بعد ظهر يوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين، عليه السلام، دخلت ثورته مرحلة جديدة إذ بدأت تتحول منذ ذلك الحين إلى محطة للتزود الروحي والمعنوي وبقيت -عاشوراء- كما تراها أعين الغالبية الساحقة من المسلمين فاجعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى وتستدعي الإتيان بمراسيم تعبر عنها بوضوح.
ومنذ ذلك الحين، ظهرت الشعائر الحسينية، والتي كانت ولا تزال عاملاً قوياً اسهم بشكل كبير في وصول ثورة الإمام الحسين، عليه السلام، إلى الأجيال المتعاقبة، وهو ما يدعو الجميع إلى التمسك بها والمحافظة عليها وتطويرها.
أما عن السؤال "لماذا يصر الشيعة على إقامة الشعائر الحسينية"؟ فنقتبس إجابته من مركز الأبحاث العقائدية:
إنّ المثل العليا والقيم السامية التي جسّدها الإمام الحسين (عليه السلام) في الطفّ، جعلت السائرين على نهجه والمرتبطين به يحيون ذكراه، وينشرون مآثره، باعتبارها خير أُسوة يتأسّى بها الناس.
فإحياء الذكريات التي تمثّل منعطفاً بارزاً، وتحوّلاً نوعياً في حياة الأُمم، أمر طبيعي وغير مستهجن؛ لأنّه نابع من ذات الإنسان، ومتّصل بفطرته، كما أنّ الأيّام تعتبر مزدهرة وخالدة، ومتّصفة بالتميّز لوقوع الحوادث العظيمة فيها.
وأيّ حادثة أعظم من واقعة كربلاء؟!
لقد بقيت هذه الواقعة معلماً شاخصاً في التاريخ؛ لما جرى فيها من فجائع من جهة، ولما رسمت فيها من صور مشرّفة من جهة أُخرى.
فالشيعة يقيمون هذه المآتم، ويحيون هذه الذكرى الأليمة من هذا المنطلق، ومن منطلقات عديدة أُخرى، منها:
أولاً: امتثال أمر الله تعالى، القاضي بمودّة العترة الطاهرة؛ إذ قال تعالى: (( قُل لاَّ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى )) (الشورى:23)، ومواساة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا المصاب الجلل من أظهر مصاديق المودّة، فرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكى على الإمام الحسين(عليه السلام)، وهو لم يزل في سنيّ الطفولة.
فقد ورد عن عائشة أنّها قالت: ثمّ خرج [رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] إلى أصحابه، فيهم عليّ وأبو بكر، وعمر، وحذيفة، وعمّار، وأبو ذر(رضي الله عنهم)، وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟!
فقال: (أخبرني جبريل، أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه)(1).
ثانياً: نحن نقيم هذه الشعائر لأنّ فيها نصرةً للحقّ وإحياءً له، وخذلاناً للباطل وإماتةً له، وهذا الأمر من أجله أوجب الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: إنّ إحياءنا لهذه الذكرى، حفظ لها من الضياع، وصون لمبادئها من التزييف، ولولا ذلك لاضمحلّت، وخَبَت جذوتها، ولأنكرها المخالفون، كما حاولوا إنكار غيرها!!
رابعاً: بإقامتنا لهذه الشعائر - لاسيّما المجالس الحسينية - نكشف عن منهج مدرستنا، هذه المدرسة الجامعة لمختلف الطبقات والفئات، إذ يعرض فيها التفسير والتاريخ، والفقه والأدب، و... فهي مؤتمرات دينية، تُطرح فيها مختلف المعارف والعلوم.
خامساً: إنّ إحياءنا لهذه الشعائر، هو أفضل وأبسط وأنجح وسيلة لنشر الإسلام الأصيل؛ لأنّها حيّة وغير معقّدة، ولذلك كانت ولا زالت أشدّ تأثيراً في النفوس!
فالإحياء والمشاركة والتنمية لشعائر الحسين (عليه السلام) إحياء لذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّه قال: (حسين منّي وأنا من حسين) فهما (عليهما السلام) من سنخ واحد، وإحياء ذكرى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إحياء للدين، باعتباره الرمز الأوّل للإسلام.
المصدر: مركز الأبحاث العقائدية
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق