طائر الفراتين ..

طائر من طيور هذا البلد المعطاء حل في بلاد المغرب ليتنفس نسيم محيطها ليغرد مناديا

بلادي وإن جارت عليَ عزيزة ... وأهلي وإن شحوا عليَ كرامُ

هي التشكيلية  العراقية الشابة علياء العزي.

علياء عبد الكريم العزي تخرجت من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد قسم الفنون التشكيلية ، فرع الرسم عام2003، وأكملت تعليمها في المغرب وحصلت على دبلوم عال من المعهد العالي للأعلام والاتصال وعلى دبلوم عال آخر من المعهد الوطني للفنون الجميلة ، قسم التصميم بمدينة تطوان المغربية ، واستمرت في مسيرتها الفنية والعلمية حتى حصولها على درجة الدكتوراه لتجمع بين الفن والإعلام ووسائل الاتصال والعلوم السياسية في آن واحد.

تأثرت علياء بطريقة الفنان العراقي البابلي القديم وهو يرسم ما يدور حوله من مجريات الحياة اليومية  واشكال الاشخاص بعيون مدورة كبيرة ترتسم عليها الدهشة والوجوه الطويلة المبتسمة التي لطالما تذكرنا بطيبة العراقيين وحفاوتهم بالأهل والمحبين.

عمدت الفنانة الى عرض ما رسمته خارج العراق من لوحات تنتمي للبيئة العراقية وتراثها العريق، ويلاحظ كل متلق مطلع على إبداعاتها ومن الوهلة الاولى، اهتمامها بنقل التراث العراقي الغني بتقاليده في الرسم، فالأبنية والنخيل والوجوه في رسومها هي العمائر والنخيل البابلية والوجوه السومرية عينها التي رسمت على جدران المعابد في بلاد سومر وأكد، حيث تذكرنا لوحاتها بما شاهدناه من رسوم وتحف عراقية كانت وما زالت تثري متاحفنا الوطنية  والعالمية . 

لوحات وذكريات

حرصت العزي على نقل مشاعرها الجياشة تجاه بلدها العراق من خلال الألوان التي استخدمتها في كثير من لوحاتها، حيث الالوان القوية التي تعطي انطباعا أكيدا بانحدار الفنانة من بلاد تميزت بشمس محرقة وظلال حادة غير متداخلة، فضوء الشمس المباشر لا يتيح أي تداخل للظلال مما يتيح للرسامة رؤية محددة لموضوعاتها وأشكالها التجريدية التي تعطي للمتلقي انطباعا مؤكدا عن طبيعة الأشياء المرسومة، فالنخيل هو النخيل والأشجار هي أشجار والعمائر هي كما تكون ، حيث تنقلك أمكنة لوحاتها وما توحيه من اشتياق لتقربك لأمكنة عزيزة عليها قد تكون غادرتها كما تبدو من أيام قليلة فقط، فهي قد حولت جميع ذكرياتها لأشكال والوان عسى ان تدرأ عنها لوعة الحنين الى الوطن.

من القلب

اختطت علياء طريقة مبتكرة في رسم لوحاتها، فهي تركز على الشكل الكلي للوحة، وما تعطيه من إيحاءات لونية وما تركز عليه من رؤية عميقة للتراث العراقي بحمولاته الفكرية والعقائدية، فهي تضع في كل لوحة ملامح مدينة عراقية تتشكل ببطء في عمق اللوحة، وتتسع إلى أطرافها التي يغمرها ضوء باهر، وألوان حارة تمتد لتشمل اللوحة بكاملها فتصير مدينة ببيوتات وابواب متراكبة ونخيل باسقات، وفي بعض لوحاتها وجوها لأناس ينظرون في الفضاء وعليهم إرتسامات الدهشة الممزوجة بالحيرة ، وكأنهم يبحثون عن الحب والأمان ولم يجدوه.

الوان وآمال ..

حاولت الفنانة اختزال الجماليات التراثية بالوان متواضعة وبسيطة بعيدا عن الغلو في الاستخدام، لتثير في المتلقي ذلك الاحساس بالحنين الى الوطن وان كان يقطنه، حيث استطاعت ان تستخلص عبق جماليات الموروث العربي بأسلوب معاصر، والذي بلا شك يدون كل تفاصيل الحياة من الأدوات والهندسة المعمارية الى المناخ والطبيعة و الأزياء، والتي على غرارها تقاس أصالة الأمم، وعراقتها بما تمتلك من حضارة وتراث إنساني تتوارثه الأجيال.

ومن الملفت للأنظار و لا يخفى على المشاهد المتعرض للوحاتها ما تعطيه هذه الفنانة من الأمل الذي يشعره الرائي من خلال استخدامها للألوان الحارة، ولمساحات الضوء المبهج في كل لوحة، وما يلاحظ من تدفق لوني من كل جزء من مساحة اللوحة التي ترسمها، كأنها تعيد تركيب ذاكرتها فتملأها بملامح البيوتات والأزقة العراقية القديمة.

وصف

في منجز الفنانة علياء العزي يتجلى الشكل العماري الإسلامي في وسط اللوحة وهو يضج بالأشكال المعمارية والزخارف الهندسية والنباتية الملونة وبأشكال وخطوط مختلفة، تحدها من جهة يسار اللوحة نخلة مميزة بألوانها وشكلها المائل ترتفع في فضاء اللوحة.

رحلة بين ثنايا الالوان والاشكال

تندفع الفنانة في لوحتها هذه باتجاه التجريد لتجسد عمق الحداثة وارتباطها بأصالة الموروث شأنها بذلك شأن فناني العراق المعاصرين واشتغالهم على المضامين، ابتداء من جيل الرواد إلى الوقت الحاضر وفقاً لمعالجات البناء الفني والتقنية في استخدام الخط واللون والخامة.

وفي هذا السطح التصويري ابدعت علياء تكويناً بنائياً على مستطيل من الالوان الحارة النارية، بشكل اقرب الى الهرمي وهو يربط بين تكوينات هندسية وفضاء حر متمثلة بأشكال حداثوية لبعض اشكال العمائر المستقاة من ازقة بغداد الجميلة، تعلوها اقواس الشبابيك المنيرة لتمثل قمة التكوين ويستقر بها المشهد ويثبت، حيث وزعت مساحات المشهد وأشكاله ضمن فضاء واسع مُثل بخليط من الألوان الحارة المتمثلة بالأحمر والبرتقالي وبالوان اخرى باردة وحارة مثلت مضمون الشكل وسط اللوحة، وبتدرجات متداخلة لتوحي بشكل متوهج بارز ضمن ذلك الفضاء وتعطي  انطباعا واضحاً بالإنارة والظلال ، حيث يزدحم الفضاء الوسطي للمشهد بامتلائه بالأشكال الهندسية المتراكبة المتمثلة بهيئة الابواب الخشبية والشبابيك المشغولة بحرفية بمساحات لونية مثلثة الاشكال واخرى معينية وانصاف دوائر وتركيبات زخرفية متنوعة تناثر جزء منها يمين اللوحة بالنسبة للمشاهد وبشكل ضبابي تتخلله بعض الاشكال والخطوط الزخرفية لخلق موازنة في الاشكال والالوان و ليخرج هذا التكوين الابداعي بهذه الهيئة الرائعة.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات