اشار ممثل المرجعية الدينية العليا خلال الخطبة الاولى لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف، بتاريخ 3/3/ 2017 ان هنالك اسرار عظيمة للسيدة الزهراء عليها السلام وعلاقة وثيقة بينها وبين ليلة القدر.
وقال السيد أحمد الصافي " أنّ حياةَ الزهراء (عليها السلام) حياة خاصة، وهذه الحياة رغم قصرِها الزمني، باعتبار أن عمرها (عليها السلام) كان عمراً زمنياً قصيرا، لكنها تحمل أحداثا مهمة جدا سواء كانت تاريخية أو مرتبطة بالعقيدة، أو أحداثاً ما قبل الخلقة التكوينية ولكل واحدة منها تفاصيل مختلفة ومتعدّدة".
واضاف "إن الحديث عن الزهراء (عليها السلام) هو حديثٌ طويل، والأشياء لا تؤخذ بمقدار العمر الزمني، وإنما تُلحظ بمقدار العطاء والإحسان والأثر"، مبينا "لعلّنا ذكرنا سابقاً وقلنا أن ضربة أمير المؤمنين (عليه السلام) في واقعة الأحزاب عندما أصبحت المعركة معركة مصيرية ما بين الإيمان والكفر، وتقدّم فارس الكفر في ذلك الوقت وعبر الخندق وبدأ يتحدى المسلمين؛ فالعمر الزمني لهذه الحادثة بعض اليوم، ولكن عندما تقدّم أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنهى موضوع هذا المتحدي، لم تكن هذه المسألة زمنية مسألة طويلة، فالرسول (صلى الله عليه وآله) ذكر قبلَ أن يبرز أمير المؤمنين (عليه السلام): (برز الإيمان كله أمام الشرك كله)، وبعد أن تمكن أمير المؤمنين من قتل هذا الفارس (عمر بن ود العامري)، فالنبي قال: (ضربة علي يوم الخندق تعادل عمل الثقلين)".
واشار "اذا المقياس ليس بالعمر الزمني؛ وإنما بتأثير الحدث وما له من آثار مستقبلية".
واستعرض السيد الصافي خلال الخطبة اكثر من مورد عن عظمة شخصية الزهراء جاء في المورد الاول "نحن نعلم أن الأسماء قد تأتي من غير مناسبة، بمعنى أن الاسم شيء والمسمى يكون شيء آخر، والإنسان قد يسمي ولده مثلاً (كريم)، ولكن الولد لا يكون كريماً، وهذه الأسماء المتعارف عنها أنها لا توجد مناسبة بين هذه الذات وبين الاسم الذي نطلق عليها، نعم أن الإنسان يسمي ولده على اسم شخص يحبه، على تسمية والده أو جده أو صديقه، ولذلك يقولون أن الأسماء الشخصية هي أسماء ارتجالية، فطبيعة الأسماء هكذا، لكن عندما نأتي إلى بعض الشخصيات نرى أن القرآن الكريم هو من تبنى أن يتدخّل في قضية الأسماء".
واردف في حديثه "في قضية يحيى (عليه السلام)، فالقرآن الكريم عندما يتحدث: (لم نجعل له من قبل سميّا)، فهذا الاسم كما أنه ولد بالإعجاز من زكريا (عليه السلام) كذلك فهذا الاسم كانت له عناية خاصة، ولكن الاسم كان يفترض أن يسمّى مثلما اتفق، لكن هذه العناية الخاصة تدل على أن المخلوق فيه شأنية محببة".
وبين ان " نبي الله عيسى (عليه السلام) عندما كان يبشر بالنبي الذي من بعده كان يقول اسمه (أحمد)، فاذن هذا الاسم له عناية وإلا يمكن يعتمد على بقية الأوصاف، ولكن عندما يتدخل ويذكر الاسم معنى ذلك أن هنالك عناية خاصة في هذه القضية"
ونوه السيد الصافي ان "الأمر تكرر أيضاً مع الزهراء (عليها السلام)، فهذا الاسم وهو اسم (فاطمة) فهو لم يكن وليد قضية ارتجالية، وإنما هذا الاسم، توجد مناسبة ما بين هذه الأحرف وما بين وظيفة أُعدت لها الزهراء (عليها السلام)، فالاسم يفترض أن يكون اسماً عفوياً أو ارتجالياً، ولكن عندما تكون بعض الأسماء محط عناية، فهذا الاسم له علاقة بالوظيفة الذي جاء بها هذا الشخص سواء كان نبياً أو كان شخصية معظمة كالزهراء (عليها السلام)"، مبينا "فهي بهذا العمر القصير فلاسمها شأنية محددة تستوجب منا معاشر المسلمين أن نركز على هذه الخصوصية التي جاءت بها الزهراء (عليها السلام)، فلماذا سمّيت فاطمة بهذا الاسم؟.. وهل هذا الاسم قضيّة ارتجالية؟".
واجاب السيد الصافي على السؤال الذي طرح اعلاه "قطعاً أن النبيَّ لا يسمي الاسم ارتجالاً، ولكن التركيز على الاسم له علاقة في بعض الحالات بطبيعة الوظيفة، فنحن لا نعرف شخصاً أكثر من النبي (صلى الله عليه وآله) يحمد الله تعالى، فعندما نقول أحمد معنى أن الاسم مرتبط في قضية الحمد والثناء على الله (تبارك وتعالى)، معنى أن الاسم كان قبل أن يولد بشكل رسمي من عبد الله وآمنة (عليهما السلام)، وهذه الأسماء أسماء مهمة، والزهراء (عليها السلام)، دخلت هذا المدخل، فلم يكن اسم فاطمة ارتجالياً أبداً، حيث يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله): (شقّ اللهُ لكِ يا فاطمة اسماً من أسمائه، فهو الفاطر وأنتِ فاطمة)".
واشار "طبعاً قد يُشكل بعض الأخوة المختصين بعلوم اللغة العربية عن ما هية المناسبة ما بين فاطر وفاطمة، فهو على نحو الاشتقاق يجب أن تكون جميع الحروف موجودة بين المشتق والمشتق منه، ولكن بعض النحويين يقولون أن الاشتقاق الأكبر لا يشترط فيه ذلك وإنما أغلب الحروف موجودة، وهذا فاطر وهذه فاطم أو فاطمة، موضحا "أمّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فيقول: (إنما سميت فاطمة، لأن الله فطم من أحبها عن النار)، وهنا أمير المؤمنين في مقام أن يفتخر وهو أعظم شخصية بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذه الفضائل الكثيرة التي فيه، فهو يفتخر أنه كان زوجاً لفاطمة (عليها السلام)، لأنه مجرّد هذا الاسم وهذه الذات هي في محل خاص، وهنا يطل علينا أمير المؤمنين (عليه السلام)، من زاوية الاسم بهذا النحو، حين يقول (الله فطمَ) والفطام يعني القطع، كأن نقول فطمت الرضيع أي قطعته عن الرضاعة، فعن أي شيء فطم فاطمة، قال: (فطم من أحبّها عن النار)".
وبين ممثل المرجعية العليا "عندما نأتي إلى شخصية فاطمة في هذه المدة، نجد أن هذه العناية من النبي والأئمة بقضية اسم فاطمة، فهذا يعني: يا معاشر المسلمين هذا الاسم له شأنية كبيرة فلاشكّ أن المسمى به وهذا الكيان له شأنية كبيرة، وهذا يستدعي منا أن نتفش عن هذه الأهمية العظمى في فاطمة".
وسلط السيد الصافي في المورد الثاني من الخطبة الضوء على حديث الإمام الصادق (عليه السلام) بحق امه الزهراء قائلا "ايضاً عرّج الإمام الصادق (عليه السلام) على ذكر الزهراء (عليها السلام) من جانب آخر، فيقول في حديث: (فمن عرفَ فاطمة حقَّ معرفتِها فقد أدركَ ليلةَ القدر)، فما هو الربط بين فاطمة وليلة القدر؟
واستدرك ان "الإمام الصادق (عليه السلام) يتحدّث عن جدته فاطمة (عليها السلام) وعن قضية تكوينية (ليلة القدر)، موضحا ان هذه الليلة فيها جانب تشريعي كبير، لأن الله جعلها ليلة فيها أعمال خاصة، والذي يدرك ليلة القدر كأنه فاز بالقدح المعلّى".
واجاب السيد الصافي على تساءل جاء فيه " فما هو الربط بينَ عرفان فاطمة (عليها السلام) وإدراك ليلة القدر؟، موضحا "أن ليلة القدر في أغلب الروايات الشريفة أنها ليلة مجهولة، وهذه الليلة بحيث يأتي شخص إلى الإمام الصادق ويسأله هل هي ليلة الواحد والعشرين من رمضان أو هي ليلة الثالث والعشرين، والإمام (عليه السلام) لا يجيبه جواباً عن تحديد هذه الليلة، ولكن يقول له ما أيسر ما تطلب في ليلتين، فأبقى السائل على ما أراد وما يجهل، ولكن الإمام بيّن له أن في ذلك مصلحة لك، وهو ما أيسر ما تطلب من الله في ليلتين أي أن الشيء الذي تطلبه هو شيء عظيم إذا ما أدركته بتمام ما مطلوب منك، فأنت جئت بشيء قليل إزاء شيء عظيم ستطلبه من الله، فليلة القدر هي ليلة مجهولة بكنهها، والزهراء كذلك!".
واكد ان "هذه المرأة الطاهرة المرضية في كنهِ ما تقول هي مجهولة، وإلا ما هي العظمة التي عند الزهراء عندما تستشهد (عليها السلام) ويأتيها الحسنان ويدخلا عليها ويبكيان ثم يأتي أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول له جبرائيل يا علي نحِّ الحسنين فقد أبكيا والله ملائكة السماء، فمن يعرف قدر الزهراء؟".
واردف ان "الإمام الصادق يشير إلى أن من يعرف قدر فاطمة (عليها السلام)؛ قد عرف ليلة قدر، باعتبار أن جهة الاشتراك أن قدراً عظيماً لفاطمة كما هو القدر العظيم لليلة القدر، ولذلك تصلح هذه العلاقة ما بين الزهراء وليلة القدر، وهذا احتمال".
موضحا ان الاحتمال الآخر "أن في ليلة القدر يفرّقُ كل أمر حكيم، والزهراء كذلك كانت مائزاً بين الحق والباطل، فإذن الزهراء هي مقياس كما ليلة القدر التي نزل فيها القرآن وهو مقياس لما يصح وما لا يصح لحق وباطل، مشيرا ان الزهراء كذلك هي فارقة بين الحق والباطل، ولذلك كما قلنا أن الروايات الشريفة تهتم بقضية الزهراء (عليها السلام) رغم العمر القصير الذي عاشته".
واختتم السيد الصافي خطبته بطرح احتمال ثالث جاء فيه "هنالك احتمال ثالث أن ليلة القدر قد حوت على جميع البركات، لأنها ليلة (خيرٌ من ألف شهر) وكل هذه الأشهر هي أشهر خير ولكن ليس فيها ليلة القدر، أما ما هو خيرها أو مددها، والزهراء كذلك، كما كانت ليلة القدر وعاءً لأن ينزل فيها الخيرات (كتاب الله) فالزهراء (عليها السلام) هي وعاء الإمامة وهي (عليها السلام) كانت ظرف أن تستقر فيها الإمامة، وهي كانت واسطة لانتقال الإمامة عن طريق أبيها النبي (صلى الله عليه وآله) فإذن هنا ملجأ وظرف زماني للبركات، وهذا ظرف مكاني لكل الفيوضات الإلهية وهي الإمامة."
علي الشاهر
تحرير" ولاء الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق