تضاريس مبعثرة

العمل يشتغل ضمن الاتجاه التعبيري التجريدي الحديث، وهو يشتمل على وحدة شكلية بارزة ذات هيئة متفجرة، مبعثرة على شكل تضاريس تسود اللوحة وتتمركز في وسطها بتكوينات مختلفة .

التكوين مفتوح بأشكاله ومواده المتداخلة شبه الهرمية تبدأ من نقطة وهمية أسفل وسطه وتمتد باتجاه مائل مع امتداد الشكل حتى ينتهي في أعلى الزاوية اليسرى للمشاهد، وهناك حركة دائرية مفلطحة تبدأ اندفاعها من أعلى الوسط باتجاه الجانب الأيسر إلى الأسفل، وهي تعطي قيمة جمالية للهيئات في تعالقاتها مع التكوين المهتز الذي امتد على هيئة مادة خشنة بتقنيات متباينة إلى حوالي ثلثي المساحة تقريباً, بينما الثلث الباقي تقريباً شغلته أرضية العمل الفني فضلاً عن هيمنة الأشكال ذات الخدود والتضاريس البارزة على بقية الهيئات .

استخدم الفنان ألواناً قليلة مقتصداً ما بين البرتقالي والأزرق والصحراوي وتدرّجاتها اللونية خصوصاً في خلفية اللوحة وأخذت الألوان منحى الملمس بالتواءات وتهشيرات متوازية كما في المساحة وسط اللوحة، حيث شغل البرتقالي الناري الحدود الخارجية للأخاديد والتضاريس وحاول الفنان من خلاله تحديد الكتل الغامقة في الوسط وإبرازها عن باقي المساحات اللونية الأخرى .

أما اللون الأصفر الذي غطى أغلب مساحة الهيئة المبعثرة المتجهة من أسفل اللوحة إلى أعلاها, فقد عمد الفنان من خلالها إلى إحداث ثقل وميلان إلى جهة اليسار تمت موازنتهما بصعوبة من خلال استخدام اللون البني الغامق وبعض من مسحات اللون الزيتوني والبرتقالي الذي ينفذ من الأرضية المتشققة.

واستخدم الفنان تقنية حديثة بعد أن ابتعد عن استخدام أدوات الرسم التقليدية من قماش وريش الرسم وأصبح له توجه تجريبي مختبري في استخدام الوسائط الصناعية التي أفرزها عصر التكنولوجيا، فهو يستخدم خامات متعددة كالألمنيوم والسليكون والاكريليك وعجائن بلاستيكية ومساحيق وقطع كلسية ورمل ومواد رابطة ومتفاعلة باستخدام مواد كيمائية كالحوامض أو غيرها أو باستخدام مصدر حراري لحدوث تفاعلات وترابطات بين المواد أو تباعدها في آن واحد وذلك لإعطاء الملمس المطلوب الذي يحمله دلالات جمالية وتعبيرية ولحدوث ذهول و تعجب عند المتلقي .

حاول الفنان من خلال هذه التقنية أن يجعل المتلقي يلمس المواد الخشنة وبروز تضاريسها التي خلفتها عوادي الزمن وأحالتها إلى آثار تلاشت فيها الخطوط والألوان و برزت إلى السطح في تضاريسها الآثارية كأنها فقاعات وأخاديد وانبعاجات في السطح بقطع صلبة واستخدام ألوان متفاعلة مع المادة وإضافة ألوان أخرى بمسحات قطع القماش أو بغيرها كما في ألوان البرتقالي والبني الغامق على أرضية ناعمة ملساء - وهذه دلالات لتقوية التعبير الإنساني بمواد وخامات صناعية مختلفة - ، فأصبحت المادة روح التعبير عند الفنان يفكر فيها ويسقط رؤياه الفكرية والفنية عليها .

فالمادة أصبحت هي الفكرة والموضوع معاً وانشغال الفنان بالقيم المحيطية الجدارية والاستعارات من التراث القديم ما هو إلّا تحطيم لقيود الوجود الفيزيقي للإنسان المعاصر وانكفائه إلى الداخل لاستذكار ومعايشة أحداث ألمّت بمجتمع الفنان من خلال عرضها بدراما إنسانية صامتة قوامها مواد مختلفة وألوان مُثلت عليها تأثيرات الزمن من خلال تأكسد سطوحها وخشونتها وطرق معالجة أشكالها .

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبةالحسينية المقدسة                                                                                                                                                                                                           

المرفقات