مأساة واقعة كربلاء في كتابات المستشرقين الغربيين

يبقى ما رسمه الإمام الحسين "عليه السلام" من انتصار الخطط والأهداف التي وضعها في طرقه لحفظ الدين الاسلامي الحنيف والرسالة الاسلامية التي نزلت على جده النبي الاكرم محمد "صلى الله عليه واله"  ليشغف القلوب، ويجذب النفوس، ويستهوي الأحرار والعظماء وجميع المناضلين الشرفاء في العالم، لان موقف الامام الحسين "عليه السلام" مع اصحابه أمام جيش عمر بن سعد "لعنه الله"  يعد انتصارا رغم عدم التوازن لا بالعدة ولا بالعدد أمام هؤلاء المارقين الخارجين عن  دين النبي الاكرم ، ولذلك كان هذا الانتصار موضع ثقة كبيرة واعجاب من جميع الاديان والطوائف في عموم العالم، بالإضافة الى ذلك جعلت من هذا الامام أسطورة عالمية نالت اعجاب كل العالم من الاحرار في عموم العالم.  

اذن هناك أقلام كثيرة ومتعددة كتبت عن الامام الحسين بن علي "عليهما السلام" وبخاصة الأقلام الغربية التي امتدحت خروج الامام "عليه السلام" على  يزيد بن معاوية. اذ ان خروجه حظي بإعجاب المنصفين من المؤرخين والباحثين كونه احتل مكانة عالمية نظرا للمظلومية التي عانى منها الامام "عليه السلام"، وبالرغم من تلك المظلومية فقد انتصر المظلوم على الظالم، ونتيجة لذلك فقد اصبحت الثورة الحسينية بقلوب وضمائر المفكرين والباحثين الغربيين، والأدهى من ذلك لا نستطيع ان نفرق بين رأي الباحث المنصف في الامام "عليه السلام" وبين رأي عشاقه، فنجد الجميع يشعر تجاهه بالانتماء الحقيقي.  

يذكر المفكر المسيحي أنطوان بارا ان سيرة الامام الحسين "عليه السلام" جذبتني ان أخوض فيها، فقرأتها وتأملتها ووجدتها تستحق أن توضع في كتاب ، ثم يؤكد :"لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر ولدعونا الناس الى المسيحية باسم الحسين"..([1])، بينما يبين المفكر الانجليزي جورج برناد شو الى ضرورة الانحناء بإجلال لشخصية الامام الحسين "عليه السلام" وذلك في قوله: " ما من رجل متنور الا وعليه الوقوف وقفة أجلال واحترام لذلك الزعيم الفذ حفيد الاسلام، الذي وقف تلك الوقفة الشامخة امام حفنة من الاقزام الذين روعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم" ([2])، كما يذكر الاديب والمستشرق الالماني يوهان فولفجانج فون جوته مأساة الامام الحسين" عليه السلام" بقولة:" أن مأساة الحسين هي مأساة للضمير الانساني كله، وان الحسين جسد الضمير الانساني بدفاعه عن القيم والمثل الانسانية الرفيعة"([3]) ، بينما يرى رئيس الولايات المتحدة الامريكية ابراهام لنكولن ان القرآن الكريم ونبي الاسلام والامام الحسين ثالوث مقدس، ثم يؤكد قائلا:" يجب النظر اليهم نظرة تقديس"([4]) لان فيهم الكثير الكثير من المثل العليا واحترام حقوق الانسان.

بينما يعتقد المستشرق الامريكي غوستاف غرونبيام ان واقعة كربلاء ذات اهمية كونية مؤكدا بقوله:" فلقد أثرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى"، في حين كان الزعيم الصيني ما وتسي تونغ فقد ابدى اعجابه بالنهضة الحسينية قائلا:" عندكم تجربة ثورية وانسانية فذة قائدها الحسين وتأتون ألينا لتاخذوا التجارب"([5]). 

اما الباحث الانكليزي جون أشر يرى في واقعة كربلاء مأساة قائلا: "ان مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي"([6])، فيما يرى الكاتب الانكليزي توماس لايل في واقعة كربلاء بقوله:" لم يكن اي نوع من الوحشية او الهمجية، ولم ينعدم الضبط بين الناس... فشعرت في تلك اللحظة وخلال مواكب العزاء وما زلت أشعر بأني توصلت في تلك اللحظة الى جميع ما هو حسن وممتلئ بالحيوية في الاسلام، وايقنت بأن الورع الكامن في اولئك الناس والحماسة المتدفقة منهم يوسعها ان تهزا العالم هزا، فيما لو وجها توجيها صالحا وانتهجا السبل القويمة ولا غرور فلهؤلاء الناس واقعية فطرية في شؤون الدين"([7]) .

بينما يرى الكاتب الغربي كونسلمان ان أعداء الحسين "عليه السلام" تفوقوا عدداً الا أنهم لم ينجحوا بسرعة في كسر الحلقة حول الحسين "عليه السلام" وكان العطش قد اصاب رجاله وعياله، وأثر فيهم بصورة خاصة، لان العدو قد حال بينهم وبين ماء الفرات، وبحلول العصر انكسرت الحلقة حول الامام الحسين فلم يكن امام حفيد النبي محمد "صلى اله عليه واله"، الا ان يستخدم سيف ذي الفقار الذي دافع به النبي وعلي، فقاتل ببسالة عظيمة حتى انكسر امام الخصم وكان قد اصيب بأربع وثلاثين ضربة سيف، وثلاث وثلاثين رمية نبال، وهكذا قتلوه وقتلوا أصحابه بلا رحمة... ويضيف الكاتب بقوله ادى مصرع الحسين الى ان تصير سلالة آل محمد وعلي في ضمير كثير من المسلمين، لانهم أنبل جنس عاش على ارض الدولة الاسلامية، وصار مصرع الحسين في كربلاء أهم حدث في مجرى التاريخ وظل هذا الشهيد رمزاً للمسلمين حتى يومنا هذا([8]).

وقد اكد عالم الاثار الانكليزي ستيونلويد في كتابه بعنوان ( الرافدان) قائلا:" حدثت في واقعة كربلاء فضائع ومآس صارت فيما بعد أساسا لحزن عميق في اليوم العاشر من شهر محرم من كل عام، فلقد أحاط الاعداء في المعركة بالحسين وأتباعه، وكان بوسع الحسين أن يعود الى المدينة لو لم يدفعه أيمانه الشديد بقضيته الى الصمود ففي الليلة التي سبقت المعركة بلغ الامر بأصحابه القلائل حدا مؤلماً، فأتوا بقصب وحطب الى مكان من ورائهم فحضروه في ساعة من الليل، وجعلوه كالخندق ثم القوا فيه ذلك الحطب والقصب واضرموا فيه النار لئلا يهاجموا من الخلف، وفي صباح اليوم التالي قاد الحسين اصحابه الى الموت، وهو يمسك بيده سيفاً وباليد الاخرى القرآن، فما كان من رجال يزيد ألا ان وقفوا بعيدا وصوبوا نبالهم فأمطروهم بها، فسقطوا الواحد بعد الاخر، ولم يبق غير الحسين وحده، واشترك ثلاثة وثلاثون من رجال بني امية بضربة سيف او سهم في قتله ووطأ أعداؤه جسده وقطعوا رؤوسهم .

اعداد: جعفر رمضان

 

([1]) للمزيد من التفاصيل حول الامام الحسين في فكر المسيح ينظر: أنطوان بارا، الحسين في فكر المسيحي،(بيروت،2009).

([2] ) عامر القيسي، حسينيون في العدالة، "جريدة"،(الصباح الجديد)، بتاريخ 15 اذار 2014.

([3] ) الإمام الحسين (ع) مشروع حضاري للتغير، هلال آل فخرالدين، ملف عاشوراء 1430، شبكة النبأ المعلوماتية.

([4]) نقلا عن ومضات حسينية من أقوالهم، إعداد: محمد حميد الصواف، شبكة النبأ المعلوماتية- بتاريخ 17 كانون الثاني2009

([5] )كريم شنان الطائي، عالمية الامام الحسين في الاديان والطوائف الاخرى، مجلة  جامعة البصرة، كلية التربية للعلوم الانسانية ، العدد 43، الجزء 4، ص304.

([6] ) شبكة المعلومات الدولية(www.holykarbala.net  ) .

([7] ) نقلا عن اسامة النجفي، وكاله  انباء براثا،  شبكة المعلومات الدولية ،( www. burathanews.com)

([8] ) كريم شنان الطائي، المصدر السابق، ص306

المرفقات