الدعـاء ..

 التعبيرية في الفن .. طريقة يجسد بها الفنان أفكاره و مشاعره بشكل فني ، ويرى مرتادو ومحبو هذه المدرسة الفنية  أن الفن كله ينتمي الى الحدس و التعبير ..

 حيث يحاول الفنان من خلال عمله الابداعي أن يعبر عن عاطفة معينة ، وهي قائمة على مذهب المنفعة العامة و التركيز على الفعل و صرخة الإنسان ضد البيئة والإفصاح عن المشاعر بلغة تلقائية دون التقيد بالتعليمات المدرسية و الأكاديمية و تتميز بالانفعال الإنساني وقد ركزت على دراسة الاجسام ورسمها والمبالغة في انحرافات بعض الخطوط أو بعض أجزاء الجسم وحركته، وهي بهذا تقترب في بعض الأحيان من الرسوم التوضيحية او الكاريكاتور كما هو حال المنجز الابداعي الموضح اعلاه والذي ابدع في تكوينه الفنان التشكيلي العراقي سعد الطائي معنونا اياه ب " الدعاء " .

ينتمي الفنان التشكيلي سعد الطائي الى الجيل الخمسيني في التشكيل العراقي الذي أنجب عشرات التشكيليين العراقيين المبدعين والذين اثروا المشهد التشكيلي العراقي بالعديد من الأعمال المتميزة، وقد شاعت أعمالهم في مختلف دول العالم  ومتاحفها .

ولد الطائي في مدينة الحلة عام 1935م وبدأ اهتمامه بالفن مذ كان طفلاً، وبعد التحاقه بالمدرسة اكتشف معلم مادة الرسم موهبته فأهداه مواد تلوين وطلب منه مرة أن يري لوحاته الى مدير المدرسة الذي كان بدوره مهتما بالرسم كثيرا ، وبعد أن أعجب بها ألحق الطائي بمرسم المدرسة الذي ساعده في صقل موهبته من خلال مراقبته للطلبة الذين يرسمون فيه ، حتى بدأت رسوماته تشارك في المعارض المدرسية حتى تطورت ملكته في الرسم ليرسله والده الى ايطاليا عام 1952 م ليدرس الفن على حسابه الخاص ، وبقي هناك خمس سنوات متواصلة كما درس هناك بالإضافة إلى الرسم فن السيراميك وتقنية سك النقود وقد حصل على الكثير من الجوائز الابداعية .

في عام 1965 رافق سعد الطائي الفنان التشكيلي حافظ الدروبي في معرض مشترك جال عدة مدن في اوروبا ونال في وقتها استحسان وقبول المتلقين هناك.

الشكل الفني اعلاه يتكون من سبع نساء يَرتدين العباءة العراقية ، وهي من الأزياء الشعبية البغدادية القديمة وقد اتخذت الأشكال خطوطاً عمودية بفعل حركة النسوة الواقفات للدعاء ، وقد استُخدمت فيها الألوان الغامقة للعباءة التي توحي بأشكال النسوة مع ضربات من الألوان الفاتحة والتي توحي بشكل حركة اليد المرفوعة للأعلى للدعاء و الابتهال الى البارئ عز وجل .

استخدم الفنان الأرضية والخلفية باللون الفاتح مما أدى إلى إحداث فضاء هائل ما بين الكتلة والمحيط وقد خلق بذلك تجاوباً مؤثراً للمتلقي مع الهيأة البشرية فضلاً عن تأكيده على الفضاء والذي يوحي بأنّهن داخل مسجد أو ضريح أحد الأئمة لإجراء هذه المراسيم ، فضلا عن استخدام الفنان لتقنية خاصة بالتلوين حيث جعل الاشكال توحي للناظر بأنها من الاتجاه التكعيبي لكنها تمّت بطريقة التقطيع اللوني ، حيث تداخلت الألوان مع بعضها البعض بطريقة أَوحَت بوجود القِباب والأقواس والمنحنيات داخل المكان .

لو امعنا النظر من خلال اتجاه أيدي النسوة ورؤوسهن إلى اليسار لأحسسنا بانتقال انظارنا إلى خارج العمل الفني ، ولكن خبرة الفنان دفعته الى وضع بقع لونية داكنة على يسار العمل الفني ليخلق ثُقلاً بصرياً  يوازي به الفضاء المفتوح في يمين العمل الفني مما يُعطي إحساساً بالتوازن بفعل المساحة اللونية الفاتحة على اليمين ، وقد استخدم الفنان اللونين الأوكر الفاتح والبنفسجي الفاتح وتدرّجاتها لملء المساحات داخل العمل الفني مع استخدام البُنّي الداكن للعباءة  ، وايضا نلاحظ انعدام الظل للهيئات البشرية في ذلك الفضاء .

عمد الفنان الى رسم شخوصه بالألوان دون الخطوط وقد أعطى للخلفية ألواناً هادئة ، وقد اتخذ الفنان أسلوباً خاصاً في بناء شخوصه داخل هذا العمل الفني وباقي اعماله الابداعية الاخرى بشكل عام وهي مستوحاة من المواضيع الشعبية والريفية والفلاحين وسُفن الصيد والمجاميع الكادحة من البشر، حيث أنه ينظر بخصوصية نحو شخوصه المنفردين .

جسّد الفنان في اغلب مواضيعه المرسومة الواقع بشكل مختزل وبتبسيط للأشكال ، فقد رسم الكثير من المواضيع الواقعية وعالج الكثير من مفردات الحياة اليومية . ونلاحظ في هذا العمل أن الفنان قد أعطى للسطح التصويري مَدياته الواسعة حيث ملأ فضاءات اللوحة بالشخوص والأشكال والألوان والضوء المُنعكس على الأجسام مما أضفى قيماً جمالية عالية للأشخاص ومن ثم للتكوين بشكل عام   .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة