البلغاء الذين لا يُشقُّ لهم غبار .
ـ أفاد من الآيات القرآنية الكريمة التي حوت أسلوب التضاد في قوله المبين مهمة الأنبياء ومحاسبة الله للناس بحسب استجابتهم لرسالات الأنبياء : (وبعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيي من حيي عن بينة ) (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) سورة الكهف 56 ،( ِليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة الأنفال: 42.
أما التحليل البلاغي للنص الثاني (ب) فأهم ما بدا لي الآتي :
ـ أبدع الإمام في استعمال الفنون البلاغية وظهر فيه جمال التعاضد بين الفنون التركيبية والبديعية فبدا المزج العجيب بين الاستفهام واستعمال التضاد فلم تبقَ جهة إلا وتواجد الخالق فيها ولا زمن إلاَّ حواه ، فمنه الابتداء وفيه الاختتام وعنده تنتهي الجهات . فكان التوظيف موفقا والأسلوب مستقصيا .
ـ أفاد الإمام من الفنون الصوتية في وصف الخالق سبحانه فبدا التكرار اللفظي واضحا في (ابتدأ ما ابتدعَ، و ابتدعَ ما ابتدأ)، و(ما أرادَ وأرادَ)؛ لعزز فكرة ابتداء الخلق مع الإبداع في الصنع، كما أفاد من الطاقات الصوتية للجناس الناقص في (بديئا بديعا)، ومن التقسيم الصوتي في( فلا تدركُ العقول وأوهامُها، ولا الفِكَرُ وخَطَرَاتُها) ،الذي دخل في أسجاع انتهت بصوت الألف في : ((( فلا تدركُ العقول وأوهامُها، ولا الفِكَرُ وخَطَرَاتُها ولا الألبابُ وأذهانُها صفتَه فتقول: متى؟ ولا بدئ مما، ولا ظاهرٌ على ما ، ولا باطنٌ فيما )) وهذا الصوت يكون الاستمرار فيه كأنه جزء من لفظ للجلالة ن فيكون الصوت بذلك مؤثرا في بيان صفة الله ـ والله تعالى أعلم ـ .
ـ جعل الإمام أوصاف الخالق سبحانه قائمة على التضاد من خلال أسلوب المقابلة في : ((الذي لم يكن له أول معلوم ولا آخر متناه ، ولا قبل مدرك، ولا بعد محدود )) جاعلا من التنكير أسلوبا لجلاء عدم إمكانية الإحاطة بصفات الخالق العظيمة الواردة في هذا النص.
أما التحليل البلاغي للنصين الواردين بحق القرآن الكريم في الفقرة (ج) فأهم ما فيه الآتي :
ـ يبدو للناظر البلاغي أنَّ الإمام اهتم في النص الأول بطاقات البيان التعبيرية وإمكانياته التصويرية ؛ ل أثر القرآن الكريم في هداية الناس وإنارة دروبهم وقلوبهم
ـ عمد الإمام إلى الصور الحسية ولاسيما البصرية لبيان أثر القرآن الكريم في إيضاح سبل الهداية ، وإنارة الطرق من خلال الصور البصرية التي جلت النور الذي يمحق الظلمات ، ولم يورد الألفاظ اللونية بل أورد ما يدل عليها كـ (الظلمات ، والنور، والمصابيح ، وضوئه ) ؛ لنعكس دلالاتها على أجواء النص وتثري دلالاته .
ـ تعاضد في النص فنا الاستعارة والتشبيه هما : ((إن هذا القرآن فيه مصابيح النور، وشفاء الصدور)) حيث أظهر الإمام القرآنَ الكريمَ سماء تُعَلَّق فيها المصابيح ودواءً يقطع دابر أسقام القلوب على سبيل الاستعارة المكنية لما تفعله المشاهدةُ من التحريك للنفس، والذي يجب بها من تمكُّن المعنى في القلب إذا كان استنباطه من العيان (43) ، وبيَّن إنارة التفكير وإحياءه القلوب البصيرة من خلال التشبيه في قوله ((فإن التفكير حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور )) ففي النص تشبيهان متلازمان لإقناع السامعين الأول في قوله : (فإن التفكير حياة القلب البصير) والثاني في (كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور) فإذا تفحصناهما وجدنا الأول البليغ أبرزته الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والثاني المرسل أبرزته الجملة الفعلية الدالة على التجدد والحدوث؛ ليحث الإمام الناس على دوام التفكير ويسير المؤمنون على هدى وبصيرة ،ولا يخفى أنَّ مهمَّة الفنين البلاغيين الاستعارة والتشبيه هنا إقناعية تصويرية وقد أسهمت في تعضيد حجة الإمام في ضرورة التمسُّك بالقرآن الكريم والتزام ما جاء به من أحكام إلهية .
ـ في النص الثاني ورد التشبيه البليغ في قول الإمام عليه السلام عن القرآن الكريم : (( فاتخذوه إماما يدلكم على هداكم )) ؛ إذ شبه القرآن بالإمام الذي يدل على الهدى ليركِّز على أهمية الحياة السليمة القائمة على العمل بتعاليم الله التي حفظها القرآن الكريم .
ـ استعمل الإمام التضاد القائم على المقابلة التي بنيت على الموازنة بين حالتين هما :
إن أحق الناس بالقرآن / مـن عمــــــل به / وإن لم يحفظه ،
وأبعدهم منــــــه / من لم يعمل بـــه / وإن كان يقرأه
فكان التوازن بالصوت والمعنى اللذين بنيا على الموازنة بين حالين متعاكسين . ليؤكد أن العمل وحفظ المعاني أفضل من عدم العمل وحفظ الألفاظ من دون تأثير في السلوك
المبحث الثالث الإمام صاحب الخلق الرفيع من خلال ثنائية الحلم والنزق والوعظ واقتراف الذنب
ازدان أهل البيت عليهم السلام بطيب أخلاقهم فهم شجرة مباركة أصلها ثابت وفرعها في السماء جعلهم الله تعالى آية في كل شيء من ذلك تحلِّيهم بالحلم والصبر على سوء خلق مخاطبيهم ليثبتوا أنهم يستحقون ما خصَّهم الباري سبحانه به بقوله تعالى : )إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) سورة الأحزاب : 33 ، فلطالما قابلوا الإساءة بالإحسان ، وسأجعل الكلام عن النصوص التي ورد الحث على حسن الخلق لدى الإمام الحسن وكان التضاد أساس بنائها في نقطتين :
النقطة الأولى ـ إظهار الحلم ومقابلة الإساءة بالإحسان
وبشأن الإمام الحسن عليه السلام تذكر لنا المصادر مواقف كثيرة حصلت في حياته وبدا الإمام عليه السلام فيها متميزا بخصاله الخلقية المتفرِّدة ،وسأذكر أحدها بغية الاختصار ؛ لضيق العدد المخصص لصفحات البحث ، وهي قوله للرجل الشامي الذي رآه راكباً فجعل يلعن والإمام الحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الإمام عليه السلام فسلّم عليه وضحك ـ بمعنى ابتسم ـ فقال : (( أيّها الشّيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك ؛ لانّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً )). فلمّا سمع الرّجل كلامه بكى، ثمّ قال: (( أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي ، وحوَّل رحله إليه ،وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقدا لمحبتهم) (44)
النقطة الثانية ـ نصحه الناس وحثهم على حسن الخلق بأقوال مأثورة ، أو عند إجابته أسئلة عن معانٍ لقيم اجتماعية إيجابية أو سلبية :
إنَّ من يقرأ تراث الإمام الحسن عليه السلام يجد كلمات قصيرة وردت في تراثه وكان التضاد أساس بنائها وهي تحثُّ على النصيحة المفضية إلى حسن الخلق ، أو كانت تعريفات لمصطلحات تدل على قيم اجتماعية أراد الإمام إيضاحها للمؤمنين ، أمثال أقواله وهو ناصح للمؤمنين : ((من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فالقها في نحره.))(45)، وقوله : (( إن لم تطعك نفسك فيما تحملها عليه مما تكره، فلا تطعها فيما تحملك عليه مما تهوى ))(46) ، وأقواله عندما سأله أبوه أمير المؤمنين عن معان لقيم اجتماعية فبَيَّنَها ليوضحها للمؤمنين ؛ ليبين للناس مقدار علمه ولا ريب فهو غيض من فيض علم أبيه وجده ، وسآخذ منها ما كان التضاد أساسا له :فقد قال له أمير المؤمنين عليهما السلام ((ما الزهد ؟ قال : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا ... ما السداد ؟ قال : دفع المنكر بالمعروف ... فما السماح ؟ قال : البذل في السراء والضراء . قيل : فما الشح ؟قال : أن ترى ما في يديك شرفا وما أنفقته تلفا .. قيل : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول عن العدو ... . قيل : فما السناء ؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح ))(47)
المطلب الأول : التحليل الموضوعي للنصوص الدالة على الحث على حسن الخلق من خلال لغة التضاد:
ـ إنَّ النظر المتفحِّص للنص الوارد في النقطة الأولى يكشف في القراءة الموضوعية ما يأتي :
أولا ـ عظمة أخلاق الإمام الحسن عليه السلام فلقد ظهر الأدب في خطابه الشريف في الرد على من أساء إليه ، فبان حِلمه بإزاء طيش مَنْ خاطبه فلقد كان الشامي جاهلا بقيمة مَنْ يكلِّمه ، ولم يعبأ الإمام بما سمعه وبدت الكياسة في ابتدائه بالنداء مع تلمُّس العذر على الرغم من أنَّ المخطئ لم يكن صغير السن ليعذر على جهله ، فمع فضاضة الشامي تلطَّف الإمام في خِطابه معه قائلا : (( أيها الشيخ أظنك غريبا ولعلك شبهت ))، فلو كان من أهل المدينة ما تجرَّأ على الإمام ، ولو عرفه حق معرفته ما تفوَّه بما نطق به ، مستعملا ما يدل على عدم الجزم بالمعرفة في : (( أظنُّك و لعلَّك )) فكانت بداية موفقة تدل على شخص سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وما ينبغي له من الأدب الجم .
ـ تحَّلى الإمام الحسن بأصول التحاور من حسن الاستماع وعدم المقاطعة ، وحسن استقبال الضيوف على فضاضة أخلاقهم يتَّضح ذلك من وصف الراوي أنَّ الإمام كان يستمع للعن لاعنه من دون أن يردّ عليه حتى أكمل .
ـ كان الإمام مبادرا للمجيء للشامي على الرغم من الإساءة التي استمع إليها الإمام منه ، فلمّا فرغ أقبل الإمام الحسن عليه السلام فسلّم عليه وضحك.
ـ لم يكن الإمام مكترثا بما يسمع بدليل أنه سلّم على الشامي مبتسما ؛ لأنَّه واثق من نفسه ومن نصرة الله تعالى له فهو على الحق وماذا بعد الحق إلاَّ الضلال ؟!
ـ في قول الإمام : ((ولعلك شبهت))التماس العذر من الإمام لهذا الغريب ؛ لأنه تسرَّع في شتمه كمن يكون مغاظا من أحد ويرى من يشبهه ويحسب أنه هو فيبدأ بالسبِّ تفريغا لغضبه .
ـ استعرض الإمام ما يمكن أن يكون سببا في غيظ هذا الرجل ، حتى يقطع عليه الذرائع التي قد يركن إليها معلِّلا فِعْلَتَهُ ، فلو كان لديه عتبٌ معه لاستمعَ إليه وأرضاه ، ولو سأله عطية لأعطاه ـ وهو كريم أهل البيت عليهم السلام ـ ولو كان طالبا للرشد لأرشده الإمام وديدنه هداية الناس ورشدهم ، ولو طلب منه أن يحمل عنه حِملا لدَيْن أو فِدية لأحمله الإمام بكل ما يقدر عليه وهذا مشهود للسبط الكريم بما سجَّله التاريخ له من مآثر ، وإن كان جائعاً أشبعه ؛ فبيتُهُ بيتُ كرمٍ ومَطْعَمٍ للضيوف سواء في ذلك الفقراء وأبناء السبيل ، وإن كان عُرْيَاْناً وجد عند الإمام خير ما يمكن أنْ يأْمَلَهُ الطالب من كسوة ، وإن كان محتاجاً أغدق عليه الإمام ما يغيثه ويسدُّ حاجته ويزيد إلى درجة الإغناء ، وإن كان طريداً خائفا محتاجا لمن ينجده ويؤمِّن روعه كان الإمام أول من يُؤوِيْه ويدافع عنه ويحميه ، وإن كانت له حاجةُ خاصة قضاها الإمام له .
ـ بعد هذا الاستعراض لموجبات مجيء الشامي الذي أخطا في تصرُّفه إذ لم يتخذ من الإمام ملاذا له ، بل زاد على ذلك سبه والتعدي عليه ،أشار الإمام عليه بنزوله عنده ضيفا إلى وقت ارتحاله ؛ لأنَّ ذلك أعود عليه بالفائدة المرجوة ؛ فهم أهل الخيرات ومَنْ قصدهم لم يحتجْ إلى غيرهم؛ لانّ لهم موضعاً رحباً عند الله وجاهاً عريضاً عند الناس ومالاً كثيراً.
ـ الملاحظ أنَّ النَّاس مهما كان تضليلهم كبيراً فإنَّ جميلَ منطقِ أهلِ البيت عليهم السلام وصدقه يؤثر فيهم ، يتضح ذلك مما نقله الراوي عن استجابة الشامي لما عرضه الإمام حيث تمثَّلت ببكائه وأَسَفِه لما بدر منه وحصل أمام الناس ، وتغيُّرِ موقِفِهِ إلى الضد تماما والشهادة باستحقاق الإمام لما أعطاه الله تعالى من المنزلة الرفيعة ، بقوله : (( أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنتَ أنتَ وأبوك أبغضَ خلْقِ الله إليَّ والآن أنت أحبُّ خلق الله إليَّ ، وحوَّل رحله إليه ، وكان ضيفَه إلى أنْ ارتحلَ، وصارَ معتقدا لمحبَّتهم )) .
ـ إنَّ طريقة أئمة أهل البيت في مواجهة المواقف إصلاحيةٌ ، فغاياتهم ليست الانتصار لأنفسهم والانتقاص من المعتدين عليهم والرد على أفعالهم بمثلها ، بل غاياتهم سامية ، هدفُهَا البناءُ الذي سعى إليه الأنبياءُ وهو عمارةُ الأرض وإصلاحُ المجتمع والتخلص من أمراضه غير العضوية كالكره والحقد والظلم والتسرع في التصرف السلبي أمام المجموع ، ولا ريبَ في ذلك ، فهم أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلم الناس وأعلمهم بِعِلَلِ النفوس المريضة ومآربها ، فهداية إنسان واحد إلى الحق خير عندهم من الدنيا وما فيها ، وبهذه الطريقة أخذت الناس المضللة تكتشف الحقائق التي عميت بصائرهم عن النظر إليها نظراتٍ صائبة ، وتعرف بالتالي أيَّ صنف من الناس اتبعوا وأيَّ سبيل مُهْلِكَة زُجُّوا فيها .
أما القراءة الموضوعية للنصوص الواردة في النقطة الثانية فكانت أهم المؤشرات ما يأتي :
ـ اتضحت لي عناية أمير المؤمنين بابنه الإمام الحسن عليهما السلام وفرط تأديبه له من خلال مذاكرته له وسؤاله ؛ ليكون خير خلف لخير سلف وليتضح للناس أنَّ أهل البيت عليهم السلام شجرة طيبة وذرية بعضها من بعض ، غايتهم إيصال الدين الحق وتثبيت أركانه ورسالتهم إصلاحية لبناء الإنسان المسلم بناء صحيحا يستحق أن يستخلفه الله في الأرض لعمارتها ، وليكون للناس بهم الأسوة الحسنة كما كان لهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ـ كان الإمام ناصحا أمينا للناس فقد أراد رشدهم إلى ما فيه صلاحهم وهداهم ، وبيان ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ،متبعا النصح المباشر أو غير المباشر عن طريق الإجابة عن أسئلة أبيه .
ـ كانت أهم المعاني المستقاة من أقواله الناصحة التمسك بالدين وعدم بيعه بحطام الدنيا ، وتهذيب النفس وترويضها وعدم اتباع الهوى .
برز التأكيد على الخصال الحميدة وتعزيزها في الأنفس إجابات الإمام عن الأسئلة بما يفصح عن مكنون معانيها ، و يقرَّبها من النفس ويحببها لها كالزهد والسداد والسماح والسناء ، وتقبيح الخصال الذميمة والحث على الابتعاد عنها كالشح والجرأة .
المطلب الثاني :التحليل البلاغي للنصوص الدالة على الحث على حسن الخلق من خلال لغة التضاد
الملاحظ على النص الوارد في النقطة الأولى أنه في غاية البلاغة من حيث انتقاء الألفاظ وإدخالها في تراكيب تثري دلالتها بما يجعل المتلقي متأثرا بها تأثُّرا واضحا ، وتفصيل ذلك ما يأتي :
ـ غلبة الأساليب التركيبية والصوتية على الأساليب البيانية ؛ لأنَّ الموقف استلزم إقناعا لضالٍّ ،آمن بالباطل وعمل به ، والإقناع يحتاج أساليب تركيبية وصوتية تثير الانتباه وترنُّ في الأذن أكثر من حاجته للتصوير الذي تمثله وسائل علم البيان كالتشبيه والاستعارة والكناية إلاَّ ما ندر مثل الكناية في ( لو حرَّكت رحلك إلينا ) التي عَبَّرت عن حلول الغريب ضيفا على الإمام ؛ لذلك كثر استعمال أسلوب الشرط الذي تظهر فيه السببية والاستلزام وقد غلب هنا استعمال أداتي الشرط ( لو) و ( إنْ )إذ جاءت كل واحدة خمس مرات بشكلٍ متتالٍ بحيث أدخل فعل الشرط في طباق مع جوابه مستعرضا حاجات الغريب الذي يفد على غير مدينته من دون أن يستثني حاجة واحدة .
ـ إنَّ أفعال الشرط مع الأداة (لو): ( استعتبتنا ، و سألتنا ، و استرشدتنا واستحملتنا ) جاءت مباشرة بعدها وكان جوابها مشتقا منها : أعتبناك وأرشدناك وأحملناك ؛ ليجعل الجواب ألصق بالسؤال من خلال المباشرة به والاشتقاق صوتيا ودلاليا منه .
أما السؤال فالأنسب في جوابه (أعطيناك) ؛ لأنه لم يكن بصيغة (استفعل ) التي تعني الطلب حيث يمكن اشتقاق الجواب منها كما جاءت في الأفعال الثلاثة الأخرى .
ـ استعمال الفعل الماضي الناقص المسند إلى كاف الخطاب ( كنت ) مع أداة الشرط (إن) عند التعبير عن الحاجات الفسيولوجية الشعورية الأساسية كـالجوع والعري والخوف ، أو الحاجات المؤديـة إليهـا كالفقر . (( ومـا بين( لو ) و( إن ) فرق في المعنى، لا بد من مراعاته، والوقوف عليه، ويتلخص في أن الأصل في( لو ) أنها أداة تمن، ثم نقلت إلى الشرط؛ وذلك من باب تعدد المعنى الوظيفي للمبنى الواحد00 ومن خواصها فرض ما ليس بواقع واقعًا0 ولهذا تستعمل فيما لا يتوقع حدوثه، وفيما يمتنع حدوثه، أو فيما هو محال، أو من قبيل المحال0 أما( إن ) فهي في الأصل موضوعة للشرط، ومن خواصها أن الفعل معها ممكن الوقوع، وغير ممكن (48) ؛ مما يشير إلى دقة الإمام في اختيار بِنَى تراكيبه اللغوية وينمُّ عن تبحُّرٍ في أساليب العرب الراقية المعبرة واستغلال طاقات التركيب بالشكل الأمثل .
ـ إنَّ استعمال (كنت) مع ( إن) تعني اتِّصاف هذا الرجل بالصفات التي تلتها وهي أخبار لفعل (كان) الناقص الذي نكرر بعد ( إن ) في (جائعاً ، عرياناً ، محتاجاً ، طريداً ، لك حاجة )) مما يستلزم منه الأدب في طلبها ولاسيما أنَّه غريب ، لا سوء الخلق الذي يخالف منطق الأشياء في أصول الطلب .
ـ الرجوع إلى استعمال لو ؛ لتظهر أدب الإمام وكرمه وحبه للضيافة فكأنه يتمنى نزول هذا الضيف على سوء فعله وقلة أدبه مع الإمام في التصرف والحوار ، حيث قال الإمام في أدب جم وحلم كبير : (( فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك )) .
ـ ربط الإمام الشرط المتتالي بالأسباب الموجبة له في قوله لذلك الرجل معلِّلا : (( لانّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً )) .
أما النصوص الوارد في النقطة الثانية فكان أهم ما لفت انتباهي فيها من الناحية البلاغية ما يأتي : ـ الإيجاز الذي أفصح عن شدة بلاغة الإمام في تكثيف التعبير عن الفكرة بأوجز لفظ مع الإحاطة بالمعنى وكان في ذلك سائرا على خطى أبيه في شدة الإيجاز فليس بمستطاع الآخرين من غير أهل البيت إصابة مقاتل المعاني بهذه الدقة وبهذا الإيجاز وهذا في غاية البلاغة .
ـ لم يرد في كلام الإمام على إيجازه الطباق بل كان التضاد قائما على المقابلة ، وهذا أبلغ ؛ لأن تضاد الجمل أكثر إحاطة بالمعاني من تضاد الكلمات المفردة
ـ تعاضد أكثر من فن بلاغي في النص الواحد ففي قول الإمام : ((من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فالقها في نحره ))تتضح المقابلة بين الدين والدنيا ، والجناس الاشتقاقي في ( نافسك ونافسه ) والجناس الناقص في ( دينك ودنياك ) ، والاستعارة المكنية في : (( ألقها في نحره )) فقد صور الإمام الدنيا بصورة حجر يلقى لبيان أنَّه لا خير يرتجى منها وليس من ورائها إلا الأذى فتستحق إلقاءها في نحر من ينافس الآخرين فيها .
ـ يكون بناء الجمل التي تضمنتها إجابات الإمام قائما على التضاد بأسلوب المقابلة مع مزجه بالموازنة الصوتية كما في إجابته عند تعريف الزهد قائلا :
الرغبة في التقوى / والزهادة في الدنيا .
ـ قد يكون الجواب قد أدخل التضاد في بنية استعارة مكنية كما في إجابته عن السداد بقوله
: ( دفع المنكر بالمعروف ) فالمنكر لكثرته وتطفُّله يزاحم المعروف فالمؤمن السديد الرأي من يجعل الخير طريقا لإبعاد الشر عن طريق الكرم والتسامح والحلم مثلا
وقد تحتوي الإجابة مع التضاد الجناس الناقص الذي يؤلف بين طرفي التضاد كما في إجابته عن السماح بقوله : ( البذل في السراء والضراء) فالسراء والضراء طرفا التضاد هنا وكان بينهما الجناس الناقص بتغيير الحرف الأول بعد أل التعريف .
الخاتمة ونتائج البحث :
ـ بروز مصطلح لغة التضاد عند البلاغيين المحدثين أمثال د. مختار أبو غالي الذي أشار إلى أهمية لغة التضاد وحاجة الأديب إلى إيرادها لغايات اجتماعية وسياسية أو لتحقيق دلالات نفسية، فهي الأكثر دوراناً وشيوعاً في أساليبه.
ـ اتضحت لغة التضاد في خطاب الإمام الحسن عليه السلام في جميع مناحي تعبيره سواء في ذلك خطابه السياسي أم التعبُّدي أم الوعظي الإرشادي ؛ لما في التضاد من طاقات تعبيرية إيحائية تحيط بالمعاني وتبرز الحالات المختلفة التي لا تتضح إلا باجتماع متناقضاتها .
ـ أكثر الإمام الحسن عليه السلام من المقابلة ؛ لما فيها من قدرة على إيضاح الحالات المتضادة اجتماعيا ونفسيا وأخلاقيا وثقافيا ، بينما قلَّت عنده الوسائل الأخرى كالطباق والمفارقة ؛ لان المجالات التي تتناولها لم تكن تفي بمتطلبات معاني الإمام الحسن عليه السلام .
ـ استثمر الإمام الجانب التنغيمي من خلال الإفادة من أساليبه المتمثلة في السجع والجناس الناقص والتكرار الصوتي واللفظي والجملي ؛ ليجعل التكرار وسيلة لترسيخ الفكرة التي يتحدث عنها
ـ سخَّر الإمام قدرته البلاغية وسرعة بديهته ومبلغ علمه في كشف زيف إدعاءات خصومه و إظهار الحقائق التي حاول الأعداء التعمية عليها وإزالة التعتيم الإعلامي عن شخصيته وإبداء صورتها الحقيقية للناس ليعرفوا معادن الموجودين على الساحة السياسية فميزوا الخبيث من الطيب .
ـ أفاد الإمام الحسن المجتبى ـ عليه السلام ـ من طاقات اللغة ووسائلها الإقناعية التركيبية والبيانية والبديعية جاعلا ذلك متعاضدا مع أساليب التضاد التي أدخل في بنائها تلك الوسائل وقد كان في جميعا في ذروة البلاغة سواء في ذلك خطبه أو كلماته القصيرة .
ـ أفاد الإمام من الموازنة بينه وبين خصمه في خطابه السياسي مما رسم صورته الإيجابية الناصعة التي تمثل خط الالتزام بالمبادئ والقيم بمقابل صورة خصمه التي هي على الضد من صفاته فكان سمو الإمام عاكسا لدنو خصمه نتيجة تلك الموازنة ، مستثمرا تقنية الإجمال والتفصيل التي أثارت عنصر المفاجأة لدى المتلقي ؛ لتثيره في الإمعان في الاستماع والإنصات لحجج الإمام عليه السلام .
ـ كشف الخطاب الحسني عن الآتي :
أولاًـ الشخصية الفريدة للإمام في شدة بأسه وشجاعته ، وفي عمق تعبُّده وفهمه للدين الحق الذي أنزله إلى المعاملة والتطبيق ، والى مقدار ما تحلَّى به من الخلق الرفيع الذي استحق به وبما وضعه الله فيه من المؤهلات من علم وحلم وحنكة ونباهة ودراية وغيرها أن يكون سيد شباب أهل الجنة ورابع أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا
ثانياًـ الخلق الرفيع والتأدُّب في الخطاب والحلم الذي يدل عن منبته النبوي وحلمه العلوي ، فما كان من الذين يستمعون له أو الذين يتعرَّضون لأذاه إلاَّ التسليم بتفرُّده واستحقاقه واستحقاق آل بيته لما حباهم الله تعالى به أن يكونوا عِدْلا للقرآن الكريم ، مَنْ تمسَّك بهم نجا ومَنْ عاداهم خسر وهلك .
ثالثاًـ الخطاب الإقناعي الحاوي الحجة والأدلة العقلية والنقلية عند محاججة أعدائه أو مناظرة سائليه ؛ وهي التي لا يختلف عليها المسلمون للاستعانة بها على توضيح وجهة نظره وتأييدها كالحجة القرآنية التي أفاد منها بطرق مختلفة بالنص أو الإشارة أو المعنى أو بالإتيان بها مجتمعة وهي أقوى الحجج لديه ، أو إيراد أقوال جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم التي لا خلاف عليها ،والاستشهاد بالأقوال السائرة من الأبيات الشهيرة أو الأمثال ،مع إفحامه خصومه باستعراض حججهم وتفنيدها بدقة وتكثيف وإيجاز، وإظهار البديل من الدلائل والحجج المقنعة ، وقد بدا ذلك بكثرة بحيث يسلم الناس بما جاء به الإمام ، ويغيرون أفكارهم الخاطئة ، وهذا ما احتاج إليه ؛ نظرا للظروف العصيبة التي أحاطت به ولشراسة أعدائه وابتعادهم عن الدين وشراء ذمم ضعاف النفوس من الناس وتأليبهم وتجنيدهم لمحاربته والنيل منه ومن خطه الديني الذي سار فيه على خط أبيه .
رابعاًـ تأثير الخطاب النبوي و العلوي والفاطمي عليه مما يدل على تأثير النشأة في بناء شخصيته البليغة المتكلمة ، لذا لا نعجب إذا رأينا سبق الإمام الحسن للشخصية العرفانية وظهور المصطلحات الفلسفية فيها ، ولاسيما عند حديثه عن ماهية الخالق تعالى وإجابته عمن سأله عن وصفه كأنـَّه يراه .
خامساًـ الإيجاز والتكثيف اللذان برزا بشكل واضح في خطاب الإمام ، فلم تكن خطبه طويلة بل كانت موجزة تغني ألفاظها القصيرة عن خطب طويلة أعيت غيره معانيها ، أما كلماته القصيرة فما أشبهها بكلمات أبيه في إعجازها البلغاء عن مجاراتها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
ـ ينظر : الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : 2/16 ، وقد نص الشيخ المفيد على ذلك ، وينظر أيضا : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : 2/65 . تهذيب الكمال في أسماء الرجال : 6 / 253 . ينظر الإرشاد للشيخ المفيد 5ـ6 ، 23 فقد أفاض في ذكر صفات الإمام ومناقبه أعلام الهداية الإمام الحسن المجتبى عليهالسلام : 4 / 7. البيان والتبيين : 2/ 52 ، وقد ورد النص ذاته في الإرشاد للشيخ المفيد : 1 / 240 . كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي : 2/ 624 . الكافي :2/415 ، وينظر مثل معناه في مسند احمد : 5 / 182 ، والاحتجاج 1 / 323 البديع : 36 قواعد الشعر: 53 . البديع : 36 . الوساطة بين المتنبي وخصومه: 44. البرهان في وجوه البيان: 175 . نقد الشعر،: 147-148 . العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 2/5. تحرير التحبير قي صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن: 111 . نقد الشعر: 141 . كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر: 326 . ينظر: البناء الفني لشعر الحب العذري في العصر الأموي: 91-92 . ينظر: علوم البلاغة (البيان والمعاني والبديع) : 320 . ينظر: البلاغة العربية (المعاني والبيان والبديع) : 285 . ينظر: البلاغة العربية فنونها وأفنانها علم البيان والبديع: 277 . البلاغة العربية قراءة أخرى: 354.ـ 355 . ينظر : جدلية الخفاء والتجلي (دراسات بنيوية في الشعر) : 7ـ 8. في الشعرية: 45 . ينظر : م . ن : الصفحة نفسها . ينظر : م . ن : الصفحة نفسها . م . ن : 45 ـ 46 . تحليل الخطاب الشعري (ستراتيجية التناص): 160. ينظر : علم الأسلوب (مبادئه وإجراءاته) : 193. ينظر: الشعر ولغة التضاد: 23. ينظر : م . ن : الصفحة نفسها . وفيات الأعيان : 8 / 319بحار الأنوار : 44 / 90 ـ91 . مناقب آل أبي طالب : 3 / 220. كتاب سليم بن قيس 2/641 تحقيق الزنجاني ط5 ـ 1428هـ . ينظر : م . ن : الصفحة نفسها . مسند الإمام أحمد بن حنبل ، أحمد بن حنبل ، تح : شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة ، ط2، 1420هـ ، 1999م ـ العقد الفريد : : 5 / 7 . الطبقات الكبرى 3/10 نهج السعادة : 8 / 505 . لقد كان الإمام متأثرا بجده المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هذا النص فقد أورد الشيخ الصدوق خطبة لرسول الله تحدث في بعضها عن وحدانية الله تعالى وقد تضمَّن كلام الإمام الحسن الكثير مما ورد فيها ينظر : التوحيد للشيخ الصدوق : 44 ـ 45 ، ولم يورد الصدوق خطبة الإمام الحسن عليه السلام. التوحيد : 45 ـ 46 . نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : 73 . إرشاد القلوب : 1/ 157 ، والروائع المختارة من خطب الإمام الحسن ( ع ) : 124 ينظر : أسرار البلاغة،عبد القاهر الجرجاني ( ، فصل في مواقع التمثيل وتأثيره : 86ـ 87 . . مناقب آل أبي طالب : 3/ 217 ـ 218 . و بحار الأنوار : 43 / 344 شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 19/ 289 تنبيه الخواطر ونزهة النواظر : 2/ 432 . تحف العقول : 229 . ينظر مقال من أسرار الإعجاز البياني في القرآن ، محمد إسماعيل عتوك شبكة الأنترنت .
المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم .
ـ الاحتجاج لأبي منصور احمد بن علي بن أبى طالب الطبرسي ت 548 هـ تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الخرسان ، طبع في مطابع النعمان النجف الاشرف ، 1386هـ - 1966
ـ الإرشاد ،الشيخ المفيد ، ت 413 هـ ،تحقيق : مؤسسة آل البيت (ع) لتحقيق التراث ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان ط 2 ، 1414هـ - 1993 م .
ـ إرشاد القلوب إلى الصواب المنجي من عمل به من أليم العقاب ، الحسن بن أبي الحسن محمد الدّيلمي من أعلام القرن الثّامن ، تح السّيّد هاشم الميلاني ، دار الأسوة للطباعة ، قم ط2 ، 1424 ه ق .
ـ أسرار البلاغة ، عبد القاهر الجرجاني أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ت 471 هـ ، تحقيق:محمد رشيد رضا، القاهرة ، مطبعة الترقي (د ت( ..
ـ أعلام الهداية الإمام الحسن المجتبى عليهالسلام ، لجنة التأليف في المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ، مط ليلى ، ط1، قم المقدسة ، ١٤٢٢ هـ.
ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي ، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان ، ط2
ـ البديع ، عبد الله بن المعتز (ت 296 هـ ) تح اغناطيوس كراتشكوفسكي ، مكتبة المثنى ، بغداد ، 1399 هـ ـ 1979 م .
ـ البرهان في وجوه البيان، أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب، تح: د. أحمد مطلوب، د. خديجة الحديثي، بغداد، ط1، 1387هـ- 1967م.
ـ البلاغة العربية (المعاني والبيان والبديع)،د.أحمد مطلوب ،مكتبة الزهراء، بغداد، ط1، 1400هـ- 1980م.
ـ البلاغة العربية فنونها وأفنانها علم البيان والبديع، دار الفرقان، عمان، الأردن، ط1، 1407هـ- 1987م.
ـ البلاغة العربية قراءة أخرى، د. محمد عبد المطلب ، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، القاهرة، مصر، ط1، 1997م.
ـ البناء الفني لشعر الحب العذري في العصر الأموي، سناء حميد البياتي، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1989.
ـ ــ البيان والتبيين، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ)، شرح وتحقيق عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي القاهرة ، ط7 ، 1418 هـ ـ 1998 م .
ـ تحرير التحبير قي صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، ابن أبي الأصبع المصري، تح: د. حفني محمد شرف، القاهرة، 1383هـ.
ـ تحف العقول عن آل الرسول ( ص )ابن شعبة الحرَّاني ، من أعيان القرن الرابع الهجري ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة ، ط2 ، 1404هـ - 1363 ش
ـ تحليل الخطاب الشعري (ستراتيجية التناص)، دار التنوير للطباعة، بيروت، ط1، 1985م.
ـ تنبيه الخواطر ونزهة النواظر، ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري ،ت 605 هـ ، المطبعة الحيدرية ، طهران ، ط2 ،1368 ش ـ 1409 هـ .
ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ جمال الدين أبي يوسف المزي(ت 742 هـ) ، تح :د. بشار عواد معروف مؤسسة الرسالة ، ط4 ، 1406 - 1985.ـ
ـ جدلية الخفاء والتجلي ( دراسات بنيوية في الشعر ) د. كمال أبو ديب ، دار العلم للملايين ، ط2 ، بيروت ، لبنان ، 1981 م .
ـ الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن ( ع )، السيد مصطفى الموسوي مراجعة وتعليق : السيد مرتضى الرضوي ، دار المعلم للطباعة ، ط1، 1395 - 1975 م .
ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ت 656 هـ ،تح محمد أبو الفضل إبراهيم ، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، د.ت .
ـ الشعر ولغة التضاد ، د. مختار أبو غالي ، حوليات كلية الآداب ، جامعة الكويت ، الحولية الخامسة عشرة ، 1419 هـ ـ 1994 م .
ــ الطبقات الكبرى ، محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله البصري الزهري ، إحسان عباس ، دار صادر - بيروت ، ط1 - 1968 م
ـ العقد الفريد ، لابن عبد ربه أبي عمر أحمد بن محمد الأندلسي تح : محمد التونجي ، دار صادر، بيروت ، ط2 ،1430هـ ـ 2009 م .
ـ علم الأسلوب ( مبادئه وإجراءاته ) ، د. صلاح فضل ، مؤسسة مختار ، القاهرة ، 1992
ـ علوم البلاغة (البيان والمعاني والبديع)،د. أحمد مصطفى المراغي دار الكتب العلمية، بيروت، ط13، 1414هـ- 1993م.
ـ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني الأزدي (ت456هـ)، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ط4، 1972م.
ـ في الشعرية ، د. كمال أبو ديب ، مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت ، ط1 ،1987 م .
ـ الكافي ،الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ، ت329هـ ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري ،مطبعة : حيدري ، نشر : دار الكتب الإسلامية - طهران
، ط4 ، 1365 ش ـ 1406 هـ .
ـ كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي : ، للتابعي سليم بن قيس الهلالي (ت 76 هجرية) تح محمد باقر الأنصاري الزنجاني ، مؤسسة نشر الهادي ، قم المقدسة: 2 / 624 .
ـ كتاب الصناعتين، الكتابة والشعر، لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (ت395هـ)، تح: محمد أمين الخانجي، مطبعة محمد علي صبيح، مصر، (د.ت).
ـ مسند أحمد، الإمام أحمد بن حنبل ،ت 241هـ ، نشر : دار صادر - بيروت - لبنان ،(د.ت).
ـ من أسرار الإعجاز البياني في القرآن ، محمد إسماعيل عتوك مقال منشور على شبكة الأنترنت .
ـ مناقب آل أبي طالب ، أبو جعفر محمّد بن عليّ بن شهر آشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش المازندرانيّ ت 588 هـ ، تح لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف 1376 هـ - 1956 م .
ـ موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) ، الشيخ هادي النجفي ، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، ط1 ، 1423 – 2002 .
ـ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ،للشيخ الحسين بن محمد بن الحسن بن نصر الحلواني ، من أعلام القرن الخامس الهجري ، تح مدرسة الإمام المهدي (ع) ، نشر مدرسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة ، ط1 ، 1408 هـ .
ـ نقد الشعر، لأبي الفرج قدامة بن جعفر ت(327هـ)، تح: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتب العلمية، بيروت، (د.ت)
ـ نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ،الشيخ محمد باقر المحمودي ت 1427 هـ ، مطبعة النعمان - النجف الأشرف ، نشر مؤسسة التضامن الفكري - بيروت ، ط1 ، 1385 - 1965 م
ـ الوساطة بين المتنبي وخصومه، القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني (ت392هـ)، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، مصر، ط4، 1966.
ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ت 681هـ، تح : إحسان عباس دار صادر – بيروت، د.ت
اترك تعليق