التجارة بالمواد التالفة.... خطر يهدد المستهلك ويضر ببنية الاقتصاد الوطني

اتضح لي وانا اروم شراء بسكويت من المحل المجاور لمقر عملي انه منتهي الصلاحية وحينما اخبرت صاحب المحل لم يكترث للأمر، ويروي لي أحد الاصدقاء ان الرقابة الصحية قد اتلفت  كميات كبيرة من السلع الغذائية التي يعرضها صاحب محل جملة في منطقته بعد ان تأكد الكادر الصحي من عدم صلاحيتها للاستهلاك، وحكى لنا صديق آخر عن حادثة مشابهة حصلت في السوق المقابل لمنزله، هذه الحوادث المتكررة جعلتني اتأمل هذه الظاهرة التي تفاقمت منذ فترة ليست بالقليلة وعلى الرغم من ذلك لم نجد لها معالجات حقيقية.

بعد لحظات التأمل تلك قررت ان ارصد تلك الظاهرة واجري حولها تحقيقا صحفيا يبحث في أسبابها واضرارها ونتائجها وسبل الوقاية والحد منها.

الاستيراد بقدر حاجة الاقتصاد

التدريسي في قسم العلوم المالية والمصرفية بكلية الادارة والاقتصاد في جامعة كربلاء الدكتور عباس الدعمي تحدث قائلاً: "من المعروف ان السلع والخدمات التي نستوردها من الخارج تستورد بالعملات الاجنبية الصعبة ما يعني استقطاع جزء من احتياطات مهمة لدعم الاقتصاد، من اجل ذلك فأن كل بلدان العالم تحاول استيراد السلع والخدمات التي تحقق جدوى ومنفعة اقتصادية سواء كان المستهلك مواطنا او شركات منتجة " مضيفا أنه " ينبغي على الجهات المستوردة حكومية كانت ام خاصة ام قطاعا مشتركا أن تستورد بقدر حاجة الاقتصاد علما ان الاقتصاديات المتقدمة توفر معظم الحاجات والسلع المهمة وينصب مورد استيرادها على السلع التي لا تمتلك فيها ميزة الكفاية النسبية فتستوردها.

وفي ما يخص الوضع في العراق قال الدعمي للموقع الرسمي, "نحن في العراق اليوم مع الاسف لا نمتلك غير سلعة واحدة وهي النفط ونعتمد عليه كليا في استيراد بقية السلع والخدمات الاساسية والمهمة الي يحتاجها المستهلك العراقي في حياته اليومية او التي تحتاجها الشركات او المؤسسات الحكومية لتسيير نشاطاتها واعمالها, وهذا خلل كبير فينبغي ايجاد العلاجات المناسبة له ومنها التأكيد على ضرورة استيراد السلع والخدمات الانتاجية أي التي تساهم في بناء القاعدة الانتاجية داخل الاقتصاد العراقي، وكذلك تحديد السلع والخدمات الاساسية والضرورية التي لا يمكن انتاجها داخل الاقتصاد العراقي، وان تكون السلع ذات مواصفات عالية،  فضلا عن ضرورة أن تكون غير مسببة لأي ضرر لحياة الانسان بالدرجة الاساس، وبمخالفة ذلك يكون البلد والمواطن قد خسر مرتين الاولى في استنفاذ  العملات الاجنبية الصعبة وثانيا ما سببته من أضرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على حياة الانسان وثالثا أنها سوف تشكل عبء آخر على الموازنة العامة لان هذه السلع اسبب اضرار صحية وجسدية على الانسان.

كما طالب الدعمي بالاهتمام بالرعاية الصحية للمواطن فقال" اطالب بالمزيد من الرعاية الصحية الاولية والمزيد من الانفاق الحكومي على المؤسسات الصحية وغير الصحية "مؤكدا على " ضرورة تقييد دخول السلع بقدر حاجة المستهلك وخضوعها للمواصفات بالإضافة الى تفعيل قانون المستهلك الذي يحمي المستهلك من السلع الضارة سواء كانت من المواد الطبية أو سلع غذائية مهمة قد يتضرر من جرائها المواطن وقد يصل الضرر الى حد الوفاة.

ودعا الى " ضبط الية دخول السلع والبضائع عبر منح اجازات للاستيراد وان تكون في المنافذ الحدودية جهات رقابية تقوم بمتابعة ومراقبة دخول السلع والخدمات الى داخل البلاد وفحصها بشكل دقيق وهذه مسؤولية الحكومة بالدرجة الاساس وان تأخذ وزارة التجارة او المالية او الصحة دورها في ذلك ضبط ومراقبة منافذ الحدودية واخضاع السلع والخدمات المستوردة بكل أنواعها لنظام التقييس والسيطرة على الكم أيضا طالما فيها استقطاع للعملة الاجنبية الصعبة لتقنين خروجها من البلد والتقليل من هدر اهم مورد من موارد الاقتصاد العراقي.

وأشار الدعمي الى أنه" كلما قلّت السلع والخدمات المستوردة وخصوصا غير الضرورية فقد يؤدي ذلك الى الاستفادة من عائداتها في تمويل مشاريع ومؤسسات خدمية وإنتاجية داخل البلد, او التوجه الى استيراد السلع التي تساهم في تأسيس وتدعيم القواعد الإنتاجية وبالتالي التقليل من عجز الموازنة وزيادة الانتاج المحلي.

ضعف الرقابة الصحية في بعض المنافذ

مدير شعبة الرقابة الصحية في قسم الصحة العامة لدائرة صحة كربلاء الدكتور اكرم عبد الخالق الإبراهيمي تطرق في مستهل حديثه عن الجهة المسؤولة عن الرقابة الصحية فقال: إن تدفق المواد المستوردة يتم عبر المنافذ  الحدودية المحددة وهي حاليا عبر اقليم كردستان وعبر من جهة ايران  ومن جهة البصرة" مشيرا أن" الكثير من المواد المستوردة بحسب المعلومات العامة المتوفرة عندنا تشير الى ضعف الرقابة الصحية في هذه المنافذ لأن واقع ما يدخل لمحافظتنا من المواد والبضائع يدل على عدم الفحص الدقيق  في المنافذ الحدودية ولا نعلم ما اسباب ذلك، لذا لجأت دائرة صحة كربلاء والرقابة الصحية وقسم الصحة العامة الى نشر مفارز بالمداخل الرئيسية في المحافظة لتأمين المنافذ الحدودية للمدينة وعدم الاقتصار على المنافذ الحدودية" منوها الى أنه" رغم سماح القانون بإتلاف المواد غير الصالحة لكننا نحاول عدم اتلاف الكثير من المواد لان ذلك يتطلب توفر الكثير من الفرق الصحية وإمكانيات ضخمة للإتلاف فنعمد الى عدم ادخالها الى المحافظة فقط.

وأوضح للموقع الرسمي" أن هناك خروقات قليلة تحدث وسببها قلة كادرنا وعدم امكانية تواجدهم دوما فتدخل بعض العجلات عبر السيطرات بدون علم العناصر الرقابية الموجودة والبعض الآخر قد يدخلون عن طريق السيطرات الفرعية ولهذا وجهنا بعدم دخول العجلات المحملة بالمواد الغذائية الا عن طريق السيطرات الخاصة بها حتى يتم فحصها وهناك فرق صحية خاصة بفحص المواد والسلع وهي داخل العجلة.

  وأشار الى أن" هناك مواد وبضائع داخل فترة الصلاحية ولكنها تبقى مدة طويلة في الاسواق أو تتأخر بالمخازن وهنا يأتي دور العناصر الرقابية الموجودة بالقطاعات عبر التفتيش اليومي للمخازن والمحلات العامة ويتم التعامل معها حسب القانون وكل بحسب حالتها "مبينا أن اللجان تواجه " صعوبات منها كثرة المخازن وخاصة في فترة الزيارات فكما هو معروف أن المحافظة استهلاكية خصوصا في فترات الزيارات المليونية وعدم اهتمام المنافذ الحدودية بالقيام بواجبها بالصورة الصحيحة لذا فان محافظة كربلاء اول من نشرت مفارزها الرقابية على منافذها الحدودية منذ سنة 2007 تلتها المحافظات الاخرى".

وذكر الابراهيمي أن " الكثير من اصحاب المركبات يشكون من تشدد اجراءات مفارز الرقابة الصحية على عكس باقي المحافظات الاخرى ومرد ذلك الى المتابعة المستمرة من قبل مدير الصحة العامة ومدير الرقابة الصحية للمنافذ الحدودية لمحافظة كربلاء .

 وفيما يخص العقوبات المترتبة على المخالفات المحلية قال الابراهيمي" بالنسبة للمواد المستوردة فان لها قانونا يختلف عنه في المنتج المحلي ففي ما يخص المنتج المحلي – مثلا- إذا كان رديء فعليه غرامات مالية تصاعدية من (100- 500) الف واذا كان فيه تلوث فيتم ايقاف انتاجه لمدة سبعة ايام لغرض التعثية وإذا تكررت الاصابة بالتلوث فيغلق المعمل,

واكد ان فرقهم" أتلفت خلال سنة 2015 ما يقارب 600 طن من المواد الغذائية التالفة وما يقارب (1000,000) لتر من الماء او المواد السائلة وهذا توفيق الهي بجهود الاخوة العاملين وهناك دعم من مجلس ومحافظة كربلاء والمحافظة وتعاون من بلدية كربلاء, أما لجنة الجزر العشوائي بالاشتراك مع البيطرة ومديرية شرطة البيئة فتقوم بمتابعة وزيارة محلات القصابة شهريا ولكن العدد هائل حيث تجاوز(700) محل مما صعّب على اللجنة السيطرة عليها، والمخالف تتم احالته الى القضاء فيعاقب بغرامة مالية ومصادرة اللحوم من قبل البيطرة، ويشترط أن تتوفر في المحل وفي الجزار شروط صحية بأن تكون لدية اجازة من قبلنا ورغم ذلك فإننا نراقبه من ناحية الجزر والتلقيح والفحص من الامراض المعدية فضلا عن توفر ادوات وشروط السلامة المهنية كالصيدلية والمعقمات والمغاسل والماء وبخلاف هذه الشروط  بإمكاننا غلقه كصحة وفيما يخص اللحوم فهي من اختصاص البيطرة  وقانونها عدم جزر القصاب امام محله بل داخل المجزرة وهناك طبيب بيطري مختص يفحص قبل الذبح وبعد ذبحها يتم ختمها بختم البيطرة حصرا".

قانون حماية المستهلك

قاضي محكمة تحقيق كربلاء المقدسة محمد ميري جبار العلي تحدث عن الجوانب القانونية في هذا الشأن فقال" هناك قانون يسمى قانون حماية المستهلك قد نصت المادة العاشرة منه على معاقبة المتهم بالحبس او الغرامة المالية في حالة ثبوت وضبط المواد الغذائية او الطبية خارج نفاذ الصلاحية والتي تؤدي بالأضرار بالمواطن وبغية حماية المنتوج الوطني فقد شرع هذا القانون.

 وأشار الى ان "هناك مفارز امنية تقوم بين الحين والاخر بإجراءات تفتيش المحلات التي تقوم بعرض المواد الغذائية وبيعها المواطنين بغية ضبط المنتوج خلال فترة الصلاحية حتى يمكن استهلاكها من قبل المواطن بأمان وتم ضبط العديد من المواد الغذائية التالفة وهي خارج فترة الصلاحية مما قد يؤدي الى ضرر بالمواطنين فيتم توقيف الاشخاص وفق المادة العاشرة وبعد اكمال التحقيقات يتم احالة المتهم على محكمة الجنح كون الفعل المنسوب الى المتهم يعد من جرائم الجنح ومحكمة الموضوع  المختصة تقوم بإصدار القرار بحبس المتهم او تغريمه وفق ظروف حال القضية علما بان المضبوطات من المواد التالفة سوف يتم بعد حسم الدعوة اتلافها وفق الطرق القانونية المعهودة.

وبين للموقع الرسمي, أنه "في حالة تضرر المواطن من قبل شخص معين بإصابته بأذى او مرض نتيجة استهلاكه لتلك المواد التالفة فبإمكان المواطن تحريك دعوة جزائية ضد المتهم المذكور وفي حالة ثبوت ادانة المتهم امام محكمة البدائة والمطالبة بتعويض طبقا للقاعدة الشرعية والقانونية التي  تقول (لا ضرر ولا ضرار).

حملات مستمرة لمتابعة الاسواق

مدير اعلام بلدية كربلاء المقدسة الاستاذ ماجد ناجي تحدث عن دور واجراءات البلدية في هذا الصدد فقال" تم تشكيل لجنة برئاسة قائمقام مركز المدينة وعضوية الدوائر الخدمية في المحافظة منها مديرية البلدية والبلديات والامن الوطني والاستخبارات ودائرة الصحة مهمتها متابعة المواد التالفة (منتهية الصلاحية) والمحلات خصوصا التي تخزن بعض المواد حيث تقوم اللجة بإجراء حملات لمتابعة المحلات والاسواق وفي حال ضبط مواد غير صالحة يتم عمل محضر موقع من جميع الاعضاء ويتم اتلافها.

وبين دور البلدية قائلا" نحن دورنا كمديرية بلدية نساهم معهم بتوفير الآليات الخاصة بنقل بالمواد وإتلافها وهناك مكان مخصص بالمواد التالفة(منتهية الصلاحية) وغيرها وهو الطمر الصحي الذي يبعد عن المدينة(10)كيلو متر.

واوضح ناجي للموقع الرسمي, أن "لا توجد مواد تحرق وهناك مكان مخصص لإتلاف المواد عبر ردمها ورمي الرمال فوقها حتى تدفن واما بالنسبة المواد الطبية فتقع على عاتق المستشفيات ووزارة الصحة فهي مسؤولة عنها ولديها محرقة خاصة داخل كل مستشفى , أما مسالة نفايات المواد الغذائية وغيرها فأننا نساعد المستشفيات خصوصا في مدينة كربلاء برميها وطمرها بالمكان المخصص من قبل مديرية البلدية في المحافظة.

مسؤولية أصحاب المحلات

فيما قال صاحب اسواق الديرة حيدر محمد شهيد للموقع الرسمي, انا "أتأكد من صلاحية المواد الغذائية عندما اريد شراءها لان صلاحية المواد الغذائية مهمة لما فيها من مخاطر على صحة المستهلك فضلا عن الخسائر المادية التي يتم دفعها من قبل صاحب المحل وخسارة السمعة الاسواق فعلينا التأكد والمتابعة والمراقبة دائما فهذا واجبنا كأصحاب اسواق فأرواح المواطنين عزيزة علينا".

فيما قال المواطن فلاح الزاملي للموقع الرسمي, ان "هناك بعض الأخطاء في طرق تخزين الاغذية وخاصة المعلبات مثل البسكويت والعصائر والجبس وغيرها مما يؤثر على صحة المستهلك وخاصة الاطفال, والبعض منها منتهي الصلاحية مثل البسكويت الذي وزع لمدارس الارياف قبل سنوات -وتناقلتها وسائل الاعلام- جراء الإهمال لدى بعض المختصين في الشأن, والبعض منها تالف بسبب تعرضه الى اشعة الشمس القوية في الصيف وهذه القضية تعتبر خطيرة جدا ويجب المحاسب عليها من قبل وزارة الصحة ومن بيدهم زمام الامور".

 

عماد بعو

تحرير: يحيى الفتلاوي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة