الوعي الانتخابي.. ضرورةٌ للتصحيح

لم یعد الوعي الانتخابي ترَفاً او ثقافة يتسلح بها فرد او فئة معينة من دون اخرى، بل أصبح ضرورة ملحّة توجب على كل فرد التعرّف على مفاصل هذه الممارسة الديمقراطية التي على أساسها يبنى البلد وتُدار مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإن صَلُحت هذه الممارسة صلحَ ما سواها من مؤسسات الدولة، وإن تخللها العجز والتخبّط فإن النتائج ستكون وخيمة على الفرد والمجتمع والوطن عموماً..

في ملفّنا التالي نوجّه الضوء مباشرة على نقاط الايجاب والسلب في مسألة الوعي الانتخابي وضرورته للتصحيح والتقويم، في سبيل بناء ركائز دولة المؤسسات التي تهتم بكافة شؤون المجتمع ومصالح الدولة العليا.

ماهية الانتخابات وأسباب العزوف عنها

"ان مفهوم الانتخابات بالمصطلح القانوني المتعارف هو تلك الممارسة السياسية التي يتم من خلالها اختيار شخص او جهة او قائمة او تكتل معين لمنصب معين كرئاسة الدولة او الوزارة او عضوية البرلمان وما شابه ذلك، وهي إما مباشرة او غير مباشرة".

بهذا التمهيد بدأ الشيخ عزام الربيعي حديثه، مضيفاً عن الموقف الشرعي من الانتخابات المعاصرة بالقول" يمكن الاستدلال على مشروعية الانتخابات المتعارفة اليوم وما يترتب عليها من آثار شرعية وقانونية من خلال القرآن والسنّة والتاريخ والأدلة العقلية واللبيّة باختصار شديد وكالآتي:

1ـ القرآن الكريم: آيات البيعة (الفتح: 10/ الفتح:18/ الممتحنة: 12).

آيات الشورى (آل عمران: 159/ الشورى: 38)

فالبيعة والشورى طريقان لمعرفة رأي الأمة في الحاكم والمسؤول والامور العامة واختيارها ورضاها ولو بالأكثرية وهذا هو روح الانتخابات وفحواها.

2ـ السنّة الشريفة: لقد اتبع النبي صلى الله عليه وآله ومِن بعده الأئمة نظام البيعة والشورى في سيرتهم المباركة ودعوا اليها، بل لم يتصدوا للقيادة السياسية للأمة  (الخلافة) إلا بعد حصول البيعة من الأمة، فكانت للنبي صلى الله عليه وآله بيعة العقبة الاولى وبيعة العقبة الثانية ثم بيعة الرضوان  (الشجرة) وهكذا اخذ النبي بيعة الغدير من الأمة لخليفته علي بن أبي طالب...

وتذكر السنّة الشريفة ان النبي صلى الله عليه وآله قال عند نزول قوله تعالى ((وشاورهم في الأمر)): قال (أما إن الله ورسوله لغنيّان عنها ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، من استشار منهم لم يعدم رشداً ومن تركها لم يعدم غيّاً).

وورد عن الإمام علي عليه السلام: (لا تكفّوا عن مقالةٍ بحق أو مشورة بعدل). وهناك عدة مواضع وغزوات استشار فيها النبي صلى الله عليه وآله أصحابه.

3ـ الأدلة العقلية واللبّية: مثل سيرة المتشرعة والسيرة العقلائية وبعض القواعد الفقهية يمكن الاستدلال بها على المطلوب ايضا، ويمكن مراجعة المزيد من التفاصيل في كتاب الانتخاب والترشيح في ضوء الشريعة الاسلامية".

الحكم الشرعي للانتخابات

يضيف الشيخ عزّام" ان انتخاب أكثر الأمة للحاكم والمسؤول ورضاها به شرط شرعي وواجب لتعينيه فعلاً لهذه المسؤولية، وعليه فعلى الأمة واجب المشاركة في هذه الانتخابات وإبداء الرأي فيها، وذلك لاختيار الأصلح طبق الضوابط الشرعية من ايمان وعدالة وكفاءة وحرص على القيام بالواجبات الشرعية والقانونية من خلال موقعه في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واحقاق الحق وادائهِ الى اهلهِ، وفي حالة انتخاب من لم يكن بهذه المواصفات والمؤهلات الشرعية الكاملة فان ذلك لا يضر بالشرعية الدينية والقانونية لهذا المنتخب ما دام قد حاز على إذن ولي الامر ولو للضرورة يسدّ الفراغ والعنوان الثانوي، وبهذا يتضح وجوب اجراء الانتخابات في بعض الحالات مثل كونها لأجل حفظ النظام العام أو حفاظاً على المصالح العليا او المصلحة الأهم او كونها متلبسة بأي عنوان ثانوي واجب فتكون بهذا واجبة بالعنوان الثانوي، وقد تكون مقدمة لواجب آخر كالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر واقامة الحدود وتحقيق العدل وإحقاق الحق وارجاعهِ لأهلهِ والحفاظ على حقوق المؤمنين المادية والمعنوية، فتكون بذلك كلهِ واجبة بالوجوب المقدمي بالعنوان الاولي...

أسباب العزوف عن الانتخابات

 ويوضح الشيخ عزام أهم أسباب العزوف عن الانتخابات بالقول ان الأسباب (بعد فرض حسن النية وعدم تعمّد الإضرار بالعملية السياسية القائمة هي:

1ـ عدم الثقة بالمرشحين: وذلك نتيجة سوء الظن بهم بعد تجارب سابقة.

2ـ الجهل بالمرشحين وانجازاتهم وتأريخهم بل الجهل ببرامجهم وخططهم المستقبلية لحل مشاكل البلاد..

3ـ تقصير المسؤولين السابقين وسوء استخدام المناصب وعدم قيامهم بمسؤولياتهم.

4ـ التوجيه الاعلامي والسياسي المعادي المغرض.

5ـ عدم الشعور بالمسؤولية وعدم تقدير المصلحة العامة من قبل الكثير من الناس، وضعف الوازع الديني والوطني، وتغليب المشاعر الآنيّة والعواطف المتعجلة على العقل والحكمة، فينتج عن ذلك ردود الافعال المتسرعة وتعميم الحكم السلبي على الجميع.

6ـ الصراعات السياسية وما ينتج عن ذلك من تنافس غير صحيح ومحاولة تسقيط البعض للبعض بحجة الدعاية الانتخابية، والنتيجة ستكون عزوف الناس عن الجميع.

7ـ الجهل بالحكم الشرعي الذي يوجب اكثر الاحيان اجراء الانتخابات ووجوب المشاركة الفاعلة فيها.

الحل المطلوب

 وأوجز الشيخ عزام رؤيته للحل قائلاً" ان حل هذه السلبية يكمن في عدم الانجرار وراء الأمور المذكورة أعلاه، بل يجب التحلّي بالصبر والوعي وتقدير المصلحة العامة الوطنية والشرعية، والانقياد للحكم الشرعي الذي يوجب المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات بمختلف أنواعها ومستوياتها لاختيار الأصلح والأفضل والأكفأ بما يُبرئ الذمة أمام الباري تعالى لا على أساس العواطف والعلاقات الخاصة والمصالح الضيقة والمحاباة والمجاملات ولا على أساس التعصب.. وبهذا يتم غلق الأبواب أمام المخربين والمحرضين، والاهم من ذلك كله الحفاظ على حقوق الناس وعدم التفريط بها مادياً ومعنوياً.

المواطن المسؤول الأول

الكاتب والأديب علي عبيد، يرى إن التركيز على الوعي الانتخابي أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة الحرجة التي يسعى عموم الشعب العربي لتجاوزها بسلام، فبعد التجارب المتوالية للانتخابات النيابية والمجالس البلدية، تبلورت لدى الناخب العربي في بعض البلدان رؤية عملية جيدة، واستطاع أن يدقق في ما أنجزته تلك الحكومات ودورات المجالس، علما أن الحق الانتخابي ينبغي أن يكرَّس لاختيار ممثلين جيدين وأمناء للشعب".

أضاف عبيد" لهذا ينبغي للوعي الانتخابي أن يسمو ويتصاعد لدى الناخب الى أقصى حد، لكي نسهم جميعا من خلال هذا الوعي في تطوير المرتكزات التي تقوم عليها المؤسسات، فالحقيقة التي يجب أن نفهمها، أننا نحن المعنيين حصرا في تقييم وتقويم تجاربنا الانتخابية، ولا نتوقع أن يأتي أحد أو منظمة أو دولة أخرى لتصحح لنا أخطاءنا..

الناخب الواعي حجَر الأساس للبناء

وفي سؤال يتعلق بكيفية تقييم مستوى الوعي الانتخابي يفيد الكاتب والباحث الاجتماعي عبد الكريم قاسم بالقول" ابتداءً لا يوجد مقياس معين يمكن الرجوع إليه لمعرفة مستوى الوعي الانتخابي لدى المواطن بسبب عدم وجود مؤسسات تقوم بقياس آراء المواطنين، لكن بالعودة إلى الانتخابات السابقة في بعض البلدان فقد ذهب المواطن لانتخاب من يهمّه عشائريا أو حزبيا وهنا تم انهاء دور النُخَب".

أضاف قاسم" مع ذلك فإن بعض المواطنين قد عرف أكثر الشخصيات المهمة التي باستطاعتها تحريك الساكن من الأمور الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ثم بدأ هؤلاء يفرقون بين البرامج المهمة التي تهم المجتمع ولا يكتفون بالوجوه، وهذا النوع من المواطنين هو حجر الأساس في العملية السياسية وفي البناء".

موضحاً" ان مهمة رفع الوعي الانتخابي لدى الجمهور تقع على الكثير من المؤسسات والهيئات مهما كان حجمها ودورها وأولها ذات المواطن نفسه، وما يراه بجانب مصلحته وأسرته، كذلك مؤسسة المدرسة والدوائر والأماكن الرياضية التي يكثر فيها الجمهور، وكذلك على المؤسسات المدنية أن تقوم بواجباتها الوطنية من خلال طبع المنشورات والمطبوعات لبيان أهمية الانتخاب ودور المواطن المشارك في نقل المجتمع من حال إلى حال". 

ولا نغفل مهمة وسائل الإعلام الرصينة في توعية المواطن لمتابعة حقه الدستوري واختيار المرشح المناسب بعيدا عن الوعود الوهمية وذلك للوصول إلى أقصى فائدة من هذه العملية ، ولا بأس من إقامة الندوات في المدارس والدوائر والأماكن ذات الكثافة السكانية، من خلال محاضرين جيدين مهمتهم توعية المواطن والتأكيد على ضرورة الاشتراك في الانتخابات".

ضرورة الوعي الانتخابي للفرد

المستشار القانوني عزيز ناظم عبد أفاد بأن" موضوع الانتخابات من أهم المواضيع التي يخوضها المجتمع العربي حاليا، أما ما يخص ارادة الناخب ووعيه فالدول التي خاضت التجربة الديمقراطية قد مرّت بمراحل وعي وثقافة نحو اختيار مرشحيها في الانتخابات، وما نتمناه هو أن يتصاعد الوعي عند الفرد بنفس مستوى هذه الشعوب خاصة وأننا مررنا بعدة تجارب ودورات انتخابية سابقة، يجب أن تؤهلنا لتأسيس ارادة واعية عند اختيار المرشحين سواء كممثلي برلمان او مجالس محلية وغيرها".

واستدرك عزيز "من الممكن أن ننقل تجربة الدول الناجحة في موضوعة الانتخابات كما فعلت حينما أسست منظمات مجتمع مدني بأشكالها المتنوعة، وهذه المنظمات هي التي ساقت الفرد للاختيار الأمثل والصائب، ومن الممكن من خلال هذه الفئة الواعية ان يتم تثقيف وتوعية باقي المجتمع الى الاختيار الأمثل لأشخاص يخدمون البلد وقادرين على وضع أسس وقوانين توفر متطلبات الحياة الكريمة".

دَور مفوضية الانتخابات ومهامها

مسؤول الاعلام والعلاقات في مكتب كربلاء الانتخابي حسين العامري تحدثَ عن أساس وجود المفوضية الانتخابية قائلاً "یتمثل دور مفوضية الانتخابات في تحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة، وهذا هو الهدف الأساسي لإنشاء المفوضية، وبالنسبة للعراق فإنه قد مرّ بمرحلة وتجربة جديدة تتمثل بإفراز القيادات السياسية عن طريق صناديق الاقتراع، ولذلك كان من أهم أهداف المفوضية في هذه المرحلة هو نشر الوعي الانتخابي مع انها ليست مسؤولية المفوضية فقط وإنما هي مسؤولية تكافلية لكافة أفراد المجتمع والمؤسسات."

أضاف العامري "وضعت المفوضية خططاً في هذا الجانب تضمنت التعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والدوائر الحكومية وقادة الرأي والشخصيات لنشر هذا الوعي، عن طريق المطبوعات واللوحات الدعائية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وإنشاء موقع الكتروني وغيرها من الوسائل، ولكن بالتأكيد لا يمكن للمفوضية أن تحقق الوعي الانتخابي الكامل إلا بتكاتف جهود المجتمع المدني مع المفوضية ونحن سائرون في هذا الطريق ولدينا تنسيق مشترك مع كافة الفعاليات الاجتماعية والرسمية."

واستدرك "هناك مسألة حساسة تتمثل بإسقاط الأداء الحكومي على المفوضية لذلك فإن ردة الفعل في الشارع تجاه المفوضية غالباً ما تكون مبنية على هذا الأساس وهي بالتأكيد ردة فعل سلبية، لما يمر به المجتمع من صعوبات كثيرة لم يتم تداركها او إيجاد الحلول المناسبة لها، ومن هنا فنحن نحاول أن نُفهم الرأي العام ان المفوضية هي قناة تمر عبرها الأصوات الانتخابية لإفراز الفائزين، وهي غير مسؤولة عن هؤلاء الذين سيتصدون للمسؤولية انما مسؤولة عن صيانة وتنظيم أصوات الناخبين والعمليات الانتخابية فقط".

 

 تحقيق: سلام الطائي- صباح الطالقاني

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة