ظاهرة البطالة

البطالةُ كظاهرة اجتماعية سلبية، تعني بوجه من الوجوه فقط.. عملية تعطّل الطاقات البشرية، ومنعها لأن تكون عاملة وفاعلة ومنتجة في خدمة البلد ورفاهية المجتمع، وتعني أيضاً عدم القدرة على توظيف مثل هذه الطاقات، واستثمارها في زيادة العمل والإنتاج .. سواء أ كان في خدمة الحياة الخاصة بالنسبة لهذه الطاقات ذاتها، وأعني كأفراد من المجتمع، أم للمجتمع عموماً كبلد.. خصوصا وإن هذه الطاقات هي في الأغلب من فئة الشباب الذين يعدون مصدر الحركة والنشاط والعطاء.

وهو ما يؤدي بالنتيجة الى تعطيل الطاقة المحركة لعجلة التقدم في أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي بلد من البلدان في العالم، وبالتالي تأخيره في عملية بناء حاضره ومستقبله، ومن ثم توفير بيئة ملائمة لنمو كثير من الأمراض الاجتماعية بين أفراده.

ومشكلة البطالة الأهم، تكمن في الهدر لمثل هذه الطاقات الهائلة والمهمة بلا أدنى اهتمام، أو شعور بالمسؤولية اتجاههم واتجاه الوطن، ولعل أخطر ما في ذلك هو تحويلها من جانب ايجابي مهم ومفيد للبناء، الى جانب سلبي ومضر للهدم، وبدل توظيفها في خدمة الحياة والمجتمع، واستثمارها في تقدم ورفاهية البلد، تتحول الى عامل تأخر وتردٍ، وعصا تعطّل عجلة التقدم في البلد.. نتيجة تفشي ظاهرة البطالة بين شبابه، مما يؤدي الى إشاعة الكثير من المشاكل الحياتية بين أفراد المجتمع.

بطالة مقنعة

هناك قسم من الموظفين ممن لا يعدون ضمن نسب البطالة، أي هم في الظاهر ليسوا عاطلين عن العمل، ولكنهم في الحقيقة عاطلون.. إذ لا يقدّمون انتاجاً أو فائدة معينة للمجتمع، وأعني بهم ممن يتقاضون رواتب أو أجوراً من الدولة دون تقديم عمل يذكر يستحقون عليه استلام مثل هذه الرواتب أو هذه الأجور، وهم سيشكلون عبئاً مضافاً يثقل كاهل الدولة، ويؤدي الى المزيد من المشاكل في المجتمع.

خاصة حينما نرى الكثير من الطاقات الشبابية المعطلة.. سواء أكانوا من خريجي الجامعات أو المهرة من أصحاب المهن العامة، نراهم يدورون في فراغات البطالة دون أن يجدوا حلاً لهذه المعضلة الاجتماعية المتفاقمة، خصوصاً الشاب في مقتبل العمر، وهو بطبيعة الحال مقبل تواً على الحياة، وتنتظره الكثير من التحديات المادية والحياتية، ولكنه لا يجد وظيفة أو عملاً يسد جزءا من احتياجاته، ولعل أولها الزواج، ومن ثم الاستقرار والسكن، وغيرها الكثير من متطلبات الحياة.

خطورة البطالة

لعله تكمن خطورة ظاهرة البطالة في شقين أو جانبين رئيسيين:

أولا: فيما يخص العاطل كفرد من المجتمع

طبعاً، البطالة ستولّد لدى الإنسان العاطل حالة من حالات الإحباط والتشاؤم، وربما إذا استطالت بطالته، وتفاقمت مشاكلها، سيكون إنساناً سلبياً في تفكيره وفي سلوكه، في خضم تزايد ضغوط الحياة والأهل والمجتمع، وستقوده البطالة الى شبه يأس ربما من الحياة، وهي مرحلة خطرة جداً.. خاصة حينما يحس بأنه عضو عديم الفائدة في المجتمع، وجزء عاطل في الحياة.

إضافة طبعاً لمشاكله الشخصية وغيرها، ومن ثم احتياجاته الحياتية غير القادر على تحقيقها وهو عاطل عن العمل، مما سيولّد عنده شعورا بالفراغ، وفي بحثه عن وسيلة لملء مثل هذا الفراغ في حياته، ربما يقوده هذا البحث الى الوقوع في الكثير من المطبّات والمشاكل والمصادمات، وربما سيكون غرضا متاحاً يمكن تسخيره واستغلاله بسهولة نتيجة حاجته، وأداة تنفيذ رخيصة في يد بعض الأفراد أو الجماعات أو الجهات المشبوهة.. لدفعه الى تنفيذ مطامعها وجرائمها التخريبية.

ثانياً: فيما يخص العاطل وتأثيره على المجتمع

لا ريب إن المجتمعات تتقدم وتزدهر وتتطور.. إنما بطاقاتها الشبابية المبدعة .. العاملة بإخلاص وحب وتفان من أجل خدمة مجتمعاتها وبلدانها، وليس طبعاً بشبابها العاطل أو المعطل الذي يبحث ويطيل البحث عن العمل، لكنه لا يجد وظيفة أو عملا ليعيش حياته من خلاله بكرامة، أي بمعنى إذا كان الشاب يدرس ويتعب ويجتهد مثلاً الى أن يتخرج بتفوق، ويأخذ شهادته الجامعية ويركنها في إحدى زوايا البيت المنسية، هل يتطور المستوى العلمي للتدريس في جامعاتنا ؟ وبالنتيجة هل يتقدم البلد؟

وإذا كان عدد العاطلين عن العمل سواء بطالة فعلا أو بطالة مقنّعة، كبيراً وبنسب مخيفة أحياناً ..هل يمكن أن يتطور البلد ويزدهر؟!

أخيراً، أحب أن أقول.. لاشك إن هدر مثل هذا الطاقات الشبابية الكبيرة، وهي لاريب تعد رصيد الوطن الأغلى، والإغفال او التغافل عن أهميتها في الحياة، ومما سيعود بالنفع على المجتمع والبلد معاً، وعليهم كأفراد أخيراً، وعدم رعايتها واستثمارها وتوظيفها بالشكل الأمثل، من قبل المسؤولين وأصحاب الحل والعقد؛ يعد جريمة لا تغتفر بحق الوطن.

 

طالب عباس الظاهر

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة