لحظة صمت ..

السلام على سيدتي زينب الكبرى  .. السلام على من ناصرت الحسين في جهاده و لم تضعف عزيمتها بعد استشهاده .. السلام على من تجمعت عليها المصائب و الكروب و ذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب .. السلام على الحوراء ما باقي الدهر و ما أشرقت شمسُ و طلع بدرُ.. السلام على أم المصائب زينب ..  السلام على الغريبة في كربلاء ورحمة الله وبركاته ..

اللوحة اعلاه جاء بها التشكيلي " عبد الحميد قديريان " مكملة لأخريات من جنسها في احدى معارضه الشخصية التي اطلق عليها تسمية " سماء كربلاء " والتي عرض فيها الفنان واقعة الطف وثورة الحسين بلوحات متعاقبة الاحداث وصولا الى استشهاد الحسين عليه السلام في العاشر من محرم الحرام وما حل بعياله واصحابه من بعده .

انجز التكوين اعلاه بأسلوب عاشورائي متميز عن باقي الاساليب والاعمال الفنية التي تناولت قضية الطف وما مر به اهل البيت صلوات الله عليهم، حيث اتى الفنان بها بملامح مميزة ، كان من ابرزها القدرة على التعبير الحر عن الاشكال ومضمونها، معتمدا اسلوبا تقنيا خاصا كمزيج من الواقع والخيال ، لينتج نصا بصريا اصيلا ينتمي بجذوره الى الموروث الاسلامي الحسيني الذي يشكل حيزا كبيرا من اسلوب الفنان الخاص وتكوينه ليحتل مساحة لائقة في خط التشكيل المعاصر اليوم.

يمثل العمل علامة  دالة لمأساة الطف وأحداثها الأخيرة بعد حرق خيام ال بيت النبوة عليهم السلام ومناصريهم ، فقد تم تنفيذ العمل بإنشاء مفتوح يستحضر البنية المكانية الواقعية لعصر عاشوراء ، مما أستدعى الرسام لاستحضار البنية اللونية التي تختص بجغرافيتها واجوائها الحزينة وتمثلاتها ببقايا الخيام المحترقة وسط الصحراء  ، فأقام تدرجا لونيا ما بين الغامق والفاتح حتى نقاط التلاشي في خط الأفق ذي اللون القرمزي من اثر النار المستعرة في ما تبقى من الخيام و ليظهر عمق الصحراء وسعتها.

أختار الفنان أن يضع نقطة الارتكاز الرئيسية في المقدمة اليمنى للعمل وجعل منها عنصر شد بربط ما بين عناصر اللوحة الاخرى في العمل. واستنادا للتمثيل الواقعي للعمل فقد تم استحضار شخص السيدة رقية بنت الحسين عليهما السلام وهي ترتمي في احضان عمتها زينب ارواحنا لها الفداء لتكون محور العمل الرئيسي أو فكرته.. فعمد إلى تحديد شخوص العمل الفني بخطوط واضحة وبحركات الفرشاة المتموجة والألوان الفاتحة والغامقة باستخدامه الظل والضوء ليعطي أحساس بالرياح وحرارة الاجواء من شدة السنة النيران ورمال الصحراء من تحتها  ، ويلاحظ طريقة بناء الرموز العقائدية من حيث الأزياء ، فالملابس فضفاضة تغطي الجسم بأكمله ويجب أن لا يظهر أي جزء منه حتى  كفوف اليدين. ولغرض مطابقة الشكل لمضمونه باعتبارها (عليها السلام ) بطلة كربلاء ، تم بناء الرمز على شكل كتلة لونية ضخمة مشيرا بها الى محنتها وفاجعتها وهي تحتضن ابنة اخيها وتنعي أخويها وهي على الاستعداد للتضحية.

أما فضاء اللوحة العلوي المتمثل بالسماء الزرقاء ففيه علامة تشير إلى استشهاد الأمام الحسين واخيه ابا الفضل (عليهما السلام ) واصحابهما بدلالة رمزية شكلت دلالة واضحة للمتلقي على حضور تم تصويرها بهيئة نورانية شفافة ككتل ضياء تتساقط من السماء، بناء على ما تفرضه المرجعية العقائدية والتاريخية .

حرص الرسام جاهدا لنقل المتلقي إلى أرض المعركة وجوها النهائي عن طريق بنائه للفضاء المفتوح والأرض المحترقة الواسعة التي خلت إلا من بقايا اعمدة الخيام وأجساد الموتى والدروع والسهام المنثورة فوقها ، واستخدام الرسام اللون الأحمر والاصفر  ودرجاتهما في تمثلات النار والافق الممتد الى قلب السماء ليوائم الحالة النفسية لتلقي العمل وعلاقتها بالموضوع ، وقد شكل اللون الازرق السماء العالية للاقتراب من الأرواح السماوية المتمثلة بالملائكة ومواساتهم لجبل الصبر السيدة زينب (عليها السلام ) ، فضلا عن أرضية العمل الفني التي تشع من خلالها بقية الألوان المستخدمة في العمل ( الأحمر، الأزرق، الأخضر والبني القاتم ) والتي عن طريقها تشكلت مراكز بصر منتشرة في ارجاء اللوحة  مما جعل من البنية اللونية ان تكون دافعا لتشكيل علاقة رابطة لكل فكرة العمل مع محور العمل المتمثل بالسيدة زينب بنت علي عليهما السلام التي اقتضت قدرة الجليل الاعلى ﺃﻥ ﺗﻠﺘﺤﻖ ﺑﺮﻛﺐ ﺃﺧﻴﻬﺎ ابي عبد الله ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ( ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ) ﻟﺘﺴﺘﻜﻤﻞ ﻣﺴﻴﺮﺓ ثورته ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﻴﺔ ﺑخروجه لكربلاء ، فأتى خروجها لكربلاء بقرار ﺇﻟﻬﻲ ﺃﺭﺍﺩ ﻓﻴﻪ جل شأنه ان تكون ﺷﺎﻫﺪﺓ حاضرة في ازمة جديدة مكملة بل وتفوق ﺍﻷ‌ﺯﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺮﻳﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻬﺎ ﺍﻟﺰﻫﺮﺍﺀ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ رسول الله صلى الله عليه وآله ، و ﻣﺤﻨﺔ ﺃﺑﻴﻬﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴن عليه السلام حتى لَحِقَت هذه السيدة العظيمة بالرفيق الأعلى بعد توالي مصائب ونوائب الدهر الخؤون عليها .. وهذا ما ابدع بإيصاله رسام هذه اللوحة في ترك المشاهد ليتأمل عقيلة الهاشميين وهي شامخة كالجبال امام اعظم فاجعة عرفتها الانسانية جمعاء.

اعظم الله لنا ولكم الاجر بذكرى استشهاد بطلة كربلاء السيدة الصبورة زينب الحوراء بنت امير المؤمنين عليهما السلام ..

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة