الخطبة الدينية بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي بتاريخ 23 رجب الأصبّ 1438 هـ الموافق 21 /04 /2017 م

 

المزاح يُذهب هيبة المؤمن ويُذهب مروءته وشخصيّته وموقعه الاجتماعيّ

النص الكامل للخطبة الاولى  

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللّعين الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ذي القدرة التي أحاطت بالأشياء فلا يعجزُها أمر، والعلم الذي أحصى الكائنات فلا تخفى عليه عينٌ ولا يغيب عنه أثر، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والنهار معاشاً، ذلك تقدير العزيز العليم، وأشهد أنّ محمداً(صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، ورحمته التي بسطها، ونعمته التي نشرها، صلّى الله عليه وعلى آله السادة الميامين، الذين اصطفاهم وفضّلهم على البريّة أجمعين.. أوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى والصبر على ما ابتلاكم به، فإنّما خلقكم ليبلو أخباركم ويميز الصادقين في إيمانهم عن الكاذبين، فإنّما هي أيّام معدودة وابتلاءات محمودة، ومن بعدها نعيمٌ لا يزول وجنّات تجري من تحتها الأنهار، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، فاصبروا يرحمكم الله وجاهدوا أنفسكم وتغلّبوا على أهوائكم لتفوزوا في السعادة والكمال والحشر مع محمد وآله الأطهار(صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) واعلموا أنّ الله تعالى قد جعل لكم وسائل إلهية هم كتابه الكريم ونبيّه وعترته الطاهرون، فتمسّكوا بهم تنجوا من الضلال والفتن وتفوزوا بالدارين..

أيّها الإخوة والأخوات تمرّ علينا يوم الأحد القادم ذكرى استشهاد سابع أئمّة الهدى الإمام المحيي ليله بالسهر الى السحر بمواصلة الاستغفار، وحليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة والمناجاة الكثيرة، والمضطهد بالظلم والمقبور بالجور المعذّب في قعر السجون وظلم المطامير ذي الساق المرضوض بحلق القيود، الذي صبر على غليظ المحن وتجرّع غصص الكُرب الإمام الكاظم للغيظ وباب الحوائج إنّه موسى بن جعفر(عليه السلام)، اللهم فصلّ عليه صلاة ناميةً منيفةً زاكيةً توجب له بها شفاعة أممٍ من خلقك وقرون من براياك وبلّغه عنّا تحيّةً وسلاماً، أيّها الإخوة والأخوات وبهذه المناسبة -ذكرى استشهاد الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)- وإحياءً لأمر أهل البيت وامتثالاً لأمرهم في تطبيق أجلى وأبهر مصاديق الإحياء لأمرهم ألا وهو التعرّف على فكرهم وأحاديثهم، وخصوصاً ما يتعلّق منها بإصلاح النفوس وتربيتها وتهذيبها، وقد بيّنّا لكم أيّها الإخوة والأخوات أنّه قد ورد عن الأئمّة(عليهم السلام): (أحيوا أمرنا.. رحم الله من أحيا أمرنا) فسُئل الإمام(عليه السلام): وكيف نحيي أمركم؟! فقال(عليه السلام): (تتعلّمون أحاديثنا وتعلّمونها الناس، فإنّهم لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا)، وها نحن ذا في الخطبة الأولى نتعرّض الى بعض الأحاديث التي وردت عن الإمام الكاظم(عليه السلام) في كيفيّة تربية أصحابه، وما ورد عنه(عليه السلام) هو منهجٌ لنا لإصلاح نفوسنا وتهذيبها وتربيتها، ونحن في الوقت الحاضر أحوج ما نكون الى هذا المنهاج التربويّ والأخلاقيّ، فنذكر بعضاً من وصاياه وما ورد عنه(عليه السلام) في تنبيه العباد على استثمار فرصة العمر في طاعة الله تعالى واجتناب معاصيه والجدّ والعناية في عبادته، والقيام بأعمال الخير والطاعات وعدم تفويت الفرصة وعدم التكاسل والتقاعس في هذه الحياة الدنيا القصيرة عن طاعة الله تعالى.

ما ورد عنه من وصيّةٍ لبعض ولده فيقول(عليه السلام): (يا بنيّ.. إيّاك أن يراك الله في معصيةٍ نهاك عنها، وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعةٍ أمرك بها، وعليك بالجدّ ولا تخرجنّ نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإنّ الله لا يُعبد حقّ عبادته، وإيّاك والمزاح فإنّه يُذهب بنور إيمانك، ويستخفّ مروءتك، وإيّاك والضجر والكسل فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة)، في هذا الحديث الإمام(عليه السلام) يحذّر بعض ولده ويحذّرنا من أن يرانا الله تعالى في أيّ معصيةٍ قد نهانا عنها، نلاحظ أيّها الإخوة والأخوات البعض من الناس إمّا لجهلهم أو لغفلتهم أو لضعف خشيتهم من الله تعالى، أو لاشتباهٍ يحصل عندهم في تطبيق مفهوم المعصية على بعض مصاديقها يقع في المعصية وهو في غفلة عنها، لذلك أيّها الإخوة والأخوات وردت الدعوات الكثيرة من المعصومين(عليهم السلام) في الدعوة الى التفقّه في الدين ومعرفة أحكام الحلال والحرام وأحكام الواجبات، لكي يستطيع الإنسان في هذه الحياة الدنيا أن يأتي بطاعة الله تعالى في مواضعها، الإمام ينبّه الى هذه القضيّة، هناك مواضع وهناك مواقع لأحكام الله تعالى، أحياناً الإنسان يجهل هذه المواقع ويجهل أنّ هذه طاعة فلا يأتي بها، أو أنّه يعرف ولكنّه في غفلة عنها، أو أنّه أحياناً يشتبه في تطبيق مفهوم المعصية على مصاديقها، من باب المثال حتى أوضّح هذا الاشتباه، هناك أحياناً بعض الكلام يدخل في عنوان الغيبة، والإنسان يعرف مفهوم الغيبة لكن يتوهّم ويشتبه أنّ هذا الكلام غيبة، فيعتبره كلاماً محلّلاً أو يغفل عن ذلك، وهكذا في موارد أخرى كثيرة، لذلك الإمام(عليه السلام) يحذّر يقول: (إيّاك أن يراك الله في معصيةٍ نهاك عنها) وفي نفس الوقت أيضاً يحذّر إيّاك أن يفقدك الله فهناك مواضع للطاعة لعبادة الله تعالى للقُرُبات، الإنسان يجهلها لضعف تفقّهه وتعلّمه لأحكام الدين، أو أحياناً يغفل عن هذه المواضع فيترك طاعة الله تعالى ويقع في باب المخالفة وفوات الثواب، لذلك الإمام(عليه السلام) هنا يحذّر من أن يُفقد هذا الإنسان في مواقع الطاعة لله تعالى.

هذا يتطلّب منّا أن نسعى لمعرفة أحكام الطاعة والواجبات حتى نأتي بها ولا نغفل عنها، وفي نفس الوقت نقوّي جانب الخوف والخشية من الله تعالى حتى لا نرتكب المعاصي، البعض يرتكب المعصية لأنّه لم تتجسّد فيه حالة الخوف والخشية من عذاب الله تعالى وحسابه وعقابه الشديد، ثمّ يدعونا الى عدم التكاسل والتقاعس عن طاعة الله تعالى فيقول (عليك بالجدّ)، هذه الحياة الدنيا قصيرة سرعان ما تنتهي وننتقل الى عالم آخر لا رجوع منه الى هذه الحياة، لذلك الإمام يأمرنا بالجديّة وأن تكون لدينا العزيمة والإرادة على القيام بطاعة الله تعالى، وأن لا نتكاسل ولا نتقاعس عن هذه الطاعة، ونستثمر أيّام العمر القصيرة حتى لا يأتي يومٌ من أيّام عمرنا والإنسان قد بلغ به الكبر فلا يستطيع أن يأتي بالطاعات، أو أنّه قد أدركه الموت فحينئذٍ يندم على فوات هذه الطاعات، ويبيّن في حثّه للإنسان المؤمن أن لا يُخرج نفسه من التقصير في عبادة الله تعالى وطاعته، فإنّ بعض الناس يتصوّر أنّ عباداته من صلاة وصوم وأعمال برّ وخير وأنّ أعماله كثيرة، الإمام(عليه السلام) يقول: لا.. مهما أتيت من الطاعات والعبادات فإنّك لا تؤدّي حقّ الله تعالى في عبادته، لذلك حاول أن لا تخرج نفسك عن حدّ التقصير في طاعة الله تعالى وعبادته.

ثمّ أيضاً يحذّرنا من ظاهرةٍ لدى البعض وهي كثرة المزاح، يُبيّن الإمام(سلام الله عليه) أنّ المزاح يُذهب هيبة المؤمن ويُذهب مروءته وشخصيّته وموقعه الاجتماعيّ ويذهب بنور إيمانه، فعليه أن يغلّب جانب الجدّيّة في حياته وتعامله مع الآخرين، يقول: (إيّاك والمزاح فإنّه يُذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروءتك)، ثمّ يقول: (وإيّاك والضجر والكسل فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة) يعني على الإنسان المؤمن أن ينشط أن يكون ناشطاً في طاعة الله تعالى وعبادته، وأن تكون لديه الهمّة العالية والعزيمة والنشاط المتواصل ليلاً ونهاراً في طاعة الله تعالى، لأنّه إذا أصابه الضجر والتكاسل والتقاعس يخسر كثيراً من حظوظ الدنيا والآخرة، في حديثٍ آخر -نلتفت اليه أيّها الإخوة والأخوات- يعلّمنا الإمام(عليه السلام) كيف نتواضع لعامّة الناس، خصوصاً مع الطبقة الفقيرة المستضعفة الذين ليس لديهم مال أو ليس لديهم مقام أو جاه أو منصب أو غير ذلك من حظوظ الدنيا، فيقول هنا في هذه الرواية، بينما كان الإمام الكاظم(عليه السلام) سائراً في الطريق مرّ برجلٍ... -نلتفت الى مواصفات هذا الرجل وكيف تعامل معه الإمام، وعلينا أن نقارن أيّها الإخوة والأخوات، الإمام(عليه السلام) هو أفضل وأعظم إنسان في حياته وهو خليفة رسول الله أفضل البشر، كيف يتعامل مع إنسان يُعدّ عن البعض أحقر البشر، لاحظوا هذه المرتبة! الإمام أفضل البشر في وقته كيف تعامل مع إنسانٍ يُعدّ من الطبقة الحقيرة عند البعض والمستضعفة عند البعض الآخر-، ...مرّ برجلٍ من أهل السواد -يعني أسود اللّون- دميم المنظر...، –أي قبيح في منظره، الإمام ماذا فعل؟ البعض قد يستنكف حينما يرى مثل هؤلاء الناس أن يسلّم عليه فضلاً عن أن يتعامل معه بأمورٍ أخرى، ويمرّ عليه استنكافاً استحقاراً حتّى لا يسلّم عليه، لاحظوا ماذا فعل الإمام؟ كيف يعلّمنا نحن أن نتعامل مع مثل هذه الحالات؟!!-، فسلّم عليه ونزل عنده وحادثه طويلاً...، -يعني جلس عنده وبقي يتحدّث معه طويلاً، ماذا فعل أكثر من هذا؟!، ...ثمّ عرض(عليه السلام) عليه نفسه في القيام بحاجة إن عرضت له...، -يعني أنّ الإمام عرض نفسه على هذا الرجل من أهل السواد الدميم المنظر وقال له: إن كانت لك حاجة عرضت لك تعال وأنا أقضي لك الحاجة!!.

لاحظوا البعض من الذين كانوا مع الإمام(عليه السلام) كيف تعاملوا مع هذا الخلق الرفيع الذي هو موجودٌ عند الكثير منّا، اعترضوا على هذا النوع من التعامل من الإمام مع هذا الرجل، فقيل له: يابن رسول الله أتنزل الى هذا؟! ثمّ تسأله عن حوائجه وهو إليك أحوج؟!!، يعنون أوّلاً أنت إمام وأنت أفضل البشر كيف تنزل الى هذا الرجل الأسود اللّون القبيح المنظر؟!! ليس هذا فقط أنت نزلت اليه وجلست تحادثه طويلاً!! وليس فقط هذا بل عرضت عليه نفسك وطلبت منه إن عرضت له حاجة أن يسألك هذه الحاجة وهو اليك أحوج!! هو يأتيك لا أنت تنزل عنده وتقول له: إن كانت لك حاجة أنا أقضيها اليك!! لاحظوا نوع التعامل ونوع نظرة الاستحقار والاستضعاف والتكبّر لمثل هؤلاء البشر، الإمام(عليه السلام) يريد أن يربّينا على مجموعة من القيم.

التفتوا إخواني أوّلاً ما هو المعيار والميزان في تقييمنا للأشخاص الآخرين وكيف نحترمهم ونتعامل معهم، هل أنّ الميزان والمعيار في التقييم والاحترام والهيبة والوقار والإجلال للآخرين هو ما يملكون من مال؟! ما يملكون من جاه؟! ما يملكون من رفعة اجتماعيّة؟! يقول الإمام(عليه السلام): لا. سيُجيبهم الآن وسننظر في الجواب، يقول: هناك معايير سأبيّنها لكم كيف تحترمون الآخرين وكيف تتعاملون مع الآخرين، لا المال ولا الجاه الدنيويّ ولا المنصب الدنيويّ هي المعايير في تقييم واحترام الآخرين ومنزلتهم الاجتماعيّة، فأجابهم(عليه السلام) –لاحظوا- قال: (هذا الرجل عبدٌ من عبيد الله وأخٌ في كتاب الله...) لاحظوا المعايير، (...وجارٌ في بلاد الله...)، الإمام(عليه السلام) يبيّن يقول: هناك مشتركات بيني وبينه، صحيح أنا إمام وأفضل البشر لكن هناك مشتركات وقواسم مشتركة بيني وبينه، هو عبدٌ من عبيد الله وأنا أيضاً عبدٌ من عبيد الله، هو أخٌ لي في كتاب الله، ثالثاً هو جارٌ لي في بلاد الله، هذه أمورٌ كلّها نَسَبَها الى الله تعالى "عبدٌ من عبيد الله وأخٌ في كتاب الله وجارٌ في بلاد الله"، أيضاً ما هي المشتركات التي تحتّم على الإنسان ذي المنزلة الرفيعة أن يحترم الآخرين وإن كانوا من الطبقة المستضعفة؟ ثمّ يقول: (...يجمعنا وإيّاه خير الآباء آدم(عليه السلام)، وأفضل الأديان الإسلام...) ما هي المشتركات الأخرى؟ أبونا واحد وهو آدم ودينُنا واحد هو الإسلام، يقول انتبهوا لعلّ الأيّام والدهر وتداول الأيّام تقلب الأمور، فيُصبح إنساناً متمكّناً وأنا أصبح إنساناً بحاجة اليه وليس هو بحاجة إليّ وهذا ما يحصل كثيراً، فيقول(عليه السلام): (...ولعلّ الدهر يردّ من حاجاتنا اليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه...) يعني نحن الآن إذا نتكبّر عليه ففي مستقبل الأيّام ربّما هذا الإنسان البسيط الفقير يصبح غنيّاً ذا جاهٍ وموقع، ونحن الآن بسبب تقلّبات الدهر والأيّام ننزل ونصبح الفقراء، فنُصبح أصحاب الحاجة الى هذا الرجل، وكثيراً ما يحصل هذا، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول: انتبهوا هؤلاء تقييمهم واحترامهم يكون على هذه المشتركات، ليس البناء على أنّ هذا الرجل قبيح وهذا جميل، وهذا ذو مال وهذا ليس بذي مال وهذا ذو منصب وهذا ليس بذي منصب، هذه المشتركات هي التي تستدعي أن نحفظ لهذا الإنسان كرامته، هذا الإنسان الفقير الذي ليست لديه هذه الصفات هو إنسانٌ معي ولديه معي مشتركات علينا أن نحفظ كرامته وموقعه ومنزلته الاجتماعيّة بسبب هذه المشتركات.

لذلك الإمام يقول: أنا سلّمت عليه ونزلت اليه حادثته وطلبت منه إن كانت لديه حاجة أن يعرف حاجته، لذلك الإمام(عليه السلام) يعلّمنا -لاحظوا إخواني- هذا الخلق الرفيع، فأنت أيّها المؤمن إذا مررت في يومٍ من الأيّام برجلٍ فقير من ذوي المهن الوضيعة، رجل –مثلاً- حمّال، لاحظوا معيار الإيمان، معيار الإيمان الحقيقي ليس فقط كثرة الصلاة والصوم، فهل تستنكف أن تسلّم عليه؟!! وأنت رجل تاجر غنيّ أو ذو منصب أو ذو مقام اجتماعيّ في المجتمع، هل تستنكف أن تسلّم عليه لأنّ له مهنة حقيرة؟!! أو أنّه رثّ الثياب أو أنّه ليس له موقع اجتماعيّ؟!! إذن هذا يكشف على أنّه ليس لديك الإيمان الحقيقيّ!! فإن سلّمت عليه وصافحته وسألت عن أحواله وطلبت منه إن كانت له حاجة أن تقضي له حاجته، حينئذٍ نكون نحن من أتباع الإمام الكاظم(عليه السلام) وممّن يواليه حقّاً، هذه المعايير التي بيّنها الإمام(عليه السلام) لشيعته وربّانا عليها.

ثمّ أيضاً من جملة ما ربّانا عليه الإمام(عليه السلام) في قوله أيضاً لفضل بن يونس: (أبلغْ خيراً وقلْ خيراً ولا تكنْ إمّعة) نشرح العبارة الأولى، الإمام(عليه السلام) يقول: انتبه الى لسانك دائماً إذا تبلّغ بلّغ بالخير وإذا أردت أن تتفوّه بكلمة تكلّمْ بالخير، والتوجيه الثاني إمّعة -بكسر الألف وتشديد الميم- طبعاً الإمام يوضّح ذلك، يسأل الراوي الإمام ما معنى الإمّعة؟! الإمام يقول: (لا تقل أنا مع الناس أنا كواحدٍ من الناس)، سأوضح معنى هذه الإمّعة، الإنسان في بعض الأحيان يكون تبعاً للآخرين ومقلّداً لهم في مواقفهم وآرائهم واختياراتهم وقراراتهم، الأجواء العامّة التي يعيشها بما فيها من آراء فكريّة سياسيّة اجتماعيّة مواقف وتوجّهات وقرارات هو معهم، وإن كان هذا الموقف العامّ على خطأ وضلال وانحراف، فهو مجرّد يقلّد لا يُعمل عقله وفكره حتّى يتّخذ الموقف الصحيح والقرار الصحيح والرأي الصحيح، إنّما يقلّد الآخرين ويقول أنا مع الناس، الناس ماذا لديهم من رأي سياسيّ اجتماعيّ، أو تبنّي بعض المواقف والآراء والقرارات يتّخذها ويقول أنا معهم، لا يفكّر هل هذا الرأي هل هذا القرار هل هذا التبنّي صحيح أم لا؟ هو لا يفكّر أبداً ولا يُعمل عقله وإنّما مجرّد يقلّد، الإمام(عليه السلام) ينبّهنا في هذه القضيّة يقول: انتبه لا تؤثّر عليك الأجواء العامّة، يعني أنا حينما أقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي وحينما أسمع من خلال اللّقاءات وبعض الآراء التي تُطرح في الفضائيّات وفي المواقع وفي الكتب وفي غيرها عليّ أن أتمعّن أن أتدبّر أن أتفكّر وأدرس هذا الرأي، وأدرس هذا الشيء الذي يُطرح هل هو صحيح وفق الموازين الشرعيّة’؟ هل هو صحيح وفق ما يراه أهل العقل ووفق ما تراه الشريعة الإسلاميّة أم لا؟ هل هو خير؟ هل هو شرّ؟ هل هو حقّ؟ هل هو باطل؟ هل هو ضلال؟ هل هو هدى؟ لابُدّ أن أحاول أن أفرز وأميّز لا آتي وأتبنّى الشيء مباشرةً دون أن أُعمل عقلي وفكري وأُرجعه الى الموازين الشرعيّة وأهل العقل والتجربة ثمّ أتّخذ القرار، يقول الإمام: أنت لا تكنْ مع الهوى العامّ ومع الأجواء العامّة أدرسْ هذه الآراء والمتبنّيات خصوصاً في المواقف الصعبة والمهمّة التي يُسائل عليها الإنسان، أدرسْها جيّداً فالله تعالى أعطاك العقل وأعطاك القدرة على التفكير وعلى التمييز، أعطاك الإرادة والقدرة على الاختيار والتمييز بين ما هو حقّ وباطل، خير وشرّ، فضيلة ورذيلة، هدى وضلالة، عليك أن تميّز لا تكنْ مع الجوّ العامّ المؤثّر، حينئذٍ بعد أن تفكّر وتعمل الرأي وتسأل أهل الخبرة والرأي وتعرض هذه الأمور على الموازين الشرعيّة حينئذٍ يكون لديك الاختيار للخير والصلاح.

لذلك الإمام(عليه السلام) يقول: (لا تقل أنا مع الناس أنا كواحدٍ من الناس) تتأثّر بالأجواء العامّة من دون أن تفكّر في هذه الآراء المطروحة، لذلك إخواني أخواتي حينما تُشاهدون أحياناً بعض اللقاءات تطرح بعض الآراء وبعض الأفكار وبعض المواقف خصوصاً في الوقت الحاضر الذي كثرت فيه وسائلُ الاتّصال الحديثة، وتقرأون في المواقع الإلكترونيّة وغيرها لا تسلّم مباشرة بهذا الرأي وتحكم وتتبنّى رأياً وموقفاً معيّناً مهما كان سياسيّاً اجتماعيّاً أو غير ذلك، إلّا بعد أن تتأنّى وتدرس هذا الموقف وهذا الرأي وتعرضه على الموازين الشرعيّة، وتسأل عنه ثمّ بعد ذلك تتّخذ هذا الرأي وهذا الموقف، لأنّه قد يكون خيراً وقد يكون شرّاً، هؤلاء الناس الآخرون الذين يعرضون هذه الآراء والمواقف والمتبنّيات أناسٌ ليسوا معصومين ربّما يُخطئون يشتبهون أو قد يكونون على ضلال وانحراف فكريّ وعقائديّ وأخلاقيّ، فكيف أنت تأتي وتتسرّع وتقبل منهم هذه الآراء والمتبنّيات والأفكار والمواقف تتبنّاها وتتّخذها موقفاً في حياتك ثمّ تُسائل عنه، ليس الأمر كذلك بل الله تعالى أعطاك العقل والقدرة على التفكير، فكّر اسأل راجع الموازين الشرعيّة ثمّ بعد ذلك اتّخذ الموقف الفلاني واتّخذ الرأي الفلاني، لذلك الإمام(عليه السلام) يبيّن فيما بعد يقول: (إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال: إنّما هما نجدان –طريقان واضحان- نجد خيرٍ ونجد شرّ، فلا يكنْ نجد الشرّ أحبّ اليكم من نجد الخير) يعني أنّ الله تعالى أوضح لنا هذا طريق خير وهذا طريق شرّ، ارجع الى هذه الأمور التي أوضحتها الشريعة الإسلاميّة واسأل ودقّق وتأمّل ثمّ بعد ذلك اخترْ ما هو الخير، لأنّ الله تعالى أعطاك العقل وأعطاك القدرة على الفرز والتمييز وأعطاك القدرة على الإرادة والاختيار للموقف الصحيح، لذلك الإمام(عليه السلام) يقول: (ولا تكنْ إمّعة) الإمّعة بهذا المعنى لا تقل أنا مع الناس وأنا واحد من الناس، بل أنت اختر وفق الموازين الشرعيّة والعقليّة التي على المؤمن أن ينتهجها دائماً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المرفقات