مسألة عاشوراء هذه المعركة أو الفاجعة أو الواقعة، التي حدثت في مثل هذا الشهر الشريف، وفي مثل هذه الأيام كانت هناك إرهاصات للقتال إلى أن جاء يوم العاشر من محرم ذلك اليوم الذي قُتل فيه الإمام الحسين (عليه السلام) ويقول الرضا: هو اليوم الذي أقرح جفوننا وأسبل عيوننا، وأذل عزيزنا.واليوم نعرض موضوعة مهمة من مواضيع عاشوراء وما أكثرها من موضوعات ألا وهو موضوع الحزن العاشورائي، فهذا المشهد إلى الآن لم يُكشف النقاب عن كل ما فيه، وإنما نحن نتعامل مع المشهد العاشورائي وفق مجموعة مباني ومبادئ بيّن بعضها الأئمة الهداة عليهم السلام، وإذا جئنا إلى تراث الأئمة الذي يتعلق بالإمام الحسين (عليه السلام)، تراث ضخم جداً يمتدّ إلى 255 سنة، بالمقدار العلني، من النبي (صلى الله عليه وآله) إلى آخر يوم من حياة الإمام العسكري (عليه السلام)، ثم هناك عشرات السنين أيضاً ابتدأها الإمام المهدي (عليه السلام) بالواسطة عن طريق السفراء، ونقف عند فترة الـ 255 سنة، وهناك تراث ضخم للأئمة الأطهار (عليهم السلام) فقهاَ وعقائداً وسلوكا وكل ما يتعلّق بشؤون الحياة.وقد أفرد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) كمية كبيرة من التراث تتعلّق بسيد الشهداء (عليه السلام)، وبالتحديد بما يتعلّق من قضية استشهاده، فالإمام الحسين (عليه السلام) 57 سنة استشهد، ولاشك أنّ لديه تراث ضخم في الفقه والعقائد والأخلاق، وتمثّلت في شخصيته كل معاني الفضيلة.لكن الملفت للنظر مع هذا الكم الهائل هناك مساحة خصصها الأئمة (عليهم السلام) لا تتعرض لبقية فضائل شخصية الإمام الحسين (عليه السلام) والحث والتأكيد على مسألة مهمة، ألا وهي مسألة شهادة ومظلومية الإمام الحسين (عليه السلام)، كأنّ واقعة الطفّ أراد الأئمة لها أن تُقرأ طولاً من جهة ما قبل الإمام وفي امتداد التاريخ إلى ما بعد الإمام، ولذا هنالك حالة غير دخيلة وإنما هي أصيلة نستطيع أن نعبّر عنها المشهد، أو مشهد الحزن العاشورائي، مشهد الحزن الحسيني الذي اهتمّ به الأئمة (عليهم السلام) ومن قبلهم النبي (صلى الله عليه وآله) عندما أخبره جبرئيل (عليه السلام) بمكان وزمان استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وهذا بحضور أم سلمة وبعض الأصحاب كابن عباس، وعندما جاء أمير المؤمنين إلى العراق بمعركة صفين، ايضاً مرّ على هذه المناطق وبكى، لماذا؟ لأنه ستبرز فئة باغية ظالمة وتقتل الإمام الحسين (عليه السلام).النبيّ (صلى الله عليه وآله) في بداية حياة الإمام الحسين (عليه السلام) وحضور أمير المؤمنين إلى معركة صفين، وهي محصورة بين سنوات 35 سنة وعشرين، والإمام علي ذكر هذه القضية، والنبي (صلى الله عليه وآله) والذي هو خاتم الأنبياء والمرسلين وارتقى إلى مقامات هائلة، لكن في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) أظهر هذا الحزن وبيّنه وأنبأ عنه، وأمير المؤمنين الذي تضرب بصبره الأمثال، ولكنه بيّن هذا الحزن وظهر على وجهه وعلى عينيه المباركتين فدمعتا، وجئنا إلى الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والمحنة التي استشهد فيها معروفة لكنّه كان يقول (لا يومَ كيومك يا أبا عبد الله).هناك ثقافة عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، أذكاها النبي وأمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام زين العابدين إلى الإمام الحسن العسكري (عليهم السلام)، وهي ثقافة الحزن والبكاء على سيد الشهداء، هل هذه الثقافة وهل هذا البكاء بكاء عفوي؟ ناشئ من قضية حادثة وقعت وانتهى الأمر؟ أو لابد من وجود سر في هذا المشهد العاشورائي، الذي لا زلنا وبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً تتجدّد هذه الذكرى العاشورائية ويزداد من يمارس البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) أعداد غفيرة في كل عام، وهنا نلتفت إلى بعض ما يمكن أن يهمّنا.لاشكّ أن كل فعل يقابله ردّة فعل، وهذه ردّة الفعل قد في العلوم الطبيعية تكون معلومة، يعني لو يدفع الإنسان يده إلى الحائط بمقدار معين فهناك ردة فعل ويمكن لأهل الفيزياء أن يحسبوها، وقالوا أن ردّة الفعل تساوي الفعل في المقدار لا تزيد ولا تنقص، نعم الاتجاه يكون متعاكس، وفي حياتنا الاجتماعية أيضاً هناك أفعال تقابل بردّة فعل، لكنّ بعض الأفعال تكون ردّة الفعل لها مجهولة، وتحتاج إلى مقياس، يحدّد ردة الفعل، فجاء الشارع المقدس فحدد ردود الأفعال والتي نعبّر عنها الجزاءات في القضايا القانونية وكذلك حدد قوانين ثابتة.مثلاً الذي يكسر يد أحد ففي المقابل فهذا فعل وهناك جزاء نعبر عنه بردّة الفعل، والشارع المقدس قال كسر هذه اليد يقابلها مثلاً نصف الديّة، مثلاً إذا أتلف الإنسان مال الغير فالشارع المقدس يقول عليك أن تعوّضه، وإذا زادت ردة الفعل عن الفعل أن الإنسان يكون متعدّياً، في الوقت الذي كان هو مظلوم فأصبح معتدي، ومثلنا في قضية، مثلاً الإنسان يضرب سيارة أحد، فشرعاً يكون بذمّته أن يتدارك الضرر الذي تسببه، وعليه أن يعطي مالاً بمقدار الضرر، فإذا صاحب السيارة نزل من السيارة وشتمه وتجاوز عليه، فسيكون ظالماً، لأن هذا الفعل مقداره هذا، وردود الفعل الزائدة من السائق تجعله في خانة الظالمين، فشيتم أباه وأمه ويكيل الشتائم فيتحول إلى ظالم ويكون مأثوماً.بهذا المقدار تعالوا نسأل أنفسنا سؤالاً: هذه الجريمة التي حدثت في يوم الطف التي هي فاجعة من جهة وواقعة من جهة أخرى، فالقوم نزلوا للقتال من جهة، ومعركة من جهة، فهؤلاء وهؤلاء كانت بينهما أيضاً اشتداد حتّى حمي الوطيس في معركة الطف، هذه الجريمة التي حدثتْ ما هو جزاؤها؟ هل هناك جزاء ويغلق الملف العاشورائي، أو لا ليس هناك جزاء محدّد؟ السؤال واضح، والسؤال في قضيّة مرتبطة دينياً، لماذا؟ لأن الإمام الحسين (عليه السلام) له منصب وموقع، فهو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة الزهراء وهو ما أجمله وأفضله من نسب، وتارة الإمام الحسين له موقع ومنصب ومقام، هذا المقام وهذا المنصب ليس ملك الإمام، بحيث يستطيع أن يتنازل عنه، وإنما ذلك الموقع هو المقام والرتبة التي رتّبها الله تبارك وتعالى ولأبيه وأخيه ولأولاده، فهذا المقام غير مرتبط في عالم الأرض فقط، هذا المقام مرتبط بعالم الآخرة، باعتبار الموقع هو موقع امتداد إلى النبوة، والنبوة هي عبارة عن سفارة إلهية وليست سفارة بين شخص وآخر، وإنما موقع إلهي كالإمامة (إني جاعلك للناس إماما) فالجعل في هذا الموقع الله تبارك وتعالى، وردود الفعل ازاء جريمة عاشوراء عصية على أفهامنا وماذا سيرتب الشارع المقدس من ردود فعل على جريمة عاشوراء؟نحن لا نستطيع أن ندرك ردّة الفعل، فعل الشارع على ما حدث في كربلاء، إلى أن الشارع يبيّن ويوضّح أن قضية عاشوراء قضية لها خصوصية لا تتكرر في التاريخ لا قبلاً ولا بعداً، ولذلك النبي (صلى الله عليه وآله) بما أعلمه الله تعالى اهتم بها، أمير المؤمنين بما أعلمه الله والنبي فقد اهتم بها، والإمام الحسن إلى بقية الأئمة (عليهم السلام) وهذا الاهتمام شرعاً جاء على لسان النبي والأئمة (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وذلك أن حكمة النبي في قوله (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، وهذا غير مرتبط بقضية الخلافة الظاهرية، الخلافة الظاهرية أن تعتقد بالإمام أو لا تعتقد فهذه مشكلة، ولكن الإمامة هذه مسألة غير قابلة للتنازل، الإمام الحسن لم يكن خليفة بمعنى اللاستخلاف مقابل معاوية أو الخلافة الظاهرية، وإنما إمام، وهذا عنوان الإمامة من المسؤول عنه قطعاً ليس نحن، نعم نحن مسؤولون أن نحفظ وأن ندافع ونلجأ إلى النصرة، لو كانت الإمام بحاجة لنا، لكن كإمامة كنصب هذا منصب إلهي، لذلك عندما نأتي إلى الزيارات نرى هناك فقرات غير مرتبطة بالعالم الأرضي، وإنما بعالم الملكوت (بكت السماء ومن فيها والأرض ومن فيها وما بينهما)، (أشهد أن دماءكم سكنت في أظلّة العرش)، وأكثر من رواية الله (تبارك وتعالى) أرسل، أو يوجد يومياً ونحن للأسف لكثرة ما يصيبنا من الذنوب تحجب الحقائق عنا، فأكثر من أربعة آلاف ملك شُعث يندبون الإمام الحسين (عليه السلام)، كما ورد في الرواية الشريفة، بل أن الرواية تقول أن جميع الأنبياء يستأذنون الله في أن يزوروا الحسين (عليه السلام) فلاحظوا مشهد الحزن العاشورائي، لا يقول ملائكة شداد غلاظ، بل قال شعث غُبر يندبون الإمام الحسين أي يبكونه، وهو ملك، فأبشع جريمة حدثت في التاريخ وأكبر تعدّي على مقام الله تعالى هي قضيّة الطف، الله يقول: (إن تنصروا الله).. فكيف ننصر الله؟ هل يحتاج إلى النصرة؟، بل إلى نصر دين، ومن هو المشخص لبيان الدين؟ قطعاً النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الهداة (عليهم السلام)، هذا الحزن، وعندما يتضح المطلب أكثر ستعرف أن مسألة الحزن مسألة قرينة للمؤمن، ولا خير في مؤمن لا يحزن على الحسين (عليه السلام)، لأن هذه سنة من الأنبياء والنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها تحت مقام الإمام المهدي (عليه السلام) ومن أهدافه الأساسية أنه يجعل واقعة الطف في مشروعه ولا يمر عليها مرور الكرام أبداً، واقعة الطف مشروع مهم عنده، ونقرأ في زيارة عاشوراء التي تطلب النصرة مع إمامٍ منصور من أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، وفي نفس الزيارة قال: وأن يرزقني طلب ثأرك، مع إمام هدى ظاهر ناطق بالحق منكم، وأسأل الله بحقكم وبالشأن الذي لكم عنده أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما يعطي مصاباً بمصيبته، ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السموات والأرض)، فالحزن العاشورائي لابد وأن يبقى يجري في دمِنا، وهذا الحزن الذي له القدرة على أن يتميّز الحق من الباطل وهذه المجالس التي تُعقد لإثارة الشجى والحزن كان يطلبها الإمام الصادق (عليه السلام)، فالإمام يريد أن يبكي، وعندما جاء الشاعر وأراد أن يصوّر عبد الله الرضيع للإمام، جاءت واحدة من العلويات قدّمت طفلاً تذكرةً بعبد الله الرضيع، والإمام يتفاعل ويبكي، فالدمعة على الحسين لها فعلها الكثير، والحزن العاشورائي سنّة الأنبياء وفعل النبي والحزن العاشورائي أفضل من حزن يعقوب على يوسف، فيعقوب ولده حي ونبي وبكى وهو حيٌّ، ويوسف غيّب لبعض السنوات، ولكن ماذا حصل بيعقوب، لقد أبيّضت عيناه وعمي من البكاء، والإمام السجاد (عليه السلام) يقول حالي أعظم فأنا رأيت المشهد بأمّ عيني، وقُتلوا، والإمام لا يرجع بعد عشرين سنة، والإمام الباقر والصادق ذكروا المصيبة، ولذلك إذا سمعت أحداً يريد أن يفرغ واقعة الطف من الحزن العاشورائي فهذا أصلاً لا يفهم شيئاً وليس له ارتباط لا من قريب ولا من بعيد بواقعة الطف، الحزن العاشورائي ليس فيه ضعف، وإنما هو عبارة عن ثورة وحالة رفض، والذي يترجم قول لا إله إلا الله، ونحن لا نريد إلا هذا الوجود المبارك وامتداده، ولذلك الذين جلسوا تحت منابر سيد الشهداء الآن كل واحد منهم يريد أن يتشبّه ببعض أصحاب الحسين (عليه السلام) وها هم قد حفظوا البلاد والعباد، فهؤلاء في هذه الأيام كانوا يمارس الشعائر وكانوا يركضون في ركضة طويريج الخالدة، وكانوا يبكون ويلطمون وما أن شعروا بأن المسألة أصبحت خطراً فلبسوا القلوب على الدروع، والآن هم في ساحات الوغى، فدمعة الحسين (عليه السلام) عبارة عن ثورة، وهي وجود مقدّس وجود ينتج، وهي تحافظ على مبادئ الحسين، الحزن العاشورائي حزن أصيل، وحزن الزهراء والإمام الحسن والنبي وأمير المؤمنين إلى بقية الأمة ليست حالة ضعف، الحزن العاشورائي هو حزن للبناء، وهو حزن لغرض الوصول إلى المعارف الجليلة.جانب من الخطبة الأولى للممثل المرجعية العليا السيد احمد الصافيفي 8/محرم الحرام/1439هـ الموافق 29 /9 /2017ممتابعة: علي الشاهرالموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق