الخطبة الدينية للسيد أحمد الصافي من الصحن الحسيني الشريف بتاريخ 30 جمادي الاول 1439 هـ الموافق 16 /02 /2018 م

النص الكامل للخطبة الاولى

بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أبي القاسم محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الحمد لله حمداً يجمعُ ما خلقتَ من الحمد، وينتظم ما أنت خالقُهُ من بَعْد، حمداً لا حمد أقربُ منه الى قولك، ولا أحمد ممّن يحمدك به.. إخوتي أهل الحميّة أبنائي أمل الأمّة آبائي أهل الدعاء أخواتي أخوات الفضيلة والنجابة بناتي بنات العفّة أمّهاتي يا من الجنّةُ تحت أقدامكنّ، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

أوصيكم أحبّتي ونفسي الجانية بتقوى الله تعالى والسعي لمرضاته وإخلاص العمل، فإنّ الحاكم هو الشاهد، أعاننا الله على أنفسنا كما أعان الصالحين على أنفسهم، وأخذ الله بأيدينا وأيديكم لما فيه سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

قد تقدّم بعض الكلام حول دعاء الإمام السجاد(عليه السلام)، وكنّا بخدمتكم في ذلك الأثر الطيّب الذي يتركه التأمّل في هذه الأدعية الكريمة والأحاديث النيّرة، فإنّ أحاديثهم كما ورد في بعض الزيارات (كلامكم نور)، والاستضاءة بالنور أمرٌ مطلوب والاستضاءة بكلام الأئمّة الأطهار(سلام الله عليهم) أمرٌ مطلوب ما دمنا في عالم التكليف وهو عالم الدنيا، والإنسان يحتاج الى أن يكون الطريق عنده واضحاً حتى يعرف كيف يمشي وأين يقف فلا ينحرف يميناً ولا شمالاً، وهذه الجادّة الواضحة إذا سلكها كفيلة أن توصله الى ذلك النفع الذي لا ينقطع والسعادة الأبديّة.

الإمام السجاد(عليه السلام) بيّن مجموعةً من الأشياء كما ورد وقال من جملة ما قال: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَخَلِّصْنِي مِنَ الْحَسَدِ، وَاحْصُرْنِي عَن الذُّنُوبِ، وَوَرِّعْنِي عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي....) الى آخر بعض الفقرات التي نتوفّق لها.

الله تبارك وتعالى لا يُمكن أن يكلّفنا أكثر ممّا نستطيع، لأنّ قاعدة التكليف العقل يُدرك أن الله تعالى لابُدّ أن يكلّفنا بمقدار الطاقة والله لا يكلّف نفساً إلّا وسعها، المشكلة التي قد تنتابنا في بعض الحالات وهي أنّنا كلّما ابتعدنا عن تلك الشرائط والضوابط والأحكام والمبادئ التي أرادها الله تعالى لنا سوف يصعب علينا عمليّاً الرجوع إليها، لأنّنا سنكتسب معارف قد تكون بعيدة كل البعد عن الواقع وعن الحقّ والحقيقة، وهذه المعارف في بعض الحالات تنبت في النفس، وقلعها وإبدالها بما أراده الله تعالى قد تكون فيه صعوبة في بادئ الأمر، يشعر الإنسان بأنّه سينتقل من تصرّفات ومن تعوّد على تصرّفات الى شيء آخر يصعب عليه، فإذا كان متمكّناً من ان يجاهد نفسه جهاداً قويّاً سيُدرك ذلك ويبقى يجاهد النفس حتى يتغلّب وينتصر في نهاية المطاف، وهنيئاً للذي يُجاهد نفسه هذه المجاهدة ويكون من الفائزين، والذي يجد صعوبة ولكن لا يملك الإرادة الى أن يتغيّر يبدأ يستسلم وفي داخله يشعر أنّه مُخطئ لكنّه لا يقوى على الرفض، لأنّ هذه المعارف تجذّرت وأعانه عليها الهوى والنفس والشيطان وجمعها حبّ الدنيا، ولذلك في المعارف الحقّة القرآن الكريم يقول: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ) حتى يحتجّ الله تبارك وتعالى علينا، سيتركنا يوم القيامة نحن نتكلّم، الفم يتكلّم وكذا اليد والرجل والعين، الله تعالى سيحتجّ علينا (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) سيحتجّ بنا علينا لأنّ الله تعالى هو الذي يملك الحجّة، مهما يكن الإنسان في هذه الدنيا مغروراً متكبّراً يرى نفسه أنّ الآخرين دونه، هذه الحالة لا يُمكن أن تستمرّ فسوف يأتي يوم يخضع ويطأطئ رأسه ويتراجع فيه الإنسان وإن ظلّ متمسّكاً فلا شكّ بأنّه في ذلك اليوم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، ولا يُمكن أن يكون بمستوى أن يتحمّل ما سيرى، في ذلك اليوم الكلّ ستفزع والكلّ ستخاف وسترتجف في ذلك الموقف إلّا من عصمه الله تعالى، والقرآن الكريم يعبّر عن تلك الساعات (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) لاحظوا الذهول وحالة الدهشة والخوف، نعم الله تبارك وتعالى يُنزل السكينة والطمأنينة على المؤمنين الذين عملوا في الدنيا عملاً صالحاً بعد أن آمنوا، ومع ذلك كان عندهم هذا الأمل بالله سبحانه وتعالى أن يرضى ويغفر لهم، ومن دونهم النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار والشافعين، نسأل الله تعالى أن يعيننا في تلك اللحظات.

نحن نتحدّث عن آثام قد كبرنا عليها والعدول عنها سيكون من الأمور الصعبة، الإمام السجاد(عليه السلام) ماذا يطلب وماذا يدعو من الله؟! قال: (اللهم وخلّصني من الحسد، واحصرني عن الذنوب) الحسد من الذنوب، كان يُمكن للإمام أن يكتفي بعبارة (واحصرني عن الذنوب) ونحن نعلم أنّ الحسد من الذنوب، وعبارة الإمام عبارة عامّة يعني جميع الذنوب لكنّه أفرد الحسد بعنوان وعبّر عنه بتعبير (خلّصني) أي اجعلني خالصاً من الحسد، واجعل الحسد بعيداً عني وأنا بعيد عنه، والحسد مرضٌ خطير وقلّما يسلم منه أحد والعياذ بالله، ولذلك أعطاه الإمام(عليه السلام) أهمية، بمعنى أنّ الإنسان حينما يدعو في بعض الحالات قد يدعو دعاءً غير ملتفت الى جسامة هذا الذنب، اللهم خلّصني من الكذب –مثلاً- يسمعها ويُحاول أن يلهج بها لسانه، لكن عندما يتعامل مع الكذب تجده في مواطن يكذب، الحسد من الأمراض والرذائل التي يُبتلى بها الناس، لذلك يحتاج الإنسان الى يقظة والى التفات وتنبّه، عندما يقيّم أمراً يتعلق بآخر عليه أن يرى أنّ هذا التقييم ناشئ من تقييم واقعي أو من حالة حسد، ومعنى الحسد: هو أن تعيش حالة القلق والتمنّي والرغبة أن يسلب الله تعالى النعمة من الآخرين لا لشيء، الحاسد يُريد ويتمنّى أن تُسلب هذه النعمة من فلان، ويبدأ يعيش هذه الأجواء حتى أنّه يبدأ يتصرّف تصرّفاً فيه نوع من النكاية ونوع من التصرّف السيّئ في سبيل إضرار الطرف المقابل، لا لشيء لأنّه لم ينظر الى سعة رحمة الله تعالى، لأنّ الله تعالى كما أنعم على زيد أو غيره بمالٍ بمنزلةٍ أو علمٍ أو جاهٍ يُمكن أن ينعم الله تعالى عليه، لكن الإنسان يبتعد عن حالة التوكّل على الله أو الاعتماد على الله أو الطلب من الله تعالى، بدلاً من أن يتوجّه الإنسان الى الله تعالى في أن يرزقه يتوجّه الى بني آدم الى عبدٍ مثله يريد أن يحطّمهُ، الحسد ليست كلمة سهلة، نعم.. هي من ثلاثة أحرف لكنّها مدمّرة للإنسان، قد يكون الإنسان مؤمناً لم يربِّ نفسه لكنّه في مواقف لا يتحمّل الآخرين، هناك قصّة منقولة تاريخياً عن عبد الله بن الحسن من بني العباس وهم أبناء عمومة الإمام الصادق(عليه السلام)، عندما أراد بنو العباس أن يبايعوا محمد بن الحسن النفس الزكية أرسلوا الى الإمام الصادق(عليه السلام) لأنّه كبير آل هاشم فأرادوا أن يستشيروه في ذلك، الإمام(عليه السلام) لم يشجّعهم على ذلك في قصّة طويلة.

اجتمعوا في الأبواء أو بعض مدن الحجاز في حديثٍ طويل بعد أخذٍ وردّ، صار عبد الله بن الحسن يتّهم الإمام الصادق يقول له: إنّك لم تشجّعنا لأنّه يحملك الحسد على ولدي محمد، بدأ يتّهم الإمام الصادق(عليه السلام) بالحسد، والحقيقة هي أنّ عبد الله هو الذي كان يحسد الإمام الصادق(عليه السلام)، لأنّ الأعناق كانت متوجّهة الى الإمام الصادق لعلمه ولسمته، لاحظوا بدلاً من أن يسمع من الإمام الصادق بدأ يتكلّم بهذا الكلام غير الجيّد، وأمير المؤمنين(عليه السلام) أيضاً اتّهمه البعض بطريقةٍ فيها نوعٌ من القَدْح، النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يقول: لا.. عليٌ بريء، لكن أنت عندك المشكلة، ورد ذلك في قصةٍ طويلة أيضاً، ولذلك إخواني الحسد خطير ومشكلة كبيرة، والحاسد في بعض الحالات يرمي الآخرين بالحسد، الإمام السجاد(عليه السلام) يرجو من الله تعالى أن الداعي عندما يدعو يتوجّه الى النقاط الأساسيّة التي تسلبه الإيمان ولو بعد فترة، الإنسان تراه مؤمناً ملتزماً يصلّي لكنّه لم يرقب الله تعالى في بعض الجزئيّات، فيبدأ يحسد ويحسد ويحسد الى أن ينماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء، بعض الأشياء يعلم بها الإنسان أنّه أحسد زيداً أو لا؟ أتكلّم في مورد جواز الكلام عنه في الحقّ؟ إنصافاً حصاد ألسنتنا من الصعب أن ننجو منه، الإنسان عندما يضع رأسه على الوسادة ويُراجع نفسه سيرى أنّ هذا الموقع يحتاج الى أن يرمّم ما أفسدته الأيام والذنوب من نفسه، الإمام السجاد(عليه السلام) مع هذه الأهميّة من الدعاء يركّز على هذا الذنب وهو الحسد والله تعالى يقول(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ...) الحسد معضلة والحسد خلقٌ ذميم والحسد من الكبائر وهو يتطوّر عند الإنسان والعياذ بالله إلى أن يشنّ حربًا ضروساً على شخص معين، يكتب عليه ويتّهمه وينال منه ويفسد عليه وهو منشؤه الحسد ليس إلّا، قد لا يعرفه أصلاً لكن من خلال هذا التحشيد وخلق جوّ عدائيّ الإنسان يبدأ يتكلّم بكلامٍ يصعب الاعتذار عنه، الإمام الباقر(عليه السلام) ملخّص الرواية الشريفة له أو معناها: إيّاك وما تعتذر منه، أي لا تتعجّل بأن تتكلّم بكلامٍ ثم تحار كيف تعتذر منه، الحسد إخواني مرضٌ خطير وهذا المرض يجرّ الى ويلات كثيرة، المقام ضيّق ولا يسع الحديث أكثر من ذلك.

ثمّ يقول الامام عليه السلام: (واحصرني عن الذنوب) الحصر يعني المنع، سيّداً وحصوراً بتعبير القرآن الكريم عن بعض الأنبياء أي يمنع نفسه عن الموبقات ويمنع نفسه عن الشيء، وبالنتيجة يمنع نفسه عن الحرام، لكن الحصر هو المنع، الإمام يقول (احصرني عن الذنوب) أي امنعني عن الذنوب، طبعاً مقتضى عقيدتنا أنّ هذا الدعاء حاله حال بقيّة الأدعية ليس فيه الإلجاء والجبر بالمنع عن الذنوب ليس هذا المقصود، وإنّما معناه يا إلهي اجعلني دائماً أتحسّس عواقب الذنوب، كما ورد في دعاء التوبة (من ذنوبٍ أدبرت لذّاتها فلزمت)، الإمام يقول احصرني أي امنعني عن الذنب، على الإنسان دائماً أن يلتفت ويتفكّر ويعلم أنّ الله تعالى لم يجعل هذه الدنيا محلّاً للجزاءات، ويعلم أن الله تعالى لا يضيع عنده شيء، وهو يريد من الانسان أن يترقّى في عالم الأخلاق والتربية والفضائل فيدعو الله أن يحصره ويمنعه عن الذنوب، كلّما همّ بذنب تذكّر الله تبارك وتعالى ومنعه ذلك.

 ويقول الامام: (وورّعني عن المحارم، ولا تجرّئني على المعاصي)، أمير المؤمنين يسأل النبيّ(صلّى الله عليه وآله) قبيل رمضان من الرمضانات: ما هو الخير؟ أو ما هو  أفضل عمل؟ قال: (الورع عن محارم الله)، أفضل عمل هو الورع عن محارم الله، ومعنى الورع أنّ الإنسان يعرف حدوده التي رسمها الله له، في كلّ أصقاع الأرض توجد قوانين، هذه القوانين تارة قوانين سماويّة وتارة من وضع البشر لكن بالنتيجة هو قانون، وهذا القانون يعرّفك حدودك أنّ هذا الفعل الذي تفعله يُعتبر خرقاً لهذا القانون أو لا؟ هل هذا الفعل يعتبر تجاوزاً للحدود المرسومة أو لا؟ الذي لا يتجاوز الحدود معنى ذلك أنّ هذا متثبّت هذا متورّع، والله تعالى جعل مجموعة أشياء نعبّر عنها بالمحرّمات وجعل مجموعة أشياء نعبّر عنها بالواجبات، والإنسان إذا تجنّب هذه المحرّمات وابتعد عنها هذا إنسان ورع، أمّا إذا تجنّب حتّى المشتبهات فهذا إنسان أورع، الإمام الصادق(عليه السلام) في مقام تربيته لبعض أصحابه وأتباعه -مرّت هذه الرواية- يقول: (يا عيسى بن عبد الله ليس منّا -ولا كرامة- من كان في مصر وكان فيه مائة ألف أو يزيدون وكان فيهم من هو أورع منه)، الإمام يقول ليس منّا -ولا كرامة-، مصر أي دولة أو مدينة فيها مائة ألف نسمة أو أكثر وكان فيهم من هو أورع من هذا الذي يُحسب على جعفر الصادق(عليه السلام)، ولذلك أخذ الورع مساحة كبيرة، أن الإنسان يجب أن يتجنّب أكل مال اليتيم، أن الإنسان يجب أن يتجنّب التفكّه بأعراض الناس، والإنسان عليه أن يتجنّب مدّ يده الى مالٍ حرام ويتجنّب أن ترى عينه ما لا يحلّ النظر اليه، وأمثال ذلك من الأمور التي يتورّع الإنسان عنها.

الإمام يطلب ويرجو من الله تعالى أن يورّع عن المحارم، ثم يردف ويقول: (ولا تجرّئني على المعاصي)، نحن ابتًلينا ابتلاء حسب الأفهام نحن لابُدّ أن نُبتلى في الدنيا ولابُدّ أن نفتن، (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) لابُدّ أن نُفتن، لابُدّ أن نُختبر، لابُدّ أن نُبتلى، في واقعة الطفّ يخاطب بعض أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) أعداء الإمام: إنّ الله ابتلانا وإيّاكم بذرّية رسول الله، فماذا نصنع؟ أحدٌ يوالي الذرّية وأحد يقاتل الذرّية، ينجح الإنسان بالابتلاء، من جملة الأشياء التي ابتُلينا بها أنّ الله لا يُعاقبنا فوراً على المعصية وهذا ابتلاء، ولذلك في بعض أدعية الأئمّة(عليهم السلام) كما في دعاء أبي حمزة الثمالي (أنا الذي أعطى على معاصي الجليل الرُّشا) الإمام(عليه السلام) يعلّم الداعي أنّ يبيّن معصيته أمام الله ثمّ يبيّن ما الذي غرّه، قال: (وأعانتني على ذلك شقوتي وغرّني سترك المرخي عليّ)، أن الله لا يحاسبنا فوراً على المعصية، لأنّ الله زوّدنا بموازين نكتشف من خلالها أن هذه معصية أو ليست معصية، ليس بالضرورة أن ينبّهنا الله يقول لك أنّ هذه معصية وأنت تعلم أن هذه معصية، لذلك -والعياذ بالله- أن الإنسان عندما يرتكب معصية يلتفت يميناً وشمالاً، بعض الناس سذّج يقول إن ارتكبت معصية لم أخسر أموالي لم أخسر مكانتي وأولادي ولم أُصب بالأذى، إذن هذه المعصية نوعاً ما مقبولة أو لعلّ الله يغفر، هذا الحديث مع النفس يشجّع الإنسان على أن يتجرّأ على معصيةٍ ثانية وثالثة ورابعة، بل قد يتجرّأ على ارتكاب معاصي أُخر مخالفة لهذه المعصية، ولذلك الإنسان قد يستفيد من رحمة الله وقد يتعرّض لها حتى تنزل عليه، والإنسان الآخر تغرّه هذه الرحمة فيثب على معصية الله -والعياذ بالله-، ولذلك لاحظوا طرفي النقيض في مسألة الكبائر، ترى الإنسان يأمن من مكر الله تعالى قالوا هذه من الكبائر لدى الله تعالى، وتارةً ترى الإنسان ييأس من رحمة الله قالوا أيضاً هذه من الكبائر، الإنسان إذا أمن من مكر الله معنى ذلك أنّ الإنسان تجرّأ من جهة ويعتقد أن الله تعالى لا ينتقم، هو يبدأ يحدّد أنّ الله يفعل أو لا يفعل، وهذا شيءٌ عجيب!! والإنسان ييأس مع أنّ رحمته تعالى وسعت كلّ شيء، الإنسان الذي ييأس من رحمة الله يتّهم الله بالبخل، كأنّه يقول: إن رحمتك لا تسعني!! ولذلك في بعض الأدعية هناك تركيز على هذه النكتة تشجيعاً للمذنبين أمثالي أن لا ييأسوا من رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، وهذه الرحمة التي وسعت كلّ شيء -ذنبي شيء من الأشياء وجرأتي شيء من الأشياء وتقصيري شيء من الأشياء- لابُدّ أن أطمح وأطمع بها، فلا هذا اليأس من رحمة الله حسنة ولا الأمن من مكر الله تعالى أمرٌ حسن، بالعكس هو يغفر الذنوب، لذلك الإمام يقول: لا تُجرّئني على الذنوب، إنسان يتجرّأ أي تكون له الجرأة لأنّه فعل ذنباً -والعياذ بالله- ولم ينتقم الله منه فيتجرّأ، لذا قال الإمام(عليه السلام): (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَخَلِّصْنِي مِنَ الْحَسَدِ، وَاحْصُرْنِي عَن الذُّنُوبِ، وَوَرِّعْنِي عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي....).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبّل منّا ومنكم وأن يبعد عنّا الحسد ويخلّصنا منه ويحصرنا جميعاً عن الذنوب ويورّعنا عن المحارم ولا يجرّئنا على المعاصي، ونسأله تعالى الأمن والأمان والمغفرة والرضوان بحقّ محمد وآل محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

 

المرفقات